سوف تظل الجهود الفرنسية التى أوصلت د. بطرس بطرس غالى إلى منصب أمين عام الأمم المتحدة مثار تقدير ورمزًا للوفاء الفرنسى لثقافتهم والاعتزاز بمن ينتمون فكريًا وأكاديميًا لتلك الثقافة، ولا نزال نتذكر أن الخارجية الفرنسية قد خصصت مكتبًا مستقلًا لمتابعة انتخابات أمين عام الأمم المتحدة عام ١٩٩٢ من أجل دعم المرشح المصرى لذلك المنصب الدولى الكبير.


ولا أزال أتذكر من عملى فى مؤسسة الرئاسة كيف أن وزير خارجية فرنسا فى ذلك الوقت كان يأتى لمقابلة الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك من أجل تحميس مصر لمزيد من الجهود المشتركة مع فرنسا لإيصال د. بطرس غالى إلى ذلك المنصب الدولى الرفيع.
ولا بد أن أعترف هنا أن ذلك الرجل قد بذل جهدًا كبيرًا فى الطواف بدول العالم داعيًا لانتخابه بين ثقافات الأمم وحضارات الشعوب ولم يترك شاردة ولا واردة إلا وحاول التعامل معها من أجل تحقيق هدف أفريقيا- لا مصر وحدها - فى أن يكون ذلك المنصب من حق تلك القارة التى كان عليها الدور للحصول عليه فى ذلك الوقت.
وقد نجح د. بطرس غالى فى مهمته واستطاع ذلك الدبلوماسى الأكاديمى المصرى أن يقنع الحكومات المختلفة حتى تم تتويج دوره بإعلان انتخابه أمينًا عامًا للأمم المتحدة حاصلًا على أحد عشر صوتًا من بين خمسة عشر صوتًا كانوا هم أعضاء مجلس الأمن.
وكان من الواضح أن الدول الخمس الكبرى قد صوتت تأييدًا لذلك الأستاذ الجامعى ولم تستخدم إحداها حق الفيتو ضده، والغريب فى الأمر أن الدكتور غالى قد حاز هذا المنصب بحصوله على أحد عشر صوتًا بينما خسر المنصب – بعد انتهاء مدته - ومعه من المؤيدين له أربع عشرة دولة.


