أكد عدد من الخبراء والسياسيين أن الشرق الأوسط سيدخل مرحلة جديدة خلال الفترة المقبلة مع تطور الصراع بالمنطقة واحتمالية شن إسرائيل هجوماً على إيران يستهدف المنشآت الحيوية، كما أن سلسلة الاغتيالات المتواصلة التى تُنفذها إسرائيل ضد عناصر حزب الله ستؤدى إلى تغيير كبير فى منطقة الشرق الأوسط.

وقال الدكتور حسام الدين محمود، رئيس مركز أفريقيا للتخطيط الاستراتيجى والمحلل السياسى، إن التصعيد المستمر أثار مخاوف كبيرة من جميع دول العالم حيال اتساع نقطة الصراع ونشوب حرب شاملة، مشيراً إلى أن الجميع أصبح يرى أن الشرق الأوسط على حافة الهاوية بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلى على غزة ولبنان وتزايد الخسائر البشرية وعدم استقرار كثير من دول الإقليم بسبب الحرب، وهو أمر مرعب.

وأضاف أن العالم والمجتمع الدولى بجميع منظماته، يقف أمام الأحداث فى الشرق الأوسط، ضعيفاً لا يستطيع اتخاذ قرار حاسم بوقف إطلاق النار أو وقف النزاع، ومن المرجح أن تستمر هذه الأزمة فترة أخرى، وورقة الضغط الوحيدة على إسرائيل لوقف الأحداث والتوترات فى الشرق الأوسط هى الولايات المتحدة.

وأوضح «حسام» أن إيران داعمة لحزب الله ومحور المقاومة بقوة، وبسبب سلسلة الاغتيالات الأخيرة ضد الحزب سيشتعل فتيل الأزمة أكثر فى الشرق الأوسط، وستزيد رقعة الصراع بالضربات الإيرانية المباشرة فى الداخل الإسرائيلى، ومن المتوقع حدوث ضربة من إسرائيل فى منشآت أو مناطق إيران الحيوية.

وأوضح أن الانتخابات الأمريكية المقبلة فى نوفمبر ستُغير شكل الشرق الأوسط، ففى حال وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، سيحاولون بشتى الطرق تهدئة الموقف والصراع، ويؤكد ذلك تصريحاتهم الأخيرة، وعند وصول الديمقراطيين من المتوقع أن يحدث ترتيب لتراجع حدة الصراع والتوترات.

وأشار رئيس مركز أفريقيا للتخطيط الاستراتيجى إلى أن مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل فى هجومها على إيران ستُشعل الصراع فى المنطقة أكثر، وفى حال كان الهجوم قوياً سيمتد الصراع أكثر، مما سيؤثر على منطقة البحر المتوسط وسيتوسع الصراع أكثر بين قوتين لهما تأثير فى حركة الحرب، وهما إسرائيل التى لن تتراجع عن قصف إيران، وإيران ستميل إلى استمرار حدة الصراع، وستُعيد قصف إسرائيل.

وقال ثائر أبوعطيوى،  مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات فى فلسطين، إن دول العالم تنظر إلى الشرق الأوسط ضمن مصالح مشتركة وقوى وتحالفات، لذلك تميل معظم الدول إلى الأقوى على جميع المستويات وفى كل المجالات، وتظل نظرة العالم إلى الشرق الأوسط ضمن النظرة التى تقوم على المصلحة والمنفعة التبادلية المشتركة. وأوضح أن الصراع فى الشرق الأوسط يمكن أن يتغير كثيراً من خلال وقف جميع أشكال المساعدات والصادرات إلى إسرائيل، خصوصاً العسكرية، ليكون آلية ضغط ذات فاعلية على أرض الواقع، ويجب على المجتمع الدولى أن يقوم بالضغط على إسرائيل، بشكل فعّال لوقف الحرب والتصعيد، وفتح آفاق مستقبلية لعملية تفاوضية سلمية تقوم على فكرة حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة.

وأكد «أبوعطيوى»، أنه فى حال ردّت إسرائيل على الهجوم الإيرانى الأخير، سيأخذ الصراع فى الشرق الأوسط منحى مختلفاً ومتطوراً، حيث سيعمل على توسيع رُقعة الصراع الدائر وفتح جبهة مواجهة مفتوحة وساحة حرب بين إسرائيل وإيران وحلفائهما بالمنطقة، الأمر الذى سيدخل الإقليم والشرق الأوسط فى دوامة حرب وصراع مجهول المعالم والنهاية، وسيتحول الشرق الأوسط إلى وجه وكيان جديد ومختلف فى التوازنات والتحالفات وعلى كل الصُّعد والمستويات.

وأضاف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء من الحزب الجمهورى أو الديمقراطى، تقوم على رؤية واستراتيجية واحدة وهى الدعم الكامل والوقوف بشكل واضح وصريح مع إسرائيل ودعمها فى كل المواقف ومناصرتها فى جميع قراراتها وتقديم المساعدات من كل الأشكال والأنواع، خصوصاً العسكرية لأن إسرائيل يعتبرها الأمريكان الدولة الحليفة الشرق أوسطية، وأن المساس بإسرائيل وتعرّضها لأى مخاطر هو تهديد مباشر وواضح للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.

وأكد أن الجمهوريين والديمقراطيين وجهان لعملة واحدة، والتعامل بازدواجية والكيل بمكيالين فى منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل واحتلالها للأراضى الفلسطينية وعدم الضغط الأمريكى بضرورة قبول إسرائيل والتزامها بفكرة إنهاء الصراع والاحتلال وفتح آفاق لحل الدولتين عبر طاولة المفاوضات، مشيراً إلى أنه فى حالة عدم إلزام إسرائيل بضرورة وقف الحرب ضد إيران وحلفائها بالمنطقة، ودخولها الحرب بجانب إسرائيل ضد إيران وحلفائها ستكون العواقب كارثية وصعبة للغاية، لأنه حينها ستكون إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، وسوف يدخل على خط المواجهة أيضاً حلفاء الجهتين، الأمر الذى سيُغير الموازين العالمية ويخلق معادلات جديدة ستُحدد مستقبل خريطة الشرق الأوسط الجديدة.

وأشار «أبوعطيوى» إلى أنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تكون على الحياد هى وكل الدول العالمية الكبرى ذات القوة والتأثير، وأن يتم تكثيف كل الجهود بشكل عاجل وسريع إلى نزع فتيل الحرب القادمة، من أجل تحقيق الاستقرار والهدوء للمنطقة بأكملها، وهنا يجب أن يتم تشكيل تحالف عالمى من أجل الضغط على إسرائيل بوقف الحرب على كل الجبهات، خصوصاً على جبهة غزة، لأن وقف الحرب على قطاع غزة هو مفتاح الحل الوحيد، الذى سيعمل على إخماد نيران الحروب على كل الجبهات.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الشرق الأوسط الاحتلال إسرائيل غزة لبنان مصر إيران فى الشرق الأوسط وقف الحرب إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟

في مقالين سابقين يتمحوران حول «فلسطين: الدولة الضرورة»، طرحتُ رؤية ترى أن الدولة الفلسطينية لم تعد ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء أمن إقليمي حقيقي. اليوم، أعود، من منظور آخر، لأسأل: هل قُتل شيمون بيريز، رمز التطبيع الاقتصادي والسلام التكنولوجي، تحت ركام الحرب والمجاعة في غزة؟

بصيغة أخرى: هل ماتت الأفكار الفلسفية التي شكّلت الأساس لرؤية بيريز في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد» (1993)؟ تلك الرؤية التي تخيّلت الإقليم مساحة تَعبر فيها المصالح فوق الجدران، وتقود فيه التكنولوجيا الإسرائيلية التنمية المشتركة.

فلسطين، في نظر بيريز، لم تكن عبئاً أمنياً، بل عنصراً أساسياً في نجاح التكامل. رؤيته لم تُولَد من فراغ؛ فقد استندت إلى جذور فلسفية واضحة: صهيونية غير قومية، كما في أفكار ناحوم غولدمان، وبراغماتية جون ديوي التي تمزج النظرية بالتطبيق، وفلسفة مارتن بوبر عن الحوار والتعددية.

بيريز أراد محاكاة النموذج الأوروبي: استبدال المصلحة بالقومية، والمشروعات بالحرب، لكنَّه لم يكن نزيهاً بالكامل؛ فرؤيته تجاهلت الاحتلال، وتغاضت عن أنَّ إسرائيل تمارس شكلاً من الفصل العنصري لا يقل فداحة عن نظام جنوب أفريقيا قبل مانديلا. مشروعه كان سلاماً بلا عدالة، لكنه، ورغم كل هذا، مهّد الطريق لاحقاً للاتفاقات.

في قلب تلك الرؤية كان الافتراض بأنَّ إسرائيل قادرة على «إدارة» التهديدات القريبة، لا إنهاء أسبابها. وقد تبنّت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هذا المنطق في التسعينات، معتبرة أن غزة والضفة يمكن ضبطهما أمنياً دون الحاجة لحل جذري.

بعد ثلاثة عقود، ورث بنيامين نتنياهو الدولة، لكن دون أن يرث رؤية بيريز. على العكس، بنى مشروعاً نقيضاً: مشروع «إسرائيل الكبرى»، مستخدماً السابع من أكتوبر ذريعة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة والتطهير والمجاعة، لا عبر الاندماج.

نتنياهو أخذ عنوان «الشرق الأوسط الجديد» وجرّده من مضمونه. شعاره كان «السلام مقابل السلام»، بلا دولة فلسطينية، بل خريطة لإسرائيل الكبرى. وتزامَن ذلك مع صعود أصوات في واشنطن تعلن صهيونيتها علناً، دون خجل. بعد السابع من أكتوبر، لم تعد غزة مشكلة أمنية، بل «تهديداً يجب اقتلاعه»، وانهارت معها فكرة الاندماج الإقليمي. إسرائيل لم تعد تفكر في الربط عبر سكك الحديد أو مشاريع المياه، بل عبر الجدران الإلكترونية والطائرات المسيّرة وغرف المراقبة. تحوّل «غلاف غزة» إلى مبدأ إقليمي: جنوب لبنان منطقة عازلة، غور الأردن شريط أمني، وإيران خريطة ردع تمتد إلى نطنز وفوردو.
تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية.
في هذا السياق، نعم: شيمون بيريز قُتل رمزياً في غزة. لم يُقصف جسده، لكن جرى اغتيال رؤيته برُمّتها. ورغم افتقاد رؤيته للعدالة لكننا نتحسر عليها في زمن الإبادة والمجاعة. سقطت فكرة بيريز التي كانت ترى إسرائيل جسراً اقتصادياً، عند أول صاروخ ضرب منزلاً في رفح، وعند أول غرفة عمليات حلّت محل غرفة التجارة. تحولت التنمية من شراكة إلى أداة سيطرة. وتحوّل الحلم إلى كابوس الإبادة.

نتنياهو لا يريد شرق أوسط جديداً كما تصوّره بيريز، بل شرق أوسط تحت السيطرة الأمنية الكاملة. تطبيع دون تعايش. اندماج في الأسواق دون انفتاح على الشعوب. مشاريع تنمية بلا التزامات سياسية أو أخلاقية. وهذا نموذج لا يمكن أن يستقر.

المفارقة أن إسرائيل التي تطمح إلى الاندماج التجاري، تُواصل بناء الأسوار والحواجز الأمنية. كأنَّها تريد أن تكون جزءاً من المنطقة اقتصادياً، ومعزولة عنها أمنياً. لكن في علم السياسة، هذا التناقض لا يصمد طويلاً، فلا يمكن لدولة أن تهيمن بالسلاح، وتُعامَل كشريك استثماري في الوقت نفسه.

مشروع بيريز كان ناقصاً، لم يعترف بالاحتلال، ولم يضع فلسطين شرطاً بل وسيلة، لكنَّه أدرك أنَّ العزلة خطر استراتيجي. أمَّا مشروع نتنياهو فيجعل من العزلة قيمة، ويَعدّ أن التفوق العسكري هو مفتاح الاستقرار.

ما نشهده، اليوم، ليس غلافاً أمنياً لإسرائيل، بل طوق خانق يلف المنطقة كلها.
«غلاف غزة» تمدَّد ليشمل دول الجوار. وهذه ليست وصفة لأمن مشترك، بل لتفجُّر دائم. ليس سلاماً، بل إملاء أمني.

من هنا، علينا نحن العرب أن نتمسك بالمسلَّمة الأساسية: لا شرق أوسط جديداً دون فلسطين. لا أمن دون عدالة. ولا استقرار دون دولة فلسطينية ذات سيادة. وها هي فرنسا تقترب من هذه الرؤية العربية التي تحتاج إلى مزيد من الزخم.

شيمون بيريز مات رمزياً في غزة، لكن رؤيته قابلة للإنقاذ، إذا أُعيد تعريف الشرق الأوسط الجديد كحاجة عربية، لا كتصوّر إسرائيلي مفروض. وإن حجر الأساس لهذا الشرق الأوسط الجديد هو الدولة الفلسطينية.

الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • ترامب يُمهل بوتين 12 يومًا لإنهاء الحرب .. فهل ترد روسيا العظمى بقصف واشنطن؟ مدفيديف: لسنا (إسرائيل أو إيران)
  • الخارجية الصينية: القضية الفلسطينية جوهر قضايا الشرق الأوسط وندعو لوقف الحرب بغزة
  • ميدفيديف يرد على”مهلة ترامب”: لسنا إيران أو إسرائيل
  • مدفيديف يحذر ترامب: روسيا ليست إسرائيل أو إيران ولغة الإنذارات تقود إلى الحرب
  • إلى أين يتجه الصراع بين إسرائيل وغزة؟ محررون بواشنطن بوست يجيبون
  • ميدفيديف لترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطوة نحو حرب بيننا
  • مدفيديف يحذر ترامب: روسيا ليست إسرائيل أو إيران والإنذارات خطوة نحو الحرب
  • «لسنا إسرائيل أو إيران».. روسيا لـ ترامب: نهجك يؤدي لحرب تشمل أمريكا
  • أبوالغيط: الحرب توسعت خارج غزة وعواقبها طالت الشرق الأوسط بأكمله
  • هل قُتل شيمون بيريز في غزة؟