قطارات تطفو على سطح القمر.. بسكك مرنة قابلة للطي
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
منذ بدء العمل على مشروع "أرتميس" الجديد الذي سيعيد الإنسان إلى سطح القمر خلال السنوات القليلة القادمة بصفة دائمة وليس عبر زيارة فحسب، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عن تمويل ستة مشاريع مبتكرة تساعد على استقرار البشر في تلك البيئة القاسية، ومن ضمن تلك المشاريع بناء قطار بمواصفات استثنائية على سطح القمر لتسهيل الحركة ونقل المواد.
ويهدف المشروع الذي يُطلق عليه "الارتفاع المرن على المسار"، إلى استخدام روبوتات لتوصيل مواد تزن 100 طن يوميا من نقطتين مختلفتين. ووفقا للفريق الذي يقف وراء المشروع، فإنّ هذا من شأنه تعزيز استقلالية سير خط العمل ونقل المواد المستخرجة من القمر إلى نقاط التخزين.
وعلى نقيض ما هو على الأرض، فلن تُستخدم سكك حديد ثابتة على سطح القمر، بل سيعمل المهندسون على بناء مسارات طويلة ومرنة يمكن استخدامها مباشرة على أرض القمر الوعرة، لتتميّز هذه السكك بخاصية الطي وتغيير موقعها متى اقتضت الحاجة.
وعند وضع السكك في مسارها المعني، ستندفع الروبوتات بالسير بفضل القوّة الكهرومغناطيسية التي سيولّدها المسار، وبوجود المغناطيس الذي تحتوي عليه الروبوتات، فإنّها سترتفع عن خط المسار وستُحدث الحركة دون أيّ احتكاك.
ويشبه ذلك المبدأ الذي تعمل عليه القطارات المغناطيسية المعلّقة، وهي تقنية تعتمد على المجالات الكهرومغناطيسية دون الحاجة إلى مصدر طاقة، ومثل هذه القطارات المعلّقة باتت موجودة بعدة أماكن في شرق آسيا، مثل قطار شنغهاي المعلّق في الصين.
وسيحتوي مسار السكة المبتكر على ثلاث طبقات لتحقيق المهام المطلوبة على سطح القمر وهي:
طبقة من معدن الغرافيت، وهو موصل كهربائي يمكّن الروبوتات المغناطيسية من الطفو والارتفاع فوق المسارات. طبقة دائرة كهربائية توّلد قوّة دفع كهرومغناطيسية لتحريك الروبوتات على طول المسار. وطبقة أخيرة اختيارية تحتوي على ألواح شمسية تعمل على تزويد المراكز والقواعد بالطاقة عندما تكون السكك في الجانب المواجه للشمس.وتخطط ناسا للعودة إلى القمر في غضون عامين، بالنظر إلى مدى جاهزية المركبة الفضائية "أوريون" التي ستحمل على متنها روّاد الفضاء إلى هناك، والتي اتضح مؤخرا أنّها تواجه مشاكل تقنية عديدة.
ويهدف مشروع "أرتميس" إلى الهبوط على سطح القمر في القطب الجنوبي منه، في حوض "أبولو" على وجه التحديد، والذي يعتقد العلماء بأنّه يحتوي على كميات وفيرة من الماء المجمّد داخل الفوهات التي لا يصلها ضوء الشمس إطلاقا.
ووفقا للمدير المساعد لتطوير أنظمة الاستكشاف في ناسا "جيم فري"، فإنّ الوكالة تهدف إلى بناء عدّة مستوطنات وقواعد قمرية متوزعة، وهنا تبرز أهمية تلك السكك التي ستساهم في ربط هذه النقاط معا.
ولا يقتصر الأمر على أميركا فحسب، بل إنّ وكالات الفضاء الأخرى في الصين وروسيا دخلت السباق بالفعل ببناء مستوطنات على سطح القمر، ويعكس النشاط الفضائي مؤخرا النوايا الجادة للصين في إبراز مكانتها في مجال استكشاف الفضاء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات فضاء على سطح القمر
إقرأ أيضاً:
تصويب المسار لتعزيز الهُوية
د. صالح الفهدي
تلقَّيتُ بسعادةٍ بالغةٍ الوثيقة التي حملت توجيهات مجلس الوزراء المُتداولة بإلزامية استعمال اللغة العربية في وحدات الجهاز الإداري والشركات المملوكة للحكومة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والمؤسسات والجمعيات الأهلية.
تحدَّثتُ كثيرًا، وكتبتُ كثيرًا في هذا الاتجاه المُقلق مؤكِّدًا عن أنَّ اللغة هي قلبُ الهوية، فإن تضعضعت، وضعفت فسلامٌ على الهوية!، وحيث إنَّه قد "بلغ السَّيلُ الزُّبى" في (تعمُّد) خلط الأجنبية بالعربية، بل وفي التحدث مطلقًا باللغة الأجنبية وتفضيلها على العربية، وفي كثرة اللاَّفتات التجارية ومسمِّيات الأماكن باللغة الأجنبية حتى باتت العربية ترثي نفسها بقولها على لسان شاعر النيل حافظ إِبراهيم:
رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي // وناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني // عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي
ومن المُؤسف لم يُدرك كلَّ من يفضِّلُ التحدث بالأجنبية بإِطلاقٍ، أو بخلط المفردات أنه يتجنَّى على نفسه، وعلى أمته، وعلى تاريخه، يقول أحمد حسن الزيات في كتابه "وحي الرسالة": "إن من هوان نفسك عليك وإهانة جنسك في الناس أن تتكلم غير لغتك في بلدك وبين قومك من غير ضرورة ولا مناسبة، فإن ذلك إن دل َّعلى شيء فإِنَّما يدل على عدم استقلالك في خليقتك وعقيدتك ونمط تفكيرك وأسلوب عملك".
لقد جاءت التوجيهات لتصوِّب المسار نحو تعزيز هويَّتنا العربية الأصيلة، ولتعيد إليها اعتبارها، على إِثر التحديات التي تواجه اللغة العربية في ظل العولمة والتَّعدد اللغوي، والتيارات الجارفة لتنميط الإنسان، واقتلاعه من جذوره، وتسعى إلى ترسيخ مكانتها في الخطاب الرسمي والمجتمعي، بما يعزِّز الهوية الوطنية ويصون الإرث الثقافي العُماني.
إن هذه التوجيهات لها أَثرٌ عظيم في مختلف الصُّعد، ومن ذلك:
أولًا: تعزيز الانتماء الوطني: فاستخدام اللغة العربية في الفضاء العام والمجال الرسمي يعزِّز من شعور المواطن بالانتماء لوطنه العربي اللِّسان، وثقافته وتاريخه، ويُكرِّس الهوية الوطنية إزاء التحديات الثقافية الخارجية.
ثانيًا: حماية اللغة العربية من التهميش: وهذا ما هو حادثٌ فقد ذكرتُ أنني حضرتُ أحد المعارض الطلابية كنتُ فيها ضيفًا ضمن مجموعة من الضيوف وكلنا عمانيون، وكان الطلاب أصحاب المشاريع عمانيون أيضًا في حين كانت لغة تواصل الطلاب مع راعي المناسبة ومع الضيوف بالإنجليزية!! لهذا تأتي هذه التوجيهات لإعادة البوصلة، خشيةَ التهميش المستمر، والتراجع المتزايد في استخدام العربية، خصوصًا في التعليم العالي وقطاعات العمل التي باتت تعتمد بشكل مفرط على اللغات الأجنبية.
ثالثًا: ترسيخ السيادة الثقافية: إنَّ من المعلوم أنَّ اللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل هي وعاء للثقافة والهوية؛ وعلى إِثر ذلك فإنَّ الدولة تعيد الاعتبار لسيادتها الثقافية المتمثلة في لغتها الأُم، وتعزِّز من قدرتها على حماية خصوصيتها الحضارية.
رابعًا: تيسير الوصول والمعرفة للمواطنين: إذ عندما تُقدّم المعلومات والخدمات باللغة الأم، عندها يكون من الأسهل للمواطنين فهمها والتفاعل معها، ما يرفع من كفاءة التواصل بين الدولة والمجتمع.
خامسًا: تشجيع القطاعات الخاصة على التحوّل اللغوي: فقد مثَّلت التوجيهات الحكومية نموذجًا يُحتذى به، ما يدفع بالشركات والمؤسسات غير الحكومية إلى تبنّي اللغة العربية طوعًا في تعاملها مع الجمهور.
الشاهدُ أنَّ هذه التوجيهات الصادرة من مجلس الوزراء والتي أثلجت الصدور تُعدُّ خطوة وطنية تصوِّبُ المسار نحو تعزيز اللغة العربية لتكون هي العماد المتين لهوية الأُمَّة العُمانية ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، مؤكِّدةً أنَّ الحفاظ على اللغة العربية ليس مجرد مسألة شكلية، بل هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية بناء الإنسان العُماني وتعزيز هويته؛ فاللغة هي عنوان السيادة، وحمايتها مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدولة والمجتمع.
رابط مختصر