الزواج.. بين سنة الحياة وتكاليف المجتمع!
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
في عصرنا الحالي، أصبحت عادات الزواج مُحملة بالكثير من التفاصيل المرهقة التي لم تكن موجودة في الماضي. وفي كل جيل، نرى تطورات جديدة في مراسم الزواج، بعضها يفرض تحديات مالية كبيرة على العريس، مما يجعل الزواج حلمًا صعب المنال للكثير من الشباب. أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج هو ارتفاع التكاليف بشكل كبير؛ حيث نرى بعض الشباب يتأخرون عن الزواج حتى سن الثلاثين أو الأربعين بسبب الأعباء المالية المرتبطة بالمناسبات.
وإذا ما ألقينا نظرة على الفارق بين تكاليف الزواج في الماضي والحاضر، لوجدنا فرقًا شاسعًا. ففي الماضي، لم يكن المهر يتجاوز ألفي ريال عُماني، وأحيانًا كان أقل من ذلك. بينما في الوقت الحالي، ارتفعت التكاليف بشكل ملحوظ، ليس فقط بسبب زيادة الأسعار الطبيعية، بل نتيجة لإضافة متطلبات جديدة تجعل التكاليف تتضاعف. هذه المتطلبات تشمل بعض العادات التي تُعتبر حديثة ودخيلة على مراسم الزواج.
علاوة على ذلك، تجهيز العروس ببعض المشتريات الأساسية لدخول حياتها الزوجية هو أمر لا جدال فيه. ومع ذلك، فإنَّ ما نشهده اليوم هو سباق بين العائلات على استئجار أفخم القاعات وتقديم أجود المأكولات وتوزيعات الهدايا الباهظة. كما أن هناك عادات جديدة، مثل تنظيم حفلات خاصة لوضع الدبل، والتي بدأت في إطار عائلي ضيق لتتحول لاحقًا إلى مناسبات تُقام في استراحات أو قاعات تُدعى إليها العائلات والأصدقاء. هذا يزيد من الأعباء على العريس، الذي يُطلب منه تمويل كل هذه التكاليف.
إلى جانب ذلك، إجراءات عقد القران تتطلب دعوة الأهل والأصدقاء والأقارب وتقديم الحلوى العُمانية وغيرها من أنواع الضيافة، مما يرفع تكلفة الزواج بشكل كبير. كما إن في بعض القرى، يتم تنظيم حفلات عشاء كبيرة عند العريس؛ حيث يُدعى جميع سكان القرية، مما يزيد من الأعباء المالية التي يتحملها العريس.
وفي بعض محافظات سلطنة عُمان، توجد عادات جميلة تستحق الثناء، مثل تقديم الدعم المالي للعريس من قبل المُجتمع المحلي، وهي خطوة إيجابية تُظهر التضامن بين أفراد المجتمع. ومع ذلك، حتى مع وجود هذه المبادرات، تظل تكاليف الزواج مرتفعة بشكل كبير؛ حيث تتطلب حفلات الزفاف استئجار قاعات أفراح أو استراحات، ما يعني زيادة كبيرة في التكاليف المتعلقة بالزفة والعشاء والمأكولات الأخرى.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ تراكم هذه التكاليف يثقل كاهل العريس بشكل كبير، مما يؤدي إلى ديون قد تستمر لسنوات بعد الزواج. من هنا، يجب أن نتوجه إلى أولياء الأمور والبنات المُقبلات على الزواج بالقول: "ارحموا هؤلاء الشباب". فالوضع المالي للكثير من الشباب اليوم لا يسمح بتحمل هذه التكاليف الباهظة. الرواتب محدودة، ونسب التسريح من العمل في ارتفاع، ونسبة الطلاق أيضًا مرتفعة، وهذا يعود بشكل كبير إلى الضغوط المالية التي يتحملها الشباب بعد الزواج.
وبما أن الحل الوحيد المتاح أمام العديد من الشباب هو اللجوء إلى البنوك والاقتراض لتغطية تكاليف الزواج، يصبح الزواج عبئًا اقتصاديًا كبيرًا. وهنا يأتي دور المجتمع والجهات المعنية في الدولة. يجب أن تُبذل الجهود لإيجاد حلول تساعد الشباب على تجاوز هذه التكاليف المرهقة والابتعاد عن العادات الدخيلة التي تجعل الزواج أكثر تعقيدًا.
ولقد شاهدت بنفسي نموذجًا إيجابيًا خلال زيارتي لولاية صور الجميلة. حضرت حفل عقد قران لأحد الأصدقاء هناك، وأعجبت بتواضع الضيافة التي اقتصرت على تقديم الحلوى العُمانية وبعض الأكلات الخفيفة. كانت التكلفة الإجمالية لا تتعدى 400 ريال عُماني، وكانت مناسبة ناجحة بامتياز. لم تكن هناك حاجة إلى إقامة حفلات ضخمة أو دعوة عدد كبير من الضيوف لتكون المناسبة مُميزة. كان هذا النموذج البسيط موضع تقدير من الجميع.
ولو تمَّ تعميم هذا النموذج في كافة المحافظات، لكان بالإمكان تقليل التكاليف بشكل كبير، خصوصًا إذا تم الاستغناء عن بعض العادات الدخيلة، مثل حفلات تلبيس الدبل الكبيرة التي تتطلب دعوة الكثير من المعازيم. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقلهن مهرًا أكثرهن بركة"، فإنَّ تخفيف الأعباء المالية والابتعاد عن المظاهر الزائفة يمكن أن يسهم في تعزيز البركة في الزواج ويُقلل من التوترات التي تنشأ بعده.
ختامًا.. يتعين علينا جميعًا أن نُعيد النَّظر في التقاليد التي نمارسها خلال حفلات الزواج، وأن نسعى لتبسيط الإجراءات قدر الإمكان. كما يجب أن نعمل على توعية المجتمع بأنَّ الزواج ليس مناسبة للتبذير، بل هو مناسبة لتأسيس حياة جديدة تقوم على الحب والتفاهم والتعاون. إذا استطعنا التخلص من العادات الدخيلة والتركيز على جوهر الزواج الحقيقي، فسنتمكن من مساعدة الشباب على الإقبال على هذه الخطوة المهمة في حياتهم دون أن يُثقلوا بالديون والمصاريف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شرطة أبوظبي تنظم «تمكين الشباب وتعزيز المواطنة الإيجابية»
أبوظبي (الاتحاد)
نظمت إدارة التأهيل الشرطي بأكاديمية سيف بن زايد للعلوم الشرطية والأمنية في شرطة أبوظبي، جلسة حوارية بعنوان «تمكين الشباب، وتعزيز المواطنة الإيجابية»، وذلك بالتعاون مع المؤسسة الاتحادية للشباب ومجلس شباب شرطة أبوظبي ومجلس العين للشباب.
واستهدفت الجلسة التي عقدت بمقر الإدارة في منطقة الفوعة بالعين، طلبة دورة التأهيل المهني، والدورة التخصيصية للخدمة الوطنية الدفعة 22، وأبطال شرطة الغد في نسخته السابعة؛ بهدف رفع الوعي الشبابي ضمن بيئة تفاعلية تجمع بين الخبرة الأمنية والرؤية المجتمعية.
وأشار العميد حسين علي الجينبي، مدير إدارة التأهيل الشرطي، إلى إنجازات ودور أكاديمية سيف بن زايد للعلوم الشرطية والأمنية في تنمية روح الولاء والمواطنة الصالحة في نفوس الشباب، وأهمية التعليم الأمني والتسلح بالقدرات النوعية التي يحتاج إليها الوطن في عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وتعزيز القيم الإيجابية لديهم، من خلال المناهج التعليمية والتدريبات المهنية والدورات التدريبية والتي تسهم بدورها في إعداد وبناء طلاب قُدوة في السلوك والانضباط داخل المجتمع.
الطاقات الشبابية
تناولت الجلسة التي أدارها مسلم حمود الدرعي، رئيس مجلس العين للشباب، محاور حيوية عدة، اشتملت على دور الشباب في بناء المستقبل، وأهمية تمكينهم بالمهارات والفرص التي تسهم في ترسيخ دورهم الإيجابي في المجتمع، وتحفيز الطاقات الشبابية للمشاركة في المبادرات المجتمعية والشرطية. وأوضح النقيب حسن محمد البلوشي، عضو مجلس شرطة أبوظبي للشباب، دور المواطنة الإيجابية في تعزيز أمن المجتمع، مؤكداً أن الفرد الواعي بحقوقه وواجباته يسهم في دعم جهود الجهات الأمنية، من خلال التزامه بالقوانين، والإبلاغ عن أي سلوك مشبوه يهدد استقرار المجتمع، بالإضافة إلى ترسيخ مفاهيم الانتماء والمسؤولية المجتمعية، ما يسهم في خلق بيئة آمنه يسودها التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع ومؤسساته.
التمكين
أكد جاسم حسن العبيدلي من المؤسسة الاتحادية للشباب، أهمية دعم فئة الشباب في مسيرة التنمية الشاملة، وتعزيز قيم الولاء والانتماء والمسؤولية المجتمعية لديهم، وآلية تمكينهم في العمل المؤسسي والمجتمعي، موضحاً مفهوم التمكين وأبرز المبادرات الوطنية التي تُعنى ببناء قُدرات الشباب وإشراكهم في المبادرات الأمنية والمجتمعية، ودورهم في اتخاذ وصناعة القرار لتمكينهم من الإسهام الفاعل في تحقيق تطلعات القيادة الرشيدة في بناء مجتمع آمن ومستدام.
تجارب ملهمة
اختتم المتحدثون الجلسة بطرح رؤى وتجارب ملهمة حول دور الشباب في تعزيز الأمن المجتمعي، وترسيخ المواطنة الإيجابية، إلى جانب مناقشة التحديات التي تواجه الشباب وسبل تحويلها إلى فرص تسهم في تطوير الذات وخدمة الوطن، وتوصيات بضرورة التمسك بالعادات والتقاليد والموروث الشعبي لدولة الإمارات العربية المتحدة والمحافظة على تراثها الأصيل، مؤكدين أن الشباب هم الركيزة الأساسية في استدامة النجاحات، وتحقيق الرؤى المستقبلية للقيادة الرشيدة.
الحضور
حضر الجلسة العقيد الدكتور علي خميس اليماحي، نائب مدير إدارة التأهيل الشرطي، وعدد من الضباط وعناصر الشرطة.