الإشارات والرموز الثقافية في السياسة
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
تعتبر استخدامات الرموز و الإشارات الثقافية في العملية السياسة قمة في درجات الوعي السياسي، و ليس كل سياسي قادر على توظيفها في خطابه السياسي، أو في استخدامها لكي يقدم رسائل عميقة المعنى و الدلالة، إلا إذا كان واسع الإطلاع و المعرفة بالتاريخ و ثقافة الذين يريد أن يرسل لهم رسائل، و هي رسائل دائما تكون موجهة و محصورة في دائرة فئة تستطيع أن تحل شفراتها، و لكن مثل هذه التعابير لا تستخدم عندما يكون موجه الخطاب للعامة خاصة في دول تنتشر فيها الأمية.
و الإمثلة كثيرة على كيفية استخدام هذه الرموز و الإشارات.. و أقرب مثل الرمزية التي استخدمها أبو محمد الجولاني " أحمد الشرع" قائد قوات المعارضة التي اسقطت نظام البعث في سوريا.. رغم أن البعث حزب علماني لكن ظروف الصراع في سوريا جعلته يقع تحت سيطرة النفوذ الشيعي في المنطقة " تحالف إيران و العراق و حزب الله في لبنان و الحوثيين في اليمن" لذلك جاءت إشارة الجولاني " أن يتخذ المسجد الأموي" رمزية ثقافية تاريخية و سياسية أن سوريا رجعت إلي " سنيتها" دون أن يقول ذلك مباشرة في الخطاب، لكن الركزية الثقافية ذات دلالة قوية أكثر من الخوض فيها بالحديث المباشر الذي يقود إلي صدام طائفي داخل سوريا.. لكن كان الركزية مفهومة..
الركزية الأخرى الثقافية التي جاءت من القوات المتحالفة، بالقول " أنهم لا يفرضون لباسا معينا على النساء" و هي رمزية أيضا ثقافية لآن لباس الحجاب هو رمزية إسلامية أصولية، اعتقادا منه أن الخوض فيها سوف يثير مواجهة تعقد عملية التغيير السياسي.. لكن الرسالة نفسها كانت موجهة إلي الغرب أكثر من إنها موجهة إلي المجتمع السوري.. و أيضا الرمزية تشير بالقول " أننا استفدنا من التجارب السابقة التي أدت إلي انتكاسة الثورات في العديد من البلاد العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي" و لا نريد فرض رؤيتنا السياسية على الآخرين.. فالغرب فيهم الرسالة.. ورد بالقول أننا ننتظر عملية التطبيق، أي الانتقال من الأقوال إلي الفعل، لكن استخدام أبو محمد الجولاني للرموز و الإشارات الثقافية تبين درجة الوعي السياسي التي تحكم خطابه السياسي..
عندما تم تأسيس نادي الخريجين الذي نقسم فيه القوم إلي جناحين الأول يسنده السيد على الميرغني و الأخر يسنده السيد عبد الرحمن المهدي " الشقوقيين و الفيليين" و قرأة سورة " الفيل عندما هزم الفيليين" هي كان أعمق إشارة و رمزية لتلك المجموعة المهزومة.. و عندما اشتد الصراع بين المستعمر و المؤتمر بدأ المؤتمر يؤسس الرموز الثقافية مثل " معهد القرش و السينمات في العاصة، و التي أطلق عليها " سنما الوطنية أم درمان و الوطنية بحري و الوطنية الخرطوم" و هي دلالة رمزية قوية لتجسيد مفهوم الوطنية التي يتشكل عليها الوعي السياسي الذي قاد مستقبلا إلي الاستقلال..
و الإشارات و الرمزية الثقافية في العمل السياسي في السودان، أيضا استخدمت كثيرا بدأت بقوة في الحوارات الثقافية السياسية في مجلتي " الفجر و النهضة" في عقد الثلاثينيات في حوار الهوية السودانية، و طرح العديد من الأسئلة التي لم تستطيع أن تجاوب عليها النخب السياسية حتى الآن.. و أيضا عندما انتقل الحوار في الساحة الأدبية في ستينيات القرن الماضي، لتطرح ذات أسئلة الثلاثينيات من خلال المدارس الأدبية الفكرية " مدرسة الغابة و الصحراء و أبادماك و غيرها" إذا كان في الشعر أو حتى في الفن التشكيلي و الدراما و الغناء و هي معاقل الرمزية.. الملاحظ: كان عندما تضعف الأحزاب السياسية كانت تنشط مجموعات المثقفين في ساحات أخرى، تحاول أن تطرح العديد من التساؤلات لكي تخلق واقعا جديدا يحاول النهوض بالعملية السياسية، و كانت تمثل درجة عالية من الوعي وسط الطبقة الوسطى في المجتمع. .
