القدس المحتلة- على كرسيّ هزّاز يجلس لؤي عريقات في شرفة منزله الخارجية، مراقبا الغيوم خلف الجدار العازل، وينتظر أن تتحرك فوق منزله فهي وحدها التي يشعر أنها تمدّه بالأكسجين النقي الذي يساعده على النهوض يوميا، وتجديد طاقته.

لكن الجدار الإسمنتي القاتم الذي أُقيم على بُعد 3 أمتار فقط من منزله الواقع في بلدة "أبو ديس" شرقي القدس يعكر تلك الأجواء، وقد تحول إلى معاناة لازمت عائلته منذ عقدين.

كانت الشرفة الخارجية ومعظم نوافذ المنزل تطل على مصلى قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى قبل أن تبني إسرائيل جدار الفصل العنصري مطلع عام 2004. وكانت الرحلة من المنزل إلى البلدة القديمة ومسجدها لا تستغرق أكثر من 5 دقائق في السيارة أو الحافلة، لكنها باتت ممنوعة بعد تطويق القدس بالجدار وعزل ضواحيها عنها.

وبحلول يوليو/تموز الجاري، يكون قد مر عقدان على إصدار محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا ينص على أن الجدار الذي تم بناؤه في الضفة الغربية يخالف القانون الدولي، وطالبت في 9 يوليو/تموز 2004 بتفكيكه وتعويض المتضررين.

دقائق معدودة كانت تفصل لؤي عريقات عن القدس والمسجد الأقصى لكن تلك الأيام أصبحت ذكريات (الجزيرة) إطلالة وجدار

بمنطقة "الجبل" في بلدة أبو ديس، يقيم عريقات، وهو صاحب واحد من 5 منازل أُقيمت قبل عقود بهذه المنطقة، وامتلك أصحابها أجمل إطلالة على القدس ومعالمها المهيبة.

وللسير بين الأشجار المثمرة في هذه المنطقة الهادئة رونق خاص، ولمدخل منزل هذا الرجل جماله المميز أيضا، فقد حرص وزوجته حنان على الاعتناء بأدق التفاصيل التي يبعثر جمالها الجدار الإسمنتي العازل بمجرد وقوع نظر الزائر عليه.

ألواح متراصة من الإسمنت رصاصي اللون بارتفاع 9 أمتار حجبت هذه الأسرة عن الإطلالة الاستثنائية على القدس، وحوّلت حياتها إلى جحيم بعد سلخها عن العاصمة المقدسة ومؤسساتها.

رأت عينا لؤي عريقات النور عام 1967، وعاش نحو 4 عقود من حياته ملتحما بمدينة القدس التي امتلأ سجلّ ذكرياته بجمال أزقتها ومطاعمها وقهوتها وكعكها والجلسات في مسجدها وأمام بواباتها العتيقة.

"كان اعتماد أهالي أبو ديس في كافة مستلزمات حياتهم ومشترياتهم على مدينة القدس فقط.. رافقت أمي في كل رحلاتها إلى المدينة.. رائحة "قهوة صندوقة" فاحت لعقود في أرجاء منزلنا، وكعك القدس وخبزها الشهي، و"كُنافة جعفر" وغيرها.. كل ذلك أصبح ذكرى بعد بناء الجدار"، يقول عريقات للجزيرة نت.

منزل عائلة عريقات واحد من 5 منازل قديمة كانت تتمتع بإطلالة على القدس ومعالمها المهيبة قبل الجدار (الجزيرة) نسمع الأذان فقط

ورغم اللون الرصاصي القاتم الذي يُعكّر صفو هذه العائلة، فإن لؤي وبمجرد حديثه عن القدس يبدأ برسم صور متكاملة من المشاهد التي أصرّ على حفرها في ذاكرته، ويرفض أن يضعها في خانة الذكريات فقط، متأثرا بقول الشاعر "أُعلل النفس بالآمال أرقبها.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".

رافقنا الرجل إلى سطح منزله، وبمجرد فتح الباب المؤدي إليه، لاحظنا ابتسامة استثنائية رُسمت على وجهه عند رؤيته قبة الصخرة المشرفة من السطح.. لكنهم ممنوعون من الوصول إليها، كونهم يحملون هوية الضفة الغربية التي لا تتيح إسرائيل لحامليها دخول القدس.

قفزت إلى مخيلته رزمة جديدة من الذكريات التي عاشها مع أبناء جيله عندما كانوا يزورون مطاعم المدينة القديمة، ويستمتعون بعد ذلك بالجلوس على العُشب في ظلال سور القدس التاريخي، ويتحسر على أبنائه الذين حرموا من الاستمتاع بهذه اللحظات "لأنهم كبروا ووجدوا الجدار العازل جارهم".

صعد أحمد (14 عاما) إلى السطح وأطال النظر مع والده إلى قبة الصخرة، ورغم أنه قليل الكلام أفصح للجزيرة نت عن أمنيته بالقول "أن أزور القدس وأصلي في الأقصى لأنني لم أشاهد شيئا في طفولتي سوى الجدار.. أريد أن أكوّن ذكريات جميلة لأن لا ذكريات لدي مع القدس".

بالعودة إلى إحدى غرف المنزل تحولت نبرة لؤي إلى نبرة حزن عندما قال إنهم يسمعون صوت الأذان من الأقصى، لكنهم يعجزون عن تلبية نداء "حيّ على الصلاة" في رحابه الطاهرة.

لا يعلم هذا الرجل ما إذا كان الجدار سيزول يوما أم لا، لكنه يعلم أنه كما صبر 20 عاما على الحياة أمامه سيصبر أياما وشهورا وسنوات أخرى في سبيل الإطلالة على أولى القبلتين رغم الحياة القاسية في الجبل الواقع بين الجدار العازل ومعسكر الجيش الإسرائيلي.

حنان عريقات تفتقد مشهد فتح نافذة غرفتها والنظر إلى قبّة الصخرة الذي اعتادته قبل الجدار (الجزيرة) همّ ومعاناة

تُنصت حنان، زوجة عريقات، بتمعن لسيرة حياة زوجها وعائلته في المكان، وتحدثت هي الأخرى عن ذكريات 6 أعوام عاشتها في المنزل قبل بناء الجدار بعدما تزوجت عام 1998 في أبو ديس، قادمة من حضن عائلتها في الأردن.

وتقول "كانت عائلتي في الأردن تحسدني على إطلالة منزلي.. والآن باتوا يزورون القدس بتأشيرة سياحة، وأنا القريبة من المكان محرومة من ذلك".

كانت حنان تفتح نافذة غرفتها لتنتعش بمنظر القبّة الذهبية وانعكاس الشمس عليها، ثم ترتشف قهوتها الصباحية في الشرفة الخارجية أمام المنظر ذاته، وخلال دقائق تصل إلى باب العامود لتقضي حاجياتها من البلدة القديمة، ولا تعود قبل تأدية صلاة الظهر في الأقصى.

لا شيء من هذا الروتين اليوم بقي على حاله منذ عام 2004، فلا هموم أكبر من هذا الهم، والذي نتج عنه هم آخر نتيجة مرض ابنتها الوحيدة رُبى التي وُلدت في العام ذاته، واستمرت رحلتها العلاجية في مستشفى المقاصد بالقدس 6 أعوام قبل أن تصعد روحها إلى بارئها.

"في البداية لم تكن مقاطع الجدار كاملة.. قفزتُ كثيرا عن السواتر الترابية لأصل بابنتي إلى المستشفى، وعانيتُ كثيرا بعد إحكام إغلاق أبو ديس وصعّب ذلك من رحلتنا إلى القدس.. توفيت ابنتي عام 2010 وقتل الجدار آمالي وحرمني الإطلالة التي كانت تصنع أيامي"، تقول حنان عريقات.

وتضيف أنها كانت في كل يوم تزور فيه القدس تشعر وكأنها تزورها للمرة الأولى فتمعن النظر في المعالم والأماكن وتوثق جمالها بالصور.

وعندما سألناها عن أمنيتها، قالت "أن يزول الجدار العازل.. وحتى يزول أتمنى لو أن لوحا زجاجيا واحدا يتوسط الألواح الرصاصية لأتمكن من رؤية القدس مجددا من نافذة غرفتي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجدار العازل قبة الصخرة أبو دیس

إقرأ أيضاً:

ابنة قاتل وآكل لحوم البشر: طفولتي كانت رعبًا.. صور

ستوكهولم

أصبحت الطفلة السويدية جيمي لي أرو، تُعرف في عيون المجتمع بـ”ابنة آكل لحوم البشر”، عقب ارتكاب والدها، إيساكين جونسون، واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها السويد، حيث أقدم على قتل شريكته وتقطيع جثتها وأكل جزء منها، في واقعة صدمت الرأي العام وهزّت البلاد.

وتحدثت جيمي عن سنوات من التلاعب العقلي الذي مارسه والدها عليها منذ أن كانت في الثالثة من عمرها، حيث قال لها مراراً: “أنتِ أنا.. لكن نسخة أفضل”. وهو ما زرع فيها خوفاً دائماً، وعزلة شعورية عميقة.
وعاشت جيمي لي أرو طفولة مضطربة بين والدين منفصلين، فبعد ولادتها مباشرة، دخل والدها السجن بتهمة السرقة، ولم تتواصل معه حتى بلغت الثالثة. لاحقًا بدأت تزوره في منزله بمدينة سكارا، حيث كان يعيش مع شريكته هيلي كريستنسن، التي التقاها في مصحة نفسية.

وقالت أن العلاقة بين والدها وكريستنسن كانت سامة ومليئة بالعنف، إذ كانت الشجارات المتكررة تتحول من لحظات هدوء إلى مشاهد رعب، جعلتها تخشى أن تنتهي الأمور بجريمة. وتقول: “كنت أصرخ متوسلة لها أن تتوقف عن استفزازه، لكنها لم تكن تصغي، وكنت متأكدة أنه سيقتلها أمامي في يوم ما”، وقبل أيام من وقوع الجريمة، شهدت أرو أعنف شجار بينهما، وكان آخر ما سمعته من كريستنسن: “استمتعي بطعامك، فهذه آخر مرة أطهو لك فيها… سيقتلني”. عندها قررت الطفلة الصغيرة ألا تعود إلى منزل والدها مجدداً.

وكانت أرو تبلغ 9 سنوات وقتها، وتلقت خبر الجريمة من والدتها جانيت. تقول: “شعرت وكأن شيئاً بداخلي تحطم، ولم أعد أشعر بشيء لسنوات”. ومع مرور الوقت، بدأت تدرك تدريجياً حقيقة ما فعله والدها، واكتشفت من خلال الصحف أنه ليس قاتلًا فقط، بل آكل لحوم بشر، وهو ما جعلها تشعر بأنها فقدت هويتها تماماً.

وكان والدها يرسل لها دمى “فودو” مخيفة، ويروي لها تفاصيل جريمته خلال مكالماته، بل وطلب منها ذات يوم “بيع روحها للشيطان”، وهو ما كاد يدفعها للجنون وهي في الثامنة عشرة.

 

مقالات مشابهة

  • إيران تعلن استهداف القاعدة التي انطلق منها القصف على مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون
  • عبير الشرقاوي تتصدر التريند بعد تصريحات جريئة: "كنت بديلة سهير البابلي.. وتجربتي على المسرح كانت مرعبة"
  • الحرس الثوري: استهدفنا القاعدة التي انطلق منها الهجوم على مبنى التلفزيون الإيراني
  • ابنة قاتل وآكل لحوم البشر: طفولتي كانت رعبًا.. صور
  •  غارات جوية تستتهدف مقرات لفيلق القدس 
  • حريق في مدينة إربد بعد اعتراض مسيرة إيرانية كانت تستهدف إسرائيل
  • إدارة سجون الاحتلال تلغي جميع زيارات الأسرى التي كانت مقررة اليوم
  • كانت متجهة لإسرائيل .. سقوط حوالي 11 طائرة مسيّرة في الأنبار
  • قصة الابتسامة الأخيرة لعائلة كانت على متن الطائرة الهندية المنكوبة
  • الغدير حُبٌّ يُوحِّد الأمة من ميراث النبوة إلى إنقاذ القدس