لجريدة عمان:
2025-07-31@15:30:20 GMT

قراءة اللوحة

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

تناولنا في المقال السابق «قراءة القصيدة»، وقد نظن أنه لا صلة بين القصيدة واللوحة، ولكننا ينبغي أن تكون لدينا معرفة وقناعات فنية معينة قبل أن نكون مؤهلين لتلقي اللوحة أو القصيدة، وفهم الصلة بينهما، ينبغي أن نستبعد تصورنا للشعر باعتباره فنًّا زمانيًّا خالصًا، إن أول ما يتبدى لنا من صلة بين الشعر (الذي نظن أنه فن زماني خالص) وفن التصوير (الذي نظن أنه فن مكاني خالص)، إنما هو ذلك الترتيب المكاني للوحدات والعناصر التي يتألف منها العمل الفني في كليهما، وهذا الترتيب الذي يتبدى في اللوحة لأول وهلة، يتبدى لنا أيضًا في القصيدة من خلال ذلك التشكيل المكاني لأبياتها ومقاطعها الذي يصطنعه الشاعر عن قصد فني، وهذا الترتيب المكاني يفرض ذاته على الشاعر حينما يمارس فن إلقاء القصيدة باعتباره فنًّا قائمًا بذاته، يتجلى هذا الترتيب حتى في القصيدة التقليدية العمودية حينما تقسم البيت الشعري على نحو مخصوص، ولكنه يبلغ ذروة تجليه في الشعر الحديث حينما يصور القصيدة في شكل هندسي (وهو ما يُعرَف أحيانًا بالقصيدة الهندسية)، أو حينما يَعمد إلى استخدام فواصل ومسافات مكانية (لها طبيعة إيقاعية) بين الكلمات والسطور، هذا ما قلته في دراسة سابقة تُفصح عن الصلة بين الشعر والتصوير على نحو أكثر تفصيلًا، وهي دراسة بعنوان «القصيدة واللوحة»، فليرجع إلى ذلك مَن يشاء.

لعل أول ما ينبغي أن نلاحظه هو أن فن التصوير يُعنى بالتصوير من خلال استخدام الألوان، أو باستخدام الخط والتظليل وهو ما يُسمَّى بفن الرسم Drawing، ولأن اللوحة تنتمي عادة إلى فن التصوير باستخدام الألوان؛ فإنه يُطلق عليها الاسم نفسه الذي يُطلق على هذا الفن، وهو كلمة: Painting، ولهذا الفن مجالات عديدة، لكل منها خصائصه وأساليبه الفنية التي ينبغي أن نضعها في اعتبارنا حينما نشاهد لوحة ما، وهو ما سنوضحه في السطور التالية،

لعل فن تصوير المشاهد الطبيعية Landscape Painting هو أكثر الفنون التي تلقى قبولًا واستحسانًا عند المشاهدين، ولكن كثيرًا من المشاهدين ممن يفتقرون إلى الثقافة الفنية والجمالية لا يحسنون تلقي اللوحة أو قراءتها؛ لأنهم يظنون أن فن التصوير بوجه عام يقوم على التقليد، والحقيقة أن هؤلاء لا يفهمون معنى التقليد في فن التصوير وفي كل فن بوجه عام؛ لأن ما يُوجَد في الفن هو محاكاة وليس تقليدًا، والمحاكاة تعني «تمثيلًا لحقيقة شيء ما»، ويمكن أن نتخذ مثالًا توضيحيًّا من خلال فن تصوير المَشاهِد الطبيعية باعتباره الفن الذي يقوم في الأصل على محاكاة الطبيعة، إن هذا الفن بالتأكيد يبرهن لنا على أن الطبيعة كانت دائمًا مصدرًا يستلهمه الفنان ويتعلم منه على الدوام، ولكن من المهم أيضًا أن نلاحظ أن الفنان عندما يصور الطبيعة، فإنه لا ينقلها لنا كما هي في الواقع وإنما يضفي عليها رؤيته وتخيله الخاص، بحيث يحذف أجزاء من مشهد الطبيعة، ويضفي عليها مشاعره الخاصة من خلال التلاعب بالظل والضوء، ومن خلال إعادة تشكيل أجزاء الشكل الفني في صورة جديدة أو -على الأقل- صورة لها مذاق إبداعي إنساني خاص، وإن لم يتعلم القارئ ذلك لا يمكنه أن يُحسِن قراءة أية لوحة؛ لأنه ببساطة يتعامل مع اللوحة إذًا باعتبارها صورةً فوتوغرافيةً عاديةً؛ بل إنه لا يعرف حتى أن الصورة الفوتوغرافية نفسها هي عمل فني قائم بذاته؛ لأن المصور الفوتوغرافي الفنان يستطيع أن يبدع صورة فنية فوتوغرافية تكشف عن دلالة ما ورؤية فنية خاصة، وبحيث تبدو في النهاية كما لو كانت لوحة، وذلك من خلال توظيف الفنان لتقنيات التصوير من خلال لغة الكاميرا،

ومن الأمثلة المألوفة التي تنتمي لفن تصوير المشاهد الطبيعية ما يُعرف بفن التصوير الفلمنكي، وربما يكون هذا الضرب من الفن -الذي شاع في القرنين الخامس عشر والسادس عشر- مثالًا جيدًا هنا: إذ يحتفي الفنانون هنا في لوحاتهم بتصوير مباهج الحياة في الطعام والشراب، وفي الاحتفالات التي تبدو فيها وجوه النساء بحمرة الخدين وبالشعور بالسعادة.