أن الأسباب التي تؤدي إلي انتشار الرمزية و الإشارات الثقافية عندما تحاصر السلطة الفكر، و تطارد المثقفين، و تقيد حركتهم و نشاطهم، و أيضا عندما تتقلص مساحات الحرية من خلال القوانين التي تفرضها السلطة، تميل القوى المثقفة في استخدام الرمزية و الإشارات الثقافية لكي تطرح من خلالها العديد من التساؤلات.. لكن الغريب في الأمر أن نشاط المثقفين قد ضعف بعد ثورة ديسمبر، و فشلوا أن يطرحوا أراء و أفكار تهدف إلي قيادة حوار عقلاني يسهم في تخفيف حدة الصراع الصفري، و السبب لأنهم أصبحوا هم أنفسهم جزء من الأزمة، و جزء من حالة الاستقطاب الحاد في المجتمع، و مالوا إلي الشعارات لكي يؤكدوا عمق أزمتهم، فالحرية تقلصت في النشاط العام الذي تفرض عليه قيود من قبل السلطة، و أيضا تقلصت داخل الأحزاب نفسها التي كان من المفترض تصبح ساحات للحوارات الفكرية و تدفع عضويتها للإبداع الفكري و الثقافي لكي تستطيع أن تحدث أختراقا في جدار الأزمة، أن أزمة القيادة في المؤسسات الحزبية سبب رئيس في الأزمة السياسية التي قادت إلي الحرب و جعلت الحرب تستمر حتى الآن.. نسأل الله حسن البصيرة..
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العدید من
إقرأ أيضاً:
الملحقية الثقافية القطرية بالمملكة المتحدة تحتفي بتخريج 156 طالبا مبتعثا في المملكة المتحدة وأيرلندا
نظمت الملحقية الثقافية لدولة قطر لدى المملكة المتحدة، احتفالا بمناسبة تخرج 156 طالبا وطالبة من المبتعثين القطريين إلى المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا للعام الأكاديمي 2024 / 2025.
وجاء تنظيم هذا الحفل، الذي شهد حضوراً لافتاً من الطلبة المتفوقين وأولياء أمورهم، في إطار حرص الملحقية الثقافية على دعم الطلبة المبتعثين وتعزيز العلاقات الأكاديمية والثقافية بين دولة قطر ومؤسسات التعليم العالي الرائدة في كل من المملكة المتحدة وأيرلندا.
وشهد الحفل حضور عدد من ممثلي السلك الدبلوماسي في سفارة دولة قطر بلندن، إلى جانب الملحقين الثقافيين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمر الذي يعكس أهمية تعزيز الروابط التعليمية والثقافية وتوثيق التعاون الأكاديمي بين دولة قطر والدول الشقيقة والصديقة.
واستهل الحفل بكلمة ألقاها السيد فهد الكواري، الملحق الثقافي لدولة قطر لدى المملكة المتحدة، أعرب فيها عن فخره واعتزازه بما حققه الطلبة القطريون من إنجازات أكاديمية متميزة، مؤكدا التزام الملحقية الثقافية بتوفير الدعم المتواصل لهم طوال مسيرتهم الدراسية.
وألقت السيدة نورة محمد الأنصاري، مدير إدارة البعثات بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، كلمة هنأت فيها الخريجين وذويهم، مثمنة جهودهم وإصرارهم على التفوق ومواصلة العطاء طوال سنوات ابتعاثهم.
وتخلل الحفل تكريم ممثلي الجامعات البريطانية والأيرلندية، تقديرا لدورهم المحوري في دعم الطلبة المبتعثين وتعاونهم المثمر مع الملحقية الثقافية خلال العام الأكاديمي الحالي.
كما اشتمل الحفل على معرض فوتوغرافي نوعي قدّم خلاله الطلبة الخريجون أعمالهم الفنية والتصويرية التي جسّدت تجاربهم التعليمية والثقافية أثناء فترة دراستهم في الخارج.
ويعكس هذا التكريم عمق علاقات التعاون الأكاديمي والشراكة الاستراتيجية التي تسهم في تعزيز التبادل العلمي والثقافي بين دولة قطر وكل من المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا.