فتح خزائن الدماغ.. هل يمكن قراءة الأفكار؟
تاريخ النشر: 28th, July 2025 GMT
حقق باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة إنجازا هاما في فهم كيفية تشكيل الدماغ البشري للذكريات البصرية وتخزينها واستدعائها.
واستخدم الباحثون في دراستهم الجديدة، التي نشرت في 8 يوليو/ تموز الجاري في مجلة أدفانسد ساينس، تسجيلات دماغية لمرضى ونموذجا للتعلم الآلي لإلقاء ضوء جديد على الشفرة الداخلية للدماغ التي تصنّف ذكريات الأشياء إلى فئات، فتكون كخزانة ملفات للصور في الدماغ.
وأظهرت النتائج أن فريق البحث استطاع قراءة أفكار المشاركين من خلال تحديد فئة الصورة البصرية التي يجري تذكرها، وذلك عبر التوقيت الدقيق للنشاط العصبي للمشارك.
ويحلّ هذا العمل جدلا أساسيا في علم الأعصاب، ويتيح إمكانات واعدة لواجهات الدماغ والحاسوب المستقبلية، بما في ذلك أجهزة مساعدة لاستعادة الذاكرة المفقودة لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات عصبية مثل الخرف.
ويعد الحصين منطقة دماغية حيوية ومعروفة بدورها في تكوين ذكريات عرضية جديدة من قبيل ماذا وأين ومتى وقعت أحداث الماضي. وبينما يمكن فهم وظيفته في تشفير المعلومات المكانية (أين) والزمانية (متى)، فإن كيفية تمكنه من تشفير عالم الأشياء الواسع وعالي الأبعاد (ماذا) لا تزال لغزا. وحيث إنه لا يمكن للحصين تخزين كل شيء على حدة، افترض العلماء أن الدماغ قد يبسط هذا التعقيد من خلال ترميز الأشياء في فئات.
ووظّف البحث تسجيلات أدمغة 24 مريضا بالصرع، حيث زEرعت أقطاب كهربائية عميقة داخل الجمجمة في أدمغتهم لتحديد موقع نوبات الصرع. وأتاحت تسجيلات هؤلاء المرضى للفريق تحديد كيفية تشفير الخلايا العصبية الحصينية للمعلومات البصرية المعقدة، ليس من خلال معدل إطلاق الإشارات فحسب، بل من خلال التوقيت الدقيق لنشاطها.
يقول مدير مركز ترميم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا بكلية كيك للطب وأستاذ الهندسة الطبية الحيوية بكلية فيتربي للهندسة والباحث المشارك في الدراسة تشارلز ليو: "من خلال العمل مع مرضى يعانون من خلل في الذاكرة، كان من المثير للاهتمام للغاية رؤية الدراسات الحالية تكشف عن نموذج للأساس العصبي لتكوين الذاكرة".
طوّر فريق البحث نهجا مبتكرا للنمذجة التجريبية لكشف هذه العملية المعقدة، وسجّل الفريق النشاط الكهربائي -وتحديدا النبضات- من الخلايا العصبية في الحصين لدى مرضى الصرع، وجُمعت التسجيلات أثناء قيام المرضى بمهمة "المطابقة المتأخرة للعينة"، وهي تقنية شائعة في علم الأعصاب لاختبار الذاكرة البصرية قصيرة المدى.
إعلانيقول الأستاذ المشارك في قسم جراحة الأعصاب وقسم ألفريد إي. مان للهندسة الطبية الحيوية الباحث المشارك في الدراسة دونغ سونغ: "سمحنا للمرضى برؤية خمس فئات من الصور: حيوان، نبات، مبنى، مركبة، وأدوات صغيرة، ثم سجلنا إشارة الحصين. وبناء على الإشارة سألنا أنفسنا سؤالا باستخدام تقنية التعلم الآلي الخاصة بنا: هل يمكننا فك تشفير فئة الصورة التي يتذكرونها بناء على إشارة أدمغتهم فقط؟".
أكدت النتائج فرضية أن الدماغ البشري يتذكر بالفعل الأشياء المرئية بتصنيفها إلى فئات، وأن فئات الذاكرة البصرية التي كان المرضى يفكرون فيها قابلة للفك بناء على إشارات أدمغتهم.
ويرى سونغ أن "الأمر يشبه قراءة حصينك لمعرفة نوع الذاكرة التي تحاول تكوينها، ووجدنا أنه يمكننا فعل ذلك بالفعل، ويمكننا فك تشفير نوع فئة الصورة التي كان المريض يحاول تذكرها بدقة عالية".
ويكمن جوهر الاكتشاف في نموذج فك تشفير الذاكرة القابل للتفسير الذي ابتكره فريق البحث، فعلى عكس الطرق السابقة التي غالبا ما تعتمد على حساب متوسط النشاط العصبي على مدار العديد من التجارب أو استخدام دقة زمنية محددة مسبقا، يحلل هذا النموذج المتقدم "الأنماط المكانية والزمانية" للنبضات العصبية من مجموعة كاملة من الخلايا العصبية، كما تقدم الدراسة دليلا على أن الحصين يستخدم رمزا زمنيا لتمثيل فئات الذاكرة البصرية، وهذا يعني أن التوقيت الدقيق لنبضات الخلايا العصبية الفردية، غالبا على نطاق الملِّي ثانية، يحمل معلومات ذات معنى.
وركزت الدراسات السابقة غالبا على الخلايا العصبية الفردية، أما هذا البحث فكشف أن مجموعات الخلايا العصبية الحصينية تشفّر فئات الذاكرة بطريقة موزعة، حيث إنه وبينما شاركت نسبة كبيرة من الخلايا العصبية (70-80%) في تحديد ذاكرة بصرية لفئة معينة، فإن لحظات قصيرة ومحددة فقط داخل كل خلية عصبية ساهمت في هذا التشفير، وتسمح هذه الإستراتيجية الفعّالة للدماغ بتخزين ذكريات متنوعة مع تقليل استهلاك الطاقة.
يقول ليو: "يمكننا البدء بتطوير أدوات سريرية لاستعادة فقدان الذاكرة وتحسين الحياة بهذه المعرفة، بما في ذلك أجهزة مساعدة للذاكرة وإستراتيجيات أخرى لاستعادة الأعصاب، في حين أن هذه النتيجة قد تكون مهمة لجميع المرضى الذين يعانون من اضطرابات الذاكرة، إلا أنها ذات صلة عميقة بشكل خاص بمرضى الصرع الذين شاركوا في الدراسات، والذين يعاني الكثير منهم من خلل وظيفي في الحصين يتجلى في كل من نوبات صرع وكذلك الاضطرابات المعرفية/الذاكرة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الخلایا العصبیة من خلال
إقرأ أيضاً:
المعركة الأخيرة.. وثائقي يفتح جراح الخيانة ويعيد صالح إلى واجهة الذاكرة اليمنية
لاقى الفيلم الوثائقي "علي عبدالله صالح: المعركة الأخيرة" الذي عرضته قناة العربية مساء السبت، تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصفه ناشطون ومتابعون للشأن اليمني بأنه وثيقة سياسية وإنسانية نادرة تكشف كثيراً من الحقائق الغامضة حول اللحظات الأخيرة للرئيس اليمني السابق.
واعتبر البعض أن الفيلم يمثل خطوة أولى في طريق كشف أسرار مرحلة مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر، بينما طالب آخرون بمزيد من الوثائق والشهادات حول ما جرى في ديسمبر 2017.
الفيلم أعاد فتح ملف مقتل صالح بعد سنوات من الغموض، من خلال شهادات حصرية، أبرزها مقابلة مع نجله مدين علي عبدالله صالح، الذي روى تفاصيل اللحظات الأخيرة إلى جانب والده قبل مقتله على يد مسلحي جماعة الحوثي، بعد قرار صالح فض التحالف معهم والدعوة لفتح صفحة جديدة مع التحالف العربي بقيادة السعودية.
تضمن الوثائقي رواية دقيقة لمحاولة صالح الفرار من صنعاء، بعد اشتداد المواجهات مع الحوثيين، حيث غادر منزله في موكب صغير نحو مسقط رأسه في سنحان، لكنه وقع في كمين مسلح نصبه الحوثيون. دارت اشتباكات عنيفة، أسفرت عن مقتله ومرافقيه، واعتقال عدد من أفراد حراسته، بينهم نجله مدين، الذي تم الإفراج عنه لاحقًا.
وسلّط الفيلم الضوء على التحالف بين صالح والحوثيين بعد 2014، وهو التحالف الذي وُصف بأنه هش وتحكمه الضرورة السياسية المؤقتة، إذ سبق وأن خاض الطرفان ست حروب خلال العقد الأول من الألفية. لكن سرعان ما بدأت الخلافات تتصاعد، خصوصًا مع سعي الحوثيين إلى تفكيك نفوذ حزب المؤتمر الشعبي العام وتصفية القيادات الموالية لصالح داخل مؤسسات الدولة.
وأشار الفيلم إلى أن عملية تصفية صالح تمت عبر تواطؤ داخلي من شخصيات كانت محسوبة عليه، سهّلت تحديد موقعه وتوقيته. واعتُبرت شهادات مقربين منه تأكيدًا لما وُصف بـ"المخطط المسبق" لإنهاء وجوده كطرف سياسي وعسكري منافس داخل صنعاء.
ويستعرض الفيلم مسيرة صالح السياسية الممتدة لأكثر من 30 عامًا، بدءًا من توحيد اليمن، مرورًا بثورة 2011 التي أزاحته من الحكم، ثم تحالفه مع الحوثيين، وصولًا إلى قراره النهائي بمواجهتهم في ديسمبر 2017. ويصف الوثائقي تلك الفترة بأنها نقطة تحوّل أعادت تشكيل المشهد بالكامل، ودفعت الصراع نحو منعطف دموي لا تزال البلاد تعاني تبعاته حتى اليوم.
أجاب عن تساؤلات كثيرة
واعتبر المحلل السياسي يعقوب السفياني أن الوثائقي جاء في توقيت "يثير التساؤلات" بعد سنوات من مقتل الرئيس صالح على يد الحوثيين، مرجحاً أن يكون تأخر موافقة نجل صالح، مدين، أحد أسباب تأجيل عرضه حتى الآن.
وقال السفياني إن الفيلم "أجاب عن جزء مهم من تساؤلاتي بشأن اللحظات الأخيرة للرجل الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود"، واصفًا صالح بأنه "كان شجاعًا، لكن شجاعته أخفقت أمام شهوة السلطة"، في إشارة إلى تحالفه مع جماعة الحوثيين، الذي رآه "كارثيًا".
وأضاف أن "علي عبدالله صالح، بخبرته الطويلة في السياسة والقتال، لم يكن ليجهل خطورة التحالف مع جماعة عقائدية كالحوثيين"، معتبرًا أن مقتله – سواء داخل منزله أو في طريقه إلى مسقط رأسه – لا ينتقص من تاريخه، بل يُظهر المفارقة بين رغبته في التحكم بخيوط اللعبة حتى اللحظة الأخيرة، وبين الواقع الذي فرضته "ثعابين أكثر غدرًا وكراهية"، حسب وصفه.
وحول تداعيات ما بعد صالح، شدد السفياني على أن "المعركة الأهم اليوم ليست في تكرار مآسي الماضي بل في قتال الحوثيين"، موجهًا إشادة مباشرة بـالمقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق صالح، والتي وصفها بأنها "تمتلك نضجًا سياسيًا مبكرًا وتبنت موقفًا تاريخيًا متقدّمًا"، مغايرًا في كثير من جوانبه لخطابات أحمد علي عبدالله صالح، التي قال إنها "لا تزال تكرر خطاب الوحدة القسرية، في وقت أصبحت فيه تلك الوحدة واجهة لحكم الحوثي".
واختتم السفياني تعليقه بالقول إن "مقتل صالح لم يكن حادثًا عابرًا بل صدمة في الوعي الجمعي اليمني"، معتبرًا أن لحظات النهاية كانت "انهيارًا عنيفًا لجانب من الذاكرة الوطنية"، لكن الرسالة الأهم اليوم هي أن يكون الحوثيون آخر فصول هذه الدورة من الدم والعنف والثأر.
صالح لم يهرب
في حين قال الناشط السياسي صادق القاضي على صفحته في فيسبوك، أن الحيثيات الأخيرة لاستشهاد الزعيم علي عبدالله صالح، تضمنت تفاصيل درامية مثيرة، لرجل قاتل الكهنوت في صنعاء بشجاعة عظيمة، ثم انسحب ليتحصن في بلاده ويواصل القتال، تم اعتراض طريقه فقاتل باستبسال، وأصيب، وظل حتى آخر نفس حريصًا على سلامة رفاقه."
وأضاف القاضي أن الرواية التي قدمها الفيلم تؤكد أن صالح "لم يهرب كما يحاول تصويره أتباع الجماعة التي فر قادتها ببالطوهات النساء إلى المنافي، وقُبض على بعضهم في طريق هروبهم إلى الخارج"، في إشارة إلى قيادات جماعة الحوثي. وتابع بالقول: "الزعيم رفض تمامًا ومرارًا مسألة الرحيل إلى الخارج، ومات كما كان يريد في بلاده، وكما قال في آخر مقطع له بثته قناة اليمن اليوم."
واختتم القاضي تعليقه بالإشادة بالفيلم قائلًا: "الفيلم، إلى جانب هذا المقطع الأخير، يمثل وثائق رائعة مشرفة على نهاية بطل."
رجل استثنائي
الناشط مروان العقيبي علّق على الفيلم الوثائقي واصفًا علي عبدالله صالح بأنه "رجل استثنائي يشبه اليمن بكل تناقضاتها وتعقيداتها"، وقال في منشور على حسابه: "كان صالح نتاجًا طبيعيًا لبلدٍ مركّب، عجنته صنعاء وشكّلته تعز، اقترب من الرياض وساند بغداد، حالف واشنطن وصادق موسكو. أدار توازنات معقدة لتثبيت سلطته، وفعل الشيء وضده في آنٍ واحد."
وأضاف العقيبي: "لا يمكنك تقييم علي عبدالله صالح من زاوية واحدة، ولا يمكنك رؤيته بوضوح إلا إذا نظرت إليه نظرة شاملة، كابنٍ لظروف يمنية فوضوية وصراعات لا تنتهي في السبعينيات والثمانينيات."
وتابع: "مهما حاولنا التملص منه، لا فائدة. إنه يشبهنا، يشبه واقعنا، بكل ملامحه القاسية والعنيدة والمتناقضة. الفلاح ابن الأرض الذي أصبح حاكمًا، والزيدي الذي تسنّن، والهضبوي الذي عاش في تعز، القومي الذي حالف الإسلامويين... أليس هذا هو اليمن؟"
وأنهى تعليقه بالقول: "شخصيًا، لم أعد أرغب بإلقاء اللوم عليه. صالح كان تجربة، وهو اليوم فرصة لفهم هذا البلد العجيب الذي نجهله، بلدٌ يشبه خليطًا كيميائيًا يشتعل كلما حاول أن يتجانس."
رفض العرض الأمريكي
وعلق الكاتب والمحلل السياسي نائف حسان على عرض الإنقاذ الأمريكي للرئيس صالح أثناء المعركة الأخيرة. مضيفًا: في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع اليمني، وبينما كانت العاصمة تشتعل بمواجهات دامية بين قوات الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ومليشيا الحوثي في ديسمبر 2017، جاء عرض أمريكي استثنائي بإخراج صالح من اليمن عبر عملية إنزال جوي باستخدام المروحيات".
وأضاف: بحسب ما أكده لي قيادي يمني رفيع المستوى، فقد التقى مسؤول أمريكي، في القاهرة، بثلاثة من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، وأبلغهم استعداد واشنطن لتنفيذ عملية إجلاء عسكرية دقيقة للرئيس السابق من إحدى ثلاث مناطق اقترحها الأمريكيون، بينها مزرعته في منطقة "الجَرّ". القادة الثلاثة أوصلوا الرسالة إلى أحد مشائخ قبيلة حاشد، الذي بدوره أبلغ صالح في اليوم التالي. كان الرد واضحًا: رفض صالح مغادرة البلاد.
وقال حسان: " رفض صالح العرض الأمريكي لم يكن مفاجئًا لمن يعرفه عن قرب، لكنه كشف عمق التزامه بالبقاء حتى النهاية، واختياره أن تكون لحظته الأخيرة على تراب الوطن لا في عواصم اللجوء. المفارقة أن الجماعة التي تحصّنت خلف اتفاق هش معه، هي من حاصرته وقاتلته وقتلته، بينما العروض الدولية كانت تسعى لحمايته، حتى وهو في خصومة معها".
التذكير بدور قطر
الناشط السياسي فائد دحان قال إن الفيلم أعاد إلى الأذهان دور قطر "المبهم في الظاهر والمكشوف في الجوهر"، معتبرًا أنها "الحاضر الغائب الذي كان دومًا يقف خلف الستار في كل منعطف حاسم باليمن".
وأضاف دحان في منشور مطوّل على صفحته: "مع كل معركة تُرسم ملامحها على الأرض اليمنية، كانت قطر تقف كالجندي الخفي.. لا تظهر إلا لتُعيد توجيه البوصلة عندما تقترب من إسقاط الحوثيين. هذا لم يبدأ في ديسمبر 2017، بل تعود جذوره إلى 2004، حين كانت الدوحة أول من مدّ الحبل للحوثيين وهم على شفا الاندثار، أثناء تمردهم الأول في صعدة."
وأكد أن قطر، في سياق ثورة فبراير 2011، لم تتوانَ عن "دفع الأمور نحو عسكرة المشهد، وإغراق الساحة اليمنية بالفوضى"، مشيرًا إلى أنها "تعاملت مع علي عبدالله صالح كخصم استراتيجي ينبغي إزاحته مهما كلف الأمر، حتى إن بعض قيادات حزب الإصلاح – كما نقل عن مصدر مطّلع – رفضت ذلك المسار المدمّر."
وتابع دحان، في تعليقه الذي أثار تفاعلاً واسعًا: "حين وقعت حادثة جامع النهدين، كنت في تعز، وقلت حينها: من يريد رأس صالح؟ من يملك الجرأة؟ كانت قطر تعبث في الزوايا المظلمة، حيث لا يصل الضوء." مضيفًا: "في كل مرة تلوح نهاية الحوثيين، يظهر طيف غامض ينقذهم.. واليوم، بعد استشهاد صالح، ظهرت كل ملامح الدعم القطري بشكل فاضح، كنوع من الوفاء لتلك الجماعة التي أنجزت المشروع القطري في اليمن."
وختم دحان بالقول: "قطر لم تكن خصمًا لعلي عبدالله صالح فقط، بل خصمًا للشعب اليمني بأكمله، لوحدته، لحلمه، لمستقبله. لقد تركنا الفيلم مع تساؤلات لن تنتهي، وفتح جراحًا لم تُشفَ بعد. وما زالت قطر تلعب دورها تحت الطاولة، كأن شيئًا لم يكن."
عدم الإنصاف وتشويه الوقائع:
وفي سياقٍ مغاير، وجّه الدكتور محمد الشدادي انتقادًا للفيلم الوثائقي، معتبرًا أن التقرير المصاحب للفيلم جاء "غير منصف للحقائق، ومشتتًا لفكر المشاهد"، على حدّ تعبيره. وقال الشدادي إن الفيلم لم يُعطِ الزعيم الراحل علي عبدالله صالح ولا أمينه عارف الزوكا حقهما الكامل في إظهار حجم المعركة التي خاضاها حتى اللحظة الأخيرة.
وأضاف: "للأسف، الوثائقي احتوى على إيحاءات تُظهر الزعيم وكأنه كان في تحالف استراتيجي مع جماعة الحوثي، بينما الحقيقة أن ذلك التحالف كان شكليًا، فرضه الواقع، وكان محاولة من صالح لترويض جماعة الموت المتعطشة للثأر من اليمنيين."
وانتقد الشدادي بشدة طريقة إخراج الفيلم، معتبرًا أن هناك "فذلكة في صياغة التقارير" التي غيّبت حقائق جوهرية، وصوّرت الزعيم وكأنه في حالة هروب لا قتال. كما رأى أن الوثائقي فشل في تحميل المسؤولية الفعلية لمن سلّم صنعاء.
وختم الشدادي تعليقه بتأكيده أن الفيلم – لا سيما التقرير المرافق له – اختزل صفحة من أعظم صفحات التاريخ اليمني الحديث، متسائلًا عن دوافع هذا التوقيت، ورافضًا ما أسماه "إعدادًا منحازًا وكأن كاتبه أحمد الشلفي ومن على شاكلته"، وفق تعبيره. وختم بالقول: "رحل صالح، لكنه أربك كل المعادلات، وأسقط كل الأقنعة، وترك وراءه معركة لا تنتهي بين من يريدون طمس الحقيقة، ومن يتمسكون بها ولو من قلب النار."
يعري حقيقة الحوثي
من جانبه، وصف الناشط خالد عليان فيلم "المعركة الأخيرة" بأنه "شاهد حيّ على واحدة من أكثر اللحظات دموية وخيانة في التاريخ السياسي اليمني الحديث"، مشيرًا إلى أن الفيلم وثّق بالأدلة والشهادات، وعلى رأسها شهادة نجل الرئيس الراحل، مدين صالح، كيف حاصرت جماعة الحوثي شريكها السابق في دار الرئاسة، وخانته كما خانت غيره.
وقال عليان إن الفيلم كشف بما لا يدع مجالًا للشك أن الحوثيين "لم يكونوا يومًا أهلًا لعهد ولا اتفاق ولا شراكة"، وأن ما جرى للرئيس صالح كان إعدامًا سياسيًا ممنهجًا، أعدّ بعناية في "دهاليز الحرس الثوري الإيراني"، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن الجماعة لا تمتلك هذه القدرات من تلقاء نفسها، ولا يمكنها تنفيذ اختراقات أمنية وعسكرية بهذا المستوى دون دعم خارجي.
وأكد عليان أن لحظة مقتل صالح كانت لحظة فاصلة، أبانت عن شجاعة رجل قرر أن يقاتل حتى النهاية، رافضًا الهرب رغم عروض الوساطة – وعلى رأسها الوساطة العمانية كما ورد في الفيلم – ومختارًا الموت في ساحة المعركة لا في صالة الانتظار. وأضاف: "لقد قاتل حتى آخر رصاصة، واستشهد وهو يصرخ باسم الجمهورية، بعد أن قال لا للمشروع الطائفي الإمامي المعتق."
واعتبر أن الفيلم وإن لم يقدم معطيات ميدانية جديدة، إلا أنه نجح في إعادة ضخ الحياة في الذاكرة الجمعية لليمنيين، وفضح المشروع الحوثي الذي "لا يعرف كيف يحكم أو يبني، بل فقط كيف يغدر ويقتل ويخنق أنفاس اليمنيين". كما سلط الضوء على بطولات رجالٍ أوفياء، مثل عارف الزوكا، الأمين العام لحزب المؤتمر، الذي سقط إلى جانب صالح مدافعًا عن قضيته حتى اللحظة الأخيرة.
واختتم عليان تصريحه بالقول: "الفيلم لم يكن مجرد وثائقي، بل وثيقة اتهام كاملة ضد جماعة لا تؤمن بالدولة ولا تمتلك مشروعًا وطنيًا. لقد منحنا جرعة وجع وعزيمة في آن، وذكرنا أن معركتنا مع الحوثي لم تكن يومًا سياسية فقط، بل معركة ذاكرة وجمهورية ومصير."