شكلت الرؤية الاستباقية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" لملامح الواقع البيئي للإمارات، واحتياجاته الملحة والمستقبلية، المحرك الرئيس لمنظومة عمل متكاملة لمكافحة التصحر وزيادة المساحات الخضراء، ما أسهم في تحقيق إنجازات بارزة خلال العقود الماضية في تطويق آثار مشكلة التصحر، والحد من تداعياتها البيئية الضارة، على الرغم من قساوة الظروف المناخية التي تعاني منها الدولة، والمتمثلة في درجات الحرارة العالية، وارتفاع معدلات الرطوبة وقلة معدلات سقوط الأمطار.

وانتهجت دولة الإمارات، التي تشكل الصحراء نحو 80% من مساحتها، رؤية استباقية وسياسة حكيمة للتصدي لمشكلة التصحر والتحديات الناجمة عنها، ارتكزت على المحافظة على البيئة الصحراوية وثرواتها وتنوعها، وفي الوقت نفسه الحد من العوامل المؤدية لتصحر الأراضي ومعالجتها، حيث انضمت الدولة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في عام 1998 وتم اعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2030 تهدف إلى ضمان نظم بيئية صحية واستخدام مستدام للأراضي بهدف تحييد آثار التغير المناخي وتدهور الأراضي والجفاف.

ويُعرف التصحر بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر- على أنه تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة نتيجة للتغيرات المناخية والأنشطة البشرية، بما يؤدي إلى فقدان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة، وبذلك لا يقتصر التصحر فقط على فقدان الأراضي لصالح الصحراء أو زحف الكثبان الرملية.

ووفقاً للأمم المتحدة، يؤثر التصحّر على نحو ثلث مساحة الأرض التي يعيش عليها نحو مليار شخص، كما يتسبب سنوياً في تدهور 12 مليون هكتار من الأراضي، إضافة إلى تشريد نحو 135 مليون شخص حول العالم بحلول عام 2045، حيث تمثّل هذه الظاهرة خطراً حقيقياً يهدد صحة الإنسان والتنوّع البيولوجي والمناخ والأمن الغذائي، ما يجعل من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) الذي يعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في "مدينة إكسبو دبي"، منصة مثالية لتعزيز الجهود الدولية لاتخاذ إجراءات عملية لمواجهة تحدي التصحر والحد من تدهور الأراضي والتخفيف من آثار الجفاف في المناطق المتضررة.

وتنسجم جهود الإمارات في مكافحة التصحر مع أهداف حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لاستضافة “COP28"، وتسعى إلى إبراز التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في دولة الإمارات على مختلف المجالات، إضافة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.

منظومة تشريعية

حظيت قضية مكافحة التصحر باهتمام كبير في دولة الإمارات، حيث مثلت أحد مرتكزات نهج دولة الإمارات في حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وضمان استدامتها، ولذلك أقرت الدولة خلال العقود الماضية منظومة تشريعية متكاملة، وأطلقت العديد من البرامج والمبادرات الهادفة إلى تعزيز جهودها في مكافحة التصحر.
كما شملت الجهود التي قامت بها دولة الإمارات في هذا السياق استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية، وإنشاء الغابات الاصطناعية والمسطحات والأحزمة الخضراء بالتركيز على استخدام النباتات المحلية والنباتات المقاومة للملوحة، إلى جانب الحد من ظاهرة الرعي الجائر والاحتطاب والممارسات الزراعية غير الرشيدة، إضافة الى الاهتمام ببحوث الاستمطار، وإنشاء السدود، وتعزيز استخدام المياه المعالجة، وتنفيذ العديد من برامج رفع الوعي بمشكلة التصحر وسبل المساهمة في الحد منها.

 استراتيجيات وطنية

أخبار ذات صلة مكتوم بن محمد: بجهود فريق وزارة المالية نسعى إلى تحقيق مستقبل مزدهر للإمارات الإمارات تقدم لتشاد آليات عسكرية ومعدات أمنية لدعم جهود مكافحة الإرهاب

وانطلاقاً من جهودها في مسيرة العمل الدولي لمكافحة التصحر؛ انضمت دولة الإمارات إلى العديد من الاتفاقيات في مجالات حماية النظم البيئية منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في عام 1998، ووفاءً بالتزاماتها تجاه الاتفاقية، أعدت وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون والتنسيق مع شركائها الاستراتيجيين، أول استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر في العام 2003، وتم تحديثها وتطويرها في العام 2014، وتعد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2022 – 2030 التحديث الثالث للاستراتيجية لتتماشى مع التوجهات الوطنية والعالمية، وفق خمس موجهات رئيسية تتمثل في أولاً المحافظة على النظم البيئية وتحسين حالة الأراضي القاحلة والجافة، وثانياً التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي على النظم البيئية المتأثرة بالتصحر، وثالثاً تعزيز التوعية والتثقيف وبناء القدرات فيما يتعلق بظاهرة التصحر، ورابعاً تبني التقنيات الحديثة وتطبيقاتها وتعزيز تكامل البحوث العلمية في مجال مكافحة التصحر، وأخيراً تعزيز دور الشراكات وترسيخ مبدأ التعاون على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.

كما ترتبط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر بالاستراتيجيات الوطنية الأخرى ذات العلاقة، وأهمها استراتيجية الأمن الغذائي 2051 التي تهدف إلى جعل دولة الإمارات مركزاً رائداً عالمياً في مجال الأمن الغذائي القائم على الابتكار، واستراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036 لضمان استدامة واستمرارية الوصول للمياه خلال الظروف العادية والطارئة، والسياسة العامة للبيئة.
أما على الصعيد العالمي فترتبط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر بالهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة الخاص بالحياة على الأرض في خطة عام 2030 والذي يهدف إلى "حماية النظم الإيكولوجية البرية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر. ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره ووقف فقدان التنوع البيولوجي.

 مسطحات خضراء

ونجحت دولة الإمارات في تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية إلى مسطحات خضراء وحدائق ومزارع، حيث بلغ إجمالي عدد المزارع في دولة الإمارات، وفقاً لأحدث إحصائيات وزارة التغير المناخي والبيئة، 38 ألف مزرعة تتبع أساليب زراعة متنوعة وعدة نظم إنتاج زراعية، منها مزارع تتبع أساليب الزراعة العضوية وقائمة على مساحة 46 ألف دونم، وأخرى مزارع تتبع أساليب الزراعة المائية (بدون تربة) وقائمة على مساحة 1000 دونم، ويقدر إنتاجها من الخضروات بنحو 156 ألف طن سنوياً، وما يزيد على 500 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، ويقدر إنتاجها من الفاكهة بنحو 200 ألف طن.

وتتعدد جهود دولة الإمارات على صعيد مكافحة التصحر، لتشمل إنشاء العديد من المحميات الطبيعية والتي وصل عددها إلى نحو 49 محمية برية وبحرية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة، وهو ما ينسجم مع الجهود الوطنية للحد من تدهور الأراضي، والمحافظة على البيئة واستدامة عناصرها.
كما يتم بشكل متواصل إطلاق مبادرات لزراعة الأشجار، ما أسهم في زيادة أعداد أشجار النخيل والأشجار الحرجية والمثمرة، إضافة إلى ما أعلنته دولة الإمارات مؤخراً ضمن التزاماتها المحددة وطنياً تجاه الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ، عن زراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول 2030.

 التقنيات الحديثة

ويشكل توظيف التقنيات الحديثة توجهاً عاماً في دولة الإمارات بهدف إيجاد حلول مبتكرة لمكافحة التصحر، حيث تم الاعتماد على نظم الزراعة الحديثة من الزراعة المائية والعمودية، إضافة إلى النجاح المميز لتجارب زراعة الأرز في البيئة الصحراوية للدولة باستخدام تقنيات حديثة في الري تضمن خفض معدلات استهلاك المياه لأقل درجة ممكنة.

كما نفذت وزارة التغير المناخي والبيئة مشروعاً لاستخدام الطائرات بدون طيار في إجراء مسح شامل للمناطق الزراعية في دولة الإمارات لتعزيز استعادة المناطق المتدهورة وحماية المساحات الزراعية الحالية وتنميتها، في حين وظفت الوزارة تقنيات الطائرات بدون طيار في نثر وزراعة 6 ملايين و250 ألفاً من بذور الأشجار المحلية "الغاف، والسمر" في 25 موقعاً مختاراً على مستوى الدولة.
وتعد دولة الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت الاستمطار الاصطناعي كوسيلة مبتكرة لمكافحة التصحر والجفاف وزيادة المساحات الخضراء، إضافة إلى مساهمته في تعزيز المخزون المائي والحد من تداعيات التغيرات المناخية.

المصدر: وام

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: كوب 28 الإمارات المناخ اتفاقیة الأمم المتحدة فی دولة الإمارات التغیر المناخی الإمارات فی إضافة إلى العدید من

إقرأ أيضاً:

«الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات في مكافحة الاتجار بالبشر

أبوظبي (الاتحاد)

أكدت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان أن دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل ترسيخ مكانتها كنموذج ريادي في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، عبر منظومة وطنية متكاملة تستند إلى رؤية قيادية تضع كرامة الإنسان وحماية حقوقه في مقدمة الأولويات، وتلتزم بأعلى المعايير الدولية ذات الصلة.
وفي بيان أصدرته أمس بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي يوافق 30 يوليو من كل عام، أشادت الجمعية بجهود الدولة الحثيثة على المستويين الوطني والدولي في التصدي لهذه الجريمة اللاإنسانية، مشيرة إلى تكامل الأطر التشريعية المتقدمة، وتفعيل المبادرات المؤسسية، وتوسيع نطاق الشراكات الإقليمية والدولية.
وأثنت الجمعية على التعديلات الجوهرية التي أقرها مجلس الوزراء في يوليو 2023 على التشريعات الاتحادية الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر، والتي تضمنت تشديد العقوبات على الجناة، إلى جانب استحداث خدمات شاملة لدعم الضحايا، منها المساعدة التعليمية، وتدابير العودة الطوعية والآمنة، بما يعكس التزام الدولة بنهج وقائي وإنساني في آنٍ واحد.
كما نوّهت الجمعية بالقانون الاتحادي رقم (24) لسنة 2023 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، واصفةً إياه بأنه يمثل نقلة نوعية في البنية التشريعية.
واختتمت الجمعية بالتأكيد على أن تجربة دولة الإمارات تشكّل نموذجاً متكاملاً يُحتذى به في بناء منظومة وطنية فعّالة ومتعددة الأبعاد لمكافحة الاتجار بالبشر.

أخبار ذات صلة الباراغواي تمنح سفير الإمارات وسام الاستحقاق الوطني شراكة وتعاون بحثي بين «تريندز» و«تركيا اليوم»

مقالات مشابهة

  • منظومة الإفراج الجمركي.. مدبولي: إزالة العوائق التي تعرقل حركة التجارة
  • مدير الأمن العام: المملكة حريصة على بناء منظومة متكاملة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص
  • الإمارات وإيطاليا توقعان اتفاقية شراكة استراتيجية لمكافحة الفساد
  • ‎وفد من المجلس الأهلي لمكافحة الإدمان في صيدا زار مكتب مكافحة المخدرات في الجنوب
  • وفق أفضل الممارسات الدولية.. رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية عززت منظومة متكاملة لمكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص
  • «الاتحاد لحقوق الإنسان» تشيد بدور الإمارات في مكافحة الاتجار بالبشر
  • رئيس هيئة حقوق الإنسان: المملكة عززت منظومة متكاملة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص وفق أفضل الممارسات الدولية
  • رئيس هيئة حقوق الإنسان: المملكة عززت منظومة متكاملة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص
  • الأردن يحقق تقدماً كبيراً في مكافحة التهاب الكبد عبر برامج وقائية وعلاجية متكاملة
  • وزير العدل : الإمارات تطور منظومة وطنية رقمية ترتكز على العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان