تصاعد الخلافات في إسرائيل حول الحرب والصفقة .. ونتنياهو يعطّلها بـ”مسمار جحا” جديد
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
سرايا - في ظل الأحاديث طالإسرائيلية" عن احتمال سفر رئيس الموساد للقاهرة والدوحة، للمشاركة في المداولات مع الوسطاء، تبدو احتمالات الصفقة ضئيلة، بسبب مثابرة رئيس الحكومة نتنياهو على تعطيلها بطرح “مسمار جحا” جديد، كما فعل في مرات سابقة.
على خلفية ذلك، شهدت "إسرائيل"، أمس، تصعيداً بالمعركة الدائرة على وعي "الإسرائيليين"، بين من يؤّيد وقف الحرب وإتمام صفقة الآن ويعتبرها مصلحة عليا "لإسرائيل"، ومن يزعم أنها خطيرة عليها، فيرفضها ويعطّلها، ويهدّد بتفكيك الحكومة بحال تمّت.
في مراسم إحياء الذكرى العاشرة لحرب “الجرف الصامد” على غزة، في تموز 2014، عبّر وزير الحرب يوآف غالانت عن موقف المؤسسة الأمنية الراغبة بوقف الحرب الآن، وإحراز صفقة، بقوله إن نافذة فرص محدودة قد فتحت لاستعادة المخطوفين. وقبل ذلك، شدد على “نجاحات” جيش الاحتلال في الحرب من ناحية تدمير قوات المقاومة وقتل آلاف من جنودها، وهذه محاولة لقطع الطريق على نتنياهو، الذي يزعم أن وقف الحرب الآن يعني انتصاراً لـ “حماس”. وهذا هو موقف المؤسسّة الأمنية بكل مركباتها، الراغبة، لعدة عوامل، بوقف الحرب، وتحقيق صفقة. وتعبّر عن ذلك بتصريحات وتلميحات وتسريبات، ومن خلال محلّلين عسكريين وجنرالات في الاحتياط مقربيّن منها.
وضمن المعركة المحتدمة على وعي "الإسرائيليين" حول مستقبل الحرب والصفقة، يقول جيش الاحتلال، في الأيام الأخيرة، إن الضغط العسكري ناجع، وحققنا نتائج مهمة، وهذه رسالة "للإسرائيليين" أن الحرب حقّقت أهدافها، وهذا هو الوقت لوقفها.
ليس فقط التقاط الأنفاس
عل سبيل المثال، يتبنّى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل رؤية المؤسسة الأمنية بتأكيده ما يقوله الجيش إن ضغطه العسكري حسّنَ شروط الصفقة. وهذه هي غاية تقرير الجيش عن نجاحه بقتل وإصابة 14 ألفاً من جنود “حماس”، ويبدو أنه يرجح أن يترك مثل هذا المعطى مفاعيل في نفوس "الإسرائيليين"، تخفف شهوة الانتقام والبحث عن انتصار، أو صورة انتصار، في غزة، وتدفعهم لتأييد صفقة.
وقبل ذلك، كشف موقع “يديعوت أحرونوت” عن أن الجيش يعترف بنقص بالدبابات والجنود، نتيجة الحرب المستمرة للشهر العاشر، أطول حرب في تاريخ الصراع، وهذه تسريبات متعمّدة تهدف، على ما يبدو، لإيصال رسالة مبطنّة "للإسرائيليين" مفادها أن الجيش يحتاج لراحة وإنعاش من خلال وقف القتال وعقد صفقة.
صاروخ ياسين يصيب وعي "الإسرائيليين"
لكن البحث عن الراحة والتقاط الأنفاس جزء فقط من حسابات المؤسسة الأمنية، فهي تخشى أيضاً من استمرار حرب الاستنزاف المكلفة بكل المستويات، مثلما تخشى من اندلاع حرب أخرى خطيرة لا تريدها الآن مع “حزب الله”. يضاف لذلك، ترى المؤسسة الأمنية، كبقية الدولة العميقة، وبخلاف رؤية ائتلاف نتنياهو الحاكم، بأن هناك مصلحة إستراتيجية باستعادة المحتجزين من غزة، وأن هذه ليست مهمة إنسانية فحسب: تعي الدولة العميقة أن موت هؤلاء في الأسر مثله مثل توجيه صاروخ لوعي "الإسرائيليين" بشكل مباشر، من شأنه زعزعة ثقتهم بغدهم وبأنفسهم. طيلة عقود قالت الصهيونية، ومن بعدها "إسرائيل"، إن الدولة اليهودية هي الملجأ والمكان الأكثر أمناً لليهود في العالم، وعندما يرون أنهم معرّضَون للخطف من داخل غرف نومهم، ولا يجدون دولة تحميهم وتستعيدهم وتخلّصهم من كابوس الأسر داخل الأنفاق، فإن الرسالة للوعي، خاصة وعي الشباب منهم، خطيرة، وتدفعهم للكفر بالصهيونية، وبالبحث عن أفق جديد في الغرب.
نتنياهو: الضغط العسكري ينبغي أن يتواصل
في ذات مراسم إحياء ذكرى “الجرف الصامد”، كرّر نتنياهو عكس موقف غالانت تماماً، بزعمه ضرورة استمرار الضغط العسكري على “حماس”، والذي يقربها من الانهيار، وهذا تبرير لمواصلة حرب باتت بنظر أوساط "إسرائيلية" مكلفة ومستنزفة وبلا أفق.
ولتعطيل الصفقة، عاد نتنياهو وشدد على ضرورة سيطرة "إسرائيل" على محور فيلادلفيا، وعلى محور “نيتساريم”، ومنع الغزيين من العودة لديارهم في شمال القطاع بحرية، وهذا يتنافى مع المقترح المعلن من قبل الرئيس بايدن، في نهاية أيار الماضي، وهو نص "إسرائيلي" في جوهره، وصادق عليه نتنياهو، ووافقت عليه “حماس” لاحقاً، رغم أنه لا يشمل وقفاً فورياً للحرب.
ويعبّر كاريكاتير “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن “مسمار جحا” الجديد الذي يطرحه نتنياهو لإفشال الصفقة قبل استئناف مداولاتها، حيث يبدو نتنياهو في الرسم سائلاً زوجته سارة: “أقوم بتوضيب حقيبة السفر لواشنطن.. هل نسيت شيئاً؟ وفي خلفية الزوجين نتنياهو تظهر صورة الجنديات المحتجزات في غزة، وخلفها صورة قائد “حماس” إسماعيل هنية، وهذه رسالة بأن نتنياهو نسي المخطوفين.
وكذلك يوجّه رسم كاريكاتير “هآرتس”، اليوم، سهماً ناقداً لفضح ألاعيب نتنياهو، فيظهره وهو متسلق سطح معبر رفح، فيما يقوم غالانت بتقديم سلّم له لينزل، لكن نتنياهو يقول: “مازالت هناك مصاعب”.
تهديد بتفكيك الحكومة
وتعتقد بعض أوساط معارِضة في "إسرائيل" أن نتنياهو، ونتيجة الضغوط الخارجية والداخلية، بات يميل لإتمام صفقة، لكنه يخشى من “مغامرة سياسية”، ومن سقوط حكومته، كما قال الوزير المستقيل بيني غانتس ورئيس المعارضة يائير لبيد.
وفي هذا المضمار، يعبّر المعلق عاموس هارئيل عن قناعة أوساط "إسرائيلية" واسعة ترى أن نتنياهو يتعرّض لضغوط اليمين ويرفض وقف الحرب، ويرفض تشكيل لجنة تحقيق، ويتهرب من صفقة.
وكانت الوزيرة المستوطنة المتطرفة أوريت ستروك (الصهيونية الدينية) قد هدّدت بتفكيك الحكومة، بحال الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم، وهي بذلك تعكس موقف حزبها وحزب بن غفير.
يشار، في هذا السياق، إلى أن هناك مداولات بين "إسرائيل" ومصر لصياغة تدابير أمنية تتيح الانسحاب "الإسرائيلي" من فيلادلفيا، وفق ما قالته إذاعة جيش الاحتلال اليوم الأربعاء، فيما قالت صحيفة “واشنطن بوست”، اليوم، إن هناك اتفاقاً أمريكياً "إسرائيلياً" بنقل السيطرة الأمنية داخل القطاع لجهة أوروبية بمشاركة السلطة الفلسطينية.
بلادة الإحساس وجلد الفيل
وتدرك عائلات المحتجزين بتجربتها الطويلة المرّة أن نتنياهو غير معني بالصفقة، وإنه يماطل حتى صعود ترامب، ولذا صعدت، أمس، مساعيها لكسب الشارع ضمن المعركة على وعي "الإسرائيليين"، فبادرت، للمرة الأولى في هذا التوقيت الآن، لنشر صورة جنديات محتجزات داخل غرفة في غزة، وهن جريحات وخائفات، في محاولة لزعزعة الحكومة، واستدرار تعاطف "الإسرائيليين"، مدركة أن الوزراء يمتلكون جلداً أسمك من جلد الفيل، ولا يكترثون لأوجاعها.
وعلى هذه الخلفية، توجّه المعلقة السياسية البارزة في “يديعوت أحرونوت” سيما كادمون انتقادات لحكومة الاحتلال، بقولها إنها تمتاز ببلادة إحساس بهيمية. وتضيف: “يمكن فهم لماذا امتنعت عائلات الجنديات المراقبات عن نشر صورتهن في الأسر في البدايات، وما لا يمكن فهمه كيف وصلت هذه العائلات للحالة اليائسة، حيث تضطر لنشر الصورة المدهشة الصادمة، على أمل أن تحرك وتدفع نحو صفقة تستعيدهن”.
ويبدو أن كل ذلك لا يغيّر موقف نتنياهو الباحث عن البقاء في التاريخ وفي سدة الحكم وخارج السجن بسبب تهم فساد خطيرة، إلا إذ ا شعر أن حكومته منهارة حتماً، فعندها سيوافق على إتمام صفقة، أو صفقة جزئية يطبّق فيها المرحلة الأولى، ليعاود الحرب عل غزة بعد شهرين.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: المؤسسة الأمنیة أن نتنیاهو وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
مخاوف إسرائيلية من لقاء مصيري يجمع ترامب ونتنياهو نهاية الشهر
تبدي أوساط إسرائيلية مخاوفها من "اللقاء المصيري" بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو في واشنطن نهاية الشهر الجاري، على توقع مجموعة واسعة من المطالب الأمريكية بشأن الأوضاع في قطاع غزة، لعل أبرزها الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية.
وقالت المحللة الإسرائيلية في صحيفة "معاريف"، آنا بارسكي، إن شعورا غير سار يتشكل في "إسرائيل" قبل رحلة بنيامين نتنياهو إلى ميامي في نهاية الشهر، فهذه المرة، لن ينتظره ترامب بعناق دافئ وصورة لحديقة متألقة فحسب، بل بحقيبة مليئة بالمطالب.
وشددت على أن ترامب "سيحوّل نتنياهو إلى زيلينسكي" خلال اللقاء الذي سيجمعهما في التاسع والعشرين من الشهر الجاري وجهاً لوجه في منتجع مارالاغو. رسمياً، يتضمن جدول الأعمال: الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة، إنشاء قوة متعددة الجنسيات، ونزع سلاح حماس، وإعادة إعمار المناطق المدنية.
وقالت بارسكي، إن الاجتماع "سيقرر ما إذا كانت إسرائيل لا تزال تتحكم في سياستها، أو ما إذا كانت الآن مجرد لاعب آخر في عملية دولية تُدار من الدوحة وأنقرة وواشنطن".
وشددت المحللة الإسرائيلية على أن ما يثير القلق الشديد بالنسبة لإسرائيل هو أن الموقف الأمريكي في الشهرين الماضيين بشأن نقطتين أساسيتين، الوجود التركي في قوة الاستقرار، وترتيب العمليات ضد حماس، قد ابتعد عن الخط الإسرائيلي.
في غضون ذلك، يتزايد الضغط على "إسرائيل" للمضي قدمًا في المراحل الأخرى، حتى في غياب جدول زمني واضح لتفكيك الجناح العسكري لحركة حماس بالكامل. وهنا تحديدًا تبرز أهمية الدوحة. فقطر لا تخفي نيتها في دفع إسرائيل إلى المرحلة الثانية، وتستفيد من التفويض الإقليمي الذي حظيت به، فضلًا عن نفوذها الشخصي على ترامب. وفق ما قالته بارسكي.
من جانبها، تسعى تركيا إلى ترسيخ مكانتها كطرف قادر على الحوار مع الجميع، الأمريكيين، وحماس، والمصريين، وفي خضم ذلك، تحجز لنفسها مكاناً على رمال غزة. ترامب يصغي جيداً لكلا الطرفين.
إلى جانب ذلك، يقوم الأمريكيون ببناء آلية تسمح لهم بالضغط على الزر حتى بدون موافقة إسرائيلية كاملة: تعيين جنرال أمريكي برتبة نجمتين لقيادة القوة الدولية، وإنشاء "مجلس سلام" برئاسة ترامب يتولى إدارة الأموال والمشاريع والإشراف، وذلك بدون وجود جندي أمريكي واحد على الأرض، ولكن مع سيطرة أمريكية شبه كاملة على مسار إعادة الإعمار. بعد بناء هذا الإطار، سيكون السؤال الذي ستوجهه لنتنياهو في ميامي بسيطًا: هل تنضم باختيارك، أم أنك تُصنّف كمُعرقِل للتقدم؟ تقول المحللة الإسرائيلية.