هاريس وسياسات بايدن الاقتصادية والخارجية
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
في مسائل السياسة الخارجية لدى رئيس الولايات المتحدة سلطات واسعة. ويلاحظ دارسو السياسة وخبراؤها أن سلطة الرؤساء الأمريكيين ظلت «تزداد دون هوادة على مرِّ العقود». هذا يصح خصوصا في أمور الحرب والسلام. فرؤساء الولايات المتحدة يمكنهم تسخير أدوات لا نظير لها في إدارة شؤون الدولة العسكرية والاقتصادية.
لكنها ستتعرض لضغوط على كلا الصعيدين. فلا يزال هنالك انقسام وسط الناس تجاه سياسة بايدن الاقتصادية. وبالنسبة للسياسة الخارجية تم تأطير بايدن بواسطة الجمهوريين بوصفه الرئيس الذي سيترك خلفه حربين كبيرتين مشتعلتين.
المجال الذي قد ترغب هاريس في اتخاذ مقاربة مختلفة فيه هو الموقف من غزة. لكن الضغط الذي يواجهها للسير بخطى حذرة سيكون هائلا. فالحرب هي المجال الذي يمكن أن يهدد مكانتها الجديدة والقوية.
طرفا السباق الرئاسي (حتى الآن) متعادلان كما يبدو مع تقدم هاريس بنقاط قليلة في استطلاعات عديدة على الرغم من أن الأغلبية من الأمريكيين المؤيدة لأيٍّ من المعسكرين (الديمقراطي أو الجمهوري) لا تزال منحازة كل منها لمعسكرها؟ وفي هذا السياق سيكون إقبال الناخبين على التصويت بالغ الأهمية وقد يحدد نتيجة الانتخابات. بالنسبة للديمقراطيين ذلك يعني أن تجدد «الحماس» للمشاركة في الاقتراع حاسم للفوز.
كشف مؤتمر الحزب في الشهر الماضي بالضبط ذلك التحول في المزاج الذي احتاجه الحزب. فبعد شهور من السخط وسط الناخبين جدد ترشح هاريس حماسهم. الآن حوالي 78% من الناخبين الديمقراطيين وذوي الميول الديمقراطية «أكثر حماسا من المعتاد» مقارنة بـ 55% في مارس. لقد فاق حماسهم نسبة الناخبين الجمهوريين الذين هم أيضا أكثر حماسا اليوم والتي بلغت 64%. انعكس ذلك في التبرعات المالية. فقد جمعت حملة هاريس - وولز أكثر من 540 مليون دولار منذ تدشينها.
رسالة البهجة والأمل التي بعثت بها هاريس تجمع بين البراجماتية (بمعني أفعل شيئا) مع مجموعة من السياسات التي تستهدف جعل الحياة اليومية ميسورة للعاملين الأمريكيين. كل هذا يرتكز على توقعات واقعية عبَّر عنها الرئيس أوباما بقوله «لا تقلل أبدا من تقدير خصمك».
الجمهوريون يعدِّلون وضعهم بسرعة. فبعدما عززوا جهودهم لكسب تأييد ناخبي الطبقة العاملة البيضاء التقليدية والمحافظة وخصوصا الذكور يعلن الآن الرئيس السابق ترامب عن سياسات قد تتجاوز جاذبيتها قاعدته الانتخابية بما في ذلك جعل علاج الخصوبة متاحا للأمريكيين العاديين. شرع ترامب سلفا في مهاجمة هاريس مؤطرا إياها كشيوعية. قد يكون ذلك التأطير فعالا بالنسبة لبعض الناخبين. لكن هذه الأساليب الاستقطابية تهدد بالحلول محل ما هو مطلوب بشدة. أي إجراء حوار سياسات جاد حول دور التدخل الحكومي في الاقتصاد.
كلا الحملتين الانتخابيتين الديمقراطية والجمهورية تستهدفان الأمريكيين أعضاء الطبقة الوسطى (اقرأ الطبقة العاملة) وتخاطبان حاجة حقيقية للاستثمار في تحسين أوضاع الحياة اليومية لغمار الناس في الولايات المتحدة. بالنسبة لهاريس هذا يعني المزيد من الإسكان الميسور وسياسات دعم الأطفال وخفض تكاليف العلاج.
في أوساط خبراء السياسات والجمهوريين وحتى وسط الديمقراطيين هنالك عدم ارتياح من سياسة بايدن الاقتصادية (بايدنوميكْس). مع ذلك يبدو وكأن رئاسة هاريس ستواصل تبنّي مقاربة الرئيس بايدن.
هاريس تعارض بشدة الرسوم الجمركية المقترحة من بايدن (تتراوح بين 10% إلى 20% على معظم الواردات وأكثر من 60% على السلع الصينية). فهي تُقِرُّ، وأيضا معظم الاقتصاديين، أن هذه الرسوم قد تصبح عمليا ضريبة على المستهلكين. بدلا عن ذلك ستستمر هاريس في اتباع سياسات بايدن باستخدام الرسوم الجمركية انتقائيا. مثلا بفرضها على الواردات من شرائح أشباه الموصلات.
يدعو البعض هاريس بأن تجعل مسافة بين برنامجها الاقتصادي وبرنامج ترامب أكبر من خلال الوعد بسياستين منحازتين للنمو هما إصلاح نظام الهجرة القانوني بالولايات المتحدة والتوسع في اتفاقيات التجارة الحرة.
ستساعد سياسات إعادة بناء الطبقة الوسطى في التقليل من الخوف الذي يقسّم الأمريكيين ويغذي شيطنة المهاجرين. لكن من الصعب تسويق مثل هذه السياسات في الولايات المتحدة. يقول 51% من الأمريكيين إنهم يفضلون حكومة محدودة تقدم خدمات أقل (أي حكومة أقل تدخلا في شؤون الاقتصاد والمجتمع- المترجم). وهذا يعكس انقسامات حزبية. لقد كشف استطلاع في يونيو أن 79% من ناخبي ترامب يريدون دورا أصغر للحكومة و74% من ناخبي بايدن يريدون دورا أكبر.
بالنسبة لباقي العالم تثير الخطوات التالية التي ستتخذها الولايات المتحدة في السياسة الخارجية اهتماما كبيرا. قدم خطاب هاريس في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي وأيضا المقابلة التي أجرتها معها شبكة «سي أن أن» مفاتيح قليلة في هذا الصدد. لكن حتى الآن معظم المؤشرات تدل على أن سياسة هاريس الخارجية ستكون استمرارا لسياسة بايدن.
يعتقد الجمهوريون الذين يرفعون شعار ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) أن على الولايات المتحدة التركيز على الصين وأن أوروبا يلزمها أن تُعنَى بأمنها هي نفسها. أكَّد جيه دي فانس المرشح لمنصب نائب ترامب هذا الموقف وقدم تنظيرا له. على النقيض من ذلك أشارت هاريس في خطابها أمام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي إلى أن الدور القيادي للولايات المتحدة يرتكز على قيمها. وتمسّكت مثلها مثل بايدن بحلفاء وشركاء الولايات المتحدة.
في مقابلة «سي أن أن» أكدت هاريس أيضا على دورها في مقاضاة المنظمات الإجرامية العابرة للحدود، موحية بذلك إلى أن القانون سيكون أحد أهم أولويات إدارتها. أحد الأسئلة التي ظلت بلا إجابة هو كيف ستوازن بين تمسُّك الولايات المتحدة الشديد بسيادتها وتدخلات المؤسسات القانونية الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية؟
إلى ذلك، عبّرت هاريس عن تأييدها القوى لكل من أوكرانيا وحلف الناتو. وحول الصين، أوضحت في المؤتمر أنها ستعمل على ضمان» فوز الولايات المتحدة وليس الصين في المنافسة على (الصدارة) في القرن الحادي والعشرين». كما بدت عازمة على عدم تودُّد الولايات المتحدة تحت قيادتها إلى قادة من أمثال كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين. وربما ما هو أكثر مدعاة إلى الدهشة تصريحها بأنها كقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية ستعمل على ضمان «أن تكون لدى الولايات المتحدة دائما القوة المقاتلة الأقوى والأكثر فتكا في العالم». لكن اتضح وجود بعض الاختلاف في النظرة بين هاريس وبايدن. ففي مؤتمر الحزب الديمقراطي تجنبت هاريس التأطير الصارخ للسياسة الدولية (كمواجهة) بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية.
وحول إسرائيل وفلسطين، تحدثت بأسلوب عاطفي عن معاناة الشعب الفلسطيني. كما أوضحت في حذر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وتحدثت بانفعال عن معاناة الرهائن وهجمات 7 أكتوبر.
سياستها في هذا المجال من بين تلك التي ستُراقَب بعناية في الأسابيع القادمة. فهل سيكون في مقدور هاريس رسم سياسة مخالفة عن بايدن مع استمرار تعثر محادثات السلام بين إسرائيل وحماس؟ وهل سيطالب الناخبون الذين تشكل لهم غزة عاملا حاسما بتغييرٍ في سياسة الولايات المتحدة؟
الأيام المقبلة لن تكون أيام حملة انتخابية عادية. لم يسبق أبدا في تاريخ الولايات المتحدة الحديث أن كان لمرشح رئاسي كهاريس مثل هذا الوقت الضيق لترسيخ وضعها. وستكون المناظرة الرئاسية في 10 سبتمبر (بين هاريس وترامب) اختبارا لقدرة هاريس على التصدي في التَّوِّ واللحظة لأكاذيب ومراوغات ترامب وفي الوقت ذاته تقديم نفسها وبرنامجها للشعب الأمريكي.
ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) وأستاذة العلاقات الدولية بمدرسة الدراسات الشرقية والآسيوية - جامعة لندن ورئيسة هيئة التدريس بأكاديمية الملكة إليزابيث الثانية بالمعهد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هاریس فی
إقرأ أيضاً:
انخفاض أسعار الذهب عالميًا بعد اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
صراحة نيوز- تراجعت أسعار الذهب يوم الاثنين إلى أدنى مستوى لها خلال أسبوعين تقريبًا، بعد أن أدى التوصل إلى اتفاق تجاري إطار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تقليل الطلب على الملاذات الآمنة.
وانخفض سعر الذهب في السوق الفوري بنسبة 0.1% ليصل إلى 3332.39 دولار للأوقية بحلول الساعة 00:20 بتوقيت غرينتش، مسجلًا أدنى مستوياته منذ 17 يوليو. كما تراجعت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنفس النسبة إلى 3332.50 دولار للأوقية.
وجاء هذا التراجع عقب إبرام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفاقًا تجاريًا إطارياً الأحد، يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم السلع الأوروبية، وهو نصف النسبة التي كانت الولايات المتحدة تهدد بفرضها سابقًا. ونجح الاتفاق في تفادي اندلاع حرب تجارية أوسع بين الحليفين، اللذين يشكلان نحو ثلث التجارة العالمية.
ويشابه هذا الاتفاق في أبرز بنوده الإطار الذي تم التوصل إليه سابقًا بين واشنطن واليابان، لكنه يترك عدة قضايا أخرى مفتوحة للنقاش.
وشهدت ثقة المستثمرين تحسنًا بعد الاتفاق، حيث ارتفعت العملات الأوروبية ومؤشرات الأسهم الأميركية الآجلة.
في سياق متصل، من المقرر أن يجتمع كبار المفاوضين من الولايات المتحدة والصين في ستوكهولم يوم الاثنين، سعياً لتمديد الهدنة التجارية التي حالت دون فرض رسوم جمركية مرتفعة، وذلك قبل الموعد النهائي المحدد في 12 أغسطس.
وانخفض مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.1%، مما جعل الذهب المقوم بالدولار أكثر جذبًا للمشترين من خارج الولايات المتحدة.
ويُتوقع أن يبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بين 4.25% و4.50% خلال اجتماعه المقرر على مدى يومين، وينتظر المزيد من البيانات الاقتصادية لاتخاذ قرارات بشأن السياسة النقدية، وفق تصريحات رئيس المجلس جيروم باول.
كما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعه مع باول يوم الجمعة الماضي بأنه إيجابي، مما يشير إلى احتمالية انفتاح رئيس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة.
وعلى صعيد المعادن النفيسة الأخرى، ارتفع سعر الفضة في السوق الفوري بنسبة 0.1% إلى 38.17 دولار للأوقية، وزاد سعر البلاتين بنسبة 0.9% ليصل إلى 1413.50 دولار، فيما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.5% إلى 1225.25 دولار.