سودانايل:
2025-07-08@07:08:26 GMT

السُّودان بلدٌ فقدَ ظلّه

تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT

جمال محمد إبراهيم

(1)

من يتابع أحوال الحروب الثلاث، الدائرة في أوكرانيا والسّـودان وغزّة، يجد أنّ الفضائيات العربية درجتْ على استضافة أعـدادٍ من المُحلّلين والمُعلّقين، لتسليط أضواء على تطوّراتها، وتقديم قراءاتٍ لمآلاتها وتداعياتها. عادة ما تستضيف تلك الفضائيات متخصّصين أكاديميين أو مُحلّلين ذوي خبرات، لتعليقاتهم احترام، ولتحليلاتهم تقدير من تلكم القنوات، كما من مشاهديها ومتابعيها.



ولقد لاحظ المتابعون أخيراً أنّ بعض من تستضيفهم تلك الفضائيات للتعليق على أوضاع حرب السودان بوجهٍ خاص، سـواء من الصحافيين أو بعض القياديين، أو أنصاف القياديين من المنخرطين في الشأن السياسي السوداني أو المتحدثين نيابة عن كياناتهم السياسية، يظهرون ضعفاً لا يتناسب وحجم المخاطر التي تحيط بمصائر بلادهم السياسية والاقتصادية والعسكرية. نرى أكثرهم (ولن نعمّم) لا يحسن الظهور على الشاشات، ولا يجيد المخاطبة والتعبير باللغة الواضحة.

(2)

أنتج استمرار الحرب في السودان كلّ هذه الأشهر، وبين طرفين سودانيين يتقاتلان بلا هوادة، حالةً من الإرهاق المزدوج عند الطرفَين، فليس الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، قادراً على أن يُعيّن جهازاً تنفيذياً قوامه وزراء يديرون دواليب الدولة، وهو الممسك بقيادة الجيش الرّسمي الذي يقـاتل المليشيات، ويبحث عن شرعية تجيز له التفاعل مع أطراف المجتمع الدولي من دون جدوى. لا الجيش الرّسمي قادرٌ على السيطرة على أوضاع البلاد، ولا المليشيات ملكتْ قدرات تعينها على إدارة دولة مثل السّـودان، حتّى إن تمكّنتْ من السيطرة على كامل ولاياته.

يقف الوسطاء والمتعاطفون في حيرة من أمرهم، فهم أيضاً عاجزون عن إقناع الطرفَين المتقاتلَين بضرورة مراعاة الأوضاع الإنسانية وإيقاف الحرب التي تستهدف الشعب السوداني، ومنهم من يتهدَّده الموت، براجمات المتقاتلين ومُسيَّراتهم وصواريخهم، أو تقتله المجاعة والعطش، وتفنيه الأمراض الفتّاكة.

(3)

لعلّ حالة الإجهاد التي أصابت المتقاتلين، وحالة العجز التي أطاحت جهود الوسـطاء (أمميين كانوا أم إقليميين) قد أوصلت الجميع، بمن فيهم جموع السودانيين المقيمين في جحيم الحرب، أو أولئك الذين فرّوا بجلودهم من نيرانها، وهم في حالٍ من فـقدان البوصلة في متاهة الحرب، بل وفقدان الأمل في أيّ مخرج منظور.

من يستمع لأصوات السّـودانيين، من عسكريين وسياسيين، يهاترون بعضهم بعضاً، ويشاتمون أنفسهم بأنفسهم، سيجد أكثرهم، بمن فيهم من فرضوا أنفسهم على الفضائيات، يُعلّقون ويُحلّلون ويجادلون بمنطق وبغير منطق. من ينصت بتمعن لمن يطلقون تحليلاتهم ويحدّثون الناس عن أحوال بلادهم السودان، هم في حالة من التخبّط المطبق، فلا يدرون من خبلٍ ما تردّد ألسنتهم، أو ربّما حرارة الحرب أصابتهم بلوثة. إنّ بعض من يطلّون على الناس عبر الفضائيات العربية (عـدا من رحِم ربّي) صارت أمورهم تحيّر، وأغلب من نسمع تحليلاتهم من السودانيين، صارت مداخلاتهم تثير الحزن والشفقة.

ثمّة من يقول عن نفسه إنّهُ حاكم إقليم دارفور، يسأله محاور في فضائية إنْ كان يقيم في دارفور، فيقول إنّه مقيم في بورتسودان، ويعلم الناس أنّ الرّجل يملك "فيلا" هي الآن مهجورة في مدينة المهندسين في أم درمان، ولم يلحق بها دمار ولا طاولتها أيدي النهّابين. لكنّه يطلّ على الفضائيات بصورة تثير السخريةَ، ولا يكاد المتابعون يصدّقون ما يسمعون من لغوٍ يأتي من لسانه، إلّا أن يكون الرجل عييّاً أو في غير وعيه.

(4)

أمّا إن سألت عن بعض وزراء وحكّام وولاة، تجدهم بمقدرات متواضعة، كلّفهم الجنرال ببعض ملفّات الحكومة الخطيرة، مثل الصّحة والزراعة والتعليم والدبلوماسية، فحدّث ولا حرج. فيما يموت الناس من الجوع والعطش، يزعم وزير كُلِّف ملفّ الزراعة أنّ الموسم الزراعي ومخزونه يَعد بمحصولٍ يُغني ويزيد عن الحاجة، أمّا عن الأوبئة فيكفي أنّ مدير منظّمة الصحة العالمية قدم بشخصه، ومعه أركان قيادته، ليشهد حال السودانيين الحقيقية، إذ هم مُهدّدون بالموت والفناء من نقص الأدوية والأمصال، ناهيك عن تفشّي أوبئة قاتلة مثل الكوليرا.

أمّا وزارة خارجية الجنرال، فحال وزيرها المُكلَّف يُغني عن أيّ تعليق. لقد نقلتْ الفضائيات تصريحاً لـه، زعم فيها أنّ للسودان أصدقاء في مجلس الأمن يقفون معه، ذكر بلسانه منهم الصين والاتحاد السوفييتي. وبُهِت من بُهِت، إذ بدا للسامعين أنّ الرجل توهّـم شبحاً اسمه الاتحاد السوفييتي، خرج له من مدافن التاريخ ليدعم حكومة بلاده، صديقاً لوزير خارجية السودان المُكلّف، وقد حاصرته تلويحات تهدّد بعقوبات كاسحة قادمة.

ليسَ السودان الذي يراه الناس الآن، هو نفسه الذي ضمّد جراح الأمّة العربية إثر هزيمة حرب يونيو (1967)، ولا دبلوماسيته هي تلك الدبلوماسية.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مَسيناكم مَسونا

مَسيناكم مَسونا

#محمد_عاطف_خمايسة

في خطوةٍ كانت متوقعة لدى كثير من المواطنين، صدر قرار حلّ #المجالس_البلدية واللامركزية في #الأردن، وهو قرار جاء في لحظةٍ فارقة، حملت معها الكثير من التأملات، والتطلعات الجديدة.

لم يكن وقع القرار ثقيلًا على الشارع الأردني، بل استُقبل بهدوء، دون احتجاجات أو عناوين ساخنة.
ولم يكن ذلك لقلّة أهمية المجالس، بل لأن كثيرين شعروا – على مدى سنوات – بأن تلك المجالس لم تكن كما تمنّوا… ولا كما وُعدوا.

مقالات ذات صلة في الأمن الذي نستظل 2025/07/07

السؤال الذي تردّد في أذهان الناس كان بسيطًا، لكنه عميق الدلالة:
“وهل كانت هذه المجالس تمثّلنا حقًّا؟”

فمنذ تأسيسها، رُوّج لها بوصفها بوابة للمشاركة الشعبية، وأداةً لتحقيق التنمية العادلة، ومدخلًا لتوزيع القرار لا تمركزه.
لكنّ الواقع الميداني جاء مخالفًا للآمال.
الشوارع بقيت على حالها، والاحتياجات ما زالت تتكرّر، والناس تُطالب… لكن من يسمع؟

عبارة “مَسيناكم مَسونا” التي تتردّد بمرارة بين الناس، تلخّص هذا الإحباط الشعبي.
فقد منحنا الثقة، وأعطينا الأصوات، وانتظرنا التمثيل الحقيقي… لكننا وجدنا صمتًا أو غيابًا، ومطالب خجولة لا ترتقي إلى حجم المعاناة.
كنا نأمل أن نجدهم بيننا، لكنّ بعضهم كان مشغولًا بأن يكون فوقنا.
كنا ننتظر من ينقل أصواتنا، فغلب على المشهد من ينقل صوره فقط.

وبالرغم من ذلك، لا يمكن إنكار وجود شخصيات نزيهة حاولت أن تصنع الفارق، وأن تؤدي الأمانة، لكنّ القاعدة العامّة ظلّت محكومة بمحدودية التأثير، وغياب التغيير الحقيقي.

تساءل الناس بصوتٍ هادئ:

أين هو الأثر؟

ماذا حقّقت هذه المجالس؟

ما الفرق الذي صنعته؟

وهل فعلاً كانت تستحق أن نتمسّك بها؟!

وهنا، لا بد من التوقّف عند النقطة المفصلية التي تبعث على الأمل:
رغم حلّ المجالس المنتخبة، جاء تشكيل المجالس المعيّنة المؤقتة كخطوةٍ انتقالية تبعث على التفاؤل، وخصوصًا بعد أن لاحظنا مشاركة عدد من الشباب الطموحين ضمن عضوية هذه المجالس.
إنها فرصة جديدة، وصفحة تُكتب بحبر مختلف.

شبابٌ يملكون الحماسة، والفكرة، والانتماء الحقيقي لمجتمعاتهم… لعلّ فيهم من يُعيد الثقة، ويستعيد العلاقة بين المواطن ومَن يُمثّله.

نعم، ما زلنا نؤمن بجدوى التمثيل الشعبي، إذا ما أُحسن اختياره.
ما زلنا نحتاج إلى مجالس تعبّر عن نبض الناس، لا عن طموحات شخصية.
نريد من يرى الحيّ كما نراه، ومن يسمع الشكوى قبل أن نرفع الصوت.

ونُعيدها، لا غضبًا… بل رجاءً:
“مَسيناكم مَسونا”… دعوناكم لتكونوا معنا، فغاب بعضكم عنا، وآن لنا أن نمنح الفرصة لمن يستحقها.

أما اليوم، وبعد هذه المرحلة المفصلية، فليكن ما حدث درسًا لا يُنسى.
فالثقة تُمنح… لكنها لا تُخلّد.
والموقع يُشغَل… لكن لا يُحتكر.
ومن لا يصنع الفرق، سيخرج من المشهد… دون أن يفتقده أحد.

هي بداية جديدة، وعلينا جميعًا أن نحسن رسمها… فالوطن أكبر من كل مقعد، وأغلى من كل لقب.

مقالات مشابهة

  • “كل زول شايل همو ظاهر في وشو”>> علمتني الحرب ????
  • نانسي عجاج: لستُ من ينزوي في الملماتِ.. وللشعب دَينٌ عليّ
  • بوصلة السودان الوطنية… ما بين الدعم الخليجي و الوقفة المصرية الصلبة
  • مَسيناكم مَسونا
  • رائحة الجثث.. إليكم الأسباب التي دفعت جنديا إسرائيليا للانتحار
  • الجيش السوداني: المصنع الأم للإجرام ومأزق النخبة النيلية:
  • عاجل | معاريف عن اللواء احتياط إسحاق بريك: النجاحات التي يتحدث عنها جيشنا بغزة لا تتطابق مع الواقع المرير على الأرض
  • ترامب وسلام القوة!
  • لو ديبلومات: الحرب تلتهم السودان في ظل صمت عالمي
  • حرب لتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد