في الذكرى الـ2575 لميلاد المُعلّم كونفوشيوس
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
شاركتُ بين 17 و21 سبتمبر الماضي 2024، في مؤتمرين في الصين؛ الأول في شنغهاي نظمه مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية التابع لجامعة شنغهاي للدراسات الدولية وعنوانه "التعلّم والاستفادة المتبادلة بين العرب والصين" شاركت فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب والصينيين، أما المؤتمر الثاني فهو المؤتمر الدولي لإحياء الذكرى الـ2575 لميلاد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، والذي يُعد كذلك المؤتمر السابع لمؤسسة كونفوشيوس الدولية.
وألقى وانغ هو نينغ، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، كلمة في حفل الافتتاح، قال فيها "إن ثمة جهودًا ستُبذل لتعزيز التحول الإبداعي والتطوير الابتكاري للثقافة الصينية التقليدية الممتازة وتعزيز التبادلات والتعلّم المتبادل بين الدول والمجموعات القومية والثقافات حول العالم".
وأضاف وانغ أن "هذا لن يُثري الحضارة الصينية فحسب، بل سيسهم أيضًا في حضارة عالمية أكثر حيوية وتنوعًا". ودعا إلى المضي قدمًا بالكونفوشيوسية وجميع الثقافات التقليدية البارزة وتعزيزها، "ما يسهم في تقديم إسهامات جديدة لتطوير مجتمع مصير مشترك للبشرية".
حفل الافتتاح ترأسته سون تشون لان، رئيسة مؤسسة كونفوشيوس الدولية التي ألقت كلمة ترحيبية بالمشاركين وتعريفية بالمؤسسة وجهودها لإحياء فكر كونفوشيوس.
كما ألقى كل من رئيس الوزراء الياباني السابق ورئيس مجلس إدارة المؤسسة ياسو فوكودا، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماسيمو داليما ورئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافاران، كلمات، أكدوا فيها على أهمية الكونفوشيوسية في معالجة الأزمات وحل النزاعات.
من الجدير ذكره أنَّ الفلسفة الصينية قد لعبت الدور الذي لعبه الدين في الثقافات الأوروبية والشرق أوسطية، والذي تمثل في الأديان الإبراهيمية والمجوسية والصابئية والإيزيدية؛ فمثَّلت هذه الفلسفات النصَّ المقدَّس للشعب الصيني الذي ينهل منه تعاليمه، ويَغرسها في نفوس أطفاله منذ نعومة أظافرهم.
إذن، تشكّلت الفلسفة الصينية من ثلاث فلسفات رئيسية هي: فلسفة لاو تسو، وفلسفة كونفوشيوس، وفلسفة منشيوس. لاو تسو كان المعلّم الأول للفلسفة الصينية، ثم جاء كونفوشيوس ومن بعده تلميذِه منشيوس الذي يُعَد المعلِّم الثاني للكونفوشية.
تؤمن الكونفوشيوسية بوجود إله أو آلهة وتقوم على عبادة السماء "تيان" أو الرب الإله الأعظم "بان كو". وهي تؤمن كذلك بعبادة الطبيعة وعبادة الأرواح مثل غالبية الشعوب القديمة.
ولد كونفوشيوس في 28 من شهر سبتمبر سنة 551 قبل الميلاد في عهد أسرة آل تشاو التي حكمت الصين بين 1100 قبل الميلاد و256 قبل الميلاد. وتوفي سنة 479 قبل الميلاد عن عمر 70 سنة في مدينة كوفو غرب ولاية لو ودفن فيها.
كان كونفوشيوس يتحدر من عائلة أرستقراطية خدم عدد من أفرادها كمستشارين عند عائلة سونغ. لكن في القرن السابع قبل الميلاد خسرت العائلة نفوذها وثروتها وغادر بعضهم الولاية وبينهم جد كونفوشيوس الذى توجه الى ولاية "لو".
اسمه الحقيقي "كونفوزي ـ كونغ فو تسو". "كونغ" تعني المعلّم. اما اسمه المنتشر عالميًا فهو كونفوشيوس كما ترجم إلى اللاتينية.
على الرغم من أن معظم تلامذته لم يجعلوا منه إلهًا أو قديسًا، إلا أن بعض الملوك وعامة الصينيين وسموه بصفة القداسة، وجعلوا من ضريحه ومدرسته مكانًا للصلاة وتقديم النذور.
كان والده ضابطًا في الجيش وأنجبه عن عمر 70 عامًا وتوفي والده وكان عمر كونفوشيوس ثلاثة أعوام.
بدأ دراسته في سن الخامسة عشرة وفي سن العشرين تسلم وظيفة حكومية متواضعة حيث عمل في حسابات الحبوب والماشية وممثلًا لعائلة إقطاعية ما مهَّد له لاستلام وظائف مهمة في ما بعد.
عندما بلغ الثلاثين دخل مدرسة جديدة حيث تلقى علومه الفلسفية على يد أستاذه الفيلسوف لاوتسو الذي اعتبرته الطاوية أحد الأنقياء الثلاثة في الطاوية. وكان لاوتسو يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، لكن كونفوشيوس خالفه داعيًا الى مقابلة السيئة بمثلها، وذلك إحقاقًا للعدل.
كانت الصين أنذاك منقسمة إلى إمارات صغيرة متنازعة ينقصها الرابط السياسي والشعور القومي الواحد. ولعب كونفوشيوس، الخبير في شؤون الحكم والإدارة، دورًا في مشورة الحكام وتوجيه رسائله الأخلاقية والاجتماعية والسياسية إليهم. إذن عمل كونفوشيوس في عدد من الوظائف بينها مستشار للأمراء والولاة، وقاضٍ وحاكم ووزير للعمل ووزير للعدل ومن ثم كرئيس للوزراء في سنة 496 قبل الميلاد حيث أصبحت مقاطعة "لو" نموذجية في تطبيق تعاليمه الفلسفية.
كان كونفوشيوس حريصًا أن يبقى الحاكم ومعاونوه جاهزين لمواجهة تطورات غير متوقعة وسيئة. وقد علّم الحكام كيف يستعملون الدبلوماسية من أجل التوصل الى نجاحات في تسوية الخلافات.
نتيجة الخلافات بين العائلات المتنافسة على السلطة في ولاية "لو"، اضطر الى الاستقالة من وظائفه وغادر الولاية. ثم تنقل بين كثير من الولايات في الصين ينصح الحكام ويرشدهم ويتصل بالناس يبث بينهم تعاليمه حاضًا إياهم على الالتزام بالأخلاق الرشيدة. ومضى معظم أوقاته في الدراسة والتعليم وانتشرت شهرته في جميع المناطق الصينية وأصبح معلّمًا من الدرجة الأولى وأضحى عدد تلامذته بالآلاف. ووصف بأنه أحد كبار المصلحين أو أحد مؤسسي الديانات، مع أن فلسفته لم تكن دينًا منهج للسلوك الشخصي والاجتماعي والسياسي.
وترتكز معظم أفكاره الفلسفية على الحب وحسن معاملة الناس والرقة في الحديث والأدب في الخطاب وإحترام الأكبر سنًا والأكبر مقامًا مع تقديس خاص للأسرة، ونبذ الطغيان والظلم والإستبداد. وكان متواضعًا ومتسامحًا ولطيفًا من دون أي طمع له في المال والشهرة. وكان يبحث عن الطرق الضرورية لإسعاد الناس وتنظيم حياتهم اليومية.
كتب كونفوشوس حوليات الربيع والخريف "تشون شيوي" استنادًا الى الوثائق التي كانت في موطنه وهي من عام 722 قبل الميلاد الى 481 قبل الميلاد. وكتب أيضًا التفاسير العشرة لكتاب التحولات.
توفي كونفوشيوس بعد عودته الى موطنه بخمس سنوات عن عمر ناهز 72 سنة في سنة 479 قبل الميلاد؛ إذ تركت وفاته الصين في حزن عميق، بعدما فقدت معلمًا عظيمًا لها اعتبر أعظم حكيم وفيلسوف في التاريخ الصيني؛ حيث مارس تأثيرًا كبيرًا على الفكر والحياة في الصين لأكثر من ألفي عام، فهو جعل التعليم متاحًا للجميع من دون تمييز بين الطبقات بعد أن كان مقتصرًا على طبقة النبلاء.
** رئيس مركز الدراسات الآىسيوية والصينية – لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نائب محافظ الأقصر يبحث مع سيتشوان الصينية فرص التعاون والاستثمار المشترك
في خطوة جديدة لتعزيز العلاقات الدولية وجذب الاستثمارات إلى محافظة الأقصر، وفي إطار تفعيل بروتوكول التعاون الموقع بين المحافظة ومقاطعة سيتشوان الصينية، عقد الدكتور هشام أبو زيد، نائب محافظ الأقصر، لقاءً افتراضيًا مع رئيس مؤسسة رجال الأعمال المصريين الصينيين وعدد من مسؤولي المقاطعة، لبحث آفاق التعاون المشترك في عدد من المجالات التنموية والاستثمارية.
واستهل نائب المحافظ اللقاء بالترحيب بالوفد الصيني، معربًا عن سعادته بهذا التواصل الذي يجسّد عمق علاقات الصداقة والتعاون بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين الشعبية، مؤكدًا أن البلدين يمتلكان إرثًا حضاريًا عريقًا يُعد من الأقدم في التاريخ الإنساني، كما نقل تحيات المهندس عبد المطلب عمارة، محافظ الأقصر، الذي تعذّر حضوره نظرًا لارتباطات مسبقة.
وأشار الدكتور هشام أبو زيد إلى أهمية العلاقات الثنائية المتنامية بين الأقصر وعدد من المدن والمقاطعات الصينية، وعلى رأسها سيتشوان، موضحًا أن اتفاقية التعاون التي وُقعت خلال الزيارة الرسمية التي شارك فيها السيد المحافظ برفقة معالي الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، تمثل أساسًا قويًا لتوسيع مجالات التعاون المستقبلية بين الجانبين.
وتناول اللقاء سبل تعزيز التعاون المشترك، لا سيما في مجالات الاستثمار، وحفظ التراث، والسياحة، والصناعة.
وأعرب الجانب الصيني عن اهتمامه بتعميق الشراكة مع محافظة الأقصر، مع الترتيب لزيارة وفد رسمي رفيع المستوى خلال الأشهر المقبلة، تشمل دعوة عدد من الشركات والمستثمرين الصينيين، ومرافقة الوفد خلال زيارته للمحافظة، لبحث فرص ضخ استثمارات مباشرة في مشروعات تنموية متنوعة.
من جانبه، أكد نائب المحافظ أن محافظة الأقصر تزخر بمقومات استثمارية واعدة في قطاعات الصناعة، والزراعة، والسياحة، والثقافة، والتعليم، مدعومة ببنية تحتية متطورة وموقع استراتيجي متميز، مما يؤهلها لأن تكون شريكًا مثاليًا في تنفيذ مشروعات مشتركة تعود بالنفع على الجانبين.
كما أشار إلى أن القيادة التنفيذية بالمحافظة، برئاسة المهندس عبد المطلب عمارة، تولي اهتمامًا خاصًا بتهيئة بيئة استثمارية جاذبة، من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم التسهيلات للمستثمرين.
وفي سياق متصل، أعرب مسؤولو الجانب الصيني عن سعادتهم بهذا اللقاء، مؤكدين رغبتهم في تعزيز أوجه التعاون مع محافظة الأقصر، في ضوء أوجه التشابه الحضاري والثقافي مع مدينة "ليشان" الصينية"، في مقابل ما تحظى به الأقصر من مواقع أثرية وتاريخية استثنائية.
كما أبدى الوفد الصيني اهتمامه بتوقيع بروتوكولات تعاون جديدة، خاصة في مجال الحفاظ على الآثار، إلى جانب استكشاف فرص استثمارية في مجالات حيوية تشمل الصناعة، وصناعة الأعلاف، والطاقة، والسياحة، والثقافة، مؤكدين ما تمثله محافظة الأقصر من أهمية استراتيجية على الصعيدين المحلي والدولي.
وفي ختام اللقاء، أكد الدكتور هشام أبو زيد ترحيب المحافظة بكافة المقترحات المطروحة، واستعدادها الكامل لإنجاح الزيارة المرتقبة، بما يسهم في تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتبادل الخبرات، وتحقيق المصالح المتبادلة بين الجانبين.
وقد أعرب الطرفان في ختام الاجتماع عن تطلعهما إلى استمرار التنسيق والتعاون خلال المرحلة المقبلة، بما يعزز أواصر الصداقة بين الشعبين المصري والصيني، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.