سواليف:
2025-06-13@13:01:23 GMT

بلا مجاملة

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

#بلا_مجاملة

د. #هاشم_غرايبه

من شباك غرفة مكتبي، تلوح أمامي لافتة عتيقة تحمل اسم أحد مكاتب المحاسبة والتدقيق، أذكر أن الكتابة فيها كانت بالأسود على أرضية حمراء، مع الزمن بهتت الألوان فغدت الأرضية صفراء باهتة وقاربت الكتابة على الإمحاء، تصعب قراءتها، فاصبحت مجرد قطعة معدنية رمادية مغبرة، تصر على البقاء في مهب الريح، رغم فقدانها لمضمونها.


لا أعرف لماذا يذكرني مرآها دائما بحال اليسار في بلادنا، فقد كان قديما زاهيا باللون الأحمر، عنوانا للثورية، والتي لم تقنع أحدا سوى “جيفارا”، فسار وراء وهمِ التضامن الأممي ودعم المعسكر الشيوعي للثوار، لكنه لم يعرف الحقيقة الكئيبة (الدعم بالشعارات فقط)، إلا بعد أن وقع بأيدي المخابرات الأمريكية وقضت عليه وعلى حلمه بتحرير جمهوريات الموز من الهيمنة الإمبريالية.
الضحية الثانية للوهم الخادع كانت منطقتنا العربية، اعتقد العرب كونهم مثل دول أمريكا اللاتينية ضحايا للغرب مصاصي دماء الشعوب، أن اليسار يعني انقاذهم من استبداد سلطات أقاليم (سايكس – بيكو)، وحلموا أن يعمل رافعوا الرايات الحمراء هذه (المناضلون ضد الإمبريالية) على تحقيق حلمهم بتولي المخلصين السلطة، من أجل تقدمهم وتحقيق متطلبات الحياة الكريمة لهم مثل باقي خلق الله.
كان خطأ اليساريين العرب الأكبر أنهم وجهوا نضالهم الأساسي ضد الدين عقيدة الأمة، وكان السبب لذلك أمران: الأول أنهم لإصابتهم بالعوز الفكري وعدم قدرتهم على استنطاق الواقع، ولأن معظم قادتهم من معادي الإسلام أصلا، ويبحثون عن بديل فكري له، فقد استنسخوا الأفكار الماركسية من غير التنبه الى أنها غير مطابقة لمقتضيات وضعنا، لأنها خرجت من رحم معاناة الأوروبيين المسحوقين (العمال والفلاحين) من قبل تحالف الإقطاعيين مع رجال الكنيسة، ولم يستوعبوا أن الدين (الإسلام) مختلف تماما عن مؤسسة الكنيسة، كما أنه لم تكن هنالك طبقة ارستقراطية حقيقية عربيا، لعدم وجود قاعدة تصنيعية أو تجارية، بل كانت أسباب معاناة المسحوقين من أمتنا، تسلط الأوروبيين الإمبرياليين على قوت الناس بواسطة الأنظمة العربية وأعمدتها المحلية ، لذا كان القص واللصق لتلك الأفكار في غير مكانه، وباتت ناشزة عن الفهم الشعبي بل ومرفوضة.
والسبب الثاني لمعاداتهم للدين كان لدوافع الأنانيات التنظيمية، فكان منافسوهم الأكبر في الساحة الوطنية هم الإخوان المسلمون، لذلك اعتقدوا أن مهاجمة الأساس الذي يرتكزون عليه وهو الإسلام سيضعفهم ويخفف من الإقبال عليهم.
ورغم أن التيار القومي كان منافسا آخر قويا لليساريين، إلا أنه لم يكن مقلقا، لأنه كانت تنقصه القاعدة الفكرية، فاستورد المفردات اليسارية الإشتراكية في أدبياته.
بقي اليساريون العرب عقودا طويلة يعتاشون على شعارات العدالة الإجتماعية ومقارعة الإمبريالية، ويؤمّلون الجماهير العطشى الى التحرر واستعادة فلسطين الأماني إن استولوا على الحكم، لكن نضالهم عمليا لم يكن سوى صراع على البقاء على جبهتين: قمع السلطة من جهة، ومع الرفض الجماهيري لتبني أفكارهم والإنضمام لهم من جهة أخرى، لذا فلم تكن لديهم خطة عملية للوصول الى الحكم، غير حلم أن تحملهم الجماهير الثائرة إليه حملا.
حصل اليتم والضياع بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، والذي كان ضربة قاصمة للشيوعية وذويها من الماركسيين واليساريين، فتشتت الأتباع وتراجع المؤيدون.
استثمرت الأنظمة حالة الضياع هذه، فالتقطت الشاردين منهم، واتبعت معهم سياسة الاجتباء، فمنهم من استفادت من مواهبهم التنظيرية فأوكلت إليهم مهماتها الإعلامية، وآخرين أهّلهُم كرههم لٌلإسلاميين لتبوء مواقع في الأجهزة الأمنية، بعد إذ لم يعد معارضا في الساحة غير الإسلاميين، لأن القوميين الذين طالما كانوا العنصر الثالث في المعارضة الوطنية، انحازوا بعد الثورات العربية الى صفوف الأنظمة.
وفي النهاية يجب أن أوضح أنني في استخدامي لمصطلحات: القوميين – اليساريين – الإسلاميين لا أعني أحزابا بعينها، بل تيارات قوامها مثقفون يؤمنون بذلك الفكر، وليسوا بالضرورة منخرطين جميعهم في العمل الحزبي المنظم.
وبعد، آمل أن أكون بهذا العرض الموجز لمآلات فصيل وطني كان الشارع يعتبره ذخرا وسندا، قد أضأت زاوية من واقعنا المعاصر، وقد لا يكون فيما أوردته جديد على المطلعين، لكنه في معظمه خافٍ على أغلب الناس.
كما أنه ليس تأريخا توثيقيا، بل هو لمحات تاريخية لما أعرفه وعايشته واقعا، وأزعم أنني كنت منصفا، لكنني لا أدّعي الحياد، فلا يجوز للمثقف أن يكون محايدا إن تعلق الأمر بعقيدة أمته وهمّها.

مقالات ذات صلة هل سيغلق الأردن حدوده مع الضفة؟ 2024/09/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

الأزهر: الإفراط في استخدام مواقع التواصل إهدار لقيم الإسلام في الاعتدال

 حذّر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن شَغْل جميع الأوقات بهذه الوسائل يُعد إهدارًا لقِيَم الاقتصاد والاعتدال والتوسط التي شدد عليها الإسلام ودعا إليها في سلوك المسلم اليومي.

يأتي ذلك في إطار حملة "مفاهيم" التي أطلقها مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية للتوعية المجتمعية. 

ونشر المركز عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" منشورًا توعويًّا جاء فيه: "شغل جميع الأوقات باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي إهدار لقيم الاقتصاد والاعتدال والتوسط التي حض عليها الإسلام"، مؤكدًا أن هذه السلوكيات لا تتماشى مع تعاليم الدين الحنيف الذي يوازن بين متطلبات الروح والجسد، والدنيا والآخرة.

وللتأكيد على هذه المعاني، استشهد المركز بحديث النبي محمد ﷺ الذي قال فيه:
«السَّمْتُ الحَسَنُ، وَالتُّؤَدَةُ، وَالاِقْتِصَادُ، جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [رواه الترمذي]، وهو حديث يُبرز أهمية التوازن والاعتدال في حياة المسلم، سواء في سلوكه أو تعامله مع مستجدات العصر.

التغيير إلى الأفضل.. أزهري يكشف عن أهم علامات الحج المبرورمرصد الأزهر: سياسة التجويع سلاح تستخدمه التنظيمات المتطرفة لكسر إرادة الشعوبهل أغاني أم كلثوم حرام؟.. عالم أزهري يكشف 3 أحكام فقهية للفنبتشجع على الإجرام.. أزهري ينفعل بسبب كلمات أغنية ويخلع العمامة

وأوضح المركز أن الإسلام لا يُعارض استخدام التكنولوجيا الحديثة أو الانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه يرفض أن يتحوّل استخدامها إلى عادة تستهلك الوقت وتُبعد الإنسان عن أولوياته الأسرية والعملية والروحية، مشددًا على ضرورة ترشيد هذا الاستخدام بما يخدم الفرد والمجتمع.

وتأتي هذه التوعية في وقت تتزايد فيه مؤشرات الإدمان الرقمي، خاصة بين الشباب، وتنامي ظواهر العزلة الاجتماعية والانشغال المفرط بالمحتوى الافتراضي على حساب الواقع المعاش، وهو ما تسعى حملة "مفاهيم" إلى مواجهته من خلال تصحيح الفهم وتقديم الرؤية الإسلامية المتوازنة تجاه قضايا العصر.

طباعة شارك مواقع التواصل مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ضياع الوقت اهدار القيم

مقالات مشابهة

  • بلحاج لـعربي21: إسرائيل ضربت الأمة لا إيران.. وصمت الأنظمة العربية لن يحميها
  • لنا وطن نحلم به.. لا يشبه ما صنعته الأنظمة
  • شرطة الشارقة تطلع نظيرتها بدبي على الأنظمة الذكية
  • السيد القائد ينتقد تواطئ بعض الانظمة مع العدو الصهيوني
  • الأزهر: الإفراط في استخدام مواقع التواصل إهدار لقيم الإسلام في الاعتدال
  • ذكاء اصطناعي يتحول لطُعم.. قصة احتيال بنظام بونزي بنيجيريا
  • ماذا نريد لأنفسنا عندما نريد الحلول لأزماتنا؟
  • في زمن العار.. حين تُشترى العبودية بالإرادة
  • خبير أمني إسرائيلي: جميع الأنظمة الاستعمارية دعمت وسلحت عصابات مثل أبو شباب
  • ما هي أهداف الحرب في الإسلام وشروطها؟ .. علي جمعة يجيب