الانتهازية والمتاجرة بالمبادئ
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
صحابي جليل مرفوع على أعواد المشنقة بينه وبين الموت كلمه يقولها في جمع من الناس يشهدون له وعليه قدم العرض له: قل في محمد كلمة وسيتم إطلاق سراحك فيأبى ويختار الموت على أن يسيء للنبي العظيم؛ وقبل استشهاده يسأله كفار قريش أتحب أن يكون محمداً مكانك وأنت مكانه؛ فيجيب لا والله لا أحب أن يصاب بشوكة وانا سالم .
حب وفداء وتضحية واستبسال في سبيل الحق ومن أجل إعلاء كلمة الله ، نماذج تتكرر برغم المآسي التي تعيشها الأمة، هناك مواقف وعبر مشهودة لرجال كانوا مضرب الأمثال، عمر المختار في ليبيا وعبد القادر الجزائري في الجزائر وعزالدين القسام وعبد القادر الحسيني في فلسطين وغيرهم وفي كل أقطار الأمة العربية هناك نماذج تؤكد أن الأمة قادرة على صنع وإنتاج الأبطال والشرفاء الذين يجترحون البطولات ويقدمون القدوة والأسوة الحسنة ومنهم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، فقد رفض كل الإغراءات وقدم روحه فداء لما يؤمن به ومثله كوكبة من الشهداء الذين كانوا له سندا وعونا .
القضية الفلسطينية قدمت شهداء ليس آخرهم السنوار ولبنان أيضا ليس آخرهم هاشم صفي الدين ومثل ذلك شهداء فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني قضوا على أيدي الحلف الصهيوني الصليبي وفي سبيل التحرر من الإجرام الصهيوني .
بخلاف ذلك هناك الانتهازيون الذين يتاجرون بمواقفهم على حساب كرامتهم وعزتهم ودينهم باعوا القضايا العربية وتاجروا بها وتآمروا عليها وقدموا الأبطال قربانا للمجرمين طمعا ليكسبوا رضاهم .
عانت الأمتان العربية والإسلامية منهم نفذت المؤامرات والدسائس من خلالهم وحدثت الكوارث العظيمة منها احتلال فلسطين واستمرار التقسيم والتجزئة والانحدار المتسارع نحو العودة إلى الجاهلية بأبشع صورها رغم تحذير النبي الأعظم لأمته لأنه بعث بمكارم الأخلاق والقيم والمبادئ العظيمة حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم ((إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأعمال )) ويؤكده الحديث الصحيح قوله (ًصلى الله عليه وآله وسلم) ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-وفي رواية أخرى- صالح الأخلاق)) ، ولذلك كان من خصائص خير أمة أخرجت للناس التحلي بمكارم الأخلاق والتمسك بها والدعوة اليها ومتى ما تخلت عن ذلك مثلها مثل باقي الأمم فمدار وأساس التقدم والتأخر في الالتزام بالأخلاق والقيم والمبادئ الصالحة والحسنة.
احتلت جيوش تتار العصر بغداد وكشفوا عن أخلاقهم وقيمهم فكانوا أحط من التتار في كل شيء وتساءل الناس عن أسباب الهزيمة وهل تبخر الجيش العراقي وأين ذهبت قواته وأسلحته وتناسوا أنه واجه أقذر وأوسخ مجرمي العصر الحديث وواجه إمكانيات وقدرات دول عظمى تتحكم في مصير العالم يقودها مجرمون لا أخلاق لهم ولا دين ولا مبادئ.
ورغم مراهنه البعض على دعم المعسكر المناوئ للغرب –روسيا والصين- لكن العارفين بحوادث التأريخ قالوا: إن الكفر ملة واحدة.
سوريا اليوم رحل النظام وترك الشعب يواجه مصيره لأعداء النظام والسبب في ذلك اتفاق اللاعبين الكبار على دور الاستلام والتسليم بين أمريكا والمتحالفين معها بأذرعتهم العسكرية الصهيونية والمالية، الأنظمة العربية والمحور المقابل روسيا والمتحالفين معها والصين وهناك محور المقاومة الذي تقوده إيران وتعتبر سوريا فيه مركز الثقل وهناك تركيا التي تحاول أن تلعب دورا لصالحها.
