ساحل العاج بين مطرقة الإرهاب وسندان التحديات الاقتصادية
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وسط الإنجازات الأمنية والاقتصادية التي حققتها ساحل العاج في السنوات الأخيرة، يبقى التحدي الأكبر أمامها هو الحفاظ على هذا النجاح، ويتمثل ذلك في محاربة الإرهاب.
فبينما تعزز البلاد أمنها في مواجهة التهديدات الإرهابية وتستثمر في تحسين معيشة مواطنيها، تبرز مخاطر جديدة تهدد استقرارها.
ساحل العاج كانت تعيش في سلام لفترة طويلة، لكن الوضع تغير في عام 2020 عندما بدأت الجماعات المتطرفة في بوركينا فاسو المجاورة في التسلل عبر الحدود وشن هجمات وحشية.
سُجلت أكثر من 20 هجوماً، بما في ذلك هجمات استهدفت مواقع وقوافل عسكرية، ورافق هذه الاعتداءات حملات دعائية وتهديدات للمدنيين.
عززت من أمنهاوهنا أوضح، الباحث ويليام أسانفو، في تقرير نشره معهد الدراسات الأمنية عام 2023، أن ساحل العاج كانت مستعدة لمواجهة العنف، إذ وضعت استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب في عام 2018 وأطلقت حملة إعلامية لمواجهة الأفكار الدينية المتطرفة.
والجماعات الإرهابية التي دمرت مالي تسعى للتوسع في منطقة الساحل وما بعدها، وساحل العاج - باقتصادها القوي ومينائها الحديث في أبيدجان ، لذلك تعتبر هدفاً مغرياً لها.
وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة، تُعد التهديد الرئيسي هناك.
وهذه الجماعة تنشط بشكل رئيسي في بوركينا فاسو ومالي، لكنها وسعت عملياتها إلى شمال ساحل العاج.
ومع هذا التمدد، عززت ساحل العاج قواتها الأمنية في الشمال وأطلقت مشاريع اجتماعية لمكافحة الفقر والبطالة بين الشباب.
ورغم أن اقتصاد ساحل العاج لا يزال يعتمد على إنتاج الكاكاو وزيت النخيل، فإن حركة التجارة والتنمية فيها مزدهرة.
وميناء أبيدجان يُعد من أكبر وأحدث موانئ غرب إفريقيا، كما تضم البلاد شبكة اتصالات متطورة وهاتف محلي ذكي يدعم 16 لغة محلية، بفضل هذه التطورات، أصبح اقتصاد ساحل العاج ثاني أقوى اقتصاد في غرب إفريقيا بعد نيجيريا.
مصدر الإرهابويُشار، إلى أن مالي هي مصدر المشاكل الإرهابية في ساحل العاج، وتقرير معهد "تشاتام هاوس" لعام 2021 أشار إلى أن بوركينا فاسو ومالي والنيجر تعاني من حكومات ضعيفة غارقة في الفساد والفوضى.
كما أشار التقرير، إلى أن الجيش المالي والميليشيات المتحالفة معه ارتكبوا فظائع في المناطق الوسطى والجنوبية خلال عامي 2018 و2019، ولم يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة.
هذا الوضع الذي يغيب فيه المساءلة والعدالة زاد من تفاقم العداء بين حكومات دول الساحل والمجتمعات المهمشة التي تعاني من الفقر والإهمال، حيث فشلت النخب الحاكمة في توفير الأمان لشرائح كبيرة من السكان.
وكشفت مجموعة الأزمات الدولية أن حوالي 1 من كل 11 مواطناً تم تهجيرهم من منازلهم، مع استمرار توسع الجماعات المتطرفة في شمال ووسط مالي وتسللهم إلى بوركينا فاسو.
استقرار نسبيوبعد صراع أهلي دام عقداً كاملاً وانتهى في 2011 بإضعاف الجيش وتدمير البنية التحتية، بدأت الحكومة في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال النمو الاقتصادي. وذكرت مجموعة الأزمات أن الإصلاحات الأمنية الكبرى ساعدت السلطات على "بناء جيش قادر على مواجهة العنف الذي يمزق منطقة الساحل على يد المتشددين".
وبعد الهجمات الأخيرة، عززت ساحل العاج تواجدها العسكري والأمني في محافظتي سافان وزانزان القريبتين من مالي وبوركينا فاسو، وتواصل العمل مع جيرانها ضمن مبادرة أكرا للكشف عن الأنشطة الإرهابية في المنطقة وإحباطها.
كما افتتحت الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب في عام 2021، والتي تقع في جاكفيل على مساحة 1,100 هكتار ( أي حوالي 2,600 فدان)، وتبعد 50 كيلومتراً عن أبيدجان.
وتضم الأكاديمية مدرسة للمسؤولين الحكوميين، ومركزاً لتدريب القوات الخاصة، ومعهداً للأبحاث.
كما تم وضع برنامج التدريب على مكافحة الإرهاب في 2017 بالتعاون بين قادة إيفواريين وفرنسيين، ويشمل التدريب الشرطة، الجيش، الجمارك، ومسؤولي السجون.
وأصبحت ساحل العاج من الدول الرائدة في إفريقيا بوضعها لاستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، والتي تضمنت عدة خطوات رئيسية منها:
إطلاق مبادرة وطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل، وإنشاء قواعد عسكرية على طول الحدود الشمالية مع مالي وبوركينا فاسو، ونشر وحدات مكافحة الإرهاب هناك.
وتعزيز التعاون مع الدول المجاورة لاعتقال المتطرفين وتسليمهم لمالي، مما أدى إلى تكثيف الإجراءات الأمنية والدوريات في المنطقة.
مواصلة مكافحة الإرهاب
وتواصل ساحل العاج تطوير هذه التدابير وتحسينها لمواجهة خطر التطرف،
ففي يناير 2022، أطلق رئيس الوزراء باتريك آشي برنامجاً خاصاً يهدف لمنع الإرهابيين من تجنيد الشباب في المناطق الحدودية.
ووفقاً لمجلة "جون أفريك"، صُمم هذا البرنامج "لحرمان المتطرفين من تجنيد الشباب في تلك المناطق المهملة".
في نهاية 2022، شارك نحو 23,000 شاب في هذا المشروع، مع استهداف 66,000 شاب بحلول عام 2024، حيث يوفر البرنامج فرص تدريب مهني وفرص عمل.
وهذا المشروع كان أحد الأسباب التي جنبت ساحل العاج الهجمات الإرهابية لأكثر من عامين، إذ يجمع نهجها بين التدخل العسكري، تعزيز الأمن، وزيادة الاستثمارات في المناطق الحدودية.
في عام 2022، انضمت ساحل العاج إلى جيرانها في مبادرة أكرا لغرب إفريقيا، التي تهدف لتشكيل قوة عمل مشتركة متعددة الجنسيات قوامها 10,000 فرد، على غرار قوة مماثلة تعمل في حوض بحيرة تشاد.
إلى جانب الأمن، تستثمر المبادرة في التعليم، الرعاية الصحية، والبنية التحتية الأساسية مثل الطرق وإمدادات المياه. كما ساهم البنك الإفريقي للتنمية بمبلغ 10.53 مليون دولار في 2022 لتوفير الكهرباء لأكثر من 71,600 أسرة و7,100 مركز أعمال في مقاطعات سافان.
وأشارت مجموعة الأزمات الدولية ، إلى أن تركيز ساحل العاج على الأمن والتنمية الاقتصادية يعود بنفع كبير على سكان الشمال، لكنها أوصت بزيادة الاستثمارات في الجوانب الاجتماعية، وتعزيز الثقة بين الجيش والشعب.
