سلسلة تفكيك الركائز الفكرية للإمامة (2) آية التطهير
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
(.......ُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
[سورة اﻷحزاب 33]
يعدون الشيعة الفاطميون هذه الجزئية من الآية دليلا على طهارتهم المطلقة ومبررا لسلوكهم العنصري والاستعلائي بحجة أنهم مطهرون بإرادة إلهية مطلقة..
والحقيقة أن دعواهم مرفوضة ومنقوضة ومردودة من وجوه كثيرة نذكر منها:
اقرأ أيضاً سلسلة تفكيك الركائز الفكرية للإمامة (1) حديث التطهير من هم آل البيت ولمن الولاية في القرآن الكريم؟ حوار مع سني متعصب حول أحاديث أهل البيت المليشيا الانقلابية الإرهابية وخرافة الحق الإلهي.. خرافة آل البيت والاصطفاء (1) الغفوري: الجنوب يملك الحق الكامل في تحديد مصيره إذا كان بقاؤه داخل الوحدة يعني خضوعه لنظام آل البيت! بماذا يؤمن آل البيت أكذوبة آل البيت خرافات.. الداعية ”الحبيب الجفري” يثير ردود فعل غاضبة بما قاله عن ”آل البيت” إحالة قاضي يمني للتأديب بعد إصداره حكم ضد امرأة من آل البيت ! (وثيقة) آية المودة في القربى والتدليس الإمامي (1-2) قنبلة جرثومية على اليمن! نحن أهل البيت اليمني.. باختصار
1/ لو افترضنا جدلا القبول بزعمهم فإن السلوك الدموي الإجرامي المدفوع بشهوتهم الطاغية في الحكم يتناقض مع الطهارة جملة وتفصيلا ، إذ إن أهم أشكال الطهارة هي طهارة اليد واللسان من دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وطهارة القلوب من الشرك والغل والحقد وسائر الموبقات القلبية.. بينما نجد هؤلاء لم يتوقفوا يوما واحدا عن سفك دماء المسلمين ومصادرة أموالهم ، إلا مغلوبين ومقهورين، ولم ينال الكفار من عدوانهم شيئا ، إذ كل عدوانهم موجه للمسلمين.. أما الأعراض فيكفي تناولهم لأعراض خير البرية من أهل النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام ، وكفى بها معصية ورجس، ويتفاوت تناولهم لكل واحد من الصحابة الكرام بحسب قربه من رسول الله ودرجة جهاده معه، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر....
فهذا الرجس الذي يبدونه في مناسباتهم الطائفية وسائر تناولاتهم للصحابة وعموم المسلمين ما هو إلا إظهار وإبراز لشيئ يسير مما في قلوبهم من الغل والحقد والحسد. وسائر أشكال الرجس . فإن كانوا هؤلاء مطهرون كما يزعمون وهم يفعلون كل هذه الجرائم في حق الإسلام كمنهج والمسلمين كأمة، فليس على وجه الأرض بعدهم نجس ، وكفى بهذا دليل واقعي على نقض دعواهم وبطلانها...
2/ان إرادة الطهارة في الكتاب العزيز ومنها هذه الآية، المقصود بها الإرادة الشرعية وليست الكونية كما يزعمون، فهي أمر شرعي بالتطهر حسيا من النجاسة ومعنويا من الإثم ظاهره وباطنه. فينال كل واحد من الطهارة بمقدار بعده عن الذنوب والآثام أولا ، وقيامه بالأعمال الصالحة ثانيا ، والتزام الطهارة البدنية ثالثا .
وورود الجملة الاعتراضية "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت... " إنما هو على سبيل التعليل للأوامر والنواهي التي وردت قبلها وبعدها فكأن المعنى إنما نأمركن وننهاكن بما ورد هنا لكي تتحلين بالفضائل وتتخلين عن رجس الرذائل وهذا هو الذي عليه سائر أهل العلم ..
فالمسألة تكليف وأمر ونهي وليست نخيط وكبر وادعاءات جوفاء..
3/إرادة الطهارة في القرآن ليست خاصة بالمشمولين في هذه الآية فقط بل وردت لعموم الصحابة والمؤمنين جميعا في مواضع عدة منها قوله تعالى (... ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة المائدة 6]
فيكون حظ كل واحد ممن شملتهم الآية الكريمة بحسب تطهيره لنفسه من الآثام وطاعته لله ورسوله وإرادة التطهير وردت كتعليل وسبب لطلب القيام بالتكاليف، ولا ميزة لأي مؤمن الا بقدر التزامه بالأمر والنهي الإلهي.
وبالمقابل ورد نفي إرادة التطهير عن الكافرين والمنافقين تعليلا لما يقومون به من جرائم (......... أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة المائدة 41]
4/الآية محل الاحتجاج لم تنزل في العلويين الذين يسمون أنفسهم الآل أصلا وليسوا هم المخاطبين بها فلا معنى لاحتجاجهم بها .
فالآية خطاب خاص ومباشر لأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وليس للسادة العلويين ولا بني هاشم اوغيرهم من أهل القبلة وهي جزء من آية ضمن آيات قبلها وبعدها فتأملها جيدا: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)
[سورة اﻷحزاب 32 - 34]
فأهل البيت هنا هن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والخطاب موجه إليهن والنزول في شأنهن، وهذا ما فهمه الصحابة والتابعين وقال به مفسريهم كإبن عباس وعطاء وعكرمه وغيرهم، و هو ما يقتضيه نظم القرآن وسياق الآيات، وواضح وضوح الشمس ، والزعم بأن جملة التطهير خطاب للعلويين أو بني هاشم مع وضعها بين الآيات بتلك الطريقة وجعلها جزء بسيطا من آية يعتبر حشوا لا يقع في الذكر الحكيم ، كيف وهي تعليل لماورد قبلها وهل يعقل أن تجي تعليلا لكلام لا يعنيها.
والبيت هو بيت النبي صلى الله عليه وسلم وجرى الاستعمال العرفي بإضافة الرجل زوجته للبيت فيقول جئت أنا وأهل البيت ، وكان معي أهل البيت.... الخ. وفي هذا معنى لطيف وهو أن الأصل في المرأة الستر في بيتها، وليس التبرج الذي يدل على الظهور والخروج والبروز ، فهي لفظة مشتقة من البرج، وهذا يتناسب ويتطابق مع سياق الآيات.
فالآية واضحة وضوح الشمس إنما هو التعسف ومحاولة التحريف لتبرير النزعة العنصرية لدى هؤلاء والتأصيل لها ويحتجون بدليلين واهيين وهما.
أ/ الضمير في "عنكم، يطهركم" ورد للمذكر ومعلوم أن النساء مؤنث ، وفي الحقيقة فإن التذكير في الضمير له معنى لطيف وهو أنه تم إضافتهن إلى البيت ، والألف واللام في البيت تعريف العهد. أي بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أن كل واحدة لها بيتها ولكن المشترك بين كل البيوت وصاحب كل بيت ومالكه هو النبي صلى الله عليه وسلم فورد مذكرا باعتبار التغليب مراعاة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم وكونه يدخل فيها دخولا أوليا بإعتباره صاحب كل بيت من بيوت زوجاته، وهذا الاسلوب القرآني له نظائر ، من ذلك قوله تعالى (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)[سورة هود 73] فقد ورد الضمير مذكرا رغم أن المخاطب به زوجة إبراهيم.
وفي اقتران التطهير بالنبي صلى الله عليه وسلم إيماء واضح إلى أن هذا التطهير لهن لأجل مقام النبي صلى الله عليه وسلم لتكون قريناته وشريكاته في السكن والفراش مشابهات له في الزكاة والكمال وقد نزل الذكر الحكيم بذلك في سياق آخر في قوله تعالى (والطيبون للطيبات) ولهذا وردا الضمير مذكرا.
وبهذا يتبين لك سقوط هذه الحجة وبطلانها.
ب/ويحتجون برواية وردت أن الآية نزلت في بيت أم سلمه وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا حسن وحسين وعلي وفاطمة ووضع عليهم غطاء وقرأ الآية وهو حديث ضعيف باتفاق علماء الحديث كما ذكرنا تفصيله في المقالة السابقة فلا يصح للاحتجاج به..
وأوردوا روايات حديثية بأنه قرأها عليهم بعد نزولها بزمن وانه كان يمر من أمام بيت علي يوقظه لصلاة الفجر فيقرأ هذه الاية. ورغم ان الروايات لا تخلوا من مقال لكن على افتراض صحتها فدلالتها بعيدة جدا وغاية ما يمكن تفسيره بأنه من باب الاقتباس وتأول القرآن وقد كان النبي يفعله كثيرا كقوله لقريش في يوم الفتح مرددا ما ورد على لسان يوسف لأخواته "لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم" وهو اقتباس أخذه من القرآن و مخاطبة النبي لقريش به لا يعني أنه نزل فيهم أو انهم المخاطب الأصلي به وإنما لتشابه الحال.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كثيرا، وفعله المسلمون واشتهرت عند الإخباريين والوعاظ قصة المرأة المتكلمة بالقرآن..
فلو خاطب رجل نفسه على سبيل الحث في العبادة بقوله تعالى "فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب" كان ذلك جائز ومحمود ولو أمر أهله ونهاهم بما أمر الله به زوجات النبي او ببعضه وقال لهن إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا كان ذلك اقتباس جائز وصحيح دون أن يعني ان الاية نزلت فيهم.
