عندما بدأت الحملة الإسرائيلية على جنوبي لبنان، سارع النظام السوري إلى إطلاق خطط استجابة لاستقبال اللبنانيين مع حديثه عن وجود "مراكز إيواء" تتسع للآلاف منهم، لكن رغم أن طريقة التعاطي هذه قد تكون إجراء طبيعيا لدولة جارة، فإن الصورة تختلف عند النظر إلى الموقف الذي أبدته دمشق مع اللاجئين السوريين هناك، سابقا والآن.

وعلى مدى الأيام الماضية، كانت الحدود مفتوحة أمام اللبنانيين الهاربين من القصف الإسرائيلي باتجاه سوريا، لكن لم يكن المشهد كذلك بالنسبة لأبناء البلد الأصليين، الذين انتظروا لأيام، بسبب عدم قدرتهم على دفع ضريبة الدخول المحددة بتصريف 100 دولار أميركي إلى الليرة السورية.

لم يقتصر الأمر ما سبق فحسب، بل وصل الحد من جانب مؤسسات النظام السوري، لإبداء الاهتمام على نحو كبير بالنازحين اللبنانيين، دون أن تكشف في المقابل عن أية خطة بشأن السوريين، الذين يعيشون مرارة "النزوح المزدوج".

وطالما أكد النظام السوري خلال الأشهر الماضية، أن عملية عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلدهم، تتطلب وجود أرضية معيشية وبنى تحتية، مشترطا أكثر من مرة على الدول والمانحين، دعمه ليوفر الاحتياجات لمن يرغب بالعودة.

وبعد اليوم الأول من تصعيد إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، اتضح من تصريحات مسؤوليه أن "البنى التحتية" التي كان يطالب بها موجودة بالفعل، مما يشير إلى وجود "ازدواجية" في التعامل مع أزمة اللبنانيين والسوريين الفارين من الصراع، كما يقول الباحث السوري، أيمن الدسوقي.

"رقم كبير".. الأمم المتحدة تكشف عدد الفارين من لبنان إلى سوريا أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الاثنين، بأن نحو مئة ألف شخص فروا من لبنان باتجاه سوريا هربا من الغارات الإسرائيلية.

ويضيف الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أنه "في حين تتوفر الإرادة السياسية لاستقبال اللبنانيين، مدفوعة بحسابات النظام سياسيا واقتصاديا، لا يبدي الأخير رغبة ولا إرادة في ملف عودة السوريين المتواجدين في دول الجوار، إلى بلادهم، دون مكاسب ينالها مباشرة".

"اعتباران"

ويعتقد الدسوقي في حديثه لموقع "الحرة"، أن تحرك النظام على الحدود مع لبنان مدفوعا بـ"اعتبارين سياسي واقتصادي".

ويتصل الأول بحاجته إلى تبني موقف "يجنبه انتقادات" حلفائه في ما يعرف بـ"محور المقاومة"، "يتجاوز حالة الحياد كما ظهر في غزة، ولا يرقى للانخراط المباشر في دعم حزب الله، خشية الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل تفوق قدرته وتقوض نظامه".

وكذلك، يوفر هذا الانخراط للنظام، "فرصة لإعادة تعويم دوره في الملف اللبناني مجددا، باعتباره شريكا مسؤولا في متابعة هذا الملف، واحتواء تداعياته راهنا وتسويته مستقبلا"، حسب الباحث السوري.

أما الاعتبار الثاني، فيتعلق "باستثمار النظام لأزمة النازحين اللبنانيين" على حد تعبير الدسوقي.

ويأتي ذلك "بهدف الضغط على حليفه الإيراني لإرسال مساعدات مالية ونفطية"، بالوقت الذي أشارت فيه تقارير صحفية عن تراجع ملحوظ في مستوى الدعم الإيراني للنظام.

وأيضا يهدف من وراء ذلك، وفق ذات المتحدث، إلى "استقطاب دعم من الدول المانحة، سيما الخليج وأوروبا، لمواجهة تحديات اللجوء والحيلولة دون تفاقهما، إضافة إلى توظيف هذا الملف كورقة تفاوضية لإعادة النظر بملف العقوبات المفروضة عليه".

ولا تزال حركات الخروج مستمرة من لبنان إلى سوريا عبر المعابر الحدودية الواصلة بين البلدين، وأبرزها جديدة يابوس.