كما نصحت المجموعة بمواصلة التعاون مع بوركينا فاسو، ودعم مبادرات تبادل المعلومات الاستخباراتية، مع الحفاظ على شراكاتها مع دول مثل بنين، غانا، وتوجو.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ساحل العاج اشكال التطرف الجماعات الإرهابية الارهاب الاقتصاد تطور إصلاحات أزمات بورکینا فاسو ساحل العاج فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
طائرة نيجيرية تعيد التوتر بين كونفدرالية الساحل وعملاق الإيكواس
أعادت حادثة هبوط طائرة عسكرية نيجيرية في بوركينافاسو، دون الحصول على ترخيص من السلطات البوركينابية، التوتر من جديد في العلاقات بين كونفدرالية دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) ونيجيريا، القوة المحورية في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
وقالت كونفدرالية دول الساحل، إن "طائرة تابعة لسلاح الجو لجمهورية نيجيريا الاتحادية، من طراز C130، هبطت يوم 8 ديسمبر 2025 في بوبوديولاسو ببوركينا فاسو، وذلك إثر وضعية طارئة أثناء الطيران، بينما كانت تحلق في الأجواء البوركينية".
واحتجزت بوركينا فاسو أحد عشر عسكريًا نيجيريًا كانوا على متن الطائرة، بمدينة بوبو-ديولاسو جنوب غربي البلاد.
وباشرت السلطات في بوركينافاسو تحقيقا خلص إلى عدم وجود أي طلب عبور أو تصريح رسمي يجيز دخول الطائرة المجال الجوي لدولة عضو في التحالف، ما دفع الكونفدرالية إلى توصيف الحادث كعمل غير ودي ومخالف لقواعد الطيران الدولي، المدنية والعسكرية.
وقالت كونفدرالية دول الساحل، في بيان، وقعه الرئيس الدوري للكونفدرالية الرئيس الانتقالي المالي الجنرال عاصيمي غويتا، إن تحقيقا فوريا فتح بهذا الخصوص "أظهر غياب أي ترخيص للطائرة العسكرية المذكورة للتحليق فوق الأراضي البوركينية".
حالة تأهب قصوى
وأعلنت دول الكونفدرالية وضع دفاعاتها الجوية والأنظمة المضادة للطيران "في حالة تأهب قصوى"، مع تخويلها صلاحية تحييد أي طائرة تخترق المجال الجوي الكونفدرالي.
وأعربت دول الكونفدرالية عن إدانتها بأشد العبارات لما وصفته بالانتهاك لمجالها الجوي ولسيادة دولها الأعضاء "في تجاهل للقانون الدولي وقواعد الطيران المدني أو العسكري الدولية".
من جهتها نفت نيجيريا انتهاك المجال الجوي لدول الكونفدرالية، معتبرة أن طائرتها كانت متوجهة إلى البرتغال لإجراء صيانة مجدولة، لكن الطاقم لاحظ خللا فنيا بعد إقلاعها من لاغوس، مما استدعى "هبوطاً احترازياً" في مطار بوبو ديولاسو ببوركينا فاسو، باعتباره أقرب مطار مناسب.
وأكدت نيجيريا أن الهبوط تم "وفقاً لإجراءات السلامة القياسية وبروتوكولات الطيران المدني والدولي" التي تمنح الطائرات التي تواجه حالات طارئة حق الهبوط في أقرب مهبط.
قلق من تكرار تجربة بنين
ويرى متابعون للشأن الأفريقي أن بلدان كونفدرالية الساحل التي يحكمها قادة عسكريون قلقة من تكرار تجربة بنين، حيث تدخل سلاح الجو النيجيري لإحباط الانقلاب العسكري هناك.
ويرى متابعون أن بلدان الساحل باتت حساسة جدا من أي تحليق للطيران العسكري النيجيري في أجوائها، خصوصا بعد ناجح سلاح الجو النيجيري في وقف الانقلاب العسكري ببنين.
وبالإضافة إلى ذلك باتت دول الساحل قلقة أيضا من أن يكون تحليق الطيران العسكري النيجيري في أجوائها هدفه جمع معلومات استخباراتية، مبررة ذلك بتعطيل أجهزة الاتصال بالطائرة النيجيرية قبل هبوطها الاضطراري.
وكانت نيجيريا أعلنت الأحد الماضي أن رئيسها بولا أحمد تينوبو أمر طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية النيجيرية بدخول بنين والسيطرة على المجال الجوي للمساعدة في إخراج من سماهم "المتآمرين الانقلابيين من التلفزيون الوطني ومعسكر أعادوا تجميع صفوفهم فيه".
وأوضح بيان لوزارة خارجية نيجيريا أن بنين، طلبت "دعما جويا نيجيريا فوريا"، مشيرة إلى "الحاجة الملحة وخطورة الوضع".
وأشار البيان إلى أن بنين طلبت كذلك نشر مقاتلات نيجيرية داخل مجالها الجوي "لعمليات المراقبة والتدخل السريع ونشر قوات برية نيجيرية".
كما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إرسال جنود من نيجيريا وسيراليون وساحل العاج وغانا إلى بنين للمساعدة في احتواء محاولة الانقلاب.
وبالفعل أحبطت المحاولة الانقلابية ضد نظام الرئيس باتريس تالون، وأُعلن توقيف عدد من العسكريين المتهمين في هذه المحاولة.
توتر مع "إيكواس"
وتوترت العلاقة بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" وبلدان كونفدرالية الساحل، عقب الانقلابات التي عرفتها بلدان الساحل الثلاثة وعارضتها دول الإيكواس بقوة.
وكانت نيجيريا، بصفتها القوة الإقليمية الأكبر في غرب أفريقيا وعضوا بارزا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، من أبرز المعارضين للانقلابات العسكرية، وفرضت عقوبات على هذه الدول.
وتوترت العلاقات بين "إيكواس" ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، بعدما طالب التكتل بالعودة إلى الحكم المدني إثر انقلابات عسكرية في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر 2023.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023 وقعت البلدان الثلاثة (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) على اتفاق لتأسيس تحالف يهدف إلى إنشاء هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة الاقتصادية المتبادلة.
وينص التحالف على أن الهجوم على إحدى دوله يعتبر أيضا هجوما على الدولتين الأخريين، ويمكن للدول الثلاث الرد فرديا أو جماعيا، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، فيما أعلنت هذه الدول نفسها منطقة بدون تأشيرة بالنسبة لأي مواطن من البلد الأعضاء في الكونفدرالية.
وتوقع الصحفي المتابع للشؤون الإفريقية محمد حامد محمد الأمين، أن تزيد حادثة الطائرة العسكرية النيجيرية حدة الأزمة بين بلدان دول الساحل الثلاثة ونيجيريا، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بشكل عام.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن المنطقة تعرف توترا متصاعدا وبلدان كونفدرالية الساحل غاضبة من تصرفات مجموعة "الإيكواس" ما يعني أن أي حدث قد يفجر الأزمة من جديد وبقوة، وأن يتطور ذلك إلى صدام.
وتعيش دول كونفدرالية الساحل، حالة من عدم الاستقرار، فيما يواصل العسكر الممسكون بالسلطة في هذه البلدان معارك على جبهات متعددة، بينها مواجهة الجماعات المسلحة بالمنطقة وتقليم أظافر الغرب خصوصا فرنسا المستعمر السابق لدول المنطقة، والتصدي لقرارات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وتدهورت العلاقات الأوروبية مع دول الساحل بعد موجة الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه الدول منذ العام 2020، وتصاعد التوتر أكثر منذ أن دعت حكومة مالي مقاتلين من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، لدعمها في قتال المتمردين الأزواديين.