د. عبدالله الغذامي يكتب: نوم العقل يوقظ الوحوش
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
نوم العقل يوقظ الوحوش هو عنوان لوحة للفنان الإسباني فرانشيسكو دي غويا (1746 1828) وقد شرحها الدكتور علي بن تميم بقوله في تغريدة له مصحوبة بصورة للوحة حيث كتب (في هذه اللوحة يصور رجلاً نائماً وقد أسند رأسه ويديه إلى طاولة بينما نحّى قلمه جانباً. وخلف الرجل تظهر مجموعة من البوم والخفافيش الضخمة، وهي تصفق بأجنحتها وتصيح.
والذي يلفت نظري هو عنوان اللوحة (نوم العقل يوقظ الوحوش)، وهي عبارة تفسر حالة البشر على مر تاريخهم، حيث يظهر التوحش مع التحضر في آن واحد، وتتبدى الوقائع وكأنها تقول: كلما تحضر البشر زادوا وحشيةً، ولنأخذ القرن العشرين الذي هو تتويج لكل منجزات البشرية في العلم وفي الاقتصاد والتكنولوجيا والنظرية السياسية، وفي الوقت ذاته هو قرن الحروب الكبرى في تاريخ البشرية، ووقعت هذه كلها حسنها وسيئها في قلب أوروبا الأكثر تحضراً من بين دول العالم حينذاك، ومعها أميركا التي لم تتورع عن إسقاط قنبلتها الذرية على هيروشيما، وهذه القنبلة تفسر كيف اجتمع التحضر مع التوحش، فالقنبلة تلك كانت تتويجاً لأخطر منتجات الفيزياء، والفيزياء هي علم يشمخ بين كل العلوم بصفتها الأكثر حداثةً والأكثر تفوقاً، وكذلك هي الأعمق معنى في صيغة المنجز البشري لدرجة أن الفيزياء أزاحت كثيراً من الأسئلة الفلسفية المحيرة، وقدمت لها إجابات دقيقة وعملية، مما جعل هوكينج يحكم بموت الفلسفة وحلول الفيزياء محلها في التعامل مع الأسئلة المحيرة، وكما أن الفيزياء فائقةُ العلمية فهي كذلك فائقة الوحشية، ولها قدرة هائلة على تنويم العقل لكي ترتع الوحوش حسب عنوان لوحة فرانشيسكو دي غويا، وبمثل ما قتلت الفيزياء الفلسفةَ حسب دعوى هوكينج فقد قتلت العقل بمعنى التعقل رغم أنها منتوجٌ لعقل الإنسان القوي والمتجبر في آن واحد، وكأن العقل ليس للتعقل وإنما فقط لابتكار أخطر الوسائل للتدمير وتحقيق معنى التوحش الذي تفوق به الإنسان على كل الوحوش، ليجمع بين العقل والتوحش وبين التحضر والوحشية، وفي هذه الحال لم يحتج الشر لنوم العقل وإنما احتاج ليقظة العقل وتطوره وتوظيف كل حيله ومهاراته لكي يصنع قنبلةً إذا سقطت على بشر أو حجر أحرقته وأنهته بمراد وتخطيط واع ٍ وعاقل وبصير، وبقرارٍ من رجل انتخبته بلده ليقود أهم ديمقراطية بشرية. وهذا الديمقراطي المتحضر والعاقل والسياسي البارز هو من أمر بإسقاط تلك القنبلة في وقت كان هو في أشد حالات يقظته ووعيه وبشريته، لكنه فاق بفعله كل وحوش الكون وفعل ما لم يفعله أي توحش سابق ولا لاحق (حتى الآن)، وستظل إمكانات العقل البشري أكبر من تصور العقل ذاته، ومهما افترضنا أن العقل أشرف من العاطفة، وأن العاطفة متهورةٌ والعقل متبصرٌ، فإن الذي نكتشفه هو أن العقل أخطر من العاطفة في الحالين، حال البصيرة والتبصر وحال الوحشية والتوحش.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
البحوث الإسلامية: الإسلام ليس ضد التطور ويواكب كل منجزات العصر
قال الدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، إن ما يُردَّد أحيانًا من أن الإسلام لا يواكب التطورات الحديثة أو لا يلائم العصر الحديث هو "قول صادر عن مهزومين نفسيًا"، مؤكّدًا أن الإسلام دين تقدُّم ورُقي، ويملك من التشريعات ما يجعله قادرًا على التفاعل الإيجابي مع كل جديد.
وأوضح الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، خلال تصريح، أن الإسلام منذ لحظته الأولى جاء يخاطب العقل والوجدان، ويرسّخ لقيم التفكير والتدبّر، مشيرًا إلى أن الله تعالى سخّر للإنسان ما في السماوات والأرض جميعًا من أجل رقيّه وتقدّمه، ثم عقّب على ذلك بقوله: "إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون".
وأضاف أن أعمال العقل والعلم والمعرفة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من منجزات حضارية ومكتسبات مادية، ولا يمكن تصور أن يكون الإسلام ضد هذا المسار، بل على العكس، القرآن الكريم أشار بوضوح إلى التقدُّم العلمي والابتكار، في قوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، مؤكدًا أن هذه الآية تُعدّ تهيئة نفسية للأجيال المتعاقبة لاستقبال تطورات واكتشافات ستأتي تباعًا، وهو ما نراه متحققًا في واقعنا اليوم.
وأشار الأمين العام المساعد إلى أن الإسلام لا يرفض هذه المخترعات، بل يضع لها ضوابط شرعية تضمن تحقيق الجانب الآمن والمفيد منها، مؤكدًا أن العالم يشهد اليوم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة في وسائل الاتصال والتطبيقات الرقمية، وعلى المسلمين أن يواكبوها بالاستفادة والإفادة دون تفريط أو تضييع للقيم.
وشدد على أن القرآن الكريم أرشد البشرية منذ البداية إلى طريق المعرفة والعلم بقوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، لافتًا إلى أن هذه الآية تمثل مفتاح الحضارة الإنسانية التي تُبنى على القراءة المنتجة، والمعرفة المسؤولة.
وعن الاستخدام الرشيد لوسائل التواصل الاجتماعي، قال إن الإسلام يوجّه سلوك الإنسان إلى الانضباط اللفظي والأخلاقي، محذرًا من خطورة الكلمة غير المسؤولة، أو المهينة، أو المثيرة للفتن، مؤكدًا أن من صفات المؤمنين أنهم يعرضون عن اللغو، كما قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون".
وأكد على أن الإسلام يربّي أبناءه على المسؤولية في القول والفعل، وأن حضور الإنسان الرقمي لا ينبغي أن يكون منفصلًا عن ضوابط الدين وقيمه العليا في التواصل، قائلاً: "المنصات الحديثة فرص عظيمة إذا أُحسن استخدامها، وهي في ذاتها نعمة، ولكنها قد تتحول إلى نقمة إن فُقدت البوصلة الأخلاقية".