في سوريا تتلاقى المصالح وتتنافر وتتقاتل وهناك المساومات والمقايضات التي ارتبط بها النظام ومعلوم أن الحلف الصهيوني الصليبي يدافع عن إسرائيل ويرغب في تأديب روسيا من خلال أوكرانيا وإذا كان العرض بتمكين إسرائيل من التمدد والتوسع مقابل إتاحة المجال لروسيا في أوكرانيا فأوكرانيا عمليا أهم لروسيا من سوريا وبالتالي سينسى الروس تهديدات اليهود ويتيحون المجال لهم في التحرك بكامل حريتهم في سوريا.
الرابح الأكبر في هذه الصفقة كيان الاحتلال والحلف الصهيوني الصليبي وسوريا الخاسر الأكبر، حيث استولت إسرائيل على كامل الجولان والمنطقة العازلة وهي منطقة استراتيجية هامة وكبيرة وحافظت روسيا على رأس النظام وحاشيته تقديرا لمواقفه معها وضحت بسوريا ومن فيها في مقابل التنازلات التي حصلت عليها من الغرب لأن أوكرانيا تعد خطراً استراتيجياً للأمن القومي الروسي.
العرب حاضرون بتمويلاتهم وأبرزهم دول الخليج الذين رصدوا مبالغ ضخمة لتمويل الجماعات التي تقدمها المخابرات الغربية والتي تخدم توجهاتها على حساب المعارضة الوطنية التي لا يمكن أن يسمحوا لها أن تكون بديلا عن النظام الراحل لذلك فإنهم يستعينون بالجماعات الممولة لتشويه صورة المعارضة الوطنية طالما أنها تشكل أو قد تشكل خطرا عليهم، فحسب تصنيفاتهم هناك مسلمون جيدون ووفق الرؤية الصهيونية أن العربي الجيد هو العربي الميت.
أما الجماعات الإرهابية التي يدعمونها فسيوكلون إليها اغتيال القدرات والعلماء والناشطين في المجتمع وبأبشع الوسائل وسيأتي الإعلام ليقول إن هؤلاء هم ثوار سوريا وإن الثورة السورية يقودها الإرهابيون والمجرمون.
تركيا كلاعب أساسي قد تتدخل لحماية مصالحها ولتضمن حصتها من الكعكة فهناك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أرضها وتريد محاصرة حزب العمال الكردي الذي تموله دول الغرب وإسرائيل، لكن الغرب لن يسمح لها لتلعب دوراً محوريا لأنه يدرك الثقل السياسي الذي كانت تمثله في السابق لكنه اليوم يستخدمها كوسيط بينه وبين العرب بعد أن ألغى الخلافة ووصلت قواته إلى إسطنبول وتقاسم نفوذها ودمر صلاتها التي استمرت لأكثر من ستمائة عام وصبغها بالعلمانية وأحيا فيها النزعة القومية، ولذلك فالمساحة التي تتحرك فيها تركيا محدودة بما لا يضر الغرب ولا ينفع العرب ومثاله كالخمر والميسر أثمهما أكبر من نفعهما وإن كان سيحرص على زيادة مساحة الكره بين العرب وتركيا كما فعل سابقا بإثارة الاضطرابات بين اللاجئين والأتراك بسبب حادثة فردية، وأما الذين يسعون للتهويل من الموقف التركي فإنهم يريدون إتاحة المجال أمام الرابحين من استبدال النظام وأولهم الحلف الصهيوني الصليبي وروسيا، ويكفي أن يقوم الكيان المحتل بشن غاراته ليدمر قدرات الجيش السوري حتى أنه تجاوز تدمير أكثر من ثمانين في المائة منها بمعنى أنه كان يرصدها بدقة متناهية أو أن هناك من زوده بخارطة أماكنها حتى يحقق هذه النسبة العالية.
محور المقاومة وعلى رأس ذلك جمهورية إيران قد يكون في المنظور القريب المتضرر الأكبر من سقوط النظام السوري لكن المصالح الاستراتيجية بين المحور والقوى الثورية التي استلمت السلطة بالإضافة إلى المخاطر الكبيرة التي تستهدف الجميع من الحلف الصهيوني الصليبي قد يشكل أساسا للتوافق حتى وإن كانت إيران أحد الداعمين الرئيسيين للنظام السابق .
صحيح أن سقوط النظام في سوريا يمثل خسارة للمواقف العربية الداعمة للقضية الفلسطينية ومحور المقاومة لكن سقوط الأنظمة العميلة والخائنة والمتصهينة وظهور عمالتها وخيانتها لصالح اليهود والنصارى يعد أكبر مكسب حصلت عليه من هذه الأحداث الأليمة.
