#لغتنا_الجميلة
د. #هاشم_غرايبه
من أكثر المتعمقين في فهم القرآن الكريم بناء على التفسير اللغوي هو الدكتور فاضل السامرائي، ومن أجمل ما قاله في تفسير السور التي تبدأ بالحروف المقطعة، والتي لم يفطن إلى تلك الدلالات غيره من قبله، ملاحظته على اتفاق كل السور التي تبدأ بالحروف ذاتها على بينها ارتباط في طرح الموضوع ذاته.
فكل السور التي تبدأ بـ (ألم) وهي سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت والأعراف والروم ولقمان والسجدة والرعد، جميع هذه السور تتحدث عن بداية الخلق ووسطه ونهايته.
ويربط ذلك بمخارج هذه الحروف الثلاث : فمخرج حرف الألف هو الحلق وهو بداية مخارج الحروف، واللام حرف لساني وهو منتصف تلك المخارج، والميم حرف شفوي والشفتان هما نهاية مخارج الحروف.
وكل السور التي تبدأ بحرف الطاء وهي: سورة طه وتبدأ ب (طه)، وسورة الشعراء (طسم)، وسورة القصص (طسم)، وسورة النمل (طس)، جميعها تبدأ بقصة موسى.
وكل السور التي تبدأ بـ (حم) فهي تبدأ جميعها بذكر القرآن أو بالقسم به:
فسورة غافر تبدأ بـ: “حمٓ . تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ”.
وسورة الشورى تبدأ بـ “حمٓ . عٓسٓقٓ . كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ”
وسورة الأحقاف تبدأ بـ: “حمٓ . تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ”
وسورة فصلت تبدأ بـ: “حمٓ . تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ . كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ”
وسورة الدخان تبدأ بـ: “حمٓ . وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ . إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ”
وسورة الزخرف تبدأ بـ: “حمٓ . وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ . إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ”
وسورة الجاثية تبدأ بـ: “حمٓ . تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ”.
فهل ذلك كله مجرد مصادفة!؟.
والمتبحر المتأمل في القرآن، يجد الكثير من التوافقات غير ذلك الذي وجده السامرائي ، ومثلما كانت فواتح الآيات القرآنية مرتبطة بمضمونها، فقد كانت نهاياتها أيضا.
فعند ذكر الآيات التي تبين الذنوب والمعاصي والحض على تركهما، تكون قفلة الآية بصفتي الله المتلازمتين (الغفور الرحيم)، وذلك لتشجيع من أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي على التوبة والعودة الى الصلاح، وتكون المغفرة مقدمة دائما على الرحمة، لأن من بيده أمر المغفرة من عدمها هو الله، ومغفرته هي دائما الأساس بسبب أنه رحيم بعباده، فلا يحب لهم ما يستوجب عذابه.
لقد وردت (غفور رحيم) في نهاية إحدى وسبعين آية، وهما أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى وردا مقترنين في القرآن الكريم.
ومن أكثر الآيات التي استوقفت المفسرين طويلا هي الآية 118 من سورة المائدة: “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”، وهي وردت على لسان عيسى عليه السلام في معرض تبرئه يوم القيامة من أفعال من عبدوه من دون الله، إذ أنه عندما يكون هنالك ذنب يطلب المرء فيه الغفران من الله، فالمفترض أن تنتهي الآية بقوله (انك أنت الغفور الرحيم)، فلماذا جاءت هنا: ” فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “؟.
ان ذلك جاء لعظم الذنب الذي اقترفه هؤلاء، فلم يكن الطلب بالعفو عنهم والمغفرة، بل ببيان الخضوع لأمر الله وحكمه، إن شاء عفا عنهم أو شاء عذبهم، فليس المقام هنا موقف استرحام وطلب عفو مثل طلب محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة المغفرة لمن شهدوا بأن لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، لأن ذنب الشرك أعظم الذنوب، وأكثرها إغضابا لله، لذا فلا يجرؤ أن يتشفع فيها أحد.
لذا جاءت قفلة الآية بصفتي الله العزيز الحكيم، اللتان تأتيان مع ذكر الشدة التي تستوجبها القدرة والحكمة في تنفيذ قضاء الله، لتنفيا عن النبي عيسى عليه السلام أنه يسترحم الله فيمن جاءوا على الله بقول عظيم تنهد منه الجبال لهوله.
هكذا نفهم لماذا اختار الله تعالى اللغة العربية لحمل كتابه العظيم، ففي سعة ألفاظها ودقة معانيها ما يمكنها من أداء المعنى المراد بلا لبس ولا غموض. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: لغتنا الجميلة تبدأ بـ
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي يكشف أسرار بلاغية وراء اختيار الله الذهب والأخضر في وصف الجنة.. فيديو
كشف الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عن أسرار بلاغية عميقة وراء اختيار ألفاظ محددة لوصف نعيم أهل الجنة في القرآن الكريم، مُسلطًا الضوء على دلالات "الذهب" و"اللون الأخضر" وهيئة "الاتكاء" ولباس "السندس والاستبرق".
أوضح الجندي خلال برنامجه "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة "dmc"، سر استخدام القرآن لكلمة "الذهب" لتزيين أهل الجنة، متسائلًا: "لماذا لم يذكر الألماس أو الياقوت وهما أغلى؟". وأجاب بأن القرآن يخاطب الناس بما يعرفونه وبما يمثل أقصى أمانيهم ومقاصدهم الدنيوية، واستدل بالآية: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ﴾، مُشيرًا إلى أن الذهب والفضة كانا منتهى آمال العرب آنذاك، فخاطبهم القرآن بما هو معروف لديهم.
وفي سياق متصل، بيَّن الشيخ أن اختيار "اللون الأخضر" لثياب أهل الجنة ليس عبثًا، بل يرتبط دائمًا في الذهن البشري بـ "الحدائق والظلال" المريحة للنظر، وهو ما يعكس طبيعة الجنة الخضراء.
وفيما يخص لباس الجنة، أوضح الجندي الفرق بين نوعي الحرير المذكورين وهما السندس: وهو الحرير الرقيق الشفاف والاستبرق وهو الحرير السميك أو المتكاثف، موضحًا أن لباس أهل الجنة يجمع بينهما؛ حيث يُلبس السندس فوق الاستبرق ليجمع بين جمال الرقة والستر في آن واحد.
وأشار إلى ملاحظة لافتة في وصف حال أهل الجنة، وهي أن القرآن لم يذكر أنهم "جالسون" أو "نائمون" أو "واقفون"، بل كانت الهيئة الوحيدة المذكورة هي "متكئين فيها على الأرائك".
واعتبر أن "الاتكاء" هو الراعي الرسمي المعتمد لأهل الجنة، لأنه يدل على أقصى درجات الراحة التامة، وزوال الكلفة التامة التي تُلزم الإنسان بالاحترام والوقار في الدنيا، ليتحقق لهم النعيم والاطمئنان الكامل.
اقرأ المزيد..