الذكاء الاصطناعي ودوره الفعّال في مواجهة التضليل المعلوماتي
تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT
في كتابه "حروب المعلومات: كيف خسرنا المعركة العالمية ضد المعلومات المضللة وما يمكننا فعله حيال ذلك"، الصادر في أكتوبر من العام 2019، يعرض الصحفي والسياسي الأمريكي ريتشارد ستينجل تجربته الواسعة في محاربة الشائعات والمعلومات المضللة، عندما كان في الخطوط الأمامية لمواجهة التهديدات المعلوماتية التي تشكلها دول وتنظيمات مُعادية للولايات المتحدة.
ريتشارد ستينجل، الصحفي والدبلوماسي الأمريكي، شغل منصب رئيس تحرير مجلة "تايم" قبل انضمامه إلى الحكومة الأمريكية وكيلًا لوزارة الخارجية للدبلوماسية والشؤون العامة في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما (2013-2016). خلال تلك الفترة، كان مسؤولًا عن جهود مكافحة حملات التضليل الإعلامي التي تهدد بلاده. ومنحته تجربته كصحفي ومسؤول حكومي فهمًا عميقًا للطرق التي يتم بها استغلال المعلومات كسلاح في الحروب الحديثة.
بعد استعراض دقيق في الأجزاء الأولى من الكتاب لتفاصيل العمل اليومي داخل وزارة الخارجية الأمريكية، ينتقل الكاتب إلى استعراض حملات التضليل المعلوماتي، التي بدأت في العام 2014، وأعقبها تسونامي من الحملات التي استهدفت الولايات المتحدة. ويتتبع الكاتب، من خلال سرده للأحداث، أهم مراحل وتشابكات صناعة التضليل المعلوماتي، التي قد تبدأ باختلاق الأكاذيب والسرديات المُقنعة، وتكرارها مرارًا لخلق حالة دائمة من التشكيك، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع المظاهرات والاضطرابات السياسية.
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت المعلومات المضللة تنتشر بسرعة غير مسبوقة. ويوضح ستينجل أن تقنيات التدقيق اليدوي للأخبار أو الاعتماد على الفحص البشري لم تعد فعالة بما يكفي، لذلك يدعو إلى تبني الذكاء الاصطناعي AI) )كأداة حيوية لكشف ومكافحة الشائعات.
أحد الحلول الرئيسية التي يقترحها ستينجل في كتابه "Information Wars: How We Lost the Global Battle Against Disinformation and What We Can Do About It" هو استخدام الذكاء الاصطناعي لكشف الشائعات في الوقت الفعلي. ويعتمد ذلك على تقنيات معالجة اللغة الطبيعية، التي تساعد في تحليل النصوص الرقمية بسرعة كبيرة واكتشاف الأنماط المشبوهة. هذا النوع من التحليل يمكنه تحديد سياق المحتوى المتداول على الإنترنت، مما يسهل التفريق بين الأخبار الصحيحة والمعلومات المضللة.
الذكاء الاصطناعي يستطيع تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قصير، بما في ذلك النصوص، والصور، والفيديوهات، وبالتالي يمكنه التعرف على الشائعات منذ لحظة انتشارها الأولى. هذا يعزز قدرة الحكومات والشركات التقنية على التدخل بشكل فوري قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.
من الحلول التي يشير إليها ستينجل "تعديل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز قدرتها على الكشف عن الشائعات والحد من انتشارها"، لأن المنصات تعتمد بشكل كبير على التفاعلات والمشاركات لزيادة انتشار المحتوى، وهذا يسمح للمعلومات المضللة بالوصول إلى جمهور واسع في وقت قياسي.
يقترح ستينجل تغيير خوارزميات العرض بحيث تعطي الأولوية للمحتوى القادم من مصادر موثوقة ومعروفة. على سبيل المثال، يمكن أن تُمنح المؤسسات الإخبارية المعروفة أولوية أكبر في الظهور مقارنة بالمصادر غير المعروفة أو المشبوهة. هذا التعديل في الخوارزميات يمكن أن يحد من انتشار الشائعات بسرعة، ويسهم في تقديم معلومات أكثر دقة وموثوقية للجمهور.
ومن خلال تحليل المحتوى المتداول عبر منصات التواصل، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالشائعات أو الأزمات قبل حدوثها. ويتحدث ستينجل عن أهمية التنبؤ بالمخاطر، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة المحتوى المتزايد حول موضوع معين، وتحليل نوعية التفاعلات التي تحدث حول هذا المحتوى. إذا كانت هناك زيادة كبيرة في المشاركات المتعلقة بشائعة معينة، ويمكن للنظام التنبؤ بأن هذه الشائعة قد تتحول إلى أزمة إذا لم يتم التعامل معها بسرعة.
على سبيل المثال، إذا بدأت شائعة كاذبة تنتشر حول قضية سياسية حساسة، يمكن للنظام التنبؤ بمدى تأثيرها استنادًا إلى البيانات المتاحة وتحليل المحتوى المتداول. هذا التنبؤ يمكن أن يمنح الحكومات أو الشركات التقنية فرصة التدخل المبكر لإيقاف انتشار الشائعة قبل أن تؤدي إلى أزمات متلاحقة.
تستخدم العديد من التنظيمات الإرهابية التي تنشر المعلومات المضللة الحسابات المزيفة والبرامج الآلية لنشر محتوى معين بكثافة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعطي انطباعًا زائفًا بأن هذا المحتوى يحظى بشعبية كبيرة. ويقترح ستينجل استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين واكتشاف الأنماط التي تشير إلى وجود حسابات مزيفة أو روبوتات. على سبيل المثال، يمكن للنظام ملاحظة أن حسابًا معينًا يشارك نفس الرسالة مئات المرات خلال فترة قصيرة، وهو سلوك غير طبيعي بالنسبة للمستخدمين البشريين. باستخدام هذه البيانات، يمكن للمنصات إزالة الحسابات المشبوهة وتقليل انتشار الشائعات.
يشدد ستينجل، أيضًا، على ضرورة التعاون بين الحكومات والشركات التقنية لضمان استثمار أكبر في الذكاء الاصطناعي لمكافحة الشائعات. ومن دون شراكة بين القطاعين العام والخاص، سيكون من الصعب مواجهة هذا التحدي العالمي. يمكن للحكومات تقديم الدعم المالي والتشريعي، بينما تتولى الشركات التقنية تطوير الأنظمة والبرمجيات المتقدمة.
إلى جانب الحلول التقنية، يؤكد ستينجل أهمية تثقيف الجمهور وتعليمهم كيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والشائعات. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون فعالًا، لكنه لا يستطيع وحده حل المشكلة. لذلك، من الضروري أن يكون هناك وعي مجتمعي كافٍ حول كيفية التحقق من الأخبار والمعلومات، خاصة تلك المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويُعتبر كتاب "Information Wars" " من أهم الكتب التي قدمت رؤية عميقة لمستقبل الحروب المعلوماتية في عصر الرقمنة، مع تركيز واضح على الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مكافحة الشائعات والمعلومات المضللة. وفي النهاية، يبقى الحل الأساسي هو مزيج من التكنولوجيا والتعليم ونشر الوعي لمواجهة حروب التضليل المعلوماتي.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی المعلومات المضللة الذکاء الاصطناعی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يتنبأ بسكر الدم!
في خطوة رائدة نحو تحسين إدارة مرض السكري، أعلنت شركتا IBM وRoche عن تطوير حل ذكي مشترك يُعالج واحدة من أكثر التحديات الصحية تعقيدًا: العبء اليومي المستمر لمراقبة مستويات السكر في الدم.
جاءت النتيجة على شكل تطبيق مبتكر يحمل اسم Accu-Chek SmartGuide Predict، يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بمستويات الجلوكوز قبل حدوث التغييرات المفاجئة، ما يمنح المستخدمين فرصة استباق الأحداث واتخاذ قرارات صحية مبنية على التوقع لا رد الفعل.
تنبؤ بسكر الدم... كما تتنبأ بالأحوال الجوية
يأخذ التطبيق مفهوم مراقبة السكري إلى بُعد جديد، إذ لا يكتفي بإظهار مستوى السكر الحالي، بل يرسم خريطة لتوجهاته المستقبلية. تمامًا كما تعتمد على نشرة الطقس لتخطط ليومك، يمكنك الآن الاعتماد على هذا التطبيق للتخطيط لمستويات سكر في الدم خلال الساعات المقبلة.
ويعمل التطبيق بالتكامل مع جهاز الاستشعار المستمر للجلوكوز من Roche، حيث يعالج البيانات لحظيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليمنح المستخدم رؤى دقيقة تساعده على تفادي التقلبات المفاجئة والخطيرة في مستويات الجلوكوز.
ثلاث ميزات رئيسية تحدث فرقًا حقيقيًا
يمتاز تطبيق SmartGuide Predict بثلاث وظائف رئيسية، كل منها يستهدف قلقًا شائعًا لدى مرضى السكري:
* Glucose Predict: ميزة تعرض تصورًا لمسار مستوى الجلوكوز خلال الساعتين المقبلتين، ما يمنح المستخدم وقتًا كافيًا لتعديل نظامه الغذائي أو أخذ جرعة إنسولين وقائية.
* Low Glucose Predict: بمثابة نظام إنذار مبكر، ينبّه المستخدم باحتمال حدوث انخفاض حاد في السكر قبل 30 دقيقة تقريبًا من وقوعه—وقت كافٍ لاتخاذ إجراء تصحيحي سريع.
* Night Low Predict: خاصية تُعد الأهم لكثير من المرضى، إذ تتنبأ بخطر انخفاض السكر أثناء النوم وهو أكثر الأوقات خطورة. التطبيق يقيم المخاطر قبل النوم ويقترح ما إذا كانت وجبة خفيفة ليلية ضرورية.
يقول موريتز هارتمان، رئيس قسم حلول المعلومات في شركة Roche: «من خلال تسخير قوة التكنولوجيا التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكن لتطبيق Accu-Chek SmartGuide Predict أن يمنح مرضى السكري قدرة أكبر على اتخاذ قرارات استباقية لإدارة حالتهم الصحية بثقة ووعي».
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أبحاث السكري
تتجاوز فوائد التعاون بين IBM وRoche الجانب العلاجي، لتصل إلى مجال الأبحاث السريرية. فقد طوّرت الشركتان أداة ذكية مدعومة بمنصة watsonx من IBM، تعيد تعريف كيفية تحليل البيانات في التجارب السريرية.
بدلًا من العمليات اليدوية البطيئة، تقوم الأداة الجديدة برقمنة وتصنيف وترجمة البيانات السريرية المجهولة الهوية، وربطها تلقائيًا بمعلومات أجهزة مراقبة السكر ونمط حياة المشاركين في الدراسة.
والحصيلة؟ اكتشاف أنماط وارتباطات دقيقة في وقت قياسي ما يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في فهم المرض وتطوير أساليب العلاج، وربما يكون أكثر تأثيرًا على المدى البعيد من التطبيق ذاته.
تحالف فريد بين التكنولوجيا والصحة
يجمع هذا التعاون بين قوتين من عالمين مختلفين: خبرة IBM التقنية والذكاء الاصطناعي من جهة، وخبرة Roche في علوم الحياة والرعاية الصحية من جهة أخرى. وهو نموذج ناجح لتكامل الصناعات لخدمة احتياجات صحية حقيقية.
يقول هارتمان: «شراكتنا طويلة الأمد مع IBM تعكس الإمكانات الكبيرة للابتكار بين الصناعات في تقديم حلول فعّالة لاحتياجات صحية غير ملبّاة، وتسريع الوصول إلى نتائج علاجية أفضل».
وأضاف كريستيان كيلر، المدير العام لـIBM في سويسرا: «التعاون مع Roche يُبرهن على قوة الذكاء الاصطناعي عندما يُستخدم لهدف واضح: دعم المرضى في إدارة حالاتهم بشكل أفضل. نحن نوفر بيئة تقنية موثوقة، آمنة، ومخصصة تُعزز الابتكار في مجال الرعاية الصحية».
دلالات الابتكار لمستقبل التكنولوجيا الصحية؟
بعد سنوات من متابعة التكنولوجيا الصحية، يمكن القول إن هذه الشراكة مختلفة. فهي لا تقدم وعودًا فضفاضة، بل تركز على حل واضح وملموس لمشكلة تؤثر على أكثر من 590 مليون شخص حول العالم يعيشون مع مرض السكري.
إنّ التحول من الإدارة التفاعلية إلى الإدارة التنبؤية لا يُعد مجرد تحسين، بل تغيير في قواعد اللعبة. فبدلًا من انتظار المشكلة، أصبح بالإمكان توقعها ومنعها. الذكاء الاصطناعي هنا لا يستبدل الإنسان، بل يزوّده بالمعلومة في الوقت المناسب ليحسن اتخاذ القرار.
التطبيق متاح حاليًا فقط في سويسرا، وهي خطوة مدروسة لاختبار فعالية النظام قبل تعميمه عالميًا. ومن المتوقع أن يتابعه قطاع الرعاية الصحية عن كثب.
إذا أثبتت هذه التجربة نجاحها، فقد تفتح الباب أمام حلول مشابهة لأمراض مزمنة أخرى، مثل أمراض القلب، الربو، أو حتى اضطرابات الجهاز العصبي كمرض باركنسون.
وفي الوقت الراهن، يبقى الهدف الأساسي هو منح مرضى السكري القدرة على عيش حياة أكثر راحة واستقرارًا حتى أثناء نومهم. وهو هدف إنساني نبيل، يستحق أن يُسخّر له الذكاء الاصطناعي بكل إمكاناته.