لقد كسب حلف الصهاينة الجولة بفضل الصفقة التي أبرمها ترمب مع بوتين الذي يطمح لكسب المزيد من الثروات العربية ولن يتخلى عن دعم الكيان الإرهابي المحتل وقالها بصراحة (بوتين يعني ما يقول سأمنحه ما يريد لن أدخل في حرب لا تعنيني؛ لن أنفق المال على حماية الأوروبيين ؛فأنا جامع أموال وسأتعامل فقط مع من يمنحني المال، أتعرفون من يعطي المال بسخاء دون مقابل أصدقاؤنا الأغبياء العرب ،من يريد أن يحارب عليه أن يعتمد على نفسه وينفق لسنا خزينه لأحد أما صديقنا المدلل ذلك الكيان فسنظل ندعمه بكل ما يريد حتى نواصل ابتزاز العرب ونواصل تفقيرهم وتجهيلهم بواسطة حكامهم الأغبياء لأنهم مجرد حيوانات وأنذال يجب أن نعمل على تشتيتهم أكثر فأكثر).
إن هذا التصريح الواضح والمباشر يكفي لإيقاف مسيرة الانبطاح والهوان تحت أقدام الحلف الصهيوني الصليبي لمن مايزال لديه قليل من الحياء وشيء من الكرامة والعزة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
سوريا تطرق أبواب النظام الدولي.. تسوية ديون ورفع للعقوبات واعتراف أمريكي بالحكومة
في تحولات متسارعة تشير إلى اقتراب سوريا من استعادة موقعها على الساحة الإقليمية والدولية، أعلن البنك الدولي، اليوم الجمعة، عن تسوية الديون المستحقة على سوريا، والبالغة 15.5 مليون دولار، بعد تلقيه مدفوعات من المملكة العربية السعودية وقطر، ما يفتح الباب أمام دمشق للاستفادة من منح مالية مخصصة لإعادة الإعمار ودعم الميزانية، بموجب سياسات البنك التشغيلية.
وأفاد البنك الدولي في بيانه، أنه اعتباراً من 12 مايو الجاري، لم تعد هناك أي متأخرات مالية على سوريا لدى المؤسسة الدولية للتنمية، الذراع المعنية بدعم أشد الدول فقراً، وتأتي هذه الخطوة عقب إعلان الرياض والدوحة في أبريل التزامهما بتسديد المتأخرات السورية لدى مؤسسات التنمية متعددة الأطراف، تمهيداً لإعادة دمج سوريا في برامج التمويل الدولية.
وبالتوازي مع التطورات المالية، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال جولته الخليجية التي شملت السعودية وقطر والإمارات، أن قرار الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع كان “قراراً صائباً”، مشيراً إلى أن إدارته ستمضي في خطوات إضافية لإعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق.
وخلال زيارته إلى السعودية، أعلن ترامب عزمه رفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، والتي امتدت لأكثر من أربعة عقود، مشدداً على أن القرار يمنح السوريين “فرصة جديدة” للنجاح، كما أعلن دعمه الكامل للإدارة الانتقالية الجديدة في دمشق.
وفي خطوة ذات رمزية سياسية، التقى ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في ضيافة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث ناقش الطرفان مستقبل العلاقات الإقليمية، وأعرب الشرع – بحسب ترامب – عن موافقته على الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” مع إسرائيل.
وعلى الرغم من تقارير إعلامية أمريكية تحدثت عن تحفظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي طلب من ترامب عدم رفع العقوبات عن سوريا، أكد الرئيس الأمريكي أنه لم ينسّق مع إسرائيل بخصوص هذا القرار، ولم يُعلم نتنياهو مسبقاً بعزمه عقد لقاء مع الشرع.
وتشهد السياسة الأمريكية تجاه دمشق تحولاً جذرياً منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إذ تدعو الحكومة السورية الجديدة إلى رفع العقوبات المفروضة منذ عام 2011، بهدف إنعاش الاقتصاد الوطني المنهك، وإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي في النظامين العربي والدولي.
من جانبها، حذّرت وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات صحفية، من أن سوريا تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المضي في “التحول الكبير” الذي تشهده المنطقة، أو الانزلاق مجدداً إلى “حرب أهلية وحشية”، في حال فشل المسار الانتقالي في تحقيق الاستقرار.
وتُظهر هذه التحركات المتزامنة بين الدعم الخليجي، والانفتاح الأمريكي، والتسويات المالية الدولية، مؤشرات على مرحلة جديدة في مسار الأزمة السورية، تتجه فيها البلاد نحو استعادة عضويتها في المؤسسات المالية والسياسية، والخروج من العزلة التي دامت أكثر من عقد.