هي مرسى الحضارات ومبدأ الإشارات، فيها تنبض الحقائق، وتُصاغ العبارات، هي من حملت عبء الزمان، وصمدت في وجه الطغيان، ودوّنت في جدرانها فصول الكتمان والإعلان؛ هي تاج الشرق، ومفتاح الفَجر، وميدان الفكر، إذا سقطت اختلّ التوازن، وإذا اهتزّت اضطرب الميزان، لكنها في غفلةٍ من الحراس، وتحت عباءة الإهمال واليأس، تلَقّت الضربة بلا أجراس، وانطفأت بلا رصاص؛ لا قتال وقع، ولا بيان ارتفع، بل صمتٌ خنق الصوت، وشللٌ قيد النبض، وحريقٌ نزع الستر عن وجه الحقيقة والظلم، كأنّ القاهرة فقدت توازنها في غسقٍ صامت؛ حين اشتعلت النيران في شرايينها الرقمية؛ لم يكن المشهد صاخبا بصوت دويّ أو هدير مدرعة، بل كان الصمت ذاته هو الرصاص.

في دقائق معدودات، اختنقت العاصمة تحت رماد حريق سنترال رمسيس، فتبددت نبضات الإنترنت، وتهاوت شبكات المحمول، وسقطت البورصة بالإغلاق، وسُحبت البنوك إلى الظلمة.

لم يكن ذلك الجندي الذي يحمل السلاح لكنه عاجز عن حماية ممر أو معبر أو دعم ومؤازرة جار له في عقيدة ومعتقد؛ بل هو جنديٌّ من طراز جديد، لا يرتدي البزة العسكرية، ولا يرى بالعين المجردة، هو نتاج معامل ومختبرات تكنولوجية، مبرمج عن بُعد، وموجّه من غرف حرب عالمية هجينة، مهمّته إسكات العاصمة لا بالقصف، بل بحذفها من الشبكة العنكبوتية.

ففي السابع من تموز/ يوليو 2025، وقعت مركزية القاهرة دون طلقة واحدة، لم تهبط طائرة، ولم تُدفع دبابة؛ بل هو هشيم الحرب العالمية الثالثة، الهجينة بين العمليات التكنو-اقتصادية والتكنو-الكترونية غير المسبوقة، والتي صُمّمت لتصيب عصب العاصمة، دون أن يراه أحد، ويشلّ الدولة عن بُعد.

استدلال: الضربة الرقمية أصابت عصب للقاهرة

ورد في تقارير العديد من المنظمات الدولية، فقدان مصر لأكثر من 62 في المئة من قدرتها الرقمية خلال دقائق، وامتدت إلى ساعات فأيام، نتيجة لانقطاع الإنترنت والاتصالات بعد الحريق الكارثي في "سنترال رمسيس"، أكبر مركز بيانات وأهم شبكة تبادلية للاتصالات الوطنية في مصر..

• تعطّلت شبكات المحمول وخدمات الطوارئ والإنترنت.

• توقفت القطاعات اللوجستية، والمصرفية، والتعليمية عن العمل.

• فقدت الدولة القدرة على التفاعل الآني بين إداراتها، وسقطت العاصمة في "غيبوبة رقمية" نادرة.

هنا لم يكن "عطلا عرَضيا"، بل يبدو كتخطيط دقيق ضمن عمليات الحرب السيبرانية العالمية، التي تم التمهيد لها منذ بداية ما وصفته تقارير دولية بـ"الجيل الجديد من الحروب" على القيادة والسيطرة والاتصالات والحوسبة والأمن السيبراني والاستخبارات، حروب دون رصاص.

استدراك: الضربة الاقتصادية.. سقوط بلا صواريخ

وفقا لتقارير وبيانات منظمة الاقتصاد العالمي وصندوق النقد الدولي، فإن المؤشرات كشفت:

• انهيار الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 54 جنيها لكل دولار وقد يصل إلى 60 جنيها في ظل التضخم الزاحف في تموز/ يوليو 2025.

• ثم تجميد كامل المعاملات المصرية والتجارية، مع خسائر تقترب من 24,5 مليون دولار لكل ساعة انقطاع على أساس سعر صرف الساعات الأولى.

• ثم توقّف التداول في البورصة المصرية بشكل كامل وإغلاقها ليوم الانهيار التكنولوجي، مما دفع البنك المركزي لرفع سقف السحب النقدي الطارئ إلى 500 ألف جنية مصري.

• خسائر تقديرية قرابة 147 مليون دولار، أي 5 مليارات جنية مصري (بسعر صرف 54جنية للدولار).

• ارتفاع التضخم السنوي إلى 14.9 في المئة، وهو تضخم مدفوع بالأزمات اللوجستية وانقطاع الخدمات.

النتيجة: ضربة مباشرة لوظيفة الدولة الاقتصادية، ونزع قدرة الجنيه للتعبير عن قيمته، مما يجعل الاقتصاد المصري على حافة الفقدان الكامل للثقة داخليا وخارجيا.

استنتاج: الشلل اللوجستي.. حصار بلا دبابة واحدة

• قبل الحريق بأسابيع، تم إغلاق الطرق الرئيسة الإقليمية بين المحافظات بإعلان "أعمال صيانة بقرار سيادي"، رغم غياب أي نمط دوري يبرّر التوقيت.

• تعطيل الحركة بين الأقاليم وتوقف تدفق السلع من وإلى العاصمة.

• إغلاق مطار القاهرة الدولي جزئيا وتحويل الرحلات إلى مطارات بديلة.

• تقدّر الخسائر على قطاع النقل الجوي (من تأخير الرحلات وتعطّل الشحن الجوي) خلال الساعات الست الأولى من الانقطاع الرقمي في القاهرة بما يزيد عن 3 ملايين دولار (170–185 مليون جنيه)، هذا الرقم إضافي إلى الخسائر الكبرى في البنوك، البورصة، والاقتصاد العام. كأنّ العاصمة قُطعت عنها الاتصال والإمداد وكذلك عن 62 في المئة من البلاد، فغدت جسدا بلا حراك.

استقراء الانكشاف السياسي.. غياب الدولة واحتراق السلطة

• لم يصدر خطاب طوارئ رسمي، لم تُفعَّل خطط الاستجابة السريعة ولا الدفاع الرقمي، ولا الإعلان عن مستوى من حالة الطوارئ المفروضة على الشعب منذ عقود.

• لم يتم إغلاق المعابر والمنافذ البرية والبحرية والجوية، مما يضع البلاد في مرمى الاختراق في الدخول، أو السرقات والهروب في الخروج، في ظل سقوط أنظمة الاتصال والتواصل في المعابر والمنافذ.

• فقط تم تسريب صمتٍ كامل من القيادات الأمنية والعسكرية، وتسجيل انشغال بتعظيم واردات الصناديق الموازية تارة، وبخروج المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء تارة أخرى للرد على تصريح عن بيع أرض في الساحل الشمالي في برودكاست! دون الإعلان عن اعتذار لشعب، وتحرير العقول من أقبية المعتقلات والسجون، وبناء حقيقي لمنظومة الأمن والتأمين والحماية، بالكفاءات الوطنية المعتقلة من علماء وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين ومحامين وحقوقيين، ومجلس شعب منتخب ووزراء دولة وحكومة.

فالخطر المحدق بمصر يكمن في انهيار أدوات السيطرة المركزية، وهو ما يشير إلى فشل هيكلي لا ظرفي، ويُذكّر بنمط الانهيارات التي سبقت سقوط أنظمة مركزية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية في تسعينيات القرن الماضي.

استشراف: مرحلة من الحرب العالمية الثالثة

لا يخفى على مبصر، سقوط دول بدأ من الداخل لا من الخارج، عندما انفصلت منظومة القرار عن الشعب، وتحوّلت الدولة إلى أداة لجمع الموارد، وبيع الأراضي والعقارات والأصول، لا لحماية وخدمة المواطنين والمقيمين على أراضيها.

إنه تنفيذ مركّب لمرحلة من "الحرب العالمية الثالثة" خُنقت القاهرة فيه بلا طلقة، وسُحبت إلى الظلام من زر إطفاء لا يُرى بالعين المجردة، وسحل جسد الدولة بحراك دون أعصاب، ومراكز القرار تُطفأ واحدة تلو الأخرى، ليس من الخارج فقط، بل ربما من داخلها أيضا، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة في دول الانقلابات، وللتاريخ الإجابة.

في سطور: هل ما تشهده القاهرة في تموز/ يوليو 2025 هو:

• ضربة خارجية متقنة؟

• أم صناعة عدو لتجديد إحكام القبضة الأمنية، وتهريب أموال وشخصيات خارج البلاد، وإعادة بيع أصول تاريخية ؟

• أم سيناريو داخلي لتداول قسري للسلطة، بمحاصرة العاصمة، ثم إغلاقها، فتهيئة المشهد لانهيار شامل؟

• هل نحن أمام إعادة صياغة لوظيفة الدولة المركزية تحت غطاء "أعمال صيانة" و"أزمات عَرضية"؟

• وهل فشلت استراتيجية يوليو 1952 فعليا بعد 73 عاما، أمام جندي رقمي بلا بدلة ولا بندقية؟

هي في كلمات: تساؤلات مشروعة، تطرح نفسها، وتنتظر من إرادة شعب وتاريخ نضال أن يجيبوا عنها..!!

فالأيام دُول، والقرار للشعوب..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء حريق سنترال رمسيس مصر مصر حريق اتصالات سنترال رمسيس قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

«التسلق وكسر الأبواب والمغافلة».. سقوط عصابات سرقة المساكن والسيارات في قبضة أمن القاهرة

في إطار جهود وزارة الداخلية لمكافحة الجريمة وتعقب العناصر الإجرامية الخطرة، نجحت الأجهزة الأمنية بالقاهرة في توجيه ضربات متلاحقة لعدد من تشكيلات اللصوص، أسفرت عن ضبط مرتكبي عدة جرائم سرقات متنوعة.

ففي دائرة قسم شرطة المقطم، ألقت قوات الأمن القبض على عاطلين – لأحدهما معلومات جنائية – تخصصا في سرقة الهواتف المحمولة من داخل المساكن بأسلوب «التسلق». وعُثر بحوزتهما على عدد من الهواتف المحمولة مجهولة المصدر، وبمواجهتهما اعترفا بارتكابهما عدة وقائع سرقة، مؤكدين أن المضبوطات من متحصلات نشاطهما الإجرامي.

كما تمكنت قوات قسم شرطة المطرية من ضبط عاطلين – لأحدهما معلومات جنائية – تخصصا في سرقة المساكن بأسلوب «كسر الباب». وعُثر بحوزتهما على مشغولات ذهبية مسروقة، وبالتحقيق اعترف أحدهما بارتكابه 4 وقائع سرقة بذات الأسلوب. وقاد المتهم رجال الشرطة إلى مكان تخزين المسروقات لدى عميله «سيئ النية»، وهو مالك محل مجوهرات بمحافظة القليوبية، حيث تم ضبط كافة المشغولات المستولى عليها.

وفي مدينة نصر، نجحت الأجهزة الأمنية في ضبط عاطل متهم بسرقة سيارة من داخل أحد المعارض بأسلوب «المغافلة»، والذي أقر بارتكاب الجريمة تفصيلًا أمام جهات التحقيق.

وأكدت مديرية أمن القاهرة استمرار جهودها في تتبع وضبط العناصر الإجرامية، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم، في إطار استراتيجية الوزارة الرامية إلى حفظ الأمن وحماية ممتلكات المواطنين.
 

مقالات مشابهة

  • اختل توازنها.. سقوط فتاة من عقار في المعادي
  • «التسلق وكسر الأبواب والمغافلة».. سقوط عصابات سرقة المساكن والسيارات في قبضة أمن القاهرة
  • بيان رسمي عن تجدد اشتعال النيران بسنترال رمسيس في مصر
  • أول رد من محافظة القاهرة بعد اشتعال سنترال رمسيس مرة ثانيه
  • إصابة 7 في انقلاب ميكروباص على الطريق في القاهرة الجديدة
  • انقلاب سيارة نقل ثقيل محملة بالبنجر بالطريق الزراعي بالقليوبية
  • إعادة الحركة المرورية علي الطريق الزراعي بعد انقلاب سيارة محملة بالبنجر
  • تحليق مكثف للمسيرات الإسرائيلية في أجواء العاصمة اللبنانية
  • أوجلان: استراتيجية حرب التحرير قد انتهت وحزب العمال تخلى عن تشكل الدولة القومية