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم آل البیت
إقرأ أيضاً:
لماذا نصوم يوم الإثنين في ذي القعدة؟.. اغتنمه من الآن لـ10 أسباب
لماذا نصوم يوم الإثنين كل أسبوع في ذي القعدة ؟، ذلك السؤال يفتح إحدى بوابات الأسرار الخفية عن هذا اليوم خاصة وأنه يتعلق بعبادة من أفضل العبادات وكذلك بإحدى السُنن النبوي التي حرص عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضلاً عن زمن مبارك وهو شهر ذي القعدة الذي هو من الأشهر الحُرم حيث مضاعفة الفضل والثواب، فإذا كان الجميع يعرفون بحكمها إلا أنه لا يزال لماذا نصوم يوم الإثنين في ذي القعدة كل أسبوع في ذي القعدة ؟، من أسرار هذه النافلة التي حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها، وحيث إنه إذا عُرف لماذا نصوم يوم الإثنين كل أسبوع في ذي القعدة ؟، فيه دلالة على فضل صيام يوم الإثنين ، ومن ثم قد يزيد الحرص عليه ومن ثم اغتنامه، من هنا يصبح البحث عن لماذا نصوم يوم الإثنين كل أسبوع في ذي القعدة ؟، ومعرفته ضرورة لا ينبغي التهاون فيها.
ورد في مسألة لماذا نصوم يوم الإثنين في ذي القعدة ؟، فعن عائشة - رضي الله عنها-: «إن رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ يتحرَّى صيامَ الاثنينِ والخميسِ» وفي شرح الحديث أن الصوم من أفضل العبادات التي يمكن أن يتقرب فيها المرء من الله - سبحانه وتعالى- لهذا كان الرسول كثير الصيام.
وورد أن الرسول عندما سئل عن سبب صيامه ليومي الإثنين والخميس بأن الأعمال ترفع إلى الله - سبحانه وتعالى- في هذين اليومين، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وجاء السبب في لماذا نصوم يوم الإثنين في ذي القعدة ؟، لأن الرسول صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ يصوم يومي الإثنين والخميس شكرًا لله - تعالى-لأن يوم الإثنين هو اليوم الذي ولد فيه الرسول وهو اليوم الذي أنزلَ عليه القرآن، وتوفي النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" يوم الإثنين، فقال: فيه ولدتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ)، رواه مسلم، والبيهقي . ورواه ابن خُزيمة بلفظ: (بينما نحن عند رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أقبل عليه عمر، فقال: يا نبيّ الله، صومُ يومِ الإثنين؟ قال: يومٌ ولدتُ فيه، ويومٌ أموت فيه)، وحيث إن شهر ذي القعدة الذي نشهده الآن هو أحد الأشهر الحُرم الذي يتضاعف فيها الأجر والثواب ، فيمكن القول بأن مضاعفة الفضل كذلك تصلح أن تكون إجابة استفهام لماذا نصوم يوم الإثنين في ذي القعدة ؟.
أسباب صيام يوم الإثنينورد من أسباب صيام يوم الإثنين ، أن الأعمال تُعرَض على الله -تعالى- يومَي الإثنين والخميس فيستحب الصوم فيهما كي تعرض أعمال العبد فيهما وهو صائم، كما ثبت ذلك فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يَومِ خَمِيسٍ واثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في ذلكَ اليَومِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا امْرَءًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، ارْكُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا)، فالملائكة تُظهر أعمال العباد، وترفعها إلى الله -تعالى-؛ لتكون أعمالهم شاهدةً عليهم يوم القيامة، قال -تعالى-: (اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا).
وورد أنه حرص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على صيامهما كما ورد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-: (يا رسولَ اللَّهِ! إنَّكَ تَصومُ حتَّى لا تَكادَ تُفطرُ، وتُفطرُ حتَّى لا تَكادَ أن تَصومَ! إلَّا يَومَينِ إن دَخلا في صيامِكَ وإلَّا صُمتَهُما، قالَ: أيُّ يومينِ؟ قُلتُ: يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ، قالَ: ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأَعمالُ على ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ)؛ ولذلك يجدر بالمسلم صيام يومَي الاثنين والخميس؛ تأسِّياً برسول الله -صلّى الله عيه وسلّم-، واتِّباعاً لسُنّته، ممّا يدلّ على حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على صيام هذين اليومَين.
وثبت أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وُلِد يوم الاثنين فقد ورد في صحيح مسلم أنّ النبيّ: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)، ومن أسباب صيام يوم الإثنين ، أن اغتنام صيام يوم الاثنين حَمْداً لله، وشُكراً له على نِعَمه ومنها بَعْث النبيّ محمدٍ، وبيانه لرسالة الإسلام، ودعوة الناس إلى الخير والحقّ.
وورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «أنَّ رَجلًا سأَلَ عائشةَ عنِ الصيامِ، فقالت: إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كان يصومُ شَعبانَ، وكان يتَحَرَّى صيامَ يومِ الخَميسِ والاثنَيْنِ»، مما يدل على حرص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على صيام هذين اليومين، ويُراد بالتحري: القَصد، وطلب أفضل الشيء، والبحث عنه.
فضل صيام يوم الإثنينورد فيه أن صيام يوم الإثنين هو نوع من التطوع الذي هو طاعة الله -تعالى-وتقرب منه بإخلاص العبادات له، ومن هذه العبادات التي تُقرب العبد من ربه، وتُكفر ذنوبه وخطاياه صيام النافلة، والتي منها الاثنين والخميس، لأن الصيام من الأعمال التي يسعى إليها الكثير من المسلمين؛ طَمَعًا في الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى-.
كما ورد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على صيام التطوع، ورغب فيه، قائلًا: «مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، ويُراد بسبعين خريفًا: سبعين سنة، كما حث الرسول -عليه الصلاة والسلام- على صيام الكثير من أيام السنة تطوعًا، كصيام الاثنين والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة، والست من شوال، وغيرها، وقال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح الحديث السابق: "فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقًّا، ولا يختل به قتاله، ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه المباعدة عن النار والمعافاة منها".
ومن الأدلة الواردة في بيان فضل صيام النفل أو صيام التطوع كالاثنين والخميس قوله -تعالى-: «التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّـهِ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ»، فالسائحون هم: الصائمون، وقَوْله -تعالى-: «وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، وقَوْله أيضًا: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ».
ورد أيضا أن الآية السابقة نزلت في الصائمين الذين ينالون الخير الكثير في الجنة؛ لما قدموه في حياتهم الدنيا، وما تركوه من شهوتي البطن والفرج في سبيل نيل أجر الصائمين، والفوز بالجنة، ونيل رضى الله -تعالى-، قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "مَن ترك لله طعامه وشرابه وشهوته، عوَّضه الله خيرًا من ذلك: طعامًا وشرابًا لا ينفد، وأزواجًا لا تموت".
ورد فضل الصيام يوم الإثنين ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تعرضُ الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»، وقال عندما سأله الصحابة عن صوم الاثنين: «فيه ولدت، وفيه أنزل علي».
جدير بالذكر أن الأعمال ترفعُ في عدة أوقات، حيثُ ترفع أعمال المسلم في شهر شعبان، كما ترفعُ الأعمال كل يوم وليلة وهذا لا يتعارض مع رفع الأعمال يوميْ الإثنين والخميس، وعندما ينقضي أجل المسلم فإن أعماله جميعها ترفع وتطوى صحيفة أعماله ليحاسب عليها يوم القيامة.
ويعد من أهم أسباب الصيام تكفير الذنوب عن المسلم، وهذا كما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».
وجاء من فضل صيام يوم الإثنين ، كما أن الصيام سبب من أسباب استجابة الدعاء، ووعد الله تعالى الصائم بفرحتيْن، فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه، ويدخل الصائمون يوم القيامة من باب خاص يسمى باب الريان، كما يكون الصوم شفيعًا لصاحبِه يوم الحساب، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبدِ يوم القيامة...»، وحماية المسلم من الوقوعِ في المعاصي والآثام، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطعْ فعليه بالصوم فإنّه له وجاء».
هل يجوز صيام يوم الإثنين بدون نيةقال الشيخ عويضة عثمان، مدير الفتوى الشفوية بدار الإفتاء المصرية، إنه عند صيام الفريضة فذهب العلماء إلى تبييت النية من الليل ، فيما أن النية لصيام النافلة يصح من الليل وهذا أفضل، منوهًا بأن هناك من العلماء من قال أنه إذا كان الصيام نفلًا أو فرضًا فإن النية تكون من الليل، لكنه ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نوى نهارًا ، عندما دخل بيته فسأل عن طعام، فلم يجد ، فقال إني إذا صائم وأنشد الصيام من ساعته وكان نهارًا، أي بعد الفجر .
صيام يوم الإثنينيستحب صيام يوم الإثنين في كل أيام السنة ما لم تأتي في الأيام التي نهى الله فيها الصيام مثل الأعياد وأيام التشريق، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام -يكثر من الصيام في الأشهر الحرم، ويجوز الاقتصار على صيام يومي الإثنين والخميس في هذه الأشهر، واختلفَ أهل العلم في صيام النصف الثاني من شهر شعبان لمن لم يصم النصف الأول وذهب البعض من العلماء إلى منع الصيام في النصف الثاني دونَ صيام النصف الأول والصحيح في الأمر هو جوازه.
فضل الصيامأولا: خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».
ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».
ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».
رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».
خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا»
سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».
سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».