لجريدة عمان:
2025-08-02@15:48:02 GMT

«الرواية والتاريخ والمجتمع».. مرة أخرى!

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

«الرواية والتاريخ والمجتمع».. مرة أخرى!

(1)

لفتتني بشدة الأصداء الواسعة للمقالين المهمين اللذين نشرهما العلامة الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، أستاذ الفلسفة والفكر المعاصر، وهو مفكر مغربي كبير، وروائي أيضًا (له ما يقرب من خمس روايات منشورة) المقالان نشرا على مدى الأسبوعين المنصرمين، بموقع (عروبة 22) تحت عنوان: «الرواية والتاريخ والمجتمع»، والمقال الثاني بعنوان أطول «لا يملك نجيب محفوظ أن يكون مرآة للتاريخ والمجتمع»!

والمقالان معًا (وأظن أن لهما استكمالات في مقالات تالية) هما ثمرة للندوة التي عقدت قبل أسابيع قليلة، بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وفيها تقرر أن يكون نجيب محفوظ هو شخصية المعرض المحتفى بها، في دورة السنة الحالية، وفي هذا الصدد تمت الدعوة إلى ندوة رئيسية عنوانها: «نجيب محفوظ مرآة للتاريخ والمجتمع».

وكنت قد سعدتُ بلقاء الأستاذ القدير ضمن فعاليات معرض أبوظبي للكتاب، واستمعت إلى مداخلته القيمة حول الموضوع في الندوة المشار إليها، وعنها يقول الدكتور بنسعيد العلوي:

«كان لي شرف المساهمة في هذه الندوة بعرضٍ، إلى جانب ثلة من خيرة الباحثين العرب، وبرئاسة لروائية عربية حظيت بجائزة الشيخ زايد للكتاب لهذه السنة، وكانت الفرصة سانحة لي لأعبّر (قارئًا ومنتسبًا إلى دائرة الروائيين العرب) عما أشعر به من اعتزاز لأديبنا العظيم، من جهة، وللتفكير في مسألة الصلة بين الرواية وبين التاريخ، وبين الاثنين وبين علم الاجتماع».

وسأحاول أن أعرض لأبرز ما جاء في مداخلة الدكتور سعيد أولًا، ثم تفصيله لهذا الرأي، ثانيا، في الحديث الذي دار بيننا مباشرة حول الموضوع عقب انتهاء الندوة، ثم ثالثًا الربط بين فحوى هذا الرأي وبين اجتهادات صاحب هذه السطور حول الموضوع ذاته.

(2)

تحدثنا طويلًا، وكثيرًا، حول ضرورة ضبط المفاهيم أولًا، وضرورة التمييز بين عمل كل من «الروائي» و«المؤرخ» و«عالم الاجتماع»، من ناحية، ووظيفة هذا العمل من ناحية ثانية.

أو بعبارةٍ أخرى، ضرورة فك الاشتباك أو فض الالتباس بين هذه الدوائر الثلاث للنشاط الإنساني، ومحورها الإنسان، لكنها تتمايز جميعًا بعد ذلك في الطريقة والوسيلة والإجراء والأداة! فإذا كان التاريخ «علمًا» والاجتماع «علمًا»، فإن الأدب (الرواية) فنٌّ قوامه الخيال وأداته التخييل!

وأنا أتفق مع الطرح الذي جلَّاه كأحسن ما يكون الأستاذ الدكتور بنسعيد العلوي اتفاقًا تامًا.. وقد كتبت كثيرًا وفي مناسبات متفرقة على مدى السنوات العشر الأخيرة ألح، وأشدد في الإلحاح، على التمييز الضروري واللازم بين «الرواية» من ناحية، و«التاريخ» والعلوم الإنسانية (ومنها علم الاجتماع) من ناحية ثانية.

كما أشدد على ضرورة التمييز بين مفاهيم «الرواية التاريخية»، وليس مفهوم واحد ووحيد لـ «الرواية التاريخية»، فأنا أظن أن «الرواية التاريخية» منذ نشأتها لم تظل على «مفهوم» واحد ثابت، بل تطورت فنيا وجماليا ما يجعلنا بكل ثقة نقول: إن «الرواية التاريخية» كما كتبها جورجي زيدان شيء، وكما كتبها نجيب محفوظ وأبناء الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين شيء آخر، وكما كتبها أو التجأ إليها كتَّاب جيل الستينيات ومن تلاهم في مصر والعالم العربي شيء ثالث تمامًا!

ومن ثم فلا بد من مراجعةٍ دقيقة للمفهوم الذي بات يُتداول بكثرة كاثرة ودون ضابط ودون رابط ودون أي تحديد حتى فوجئنا بأننا أمام طوفان من الأعمال الروائية التي تطلق على نفسها «رواية تاريخية» وهي تلجأ أو تستعيد بدايات حضورها في الثقافة العربية كما كتبها جورجي زيدان -مثلا- في أكثر أشكالها بدائية ومدرسية وبما يعلي من وظيفتها التعليمية التبسيطية أكثر من كونها رواية فنية تخييلية تقوم على توظيف جماليات الفن الروائي لتمثيل الموضوع الذي يسعى الكاتب أو الروائي إلى تمثيله مستعينا بمادة تاريخية أو مستلهما لحادثة أو شخصية أو واقعة.. إلخ، لكنها ليست مقصودة لذاتها إنما الغرض منها أن تكون بمثابة القنطرة أو المعبر أو المجاز الذي من خلاله يجسد الروائي فكرته ويمثلها جماليا من خلال توظيف جماليات السرد الروائي.

(3)

وللأمانة العلمية، والدقة التاريخية، لا بد أن نشير إلى التفات أستاذين جليلين؛ أحدهما أستاذ متخصص في الأدب والرواية، هو الدكتور أحمد الهواري، والآخر أستاذ متخصص في التاريخ بل من أكبر وأبرز المتخصصين فيه، هو المرحوم الدكتور قاسم عبده قاسم، تضافرت جهودهما معًا في وقت مبكر لدراسة الرواية التاريخية، وقدما إسهامهما العلمي في كتابٍ اشتهر منذ صدوره بعنوان «الرواية التاريخية في الأدب العربي الحديث»، وقد توقف الدكتور قاسم عبده قاسم مليا أمام ماهية الرواية التاريخية أولا ومعناها ومفهومها الذي تأسست به وظهرت من خلاله في الأعمال الروائية الأولى (سواء في الأدب العالمي أو في الأدب العربي).

إن مفهوم «الرواية التاريخية» لدى الدكتور قاسم عبده قاسم يتسع عن النطاق المحدود لمفهوم الرواية التاريخية في النقد الأدبي أو المصطلح الفني الحديث... ليشمل كل رواية منشورة فما يقصده بالرواية التاريخية هنا «هو أن الرواية تسجيل (تاريخي) لحال المجتمع الذي يعيشون في رحابه بشكل أو بآخر، ذلك أنه يتم في فترة (تاريخية) ويسجل صورة فنية تعكس رؤية الروائي للموضوع أو للظاهرة..

ويقودنا هذا إلى بحث أوجه الاختلاف بين (التاريخ) و(الرواية) بشكلٍ حتمي. ذلك أنه قد يُفهم من الكلام السابق أن التاريخ والرواية متشابهان متماثلان، وهو ما لا أقصده على الإطلاق.

صحيح أن هناك قدرًا من (التاريخية) في أي رواية، وأن هناك قدرًا من (الرواية) في أي كتابة تاريخية. وصحيح، أيضًا، أن هناك قدرًا من الاشتراك في الهدف وفي المادة الخام لكل منهما (أي الإنسان في سياقه الاجتماعي)، ولكن الصحيح كذلك أن بينهما اختلافات عدة تتمثل أهمها في وظيفة المؤرخ ووظيفة الروائي من ناحية، وأسلوب كل منهما في عمله من ناحية أخرى. فضلاً عن أن الفن هو الإطار الذي يحكم عمل الروائي، على حين يجد المؤرخ نفسه مقيدًا داخل حدود المنهج العلمي. وفضلا عن أن الروائي يستخدم خياله بطريقة إبداعية حرة للوصول إلى ما يسميه النقاد (الصدق الفني): فإن المؤرخ لا يمكنه بحال أن يستخدم خياله إلا في إطار الاستنتاج والاستنباط والمقارنة التي تستند إلى حقائق تاريخية موضوعية لا يد له في صنعها».

(4)

والغريب، فيما استلفتني واستلفت الأستاذ الجليل، مع طوفان النشر والكتابة الذي غمر عالمنا العربي في السنوات العشر الأخيرة، وبخاصة فيما أطلق عليه أصحابها «رواية تاريخية» أو تعامل معه قراؤها على أنها «رواية تاريخية»، ثمة التباسات عديدة في المفهوم، وفي الشكل وفي الغرض الذي تكتب من أجله، وكذلك في طبيعة النصوص نفسها التي تدعي لنفسها أنها كذلك!

عدد ضخم من الروايات التي صدرت في العقد الأخير تكاد تحقق حرفيًا المفهوم البدائي للرواية التاريخية، كما كان يكتبها جرجي زيدان، فيما بات يشكل ظاهرة غريبة وعجيبة، ربما يصح أن نطلق عليها «النكوص والارتداد الفني» بالعودة إلى قوالب كتابة الرواية التاريخية في أشكالها الأشد «بدائية»، و«مدرسية»، و«تقليدية»، كما لو كان جرجي زيدان قد بعث من قبره، وأصبح هناك أكثر من جرجي زيدان في كل مكان من عالمنا العربي!

ويبدو أن هذه الظاهرة قد استفحلت وانتشرت وعمت، فاستنفرت الأستاذ الجليل بدوره كي يجدد التنبيه والتذكير وضرورة الفصل بين الرواية من ناحية، والتاريخ من ناحية، وعلم الاجتماع من ناحية ثالثة!

ثم جدد الدكتور العلوي التأكيد على جوهر الفكرة التي تقول: إن الفنان (الروائي) الذي يكتب فنًّا (رواية) له الحرية الكاملة في الاختيار والتصور مما يمكنه من إعادة خلق الوقائع التاريخية لتعبر عن وجهة نظره التي يريد التعبير عنها فيما يكتب، وليس هناك ما يلزمه -عكس المؤرخ أو الباحث التاريخي- سوى الصدق الفني الذي يعكس مدى قدرته على تقديم تجربته التي يصورها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة التاریخیة نجیب محفوظ من ناحیة فی الأدب

إقرأ أيضاً:

بعد تحذير كامشاتكا.. كيف ينشأ تسونامي وما أبرز خسائره التاريخية؟

ضرب زلزال قوي بقوة 8.8 درجة مقاطعة كامشاتكا في شرق روسيا مساء الثلاثاء، ما أدى إلى تحذيرات كبيرة من ظاهرة "تسونامي" في مناطق واسعة حول المحيط الهادئ، تشمل اليابان، هاواي، ألاسكا، تشيلي، كولومبيا.

ووقع الزلزال في موقع قرب بتروباڤلوفسك‑كامشاتسكي بعمق نحو 19.3 كيلومتر، ونتجت أمواج تسونامي بارتفاع بين 3 إلى 5 أمتار على مناطق مثل مدينة سيفيرو‑كوريلسك في جزيرة كوريل الروسية، أدت إلى فيضانات وإجلاء نحو 2000 شخص فوريًا.

أخبار متعلقة "فن الزير" في العلا.. إيقاع شعبي يُجسّد التراث ويُحيي المناسبات الاجتماعيةكيف تستفيد من خدمات المنصة التوعوية للتأمينات الاجتماعية؟تحذيرات إخلاء واسعة

وحسبما جاء في وكالة reuters وموقع DAWN E-PAPERj فقد أصدرت اليابان تحذيرات إخلاء واسعة لمناطق ساحل المحيط الهادئ من هوكايدو وحتى واكاياما، لكنها سجلت أعلى موجة بنحو 40 سنتيمترًا فقط.

أما هاواي فسجلت موجات بارتفاع يصل إلى 1.7 متر، بينما كانت التحذيرات في أجزاء من أمريكا الشمالية قد خُفضت لاحقًا.


.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } تحذيرات من "تسونامي" في مناطق حول المحيط الهادئ - mathrubhumi

وتوسع الإنذار ليشمل دولًا أخرى مثل الفلبين، تايوان، إندونيسيا، المكسيك، سواحل أمريكا الجنوبية.

ورُفعت معظم التحذيرات مع انحسار المخاطر ساعات بعد الزلزال.

كيف ينشأ تسونامي

"تسونامي" عبارة عن سلسلة موجات بحرية ضخمة تنتج غالبًا عن زلزال تحت الماء أو انهيار أرضي بحري أو ثوران بركاني، وأحيانًا بسبب تأثير نيزكي مائي.
تتحرك هذه الموجات بسرعات تصل إلى 950 كيلومترًا/ساعة في أعماق البحار، وترتفع بشكل كبير عندما تدخل مياهًا ضحلة، مسببة دمارًا واسعا عند الشاطئ.

أبرز تسونامي في التاريختسونامي المحيط الهندي – 26 ديسمبر 2004

نتج عن زلزال بلغت قوتُه 9.1 درجة قرب سوماطرة، وأسفر عن مقتل من 225 ألفًا إلى 230 ألف شخص في أكثر من 13 دولة، وتسبب في أضرار مالية تُقدر بعشرات مليارات الدولارات.

WATCH: Huge waves reached the coastline of Hokkaido in Japan after a magnitude 8.8 earthquake struck off Russia's Far Eastern Kamchatka Peninsula https://t.co/Li2cIADwd2 pic.twitter.com/zqiE6lYsS8— Reuters Asia (@ReutersAsia) July 30, 2025زلزال وتسونامي توهوكو – 11 مارس 2011

زلزال بقوة 9.0–9.1 درجة تحت سطح البحر، نتجت عنه موجات تسونامي وصلت إلى 40.5 متر في بعض المناطق، دفعت المياه إلى الزحف حتى 10 كيلومترات داخل اليابسة، وتسببت في أضرار تقدر بنحو 360 مليار دولار تقريبًا.

زلزال فالدفيا – تشيلي 22 مايو 1960

أقوى زلزال مسجل عالميًا (9.4‑9.6) مع موجات تسونامي بارتفاع 25 مترًا محليًا، و10.7 متر في هاواي، وقتل من ألف إلى 6 آلاف شخص.


.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الأمواج ترتفع بشكل كبير عندما تدخل مياهًا ضحلة - National Geographic

تسونامي سانريكو – اليابان 15 يونيو 1896

زلزال بقوة نحو 8.5 درجة تسبب في موجات تسونامي بطول 38.2 متر، وقتل ما بين 22 ألفًا إلى 23 ألف شخص.

تسونامي خليج ليتويا (ميجاتسونامي) – ألاسكا 1958

بسبب انهيار صخري ضخم، تشكّلت موجة بلغت 524 مترًا عند مدخل الخليج، وهي الأعلى من نوعها، مات فيها 5 أشخاص فقط، لأنه حدث في منطقة نائية.

مقالات مشابهة

  • بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غزة؟
  • «الشارقة الثقافية» ترصد سؤال الهوية في الرواية العربية
  • فتح: نرفض تطاول حماس على الأردن ومصر ونثمن مواقف البلدين التاريخية
  • إسعاف المنية يقدم (26) مهمة خلال أسبوع
  • محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
  • عمرو أديب: من يهاجم مصر لن يربح أبدا.. والتاريخ يعيد كتابة نفسه
  • الدكتور محمد عبد اللاه: الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها مصر بسبب موقفها من القضية الفلسطينية مؤامرة
  • بعد تحذير كامشاتكا.. كيف ينشأ تسونامي وما أبرز خسائره التاريخية؟
  • الروائي أشرف العشماوي: بدأت الكتابة عندما كنت وكيل نيابة ولم أخطط لأكون روائيًا |فيديو
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا