في الذكرى الـ61 لطرد المستعمر القديم: الوضع في المحافظات الشرقية.. أزمات إنسانية متفاقمة في ظل احتلال متجدد كل لحظة تمر، تُسجل فصولًا جديدة من المعاناة وتتجلى المأساة في عيون الأطفال وأحلامهم بعيش كريم كل يوم يمر، يزداد عدد الأسر التي تُجبر على مواجهة واقع مرير من انعدام الأمن الغذائي

تطل علينا ثورة أكتوبر بذكراها الواحدة والستين، وكأنما تسترجع الذاكرة أوجاع الماضي المظلم الذي يعيشه الشعب اليمني في ظل واقع مرير يكتنفه غبار الاحتلال.

تعيش عدن والمحافظات الشرقية اليوم تحت وطأة قاسية، نتيجة عقد من الزمن من الاحتلال الإماراتي والسعودي، والذي يركز وظيفته على فرز نزاعات متتالية بين الانتقالي وحكومة ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي. ومع استمرار تدخلات الدول المستعمرة من جديد، تتعمق الأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، إذ يُساهم دعم الكيانات والمليشيات المناطقية المسلحة في نهب ثروات البلاد.
هذه المحافظات المحتلة، والتي تكتوي بنيران احتلال بغيض، تئن تحت وطأة القمع وتدهور أوضاع المعيشة. فقد تحول واقع الحياة فيها إلى سلسلة من الأزمات، حيث تزداد حدة الأزمة الاقتصادية مع انهيار سعر العملة المحلية، مما يزيد من معاناة المواطنين الذين يعانون في اغلب الأحيان من الفقر المدقع وحالة من اليأس والاكتئاب.

الثورة / يحيى الربيعي – أحمد المالكي

تعيش عدن والمحافظات الشرقية أسوأ فصول معاناتها، فحكم مليشيات الانتقالي الهمجية التي تشتت الأوضاع وترهن مصير المواطنين لأهوائها، ساهم في تفاقم الأزمات وجعل الحياة اليومية عبئًا ثقيلاً. هذا المرار دفع الكثيرين إلى حافة اليأس، كما يتجلى ذلك في مأساة الشاب رمزي أحمد عبد الله محمد، البالغ من العمر 31 عاماً، الذي فقد الأمل وعائلته تتضور جوعًا، فقرر إنهاء حياته بعدما أحاط به شعور العجز والضغوط النفسية.
ما حدث لرمزي ليس مجرد حالة فردية، بل هو مثال صارخ عن القلق الذي يعيشه المجتمع في عدن. الانتحار، هذه الظاهرة المخيفة، تعكس عمق الأزمات النفسية والاجتماعية التي يواجهها السكان في ظل جشع المليشيات وغياب أي بارقة أمل في الخلاص. إن تلك الظروف المعيشية الصعبة ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة سلسلة من السياسات القمعية التي عمقت من معاناة البلاد، وجعلت من الحياة في عدن تحديًا يوميًا في ظل غياب العدالة والكرامة.
المعاناة بأقلام منصفة
في 14 سبتمبر 2024، نشر موقع صدى الساحل مقالاً للدكتور مساعد الحريري، تناول فيه الوضع الراهن في مدينة عدن، عاصمة اليمن المؤقتة، حيث تعيش المدينة حالة من التدهور المعيشي غير المسبوق. تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مما جعل الحياة اليومية للمواطنين صعبة للغاية. وقد ركز الكاتب على التحديات التي تواجه المواطنين في حياتهم اليومية، خصوصًا على الحالة المعيشية وما آل إليه الوضع من تدهور، بالإضافة إلى الأسباب وراء هذه الأزمات وما يمكن أن يحدث إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
وأشار الحريري، والعديد من الكُتاب المنصفين، إلى أن غلاء الأسعار يعد من أكبر التحديات التي تواجه سكان عدن، حيث تشهد الأسعار، وبشكل شبه يومي، ارتفاعًا كبيرًا في جميع السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء. وهذا الارتفاع لم يكن نتيجة لعرض وطلب فقط، بل بسبب تدهور العملة المحلية وارتفاع تكاليف النقل، مما جعل من الصعب على الأسر توفير أساسيات الحياة. في ظل هذا الغلاء، أصبح الكثير من الناس غير قادرين على شراء حتى أبسط احتياجاتهم.
صورة تعبيرية عن الواقع
على الصعيد ذاته، تعاني الخدمات العامة في عدن والمحافظات الشرقية من تدهور كبير، فخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي أصبحت غير منتظمة، مما يزيد من معاناة السكان.
وتتواصل الأزمات في عدن وبقية المحافظات اليمنية، حيث تتأثر العملية التعليمية بشكل كبير بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية. تعاني المدارس من نقص حاد في الموارد، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم. المعلمون، الذين يعتبرون العمود الفقري للعملية التعليمية، يتقاضون رواتب متدنية لا تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مما دفع الكثير من الأسر إلى إخراج أطفالهم من المدارس. هذا الوضع يزيد من معدلات الأمية في المجتمع، ويشكل تهديدًا لمستقبل الأجيال القادمة.
تترافق هذه الأزمات مع ارتفاع معدلات البطالة، حيث يجد العديد من الشباب في عدن أنفسهم بلا فرص عمل. هذا الواقع يدفعهم إلى اللجوء إلى أنشطة غير قانونية أو الهجرة بحثًا عن حياة أفضل، مما يخلق بيئة من اليأس والإحباط. التوترات الاجتماعية تتزايد نتيجة لهذه الظروف، مما يزيد من حدة الأزمات.
مع تزايد الأزمات، أصبح الكثير من السكان غير قادرين على تأمين لقمة العيش. تعاني العديد من الأسر من نقص حاد في الغذاء، مما يهدد صحة الأطفال ويزيد من معدلات سوء التغذية. في ظل هذه الظروف، قد يلجأ البعض إلى ارتكاب الأخطاء، مثل السرقة أو الانخراط في أنشطة إجرامية، من أجل ضمان بقاء أسرهم.
الأزمات دون حلول
تعاني المحافظات اليمنية، وخاصة عدن وتعز، من وضع معيشي متدهور يدفع السكان نحو خيارات قاسية، حيث تزداد معدلات الجريمة والعنف نتيجة للفقر واليأس. تتفاقم الأزمات الإنسانية، حيث تجد العديد من الأسر نفسها مضطرة للجوء إلى الأنشطة غير القانونية من أجل توفير لقمة العيش، مما يؤدي إلى تفشي الجريمة وزيادة مناخ عدم الأمان في المجتمعات.
الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من هذه الأزمات. فهم يعانون من نقص شديد في الغذاء، إضافة إلى فقدان فرص التعليم، مما يهدد مستقبلهم. إن عدم توفير بيئة آمنة وصحية لهم يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات جادة لحماية حقوقهم وضمان حصولهم على التعليم والرعاية اللازمة.
المواطنون ومصادر إعلام عربية ومحلية أكدوا أن الوضع يزداد سوءاً في عدن وبقية المحافظات الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي والسعودي، يتطلب استجابة عاجلة. إذا استمرت هذه الأزمات دون حلول، فإن العواقب ستكون وخيمة ليس فقط على الجيل الحالي، بل على الأجيال القادمة. يجب أن نتجاوز الخلافات ونركز على ما هو مهم: حياة الناس وكرامتهم.
المناشدات المتكررة من المواطنين والمجتمع المدني لا تتوقف، لكن حكومة الفنادق تغط في سبات عميق في غرف السبع نجوم في الرياض ودبي، وربما في عواصم عربية وأجنبية أخرى. هذه الحكومة ليست عاجزة عن تقديم حلول فعالة للأزمات المتفاقمة، مثل تأخر الرواتب أو الوفاء بالوعود التي لم تتحقق، لكنها، في الأصل، منزوعة الصلاحيات. إنها عبارة عن ديكور هلامي له شكل وليس له علاقة بواقع ما يصيب المواطنين في هذه المحافظات من شعور بالإحباط وفقدان الثقة في السلطات.
تجاوزات مالية خطيرة
وفي سياق الأزمات المتزايدة، يبدو أن الفساد المستشري في السلطات المحلية التابعة لحكومة الفنادق، يزيد من تفاقم الوضع. إذ تظهر تقارير مثل تلك التي كتبها إبراهيم ناجي عن محافظة تعز، حيث تم الكشف عن تجاوزات مالية خطيرة تورط فيها المدعو محافظ تعز، نبيل شمسان. إن إنفاق ملايين الريالات على ترف وتأثيث استراحة المحافظ في وقت يعاني فيه سكان المحافظة من أبسط مقومات الحياة، يعكس حجم الفساد والممارسات الإدارية الفاشلة.
وسجّلت تقارير فساد أخرى تخصيص أموال لأي شخص أو أي عمل في السلطة المحلية دون مبررات واضحة. هذا الوضع لا يؤدي فقط إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في تعز، بل يشكك أيضًا في القدرة والكفاءة اللازمة لإدارة المحافظة بشكل فعال. إن استمرار نبيل شمسان في منصبه يعكس خطرًا متزايدًا على مستقبل تعز، حيث يتطلب الوضع تغييرات حقيقية وقيادة جديدة تمثل مصالح المواطنين.
بينما قد يحاول البعض الدفاع عن الأداء الحكومي، إلا أن معظم المشاريع التنموية التي تُرحَّب بها هي تمويل من قبل المنظمات الدولية، وتفتقر إلى اللمسة المحلية الحقيقية. كما أن المخالفات الفنية والفساد المتفشي في إدارة المشاريع سيؤديان إلى عواقب وخيمة، يتجلى أثرها عندما تبدأ البنية التحتية في الانهيار.
لذا، فإن الإصلاحات الحقيقية والإدارة الشفافة هما الحلول الضرورية لإنقاذ تعز وبقية المحافظات، بل والمساهمة في إعادة بناء المستقبل الذي يستحقه المواطنون. يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية والتزامًا حقيقيًا تجاه رفاهية المواطنين، وخطوات ملموسة لضمان توفير حياة كريمة وآمنة للجميع.
وفي سياق النهب المنظم، تبرز سلطة محافظة تعز كأحد أبرز رموز الفساد المالي، حيث تُستنزف الضرائب والرسوم لصالح فئات محدودة. تُظهر التقديرات أن ضرائب القات تُدر حوالي 23 مليون ريال يوميًا، في حين تُضاف رسوم الغاز المنزلي حوالي 40 مليون ريال أخرى إلى خزائن الفساد. أكثر من ذلك، يحصل المحافظ شمسان على 200 ريال عن كل كيلوواط كهرباء يُستخدمه أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، والتي تنعكس في فواتير الاستهلاك التي يدفعها المواطن المغلوب على أمره.
وهذا الفساد المنظم، الذي يُدعم بقرارات من أعلى هرم السلطة المحلية، يواصل إغراق تعز في فوضى ومعاناة متزايدة.
السكان يعانون من الفقر المدقع
في الجهة الأخرى، الوضع الإنساني في عدن يزداد سوءًا، حيث أن السكان يعانون من جوع شديد وأغلب الأسر لا تجد ما تسد به رمقها، وتعكس التصريحات أن العديد من العائلات تشعر بأن فقرها يحبسها داخل منازلها، وإن تمكنت من الخروج، فإن أسعار المواد الغذائية في الأسواق ارتفعت بشكل غير مقبول.
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 82.7 % من السكان يعانون من الفقر المدقع، في حين يعاني نحو 45 % من أشكال متعددة من الحرمان من احتياجات الحياة الأساسية. وتظهر التقارير أن معدلات الفقر أشد وطأة في المناطق الريفية، حيث تصل إلى 89.4 %، مقارنة بحوالي 68.9 % في المناطق الحضرية.
تتطلب هذه الظروف العصيبة من المجتمع الدولي والمحلي اتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي للفساد وتقديم الدعم اللازم للمتضررين من هذه الأزمات، لضمان حقوق وكرامة الشعب اليمني في كل المناطق.
يشير التقرير إلى أن الفقر في اليمن يمثل أزمة إنسانية متفاقمة، حيث تعاني الأسر الصغيرة (التي تضم عددًا أقل من الأفراد) من نسبة فقر تبلغ 64.4 %، بينما ترتفع النسبة إلى 86.4 % و91.1 % للأسر المكونة من 5 إلى 9 أفراد أو أكثر.
تسجل المحافظات الشرقية أعلى معدلات الفقر متعدد الأبعاد، حيث يعيش 40 % من الفقراء في محافظات جنوب وغرب اليمن. يعتمد مؤشر الفقر الوطني على 6 أبعاد رئيسية تشمل التعليم والصحة والخدمات ومستويات المعيشة والتوظيف، بالإضافة إلى 17 مؤشراً آخر لرصد أوجه الحرمان.
تساهم العوامل الاقتصادية، مثل انهيار العملة المحلية وتدهور سعر صرف الريال الذي تجاوز 1975 ريال للدولار، في تفاقم الأزمة. نقص الإيرادات نتيجة انخفاض صادرات النفط وتدفقات التحويلات المالية، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم، أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات غير مسبوقة، مما جعل غالبية الأسر غير قادرة على الحصول على الغذاء الكافي.
في صدارة اهتمامات القيادة الثورية
هذه الظروف تجعل من الصعب على الأسر المحافظة على مستوى حياة مقبول، مما يستدعي ضرورة التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. إن الوضع الراهن يتطلب تكاتف الجميع للضغط نحو تحقيق العدالة وتحرير البلاد من الاحتلال الخبيث، ليعود لأبناء اليمن حقهم في حياة كريمة وآمنة.
وفي الذكرى الـ 14 من أكتوبر 1963م المجيدة، تتجلى مسألة الاحتلال السعودي والإماراتي لجنوب اليمن كواحدة من أبرز القضايا الوطنية التي تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى. تظل هذه القضية محورًا مركزيًا يؤكد على الالتزام الوطني والديني والأخلاقي بطرد الغزاة وتطهير كل شبر من الأرض اليمنية، وصون السيادة الوطنية في جميع ميادين البر والبحر والجو.
وفي هذا السياق، ترى قيادة الثورة وكافة الأحرار من أبناء الشعب اليمني أن الاحتفال بذكرى ثورة الـ 14 من أكتوبر والثلاثين من نوفمبر يظل منقوصًا ما دام هناك جندي إماراتي أو سعودي أو أمريكي على تراب الوطن شمالًا وجنوبًا.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

التخطيط المالي.. درع الأمان في زمن الأزمات

 


خالد بن حمد الرواحي

صباح جديد، أسواق مضطربة، قرارات مالية معقدة... في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي، تجد الحكومات والشركات نفسها أمام معادلة صعبة: كيف يمكن حماية الاستقرار المالي في مواجهة الأزمات المتكررة؟ هل يكفي الاعتماد على إجراءات استجابة سريعة، أم أن التخطيط المالي المسبق هو مفتاح تجاوز الأزمات بأقل الخسائر؟

الأزمات المالية ليست مجرد أرقام في تقارير اقتصادية، بل هي واقع يفرض تحديات قاسية على الأفراد والمؤسسات والدول. ارتفاع معدلات التضخم، الأزمات النقدية، التغيرات في أسعار الفائدة، وحتى الجوائح العالمية، كلها عوامل تؤثر على استقرار الأسواق وتهدد مسارات التنمية المستدامة. ومع تزايد هذه التحديات، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف يمكن تعزيز المناعة المالية لمواجهة الأزمات؟ هنا يأتي دور التخطيط المالي كأداة حاسمة تضمن القدرة على تجاوز الأزمات، ليس فقط عبر تقليل الخسائر، بل أيضًا من خلال استغلال الفرص الاقتصادية المتاحة.

وفقًا لتقرير البنك الدولي (2023)، فإن الدول التي تتبنى استراتيجيات تخطيط مالي متقدمة تقلل من آثار الأزمات الاقتصادية بنسبة 40%، مقارنة بتلك التي تعتمد فقط على ردود الفعل العشوائية. فالتخطيط المالي لا يعني فقط إعداد ميزانيات أو تقليل التكاليف، بل يشمل إدارة المخاطر المالية بذكاء، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، وتعزيز الشفافية المالية التي تضمن ثقة المستثمرين والأسواق. وعندما يكون التخطيط المالي مستندًا إلى بيانات وتحليلات دقيقة، فإنه يصبح أداة استباقية تحمي الاقتصادات من الوقوع في الأزمات المتكررة.

في هذا السياق، تبرز رؤية "عُمان 2040" كخريطة طريق تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، قادر على مواجهة التحديات المالية العالمية. تحقيق هذه الرؤية لا يقتصر على تحسين الأداء الاقتصادي، بل يتطلب تبني سياسات مالية ذكية تستند إلى الشفافية والاستدامة، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، ودعم الابتكار في القطاعات الإنتاجية لضمان تنوع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية المتقلبة. ومع وجود خطة مالية واضحة، يصبح الاقتصاد أكثر قدرة على استيعاب الأزمات المالية والتكيف مع التغيرات الاقتصادية المفاجئة.

في ظل هذه التحديات، يصبح دور القيادة المالية أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكما يقول وارن بافيت، أحد أبرز المستثمرين في العالم: "لا تختبر قوة المدّخرات إلا عندما ينحسر المد، وحينها فقط ترى من كان يسبح دون خطة مالية". فالقائد المالي الناجح لا ينتظر وقوع الأزمة حتى يبدأ في البحث عن الحلول، بل يضع استراتيجيات استباقية تضمن الاستقرار المالي حتى في أصعب الظروف. وهذا ما يميز المؤسسات الناجحة، حيث لا تكتفي بإدارة الأزمات عند حدوثها، بل تضع خططًا مالية مرنة تستبق التغيرات، مما يمنحها القدرة على التأقلم مع الظروف الاقتصادية غير المستقرة.

لكن، التخطيط المالي لم يعد يقتصر على الأرقام والتوقعات التقليدية، بل أصبح يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا المالية، التي توفر أدوات تحليل متقدمة، وتساعد في توقع المخاطر المالية قبل وقوعها. تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD 2023) يؤكد أن تبني التقنيات المالية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، يعزز دقة التوقعات المالية بنسبة 60%، مما يسمح للحكومات والشركات بوضع خطط أكثر فاعلية ومرونة في مواجهة الأزمات المالية. ومن هنا، فإن الاستثمار في التكنولوجيا المالية أصبح ضرورة وليس خيارًا لضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل.

في النهاية، التخطيط المالي ليس مجرد استراتيجية اقتصادية، بل هو صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من التقلبات غير المتوقعة، ويضمن استدامته على المدى الطويل. المؤسسات والدول التي تتبنى استراتيجيات مالية متوازنة ومستدامة هي التي تستطيع تجاوز الأزمات بأقل الأضرار، بينما تظل الاقتصادات غير المستعدة رهينة للأزمات المتكررة. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لتطبيق استراتيجيات مالية تضمن لنا اقتصادًا مستدامًا؟ وهل نمتلك الرؤية المالية التي تحمينا من التقلبات الاقتصادية، أم أننا ننتظر الأزمة القادمة دون استعداد حقيقي؟

مقالات مشابهة

  • مجلة أميركية: العنف بغزة ليس حربا بل تطهير عرقي تمهيدا لطرد السكان
  • إب.. مسيرات ومناورات مهيبة في الظهار والقفر نصرةً لغزة وتفويضاً للقيادة الثورية
  • بَللو: الديناميكية التي يشهدها قطاع السينما تعكس التزام الدولة إلى بعث الصناعات الإبداعية
  • رشيد والسوداني يؤكدان على (((حماية السيادة)))!
  • أمريكا.. إمبراطورية الأزمات
  • المرجعية الدينية صمام الأمان في الأزمات
  • رئيس مجلس السيادة يلتقي “محمد بلعيش” ممثل الاتحاد الأفريقي بالسودان
  • التخطيط المالي.. درع الأمان في زمن الأزمات
  • مشروع ضم الضفة الغربية.. بسط السيادة الإسرائيلية وطرد الفلسطينيين
  • نائب:لن نسمح للسوداني ولغيره بمس السيادة العراقية