التجريم والصاق التهم الجزاف بالقوي المدنية
تاريخ النشر: 14th, September 2024 GMT
mugheira88@gmail.com
لا يستقيم منطقا القول بأن من يعارض استمرار هذه الحرب اللعينة في بلادنا و يدعو لإيقافها هو غير مؤيد للجيش الوطني , ففي مثل هذه التصنيفات ظلم و تجني وتشويش علي المواقف درجت الجماعات السياسية المتناحرة في بلادنا علي مضغه و استهلاكه بغية التجريم والصاق التهم الجزاف , و هذا لعمري مرض أصيب به هذا المجتمع نسأل الله شفاؤه و البرء منه .
فالحرب , أي حرب , في السودان وفي غيره , فعل بشري شنيع و مكروه , بل هي أسوأ فعل يرتكبه الانسان وهو الذي خلق في المبتدأ لإعمار الأرض و إصلاحها و للتناسل و التكاثر وعمل كل ما فيه خير ونفع للبشر والمحافظة علي حيواتهم .
و للحروب آثار كارثية علي الناس و المجتمعات لما فيها من قتل و ازهاق للأرواح و لما تحدثه من إصابات و اعاقة مستدامة . فهي تجبر الناس علي الفرار من منازلهم و الهروب الي مناطق ليس بالضرورة انها آمنه و يضطرون الي النزوح والتشرد و يتعرضون للأزمات النفسية والصحية جراء تدهور البيئة و انتشار الأمراض وانعدام الأدوية , كما تعمل الحروب علي تدمير المنشئات العسكرية والمدنية و إصابة البني التحتية مما يؤدي الي الخسائر الاقتصادية و تعطيل عجلة الإنتاج و تفشي العطالة و توقف دورة التجارة و نقص الغذاء فيعم الفقر و الجوع وتنتشر الأمراض , هذا فضلا عن الاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي الي زعزعة الاستقرار و توالد الصراعات القبلية والجهوية و الاثنية و تسود حالات من التوتر والعنف تكثر فيها السرقات و الاختطاف و الاغتصابات وغيرها من المصائب , فالحرب , و بكل المقاييس هي أسواء كارثة تواجهها المجتمعات لأنها تخلف كماً من الآثار السالبة طويلة الأمد , فلا أحد يمكن أن يؤيد استمرار الحروب و إطالة أمدها . و في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دعوات لنبذ الاقتتال وبسط السلام و بث الطمأنينة في النفوس .
أما تأييد الجيش الوطني فهو شرط من فروض الولاء للأوطان , واحترام المؤسسات القائمة في الدولة حق للبلاد علي أهلها , حقوقية كانت أو تربوية أو عسكرية. و مثل هذا التقدير والاحترام يندرج تحته احترام المؤسسات التعليمية و الشرطية والصحية و الدبلوماسية و احترام حقوق المرآة والطفل و النقابات و كافة مؤسسات الدولة و هيئاتها و مساعدتها في تأدية واجباتها . و يدخل ضمنه تأييد وتشجيع المنتخبات الوطنية الرياضية و الفرق الكشفية والمسرحية و غير ذلك . فالمؤسسة العسكرية مؤسسة مثل كل المؤسسات الوطنية , و أن اختلفت الأدوار , تقوم بدورها في المساهمة في بناء الدولة و المساهمة في تطورها و ازدهارها و من هنا يتوجب احترامها و تقديرها .
فلا ينقص من وطنية المرء مثقال ذرة اذا نادي بوقف الحرب أو اصطف في تكوينات تبحث عن الحلول التي تعمل علي تعطيل ألياتها لوقف نزيف الدم و زهق أرواح أبناء الوطن الواحد و طي صفحات التخاصم و الخلاف و ايجاد منافذ للوصول الي مرافيء التعايش السلمي وايقاف مد التدهور الكبير الذي تسير فيه بلادنا بخطي متسارعة .
والذي لا مراء فيه أن انتقادات الشارع للقوات المسلحة , و فروعها من قوات الدعم السريع وحرس الحدود و حتي قبل الحرب , لها ما يبررها بعد أن ارتكبت من الأعمال الوحشية في حروب دارفور و النيل الأزرق و خاضت في أعلي مستوياتها خضم السياسة و الأعمال التجارية وامتلاك المناجم والضيع , ثم عمدت اثناء الفترة الانتقالية الي اجراء عدد من التفاهمات و العروض مثل عقد لقاءات سرية تفضي للتعاون والتطبيع مع الكيان الصهيوني و ابتدار اتفاقات مع بعض الدول و منح وعود بأنشاء قواعد عسكرية وموانئ غض النظر عن الرفض الواسع لها من معظم المواطنين . كما أن ذات المكون العسكري لم يقم بواجبه الكامل في حماية الفترة الانتقالية, بل حاول اجهاضها حين ارتكب مجزرة القيادة العامة الوحشية التي راح ضحيتها مئات الشباب الغض الصائمين ثم ما لبث أن انقلب عليها بليل بدواع غير مبررة . فليس من المنطق أن يكون تأييدنا للجيش موصولا في كل خطواته و حركاته و سكناته و إن تعاظم خطرها علي وحدة وسلامة الوطن و رغبة أهله في إقامة الحكم المدني الديمقراطي و الذي ظل المطلب الأبرز في كل ثوراتهم المجيدة .
كما أن هذا الموقف من تأييدينا و انتقادنا للمؤسسة العسكرية لا يمنعنا أبدا من شجب أعمال و إدانة قوات الدعم السريع لذات الأسباب السالفة و لارتكابها كثيرا من الفظائع و الانتهاكات قبل و اثناء الفترة الانتقالية و سلوكها الوحشي تجاه الاسر و المواطنين و المنشآت اثناء هذه الحرب , التي يكفي وصف قائد الجيش و قائد قوات الدعم السريع لها بأنها عبثية و ملعونة و الخاسر الأكبر فيها وطننا السودان و شعبه الأبي الكريم .
لهذه الأسباب مجتمعة , فانه من الخطل و الظلم و التجني أن يرتبط رفض الناس للحرب والدعوة لإيقافها العاجل بالوقوف ضد الجيش الوطني و عدم تأييده هو واحد من مؤسسات الدولة التي يتوجب احترامها و دعمها و تأييدها .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لواء البراء بن مالك وفداحة التهم
nagar_88@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
كتائب البراء بن مالك التي تمتلئ يداها بالمال العام، والتي عادت إلى المعارك بفؤاد مفعم بالحب، ونفس ملتاعة كلها شوق وتوق لأن تتحرك جحافلها إلى أعلى وإلى أسفل، وأن تتدفف دخولاً في "المدينة الرياضية" التي انطلقت منها الشرارة الأولى في الحرب وخروجاً منها، قد تداعت جموعها على تخوم هذه المدينة المأهولة "بقوات الدعم السريع"، حتى اكتظت بهم الأماكن على سعتها، لتمطر تلك القوات البريئة التي شيدت المساجد والمدارس والمستشفيات، وحفرت المجاري والجداول، وعمرت القناطر والقنوات، وخلفت الكثير من الآثار والأبنية، التي تشهد بأن قوات "الفريق أول حميدتي" تتهالك على الحداثة والتطور، وأنها تبتغي أن تكون عاصمة السودان مجارية ومطابقة لمقتضيات العصر الذي نعيش فيه، ولكن كتائب البراء التي طوعت لها فلسفتها هذا النحو من التصرف، أزهقت تلك الأرواح التي بذلت هذا الجهد، واحتملت هذا العناء، من أجل أن يعيش السودان نامياً ووادعاً ومستقرا.
وحتى نقول كلاماً صحيحاً خالياً من العبث والمصانعة والمداجاة، نزعم أن هذه الكتائب التي تجد وتغلو في الجد، وتذعن في حياتها لنظم تكرهها المليشيا، ويكرهها كذلك الحادب على أمر هذه المليشيا في الخليج العربي، و تبغضها تلك الطائفة التي تطوي سيئاتها، وتزخرف حسناتها، وتسعى لتغيير نواميس هذا الكون، تلك الطائفة التي لا حظ لها من عزة النفس، وطهارة القلب، وسماحة اليد، ونقاء الضمير، أهل"الاتفاق الإطاري" الذين يريدون أن ينزلوا الناس على حكمهم في جهالاتهم، وفساد تصوراتهم.
وفي الحق أن الجهاد عند كتائب البراء، عقيدة راسخة لا سبيل إلى التخلص منها، أو النزوع عنها، هذه الكتائب التي تغتبط بصخب المعارك، وهجير الشمس، ووعث الطريق، والتعثر بين أغوار الفلوات وأنجادها كما يقول أحد أدباء العربية، بذلت في سبيل هذا الوطن ما ضنّ الناس به جميعا، فقائدها الشاب الذي تبدو عليه مخايل المهابة والهدوء، يبتسم ابتسامته الهازئة، كلما طاف بسمعه أن سلطة الجيش على كتائب البراء التي توصم بأشنع التهم، مجرد سلطة اسمية، وأن هذه الكتائب التي ما زالت تنقب عن أسباب سقوط نظامها الإسلامي، وتستظهر آثاره، كان لزاماً عليها أن تستعد لتأخذ مكانها بين سائر الحركات المسلحة التي تعج بها الميادين والساحات، وأن معاركها التي تخوضها آلان، اقتحتمت حلباتها بوسائلها الخاصة، وأن" المصباح أبو زيد طلحة" زعيم هذه القوات هو رجل رفيع الخلال والكرامة، لأجل ذلك زاره "الفريق أول البرهان" في مدينة عطبرة، بعد خروج البرهان من "معمعة" القيادة العامة، ولهذا أنعم قائد القوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي على"المصباح" برتبة "رائد" لأن البرهان يريد أن ينصف كتائب البراء التي صخدتها الشمس، وصهرتها الهواجر، ويوفيها حقها، ولأن سائسها رغم مرضه، أقبل على رياحين الفناء يشمها ويلثمها و ينعم بشذاها، هذه الحفاوة، وهذا التقدير، هو الذي جعل شذاذ الآفاق، الفئة التي لا تعرف إلا الركض في مضمار العمالة، صاحبة المواقف المخزية الشاخصة للعيان، تتحفنا بلسانها الطويل، ورأيها القصير، فقد خاضت هذه الثلة الطامعة العاجزة، في الكوكبة التي لا يقع فيها التغيير والتبديل، متهمة إياها في إفاضة ومنطق مائل، عن علاقتها الآثمة بالبربرية والغلظة والوحشية التي اغترفتها في ساحات الوغى، موضحة أن جرائمها الدموية، وثيقة حقيقية تمثل نهج الحركة الإسلامية في الشراسة والعدوانية، معربة عن تغول هذه الكتائب التي "باتت تبتز القوات المسلحة، وتتناسل يوماً بعد يوم، مكونة جيشاً بعد جيش، مما يشكل خطراً حقيقياً ويطيل أمد الحرب كما جاء في استطلاعات موقع رصيف 22". تلك الإفادات تصور هذه الكتائب بأنها جماعات تدفقت في الشر بعد أن أعمتها الشهوات، ولوثتها المطامع، وهي لعمري على النقيض من كل هذا، هي ناجمة لاح عليها وعثاء السفر، وعلق الثرى بأسمالها البالية، بعد أن انخرطت في جبهات القتال منذ نشوب الحرب، فالكتائب التي أهملت جسدها أن تتعهده بالعناية لأنها أمضت زهاء العام ونصف تذب عن "سلاح المدرعات" وغيرها من وحدات الجيش ومعسكراته، هذه الزمرة التي لها أثر متراكماً مزدحماً، لا ينهض به شكر، أو يستوفيه ثناء، لا أدري كيف نِجْدُ عليها، ونتنكر لها، وهي التي تصدت للمدافع الماحقة، والبنادق الساحقة، التي صوبتها مليشيات الدعم السريع تجاه جيشاً تترصده الأنظار، وتتسقطه العقول، وعلى شعب ما زال غير قادر على استظهار مفردات الغدر وتراكيبه.
أما بعد، فإن كتائب البراء بن مالك التي استشهد جمعاً غفيراً من أفرادها، وفارق هذه الحياة، لا نكاد نمضي في قراءة سيرة هذه النخبة المختارة حتى يأخذنا الإعجاب، فكل شهيد منها كان ملتاعاً مرتاعاً مشفقاً، ألا يعرف السودان نظاماً ولا استقراراً في ظل هذه المليشيا التي لا تعرف حقوق هذا الشعب الكريم، ولا تعرف واجباته، لأجل ذلك سلكت هذه النخبة ما تستطيع من سبل، رفقة بنا، واشفاقاً علينا، من أن تبسط هذه القوات المارقة سلطانها علينا، فتسومنا الخسف والهوان.
كتائب البراء، التي نطمع أن نسير في إثرها، ازداد عددها حتى أوشك أن يفوق "الفيلق" لأنها أشد الكتائب المجاهدة نشاطاً، وأكثرها فداءً، وأعظمها
تأثيراً في حياتنا الحافلة بالبلايا والمحن.
د.الطيب النقر