وعلى نحو مشابه ينبغي أن نقرأ فن البورتريه، وإن كان على نحو أكثر تخصيصًا؛ نظرًا لأن هذا الفن يكون مكرسًّا غالبًا لتصوير شخصية بعينها، والحقيقة أن فن البورتريه قد يتبدى في تصوير لوحة كاملة للشخص أو لوحة نصفية تصور الوجه أو الجزء العلوي من جسد الشخص، لكن الخطأ الأساسي الذي يقع فيه مَن يفتقرون إلى المعرفة الفنية والجمالية هو أنهم يتصورون أن العمل الجيد الذي يدل على براعة الفنان هو براعة الفنان نفسها في تصوير مظهر وملامح الشخص بدقة، فالحقيقة أن الفنان المبدع لا ينشغل بمظهر وملامح الشخص، وإنما بروحه الباطنية التي تفصح عن نفسها في مظهره: قد تتبدى هذه الروح في حالة من الشجاعة أو الإصرار والعزيمة، وقد تتبدى في حالة من الشهوانية أو حب الحياة والاحتفاء بمباهجها (كما يتبدى في لوحات التصوير الفلمنكي)، أو في حالة الاستسلام التي تتعالى على شقاء هذا العالم من أجل عالم أخروي يعمه السلام والمحبة (كما في لوحات فن التصوير المسيحي). وإن شئنا مثالًا على ذلك؛ فلنتأمل لوحة تيشان Titian بعنوان «فروسية تشارلز الخامس»، إن ما يستولي على شعورنا وإدراكنا الفني والجمالي ليس هو تصوير الفنان لملامح الملك التي لا نعرفها ولا يكون مطلوبًا منا التحقق منها، وإنما هو روح الفخار والزهو التي تتبدى في هيئة الملك (الفارس) البطل، بل يدهشنا أيضًا تصوير الفنان لتلك الروح كما تتجلى في وضعية الجواد الذي يبدو وكأنه «يتمختر»، أي يرقص في مشيته معبرًا عن هذه الفرحة والزهو بالانتصار، ولكن رأسه في الوقت ذاته ينحني تحت رمح الفارس إيمانًا بفروسيته.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فن التصویر ینبغی أن هذا الفن من خلال على نحو الذی ی

إقرأ أيضاً:

هتوحشنا قوي ياحبيبي ... حمزة العيلي ينعي لطفي لبيب

نعى الفنان حمزة العيلي، الراحل لطفي لبيب، الذي غادر عالمنا صباح اليوم، الأربعاء، عن 77 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، معبرا عن حزنه الشديد لفقده.


كتب  الفنان حمزة العيلي في منشور علي صفحتة الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك 
وجعتنا ياعم لطفي قوي 
يارتني كنت جيتلك من بدري وشبعت منك شوية 
سامحني ياحبيبي و عمري ماهنسى كلامك لي آخر زيارة 
الله يرحمك ويسعد روحك الطيبة يا أستاذ ياعظيم يا بطل ياحر 
و يصبر الأسرة والأهل والأحباب ويصبرنا على فراقك يارب 
هتوحشنا قوي ياحبيبي في رعاية الله

دعواتكم الطيبة لهذا الإنسان والفنان العظيم عمنا لطفي لبيب

موعد ومكان عزاء لطفي لبيب
يقام عزاء الفنان لطفي لبيب  غدًا الخميس في قاعة كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة، وذلك من الساعة السادسة وحتى العاشرة مساءً.

وفقدت الساحة الفنية اليوم أحد أبرز نجومها، ممن أثروا الشاشة بأدوارهم المتقنة وحضورهم الإنساني المميز. تمتع الراحل بتاريخ فني كبير، تجاوز فيه أكثر من 100 فيلم سينمائي، وما يزيد عن 30 عملًا دراميًا، وشارك في أعمال خالدة مع كبار نجوم الفن المصري، من بينهم الزعيم عادل إمام، حيث جسّد شخصية السفير الإسرائيلي باحتراف لافت في فيلم السفارة في العمارة، كما شاركه في مسلسلات عفاريت عدلي علام وصاحب السعادة.

كان الفنان لطفي لبيب داعمًا للأجيال الجديدة من النجوم، ووقف بجانبهم في بداياتهم الفنية، حيث عمل مع مي عز الدين، أحمد مكي، محمد سعد، حسن حسني، وآخرين.

بعيدًا عن الفن، كان الراحل بطلاً من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، حيث خدم في صفوف الجيش المصري لمدة ست سنوات، وشارك في معركة الكرامة والنصر. وقد دوّن هذه التجربة في سيناريو بعنوان الكتيبة 26، كشف فيه عن تفاصيل واقعية من فترة خدمته العسكرية.

كما قدّم عددًا من المؤلفات والخواطر الفنية، وشارك في الفيلم الأخير أنا وابن خالتي إلى جانب نخبة من الفنانين المصريين.

طباعة شارك لطفي لبيب اخبار الفن نجوم الفن وفاة لطفي لبيب

مقالات مشابهة

  • أشرف زكي يشارك في مراسم جنازة لطفي لبيب
  • من أمام كنيسة مارمرقس.. مشهد مهيب في وداع لطفي لبيب
  • بالصور.. جنازة الفنان لطفي لبيب من كنيسة مارمرقس بحضور نجوم الفن
  • هتوحشنا قوي ياحبيبي ... حمزة العيلي ينعي لطفي لبيب
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • كنت سند ليا في الفن والحياة.. هاني رمزي ينعى لطفي لبيب
  • مكان وموعد عزاء لطفي لبيب
  • مكان وموعد تشييع جنازة لطفي لبيب.. خاص
  • موعد ومكان جنازة لطفي لبيب.. خاص
  • أنا الذي.. طرح برومو أغنية الكينج محمد منير