ووفقا لآخر الإحصائيات التي نشرتها الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد العابرين حتى ظهر الإثنين، حاجز الـ100 ألف شخص.

ويتوزع اللبنانيون الداخلين إلى سوريا في عدة محافظات، بينها حمص ودمشق وريف دمشق وطرطوس، وبعض القرى الواقعة في ريف محافظة حماة.

قصف إسرائيلي يستهدف معبرا حدوديا بين لبنان وسوريا  تعرض معبر مطربا الحدودي الذي يصل بين الأراضي السورية واللبنانية لقصف قال الجيش الإسرائيلي إنه يهدف "لمنع نقل وسائل قتالية إلى حزب الله".

وقال مصدر مطلع (متطوع في مؤسسة الهلال الأحمر السوري) لموقع "الحرة"، إن غالبية الفارين من اللبنانيين "يفضلون الذهاب إلى معارفهم في حمص وريف دمشق، فيما توجهت قلة منهم إلى المدارس ومراكز الإيواء".

وأضاف أن "جزءا آخر خرج من سوريا بعد دخولهم إليها، قاصدين وجهتين هما العراق والأردن".

"ترميم صورة"

ومنذ بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، وبعد الحملة الإسرائيلية القائمة على جنوبي لبنان، التزم النظام السوري بسياسة قامت على "الانكفاء"، رغم أنه جزء مما يعرف بـ"محور المقاومة".

واقتصرت مواقفه خلال الأشهر الماضية، على تقديم "الدعم المعنوي" المتأخر، القائم على إصدار بيانات التنديد والإدانة، ومطالبة مؤسسات الأمم المتحدة بالتدخل لوقف الحرب.

وكان لـ"حزب الله" اللبناني الذي تعرض لسلسلة ضربات قتلت آخرها أمينه العام حسن نصر الله، دور كبير في بقاء النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، بعدما اندلعت الثورة السورية ضده في 2011.

وفي تلك الفترة، أدخل حزب الله قوات وقادة كبار لسوريا، وشارك في غالبية المعارك على الأرض، ليحرف آنذاك دفة الصراع لصالح الأسد.

لكن رئيس النظام السوري لم يبد حتى الآن أية نية للانخراط إلى جانب الحزب من أجل دعمه.

ويأتي سلوكه بشأن استقبال اللبنانيين على نحو لافت، ومن منطلق "ترميم صورته"، حسب تعبير مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، كرم شعار.

مصادر تكشف معلومات عن صواريخ حزب الله وممرات التسليح كشفت مصادر "مطلعة" لوكالة رويترز تفاصيل الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بحزب الله وخطوط إمدادها وهيكلها القيادي.

ووفقا لشعار، يرى النظام السوري أن عبء استضافة أعداد من اللبنانيين سيكون "صغيرا جدا"، لذلك يحاول من منطلق "استثماري" أن يوجه رسالة بأنه "لا يزال يحافظ على الجزء المتبقي من سردية أننا ندعم المقاومة".

ورغم أنه "يعي بأن السردية تلك تمت تعريتها" وهو ما ينطبق على إيران أيضا، يوضح شعار لموقع "الحرة"، أن ما يجري من جانب الأسد على حدود لبنان "يظل محاولة لتعويض تخلخل الصورة الثانية المتعلقة بالانكفاء".

ويعتبر الباحث في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن، سمير التقي، أن "النظام السوري أصبح الآن في وضع محرج جدا فيما يتعلق بموقفه من إيران وحزب الله".

كما أن "موقفه الملتبس بعد مقتل نصر الله، يجعله أيضا في موضع ضعف"، وفق التقي الذي يضيف لموقع "الحرة"، أن "أحد الأشكال التعويضية للضعف من جانبه، هو قضية الحديث عن استقبال اللبنانيين من الباب المفتوح".

"إصلاح سمعة"

ولا تبدو مؤشرات واضحة حتى الآن عن الحد الذي ستصل إليه إسرائيل في جنوب لبنان، بعد أن أعلنت، الثلاثاء، بدء توغل بري "محدود"، وقالت إنها تخوض "قتالا عنيفا مع حزب الله".

ويوضح الباحث السوري التقي، أن "الحقائق تقول إن النظام السوري وبسلوكه المتعلق بعبور اللبنانيين على الحدود، يحاول إصلاح سمعته"، في إشارة منه إلى حالة الانكفاء السياسي والعسكري التي يتبعها.

