الفراشات تظهر قدرات معرفية مدهشة للعلماء
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة دورية "كرنت بيولوجي" بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول أن نوعا معينا من الفراشات الاستوائية يتميز بدماغ متوسع وهيكل عصبي فريد مرتبط بقدرات معرفية متطورة.
ركزت الدراسة على فراشات "الهيليكونيوس"، وهي النوع الوحيد المعروف بتغذيها على كل من الرحيق وحبوب اللقاح، مما يتطلب منها امتلاك قدرات تعلم متقدمة وقدرة على تذكر المعلومات المكانية المتعلقة بمصادر الغذاء.
ويوضح الباحث الرئيسي، ماكس فارنورث، من كلية العلوم البيولوجية بجامعة بريستول الإنجليزية، أهمية هذه الدراسة في تصريحات للجزيرة نت بقوله: "إن الأهداف الأساسية لأبحاثنا حول الأساس العصبي للابتكار السلوكي لدى فراشات الهيليكونيوس تتلخص في تحديد كيفية حدوث الابتكار السلوكي. فهذه السلوكيات، مثل التغذي على حبوب اللقاح، يتم تحفيزها وتنفيذها بواسطة الدماغ".
تتمتع هذه الفراشات بالقدرة على تعلم المسارات المثلى للوصول إلى مواردها الغذائية، وهي سمة معرفية نادرة بين الحشرات. ويكمن السبب وراء هذه القدرة في التوسع الملحوظ في جزء من الدماغ يعرف باسم "أجسام الفطر"، مرتبط بمهارات التعلم والذاكرة. والمقصود بالمسارات المثلى هو تحديد طرق ثابتة مثل مسارات الحافلات لتجميع الغذاء، مما يشير إلى أن لتلك الفراشة قدرة على التخطيط وتذكر مسارات محددة بين النباتات المزهرة، وهي عملية تتطلب عمل معقد من الخلايا العصبية في الدماغ.
يقول فارنورث: "نركز على أجسام الفطر التي تشكل مراكز التعلم والذاكرة في دماغ الحشرات، وبالتالي فهي مسؤولة عن مختلف العمليات الإدراكية المختلفة بذاتها. ومن خلال دراسة تطورها وكيف تختلف وكيف تتغير دوائرها الأساسية، ساهمنا في فهم كيفية تطور الإدراك".
وتعتبر "أجسام الفطر" إحدى الهياكل الرئيسية في دماغ المفصليات، بما في ذلك الحشرات. هذه الهياكل تلعب دورا مهما في التعلم والذاكرة، خاصة في معالجة المعلومات المتعلقة بحاسة الشم. وقد استخدم فريق البحث تقنية متقدمة لتحليل الأنسجة العصبية في أدمغة الفراشات، مما مكنهم من تحديد كيفية توسع الدوائر العصبية المرتبطة بالتعلم والذاكرة.
قام الباحثون بتحليل أدمغة فراشات الهيليكونيوس باستخدام أدوات متطورة مثل المجهر البؤري وتقنيات الكيمياء المناعية. ومن خلال هذه الأدوات، تمكن الفريق من تتبع التغيرات التي تطرأ على الدوائر العصبية في أدمغة هذه الفراشات، خاصة في الخلايا العصبية التي تُعرف باسم "خلايا كينيون"، التي تلعب دورا حاسما في عمليات التعلم والذاكرة.
تسهم الدراسة في فهم أعمق لكيفية تغير الدوائر العصبية لدعم الابتكار المعرفي، إذ أشار الباحثون إلى أن هذه التغيرات في الدوائر العصبية قد تساعد في تفسير كيف يمكن للكائنات تطوير قدرات معرفية جديدة استجابة لضغوط بيئية معينة. ورغم أن الدراسة ركزت على الفراشات، فإنها تقدم رؤى قد تكون ذات صلة بالكائنات الأخرى بما في ذلك البشر.
أحد المفاهيم الرئيسية التي تم تقديمها في الدراسة هو مفهوم "تطور الدماغ الفسيفسائي"، حيث تتوسع أجزاء من الدماغ بينما تظل أجزاء أخرى دون تغيير. هذا التوسع غير المتساوي يُشبه الفسيفساء، حيث تختلف القطع في الحجم والشكل ولكنها تسهم في بناء صورة كاملة.
ظهر المصطلح في ورقة بحثية مشهورة كتبها روبرت بارتون بول هارفي ونشرت عام 2000، وصف الباحثان أن مناطق الدماغ تختلف بشكل كبير ومستقل عن بعضها البعض في استجابتها للضغوط البيئية.
يقول فارنورث: "الدماغ لا يستجيب بزيادة جميع مناطقه على نحو مماثل، ولكن مناطق محددة مرتبطة وظيفيا بالضغوط المفروضة على النظام في المقام الأول. يضيف تحليلنا الكثير من المعلومات المهمة، حيث نظهر أن الفسيفساء يمكن أن تحدث أيضا في سلالات شقيقة متوازية من الخلايا العصبية، وهو ما فوجئنا به تماما."
أظهرت الدراسة أن توسع الخلايا العصبية كان مختلفا بين أنواع معينة من الخلايا، مما أدى إلى ظهور هذا النمط الفسيفسائي. التغيرات التي لوحظت في خلايا محددة تُشير إلى أن هذه الأنواع من الفراشات قد طورت قدرات تعلم محددة للغاية تتعلق بالذاكرة البصرية والتعرف على الأنماط.
ألغاز لم تبح بأسرارهاويقول فارنورث: "رغم أن دراستنا واهتماماتنا لا تقع في نطاق العلوم التطبيقية، فإن دراسة الدوائر العصبية في الأنظمة القابلة للتطويع مثل الحشرات لديها الإمكانية على توليد رؤى يمكن تطبيقها عموما على الدوائر العصبية الأخرى، مثل الدوائر العصبية البشرية" ويضيف "ندرك بالتأكيد أننا قد نكتشف، على وجه الخصوص، آلية تنموية وجينية ذات صلة وثيقة بالأمراض التنكسية العصبية".
فيما يتعلق بالتطور المستقبلي لهذه الدراسة، يُخطط الفريق لاستكشاف المزيد من الدوائر العصبية في دماغ الفراشة، وزيادة دقة الخرائط العصبية باستخدام تقنيات متقدمة مثل تسلسل الخلية الواحدة. الهدف هو فهم كيفية تفاعل الخلايا العصبية الفردية على مستوى أعمق.
يختتم فارنورث: "تتضمن خططنا المستقبلية عدة فروع من البحث. أولا، نريد زيادة دقة ما نراه. نريد القيام بذلك باستخدام تقنيات أكثر تقدما مثل تسلسل الخلية الفردية، وتفاعل التهجين المتسلسل، وحقن الخلايا الفردية وغيرها من الإجراءات. بعد ذلك، نريد التعمق في الأسس الجينية والتنموية للدوائر العصبية التي تتغير وفقا للتغيرات السلوكية. نريد في الأساس أن نفهم بشكل أكثر وضوحا الروابط بين الجينات والسلوك، وربط التطور بالإدراك أيضا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخلایا العصبیة العصبیة فی
إقرأ أيضاً:
فتح خزائن الدماغ.. هل يمكن قراءة الأفكار؟
حقق باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة إنجازا هاما في فهم كيفية تشكيل الدماغ البشري للذكريات البصرية وتخزينها واستدعائها.
واستخدم الباحثون في دراستهم الجديدة، التي نشرت في 8 يوليو/ تموز الجاري في مجلة أدفانسد ساينس، تسجيلات دماغية لمرضى ونموذجا للتعلم الآلي لإلقاء ضوء جديد على الشفرة الداخلية للدماغ التي تصنّف ذكريات الأشياء إلى فئات، فتكون كخزانة ملفات للصور في الدماغ.
وأظهرت النتائج أن فريق البحث استطاع قراءة أفكار المشاركين من خلال تحديد فئة الصورة البصرية التي يجري تذكرها، وذلك عبر التوقيت الدقيق للنشاط العصبي للمشارك.
ويحلّ هذا العمل جدلا أساسيا في علم الأعصاب، ويتيح إمكانات واعدة لواجهات الدماغ والحاسوب المستقبلية، بما في ذلك أجهزة مساعدة لاستعادة الذاكرة المفقودة لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات عصبية مثل الخرف.
ويعد الحصين منطقة دماغية حيوية ومعروفة بدورها في تكوين ذكريات عرضية جديدة من قبيل ماذا وأين ومتى وقعت أحداث الماضي. وبينما يمكن فهم وظيفته في تشفير المعلومات المكانية (أين) والزمانية (متى)، فإن كيفية تمكنه من تشفير عالم الأشياء الواسع وعالي الأبعاد (ماذا) لا تزال لغزا. وحيث إنه لا يمكن للحصين تخزين كل شيء على حدة، افترض العلماء أن الدماغ قد يبسط هذا التعقيد من خلال ترميز الأشياء في فئات.