ولكن الفارق بين الحالتين هو أنه عندما فقد المنصب كانت الولايات المتحدة الأمريكية - وهى أحد الدول الخمس الكبار - هى التى اعترضت على استمراره نتيجة غياب الكيمياء البشرية بينه وبين مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية، وهذا يوضح العوار فى نظام مجلس الأمن الذى يأتى بشخصية دولية بإجماع إحدى عشرة دولة من خمس عشرة لصالحه ثم يقوم بإنهاء مهمته رغم أغلبية أربع عشرة دولة لصالحه إنها توضح سطوة نظام حق الفيتو على حقوق الدول ومكانتها.
ولا أزال أتذكر أن محطة تليفزيونية كبرى قالت نصًا يوم انتخابه: لقد انتخب د.بطرس بطرس غالى أمينًا عامًا للأمم المتحدة وهو أفريقى ولكنه ليس أسود اللون.. وهو عربى ولكنه ليس مسلم الديانة.. وهو مصرى ولكنه لا يعانى ظروف الحياة فى دولة نامية، وكأنما أرادت بذلك البيان أن تجرده من كافة حقوقه وألا تتركه إلا وقد تم سحب بعض مقوماته الشخصية.
ولا بد أن نتذكر أن د.بطرس بطرس غالى كان من أنجح الأمناء العاميين للأمم المتحدة منذ تريجفى لى النرويجى، وداج همرشولد السويدى، ويو ثانت البورمى (من ميانمار حاليًا)، وكورت فالدهايم النمساوى، وخافيير بيريز دى كوييار من بيرو، وصولًا إلى كوفى عنان وبان كى مون الكورى وجوتيريش البرتغالى.
والخلاصة تؤكد أن أجندة السلام التى تبناها د.بطرس غالى كانت هى أوراق اعتماده الحقيقية فى فترة توليه ذلك المنصب الدولى الرفيع، ولأن الرجل كان مستقل الرأى لا يخضع للضغوط الأمريكية لذلك ضحى بمنصبه من أجل شرف الكلمة وكبرياء المنصب عندما صمم على نشر تقرير الأمم المتحدة عن مذبحة قانا فى الأرض الفلسطينية المحتلة فدفع الثمن راضيًا محترمًا مبادئه مقتنعًا بفكره ورؤيته التى لازمته منذ كان مدرسًا صغيرًا فى جامعة القاهرة.
وقد تولى د.بطرس غالى بعد تركه لمنصبه فى الأمم المتحدة موقعًا دوليًا هامًا وهو منظمة الفرانكفونية وظل شخصية مؤثرة فى المجال الدولى برغم كل التحديات التى أحاطت به والظروف والملابسات التى ارتبطت بدوره الدولى حينذاك.
وعندما عاد إلى وطنه مصر كرمته بلاده برئاسة المجلس القومى لحقوق الإنسان وقد أبلى فيه بلاءً حسنًا وحاول أن يضع بلاده فى موقع أفضل فى إطار المنظومة الدولية لحقوق الإنسان وقد تمكن الرجل من أن يترك بصمة على المستويات الدولية والإقليمية لم يحرزها سواه.
إنه د.بطرس غالى القبطى المصرى سليل العائلة العريقة والذى حصل على تقدير دولى تمثل فى احترام غير مسبوق له فى المحافل والمنتديات التى مر عليها طوال سنوات عمره التى اقتربت من الخامسة والتسعين.. إنه ابن مصر البار، وابن أفريقيا الشجاع ونتاج الثقافة الفرانكفونية المتألقة.
 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أمين عام الأمم المتحدة الأمم المتحدة بطرس غالى د بطرس من أجل

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة المنصورة يلتقى وفد الوكالة الفرانكفونية لبحث سبل تعزيز التعاون الأكاديمى والثقافة

التقى الدكتور شريف خاطر رئيس جامعة المنصورة، اليوم السبت، بمكتبه، وفدَ الوكالة الجامعية للفرانكفونية، برئاسة منى عامر ممثل الوكالة فى مصر، وذلك فى إطار زيارة تهدف إلى بحث سبل تعزيز التعاون الأكاديمى والثقافى بين الجانبين، وتوسيع آفاق الشراكة فى مجالات التعليم العالى، والمشروعات المستقبلية المقترحة لتطوير التعاون بينهما.

حضر اللقاءَ الدكتور طارق غلوش نائبُ رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة مروة حسان مدير مكتب العلاقات الدولية، والدكتورة يسرا الفار نائب مدير المكتب، وضم الوفدُ كُلًّ من أمنية شاكر مسؤول التحول الرقمى بالوكالة فى الشرق الأوسط، والدكتورة سهيلة سلامة مسؤول الحرم الجامعى الرقمى الفرانكفونى ومركز التشغيل بالإسكندرية.

وتناول اللقاءُ عددًا من الموضوعات المتعلقة بسبل تعزيز التعاون بين الجامعة والوكالة، مثل تأسيس برامج دراسية عن بُعْد، وتبادل الزيارات الطلابية مع اتحاد الجامعات الفرانكفونية، بالإضافة إلى توفير دورات تدريبية تُؤهِّل لسوق العمل العالمية.

كما تم بحث إمكانية عقد اتفاقيات تعاون مستقبلية تشمل مشروعات تعليمية وبحثية مشتركة، وتنظيم فعاليات وورش عمل، إلى جانب توفير الدعم المادى واللوجستى للأنشطة العلمية والثقافية ذات الإهتمام المشترك.

وفى كلمته، رحّب الدكتور شريف خاطر بوفد الوكالة فى رحاب جامعة المنصورة، مؤكدًا حرصَ الجامعة على تعزيز التعاون مع الوكالة فى المجالات العلمية والأكاديمية والثقافية ذات الإهتمام المشترك.

وأشار رئيس جامعة المنصورة، إلى أهمية هذه الزيارة فى دعم رؤية الجامعة نحو تدويل التعليم، وفتح آفاق جديدة للتعاون مع الجامعات والمؤسسات الفرانكفونية، لافتًا إلى سعى الجامعة إلى توسيع برامج التبادل الطلابى، وتوفير فرص تدريب ومنح دراسية لطلابها، بما يُعزِّز قدراتهم التنافسية إقليميًّا ودوليًّا.

كما أكد سعى الجامعة إلى إقامة قنوات اتصال دائمة مع الجانب الفرانكفونى والجامعات الناطقة بالفرنسية، لتطوير برامج دراسية مشتركة، وتنفيذ مشروعات تعليمية وبحثية مبتكرة تُثرى خبرات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتُسهم فى نشر اللغة الفرنسية فى دلتا مصر.

وخلال اللقاء، استعرض رئيسُ الجامعة البرامجَ الدراسية المقدَّمة باللغة الفرنسية فى عدد من الكليات، مشيرًا إلى حرصه على تعزيز التعاون مع الوكالة فى تطوير هذه البرامج، إيمانًا بدورها فى إعداد جيلٍ مؤهَّلٍ للمنافسة العالمية، يمتلك المعرفةَ والمهاراتِ اللغويةَ والرقميةَ اللازمة.

من جانبه، أعرب الدكتور طارق غلوش نائب رئيس جامعة المنصورة، عن تقديره لدور الوكالة الجامعية للفرانكفونية فى دعم البحث العلمى والتحول الرقمى بالجامعات المصرية، مشددًا على أن هذه الشراكات الدولية تُمثّل فرصةً لتحسين البيئة الأكاديمية والإرتقاء بجودة البرامج الدراسية، خاصةً فى مجالات الدراسات العليا والأبحاث المشتركة.

وبدورهم، أعرب أعضاءُ الوفد عن سعادتهم بزيارة الجامعة، معبّرين عن إعجابهم بإهتمام إدارتها بالتعاون الدولى والتحول الرقمى، مما يُشكّل بيئةً داعمةً لدور الوكالة فى الجامعات المصرية، خاصةً فى دعم المبادرات الأكاديمية والبرامج التدريبية والمنح الدراسية.

واختُتِم اللقاءُ بجولةٍ للوفد داخل كليات الحقوق، والآداب، والصيدلة، والتربية، اطّلع خلالها على الإمكانات الأكاديمية والتكنولوجية للجامعة، وعقد لقاءات مع عمداء الكليات ووكلائهم، لبحث سبل التعاون المستقبلى فى البرامج المشتركة.

مقالات مشابهة

  • أكبر ضربة للهاكرز.. كشف هويات قادة أخطر برمجيات خبيثة في العالم
  • تمهيدًا لإدراجها دوليًا.. جامعة أم القرى تدشن موقع مجلتها الطبية
  • رئيس جامعة المنصورة يلتقى وفد الوكالة الفرانكفونية لبحث سبل تعزيز التعاون الأكاديمى والثقافة
  • مصطفى الشيمي يكتب: أحمد من غزة
  • أسعار الذهب تتجه لتحقيق أكبر مكاسب أسبوعية منذ أكثر من شهر
  • اعتراف دولي بكفاءة الخبرات المصرية.. علاء فاروق يهنئ وزيرة البيئة
  • منصب جديد لـ مصر .. ماهى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر؟
  • اليونيسف: نجمع بيانات دقيقة رغم صعوبة الوضع داخل غزة
  • وزير الأوقاف يهنئ وزيرة البيئة بتعيينها أمينة تنفيذية للأمم المتحدة لمكافحة التصحر
  • وفد المملكة في مؤتمر دولي حول فلسطين: نسعى لإحداث تغيير لا رجعة فيه يفضي للتسوية السلمية لحل القضية