ويضيف أن ما تقوم به السلطات السورية أيضا "يصب في إطار محاولة تقديم أوراق اعتماد جديدة في مرحلة ما، بعد إعادة تشكيل المنطقة".

ومع ذلك، يعتقد التقي أن "قدرة النظام على أن يكون نقطة توافق إقليمية، ستكون صعبة جدا".

ويشرح أن "المشكلة الرئيسية تكمن بمدى قدرته على أن يكون عامل استقرار في سوريا بدلا من عامل اضطراب. بمعنى قدرته على المصالحة وإدارة البلاد ومنعها من التورط في اتجاه الفوضى.. وهذه عوامل لا تشفع له فيها قضية اللاجئين".

"عين على الدعم"

ويخضع النظام السوري لعقوبات دولية من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة، دون أن تشمل القطاع الإنساني المتعلق بمؤسسات الأمم المتحدة.

وكان قد استفاد مؤخرا من كارثة الزلزال الذي ضرب شمالي البلاد، حيث بدأت عدة دول بالتواصل معه، ووصلت إلى حد إعادة تطبيع العلاقات وتقديم الدعم الإنساني لمؤسساته.

من لبنان إلى سوريا.. عابرون بالآلاف وآخرون ينتظرون عَبر الآلاف من السوريين واللبنانيين من لبنان إلى سوريا خلال الساعات الماضية، بحسب ما ذكرت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية.

ومع استمرار حركة العبور من لبنان، يوضح التقي أن اللبنانيين الجدد داخل سوريا "يتوزعون في إطار قسمين: الأول مرتبط بحزب الله والحاضنة الشعبية المرتبطة به"، أما الثاني "فيشمل اللبنانيين الذين اضطروا للهجرة لأسباب مختلفة، ويفضل قسم منهم استخدام سوريا كبلد عبور فقط باتجاه الأردن أو العراق".

وقد يحاول النظام السوري في الوقت الحالي أن يحجز له مكانا في قائمة الدول "المستفيدة من الدعم الدولي والعائدات المخصصة لأولئك اللبنانيين"، وفق التقي.

لكنه في المقابل، يضيف أن "النظام السوري لن يكون قادرا في وقت لاحق على أن يستمر بالسياسة التي يتبعها الآن، لأن ذلك قد يعني تغييرا ديمغرافيا لن يكون في صالحه".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: من لبنان إلى سوریا الأمم المتحدة النظام السوری حزب الله من جانب

إقرأ أيضاً:

مقداد فتيحة سفاح الساحل السوري وقائد مليشيا درع الساحل

يعرف بـ"أبو جعفر" وينحدر من مدينة جبلة الساحلية في سوريا، عمل في الحرس الجمهوري أيام الرئيس المخلوع بشار الأسد، واشتهر حينئذ بنشره صورا تظهر تنكيله بجثث المدنيين وقطع رؤوسهم، وهو متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة وجرائم تعذيب ضد المعارضين لحكومة بشار، وبالاتجار بالمخدرات والخطف، وأسس عقب سقوط النظام مليشيا "لواء درع الساحل".

التجربة العسكرية

تطوّع مقداد لؤي فتيحة -وهو من الطائفة العلوية– في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، وانضم للحرس الجمهوري، كما قاتل في صفوف الفرقة 25 التابعة لسهيل الحسن الملقب بـ"النمر" ومبتدع البراميل المتفجرة، حسب ما أوردته صفحة أرشيف الثورة السورية.

ويُتهم فتيحة بارتكاب مئات الانتهاكات لحقوق الإنسان طوال فترة تطوعه بالحرس الجمهوري، خاصة عقب اندلاع الثورة عام 2011، وانتشرت له كثير من الصور ظهر فيها يقتل مدنيين ويمثل بجثثهم، بعضها وثقها بنفسه بالصوت والصورة، إلى جانب صور أخرى يجلس فيها قرب جثث مدنيين أحرقهم أحياء وبينهم أطفال، وأخرى يحمل فيها رؤوسا مقطوعة.

وتناقل ناشطون تغريدة له على موقع إكس نشرت عام 2021، يتباهى فيها بكونه لا يخاف من التهديدات، ويؤكد أنه لكثرة ما قتل ومثّل بالجثت فهو يعرف أعضاء جسم الإنسان أكثر مما يعرفها أطباء الطب الشرعي، ويقول إنه مثل بالجثث بقدر ما بث التلفزيون السوري من مسلسلات.

فتيحة يهدد إدارة الأمن العام السورية بشن هجمات (مواقع التواصل) "لواء درع الساحل"

استمرت عمليات فتيحة الإجرامية حتى بعض سقوط نظام بشار، لكنه وجهها لأول مرة ضد أبناء طائفته ممن رفضوا الانضمام له في العمليات والكمائن التي بدأ بشنها ضد قوات الأمن في الإدارة الجديدة.

إعلان

وأسس فتيحة لواء درع الساحل في فبراير/شباط 2025، وفي السادس من مارس/آذار ظهر في فيديو نشر على صفحة "مقداد فتيحة لواء درع الساحل الاحتياطية" يعلن التمرد على الحكومة السورية الجديدة.

وبعدها بأيام أعلن فتيحة تعاونه مع فصيل "جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" الذي أعلن عن تأسيسه في 4 مارس/آذار 2025، وقال إن "عملهم وقتالهم لتحرير الساحل السوري بدعم روسي".

وفي ليلة إعلان التأسيس، بدأت قوات درع الساحل وفلول النظام المخلوع، بشكل منظم وفي وقت واحد في مناطق عدة من الساحل السوري، استهداف عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي والعناصر التابعين لوزارة الدفاع، كما طال الاستهداف أي مدني يقود سيارة تحمل رقم محافظة إدلب.

وقتلت هذه القوات مع بداية العملية نحو 75 عنصرا من قوى الأمن الداخلي وعناصر الشرطة ومدنيين، وأسرت قرابة 200 عنصر وأصيب العشرات من قوات الدولة السورية والمدنيين بينهم صحفي.

وسيطر فلول النظام على معظم الساحل السوري ومواقعه الإستراتيجية والعسكرية، ووصلوا إلى قاعدة حميميم ومطار أسطامو والكلية البحرية واللواء 107، إضافة للجسور والمداخل والمخارج المؤدية إلى مدن الساحل، وانتشرت على طريق "إم 4" لقطع الطريق على القادمين من مناطق إدلب.

View this post on Instagram

A post shared by الجزيرة (@aljazeera)

وقد امتصت الحكومة السورية صدمة الهجوم المنظم من فلول النظام، وبدأت عملية استعادة المواقع التي سيطروا عليها من وحدات الأمن الداخلي، وبمساندة وزارة الدفاع في مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة.

يُذكر أن النظام المخلوع كان قد حاول إعادة بناء الحرس الجمهوري عام 2015، عبر تشكيل لواء باسم "درع الساحل" للتركيز على الريف العلوي، وتقسيم المنطقة إلى مقاطعات طائفية.

وظهر فتيحة في فيديو مصور ثان في 13 مارس/آذار 2025 يرتدي لباس الأمن العام ويهدد قوات وزارة الدفاع والأمن بما سماه المرحلة الثانية من المعركة إذا لم تنسحب من قرى الساحل، وهدد بتفخيخ الطرقات وإعدام الأسرى واغتيال العناصر.

إعلان

وقد تداول رواد التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا آخر نسب لفتيحة أواخر مايو/أيار 2025، يهدد فيه الحكومة بسلسلة هجمات واعتقالات في حال لم تفرج عن المعتقلين.

مقالات مشابهة

  • مقداد فتيحة سفاح الساحل السوري وقائد مليشيا درع الساحل
  • بري يرفض الاحتكاكات بين اللبنانيين واليونيفيل ويدعو لمعالجة الوضع بحكمة
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة: إلى العاملين في الجيش والقوات المسلحة، إن التزامكم بلوائح السلوك والانضباط -التي ستصدر بعد قليل- يعكس الصورة المشرقة التي نسعى لرسمها في جيش سوريا، بعدما شوّهه النظام البائد وجعله أداةً لقتل الشعب السوري، فيما نعم
  • داعش يتبنى أول هجوم ضد الجيش السوري الجديد منذ سقوط نظام الأسد
  • اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟
  • إلى اللبنانيين الذاهبين إلى الحج… اقرأوا هذا الخبر
  • البيانوني: هذا ما جرى حين جلس الإخوان وجهاً لوجه مع مخابرات الأسد
  • مصدرها الجانب السوري.. سقوط قذيفة من نوع شيلكا في بلدة الدوسة – عكار
  • مصدرها الجانب السوري.. جريح جراء سقوط قذيفة من نوع شيلكا في عكار
  • خالد الأحمد .. العلوي الذي ساعد الشرع وكتب نهاية الأسد - فيديو