ووظّف البحث تسجيلات أدمغة 24 مريضا بالصرع، حيث زEرعت أقطاب كهربائية عميقة داخل الجمجمة في أدمغتهم لتحديد موقع نوبات الصرع. وأتاحت تسجيلات هؤلاء المرضى للفريق تحديد كيفية تشفير الخلايا العصبية الحصينية للمعلومات البصرية المعقدة، ليس من خلال معدل إطلاق الإشارات فحسب، بل من خلال التوقيت الدقيق لنشاطها.
يقول مدير مركز ترميم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا بكلية كيك للطب وأستاذ الهندسة الطبية الحيوية بكلية فيتربي للهندسة والباحث المشارك في الدراسة تشارلز ليو: "من خلال العمل مع مرضى يعانون من خلل في الذاكرة، كان من المثير للاهتمام للغاية رؤية الدراسات الحالية تكشف عن نموذج للأساس العصبي لتكوين الذاكرة".
طوّر فريق البحث نهجا مبتكرا للنمذجة التجريبية لكشف هذه العملية المعقدة، وسجّل الفريق النشاط الكهربائي -وتحديدا النبضات- من الخلايا العصبية في الحصين لدى مرضى الصرع، وجُمعت التسجيلات أثناء قيام المرضى بمهمة "المطابقة المتأخرة للعينة"، وهي تقنية شائعة في علم الأعصاب لاختبار الذاكرة البصرية قصيرة المدى.
إعلانيقول الأستاذ المشارك في قسم جراحة الأعصاب وقسم ألفريد إي. مان للهندسة الطبية الحيوية الباحث المشارك في الدراسة دونغ سونغ: "سمحنا للمرضى برؤية خمس فئات من الصور: حيوان، نبات، مبنى، مركبة، وأدوات صغيرة، ثم سجلنا إشارة الحصين. وبناء على الإشارة سألنا أنفسنا سؤالا باستخدام تقنية التعلم الآلي الخاصة بنا: هل يمكننا فك تشفير فئة الصورة التي يتذكرونها بناء على إشارة أدمغتهم فقط؟".
أكدت النتائج فرضية أن الدماغ البشري يتذكر بالفعل الأشياء المرئية بتصنيفها إلى فئات، وأن فئات الذاكرة البصرية التي كان المرضى يفكرون فيها قابلة للفك بناء على إشارات أدمغتهم.
ويرى سونغ أن "الأمر يشبه قراءة حصينك لمعرفة نوع الذاكرة التي تحاول تكوينها، ووجدنا أنه يمكننا فعل ذلك بالفعل، ويمكننا فك تشفير نوع فئة الصورة التي كان المريض يحاول تذكرها بدقة عالية".
ويكمن جوهر الاكتشاف في نموذج فك تشفير الذاكرة القابل للتفسير الذي ابتكره فريق البحث، فعلى عكس الطرق السابقة التي غالبا ما تعتمد على حساب متوسط النشاط العصبي على مدار العديد من التجارب أو استخدام دقة زمنية محددة مسبقا، يحلل هذا النموذج المتقدم "الأنماط المكانية والزمانية" للنبضات العصبية من مجموعة كاملة من الخلايا العصبية، كما تقدم الدراسة دليلا على أن الحصين يستخدم رمزا زمنيا لتمثيل فئات الذاكرة البصرية، وهذا يعني أن التوقيت الدقيق لنبضات الخلايا العصبية الفردية، غالبا على نطاق الملِّي ثانية، يحمل معلومات ذات معنى.
وركزت الدراسات السابقة غالبا على الخلايا العصبية الفردية، أما هذا البحث فكشف أن مجموعات الخلايا العصبية الحصينية تشفّر فئات الذاكرة بطريقة موزعة، حيث إنه وبينما شاركت نسبة كبيرة من الخلايا العصبية (70-80%) في تحديد ذاكرة بصرية لفئة معينة، فإن لحظات قصيرة ومحددة فقط داخل كل خلية عصبية ساهمت في هذا التشفير، وتسمح هذه الإستراتيجية الفعّالة للدماغ بتخزين ذكريات متنوعة مع تقليل استهلاك الطاقة.
يقول ليو: "يمكننا البدء بتطوير أدوات سريرية لاستعادة فقدان الذاكرة وتحسين الحياة بهذه المعرفة، بما في ذلك أجهزة مساعدة للذاكرة وإستراتيجيات أخرى لاستعادة الأعصاب، في حين أن هذه النتيجة قد تكون مهمة لجميع المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة، إلا أنها ذات صلة عميقة بشكل خاص بمرضى الصرع الذين شاركوا في الدراسات، والذين يعاني الكثير منهم من خلل وظيفي في الحصين يتجلى في كل من نوبات صرع وكذلك الاضطرابات المعرفية/الذاكرة".