شركة «أبل» تطلق ميزة جديدة تعمل بـ«الذكاء الاصطناعي»
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
لتوفير تجربة مرنة في استخدام التطبيقات والتفاعل معها، أعلنت شركة “أبل”، عن ميزة جديدة تعمل بتقنية “الذكاء الاصطناعي”، تسمى “آبل إنتيلجينس”، عبر التحديث الجديد لنظام تشغيل iOS 18.1.1.
ووفق الشركة، “يمكن للميزة الجديدة “اقتراح التطبيقات التي تستخدمها بشكل متكرر في أوقات أو مواقع محددة، وتمكين اقتراحات المساعدة الشخصية المعروفة باسم “سيري” بشكل أكثر دقة، تحسين أداء الجهاز بناء على عادات الاستخدام الخاصة بك”.
وبحسب الشركة، “إذا كانت لديك عادة فتح تطبيق تتبع اللياقة البدنية المفضل لديك أول شيء في كل صباح، فقد تبدأ “آبل إنتيلجينس” في اقتراح هذا التطبيق بشكل استباقي على شاشة القفل قبل وقت التمرين المعتاد، وإذا كنت ترسل رسائل إلى جهة اتصال معينة غالبا في استراحة الغداء، فقد تبدأ “سيري” في التوصية بإرسال رسالة إليها في منتصف النهار”.
ووفق الشركة، “لكي تعمل الميزة، يجب أن تراقب نشاطك باستمرار وتجمع البيانات حول التطبيقات التي تستخدمها، ومتى تستخدمها، وكيف تتفاعل معها، وبالنسبة للبعض، قد تبدو هذه الدرجة من تتبع السلوك تدخلية بشكل مفرط، وقد يشعر المستخدمون بعدم الارتياح مع نظام الذكاء الاصطناعي الذي يحلل استخدامهم للتطبيقات المتعلقة بالصحة أو التمويل أو الاتصالات الشخصية”.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أبل الذكاء الاصطناعي تقنيات الذكاء الاصطناعي
إقرأ أيضاً:
بين مطرقة الذكاء الاصطناعي وسندان خمول الذكاء البشري
أثناء مطالعتي -الثانية- لكتاب مهم بعنوان «Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies» الذي يمكن تعريب عنوانه لـ«الذكاء الفائق: المسارات، والمخاطر، والإستراتيجيات»، وهو كتاب يتحدث عن ثورة الذكاء الاصطناعي الآخذة في الصعود السريع نحو التفوق الدماغي الاصطناعي الفائق، والذي يثير مخاوفنا بشأن شكل المستقبل في ظل هذا النمو غير المحكم وغير المُنتبه إلى مساراته الكثيرة؛ فإن انتباهي انتقل إلى تساؤلات تخص ماهية الذكاء البشري ومستقبله المتوقع في خضّم هذا التفوق الاصطناعي للخوارزميات التي باتت جزءا من كل مجموع حياتنا بما فيها أنظمتنا البيولوجية الدقيقة -وهذا مسار آيل إلى التحقق مستقبلا، وسبق أن استعرضناه في مقالات سابقة-؛ ففي حين يُشاد بالتقدم التقني باعتباره إنجازا غير مسبوق يعزز الإنتاجية ويحسّن جودة الحياة؛ فثمّة قلق متزايد من أن الاعتماد المفرط على هذه التقنيات والخوارزميات يمكن أن يؤدي إلى انحدار في القدرات الدماغية البشرية، ليس في مجال المهارات العملية وحسب، ولكن في بنية الذكاء ذاته.
يشير تقريرٌ صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2023 إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل مباشر على ما يقرب من 83 مليون وظيفة في العالم بحلول عام 2025، مع توقعات بأن تحل الخوارزميات محل عدد كبير من المهام التقليدية التي كان يؤديها البشر سابقا، وفي حين أن المبررات الرئيسة لمثل هذا الإحلال التقني الذكي يمكن أن تُعزى إلى تحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية ورفع معدلات الإنتاجية، ولكن يبرز سؤالٌ مهم نحتاج أن نطرحه ونجيب عليه: هل سيؤدي هذا التحوّل إلى انحسار الذكاء البشري بفعل الاعتماد المتزايد على الأنظمة التقنية والرقمية؟ ولنكون أكثر موضوعية في محاولة الإجابة عن هذا التساؤل، سنشير إلى دراسة حديثة نُشرت في مجلة « Societies» عام 2025 ترى أن الاستعمال المتكرر لأدوات الذكاء الاصطناعي لفترات طويلة -التي تشمل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية التي باتت منافسا قويا لمحركات البحث التقليدية- يمكن أن تقود إلى تراجع تدريجي في مهارات الذاكرة والتحليل النقدي للدماغ البشري، وكشفت الدراسة إلى أن الأفراد الذين يعتمدون بشكل كبير على الأدوات الرقمية لإيجاد حلول سريعة لمشكلاتهم يميلون إلى تطوير قدرات أقل في التفكير الإبداعي واتخاذ القرارات المعقّدة.
كذلك نفطن إلى مظاهر أخرى للأزمة المستقبلية المتوقعة مع تصاعد هذا التفوق التقني على حساب بروز أزمة الخمول الدماغي البشري؛ فتتمثّل في تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم؛ فرغم رجحان وجهات النظر القائلة إن تقنيات التعليم المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل منصات التعلّم الشخصي (Personalized Learning Systems) أثبتت قدراتها في تحسين تجربة التعليم عن طريق تقديم مناهج مصممة خصيصا لاحتياجات كل طالب -وهذا أيضا سبق أن أسهبنا في نقاشه وتأكيد فاعليته في مقالٍ سابقٍ مستقل نُشر في الملحق العلمي لجريدة عُمان-، ولكن من زاوية أخرى -راصدة للمسار المستقبلي-، نجد أن النجاح الذي يُظهره الذكاء الاصطناعي في التعليم له أبعاده المستقبلية السلبية؛ فتنعكس في عملية تراكمية عن طريق ممارسة إدمانية طويلة تؤثر سلبا في قدرات الدماغ البشري عبر دفعه إلى ظاهرة الخمول العقلي والعفن الدماغي وانحسار قدراته التفكيرية والتحليلية، وبالتالي تراجع مستويات الذكاء البشري، وهذا ما يعكس قاعدة عامة مفادها: أنه عندما يُقدَّم التعليمُ في قالب سهل الهضم دون الحاجة إلى بذل جهد عقلي؛ فإن ذلك يؤدي إلى ضعف في القدرات النقدية والتحليلية للطلاب. كذلك نرى ما يمكن أن يؤيد هذا التصوّر المستقبلي المخيف عبر ما أظهرته دراسة نُشرت في موقع «UK Parliament» عام 2024 وجدت أن الطلاب الذين يعتمدون بشكل كبير على أدوات الذكاء الاصطناعي لإجراء البحوث وإعداد التقارير يعانون من نقص في القدرات التحليلية والمنطقية وتوليد الأفكار الإبداعية مقارنةً بأقرانهم الذين يستعملون أساليب التعلم التقليدية؛ ليدفع الباحثون إلى التوصية بأهمية الحفاظ على توازن بين استعمال التقنيات المتقدمة وتعزيز مهارات التفكير المستقل.
لا تقتصر المشكلة على انحسار القدرة المعرفية لدى الأجيال الناشئة؛ فنتوقع ما هو أبعد من هذه المخاطر؛ إذ يمكن أن نرصد تأثيرات بيولوجية محتملة على الدماغ البشري نفسه، ونستند إلى تقرير نُشر في مجلة «Forntiers» عام 2023 إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تغييرات دائمة في بنية الدماغ خاصة في المناطق المسؤولة عن الذاكرة والتحليل المكاني، وكذلك تُظهر الدراسةُ أن تقليص التفاعل المعرفي النشط يمكن أن تقود إلى انحسار في تطور الشبكات العصبية التي تعتبر عناصر بيولوجية مهمة للتفكير النقدي والإبداعي. من بُعدٍ جيني، تتسع دائرة الاحتمالات -رغم اضطراب الدراسات وعدم يقينها القطعي- أن يكون للخمول الدماغي المتزايد تأثير غير مباشر على التطور البيولوجي للإنسان، وهذه إشارة إلى أن نقص التحفيز العقلي المتواصل يُظن أن يتبعه تأثير على التعبير الجيني للخلايا العصبية؛ فيُضعف من قدرتها على النمو والتكيّف مع تحديات جديدة، والذي بدوره سيسهم على المدى الطويل إلى تراجع عام في مستويات الذكاء البشري خصوصا مع الأجيال القادمة.
ليس من المبالغة أن نُدرجَ مثل هذه التحديات في خانة المشكلات الوجودية، ونحتاج حينها إلى إعادة صياغة علاقتنا بالتقنية وممارستنا لأدواتها، والأهم أن نعيد النظر في نظم التعليم وتعديلها بما يتماشى مع متطلبات العصر دون الإخلال بتوازن العقل البشري، ولعلّنا نقترح بعض الخطوات منها التحوّل إلى التعليم التفاعلي والإبداعي عبر تصميم مناهج تعليمية تتبنّى تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليل المنطقي والتفاعل البشري الإبداعي الواسع وفقَ منهج الحوارات المفتوحة، وضبط معدلات الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتكون ذات استعمال معتدل غير مفرط، ويكون ذلك عبر تقنين الاتصال الرقمي وصناعة توازن مع الأنشطة غير الرقمية، وكذلك عن طريق اتباع استراتيجية أساليب التعليم الهجينة عبر المزج بين التقنيات الحديثة وأساليب التعليم التفاعلية -قمتُ شخصيا بتجربتها بعدة أساليب مع طلابي في بعض محاضراتي الجامعية، وأثبتت نجاحها المتمثّل في تحرير الطاقات الدماغية الإبداعية للمتعلم-؛ لصيانة قدرات التفكير العليا لدى الطلاب مع إبقاء مساحة للاستدامة التقنية في التعليم؛ فتضعنا مثل هذه الاقتراحات أمام مشروع نهضوي نعيد بواسطته معالم فلسفة التعليم. في زاوية تعليمية أخرى، سبق أن تطرقت إليها في كتابي «هكذا نتطور» تتعلق بأهمية بناء الإنسان من حيث التكوين الأخلاقي واللغوي والمنطقي؛ فالإنسان كائن أخلاقي واعٍ -في أصله-، وكائن ناطق -بفطرته السائدة-، ومفعم بالمنطق والعقلانية متى ما أراد تفعيلها، ولكن لهذه الملكات الفطرية مستويات تقل وتزيد، وأرى أن الإفراط في تسخير التقنيات وتعطيل الجهد الدماغي البشري سيكبح بروز هذه الملكات مع التقادم الزمني وتضاعف التعطيل العقلي البشري؛ فحينها نحن بحاجة إلى صيانة هذه الأركان الإنسانية بكل وسيلة متاحة؛ عبر ترسيخ فلسفة الأخلاق وتفعيلها خصوصا مع بروز العولمة الرقمية، وتقوية اللغة ومهارات التواصل في ظل زحف نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، وتنمية المكتسبات العقلية والمنطقية الرياضية في خضّم هيمنة منطق الخوارزميات الذكية وعقلانيتها المخيفة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني