تحتفل مصر بالذكرى الحادية عشرة لثورة 30 يونيو، التى تشكل محطة مفصلية فى تاريخ الوطن. هذه الثورة، التى جسدت إرادة الشعب المصرى فى التخلص من حكم جماعة الإخوان، وتعتبر علامة فارقة فى مسيرة الدولة نحو تحقيق الاستقرار والتنمية. فثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حركة احتجاجية عابرة، بل كانت تحولاً جذرياً أعاد للدولة المصرية هويتها واستقلالها.
ولا يمكن إنكار أن ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من مصير مجهول كان ينتظرها تحت حكم الإخوان، بالإضافة إلى انحياز القوات المسلحة لملايين الشعب المصرى التى ملأت ميادين محافظات مصر. نجاحات عديدة حققتها الثورة، بدءاً من تحقيق الأمن والاستقرار، ومروراً بإطلاق مشروعات قومية ضخمة، وصولاً إلى بناء دولة حديثة وعصرية، هى إنجازات لا يمكن تجاهلها. لقد أثبت المصريون قدرتهم على تحديد مصيرهم بأنفسهم، ورفضهم لأى تدخل خارجى أو محاولة لفرض أجندات غير وطنية. الثورة كانت تعبيراً واضحاً عن رفض الشعب لمحاولات فرض السيطرة والتحكم فى مصيره، وتمسّكه بقراره الحر فى رسم مستقبل بلاده.
من بين أهم نتائج ثورة 30 يونيو هو تمكين المرأة المصرية وإعادة الاعتبار لها. لقد أفشلت الثورة مخططات الإخوان لتهميش المرأة وإبعادها عن المشهد السياسى والاجتماعى. بفضل السياسات التى أعقبت الثورة، شهدت مصر زيادة غير مسبوقة فى نسبة تمثيل المرأة فى مجلسى النواب والشيوخ، بالإضافة إلى تعيين عدد كبير من القاضيات فى مجلس الدولة. لقد كانت هذه الخطوات جزءاً من رؤية أوسع لتمكين المرأة وتعزيز دورها فى المجتمع، وهو ما يعكس التوجه نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
فثورة 30 يونيو لم تقتصر على إعادة الاستقرار السياسى فحسب، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الحكومة المصرية، بدعم من الشعب، أطلقت مجموعة من المشروعات القومية الكبرى التى تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الوطنى. من بين هذه المشروعات نجد مشروع قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات الإسكان الاجتماعى، وتطوير شبكة الطرق والمواصلات. هذه المشروعات لم تعزز فقط من البنية التحتية للدولة، بل وفرت أيضاً آلاف فرص العمل وساهمت فى دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
بالإضافة إلى ذلك، عملت الثورة على تقوية الروح الوطنية وتعزيز الوحدة بين أفراد الشعب. فالشعب المصرى، الذى وحّدته إرادة التغيير، أصبح أكثر تماسكاً وإصراراً على بناء مستقبل أفضل. هذا الشعور بالوحدة والانتماء كان له أثر كبير فى تجاوز التحديات التى واجهتها البلاد خلال السنوات الماضية، وساهم فى تعزيز الأمن الداخلى وتحقيق الاستقرار.
ومن بين الإنجازات الأخرى التى حققتها الثورة هو القضاء على المخططات الإرهابية التى كانت تستهدف تفتيت الدولة وإضعافها. بفضل دعم الجيش المصرى ومساندته لمطالب الشعب، استطاعت مصر تجاوز هذه المرحلة الحرجة وتحقيق الاستقرار. إن إرادة المصريين الحرة وتصميمهم على بناء مستقبلهم بأيديهم سيظل علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث.
ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد حركة احتجاجية، بل كانت تحولاً جذرياً أعاد لمصر استقرارها وهويتها. إنها تمثل إرادة الشعب المصرى فى رفض الظلامية والتطرف، وبناء دولة حديثة تقوم على العدالة والمساواة. النجاحات التى تحققت بفضل هذه الثورة، سواء على صعيد الأمن والاستقرار أو على صعيد تمكين المرأة وبناء مشروعات قومية ضخمة، تؤكد أن 30 يونيو ستظل نقطة تحول تاريخية فى مسيرة الوطن.
إن الحديث عن ثورة 30 يونيو لا يكتمل دون الإشارة إلى التحولات الثقافية والاجتماعية التى نتجت عنها. هذه الثورة أعادت الروح للشعب المصرى، وأيقظت فيه شعوراً بالفخر والانتماء. لقد استعاد المصريون ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحقيق التغيير. الإعلام المصرى لعب دوراً كبيراً فى تعزيز هذه الروح الوطنية، من خلال تسليط الضوء على النجاحات والإنجازات التى تحققت بعد الثورة، ومن خلال دعم القضايا الوطنية وتعزيز القيم والمبادئ التى تمثل الهوية المصرية الأصيلة.
ومع استمرار هذه المسيرة، تبقى التحديات قائمة، إلا أن الإرادة الصلبة والعزيمة التى أظهرها الشعب المصرى فى ثورة 30 يونيو تبعث برسالة أمل وتفاؤل بأن المستقبل سيكون أفضل. فالمصريون الذين اجتمعوا على قلب رجل واحد لتحقيق التغيير، قادرون على مواجهة أى تحديات قادمة، وبناء وطن يليق بتضحياتهم وأحلامهم. إن هذا العزم والإصرار هو ما سيضمن لمصر أن تبقى دائماً قوية ومستقرة، وقادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات والتقدم فى مختلف المجالات
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 30 يونيو الاخوان الإرهاب الإخوان الشعب المصرى ثورة 30 یونیو
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)
عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.
في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.
في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.
هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.
وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).
العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.
وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.
ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.
إسحق أحمد فضل الله
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com