حين ينقلب الماركسي على الحداثة- قراءة في تناقض عبدالله علي إبراهيم
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
عبدالله علي إبراهيم، الأكاديمي والباحث السوداني، يُعدّ شخصية مثيرة للجدل في السياق الفكري والسياسي السوداني. يُعرف بكتاباته التي تجمع بين العمق الأكاديمي والنقد اللاذع، والتي تُظهر ازدواجية واضحة في موقفه من قضايا الثورة والتغيير في السودان. ورغم أنه يُعلن انتماءه السابق للحزب الشيوعي، إلا أن أطروحاته الحالية كثيراً ما تتسم بنقد قوى الثورة الحداثية، مما يُثير تساؤلات حول التزامه الفكري وتحولاته السياسية.
الإطار الفكري لعبدالله علي إبراهيم , الخلفية الشيوعية أن انضمامه السابق للحزب الشيوعي السوداني يُظهر انحيازاً أولياً لفكر الطبقة العاملة والنضال ضد الرأسمالية. لكن طرحه الراهن يعكس خيبة أمل واضحة تجاه المشروع الشيوعي، وربما النظام الثوري ككل.
النقد المتكرر لقوى الثورة ويُركز في كتاباته على تصوير قوى الثورة، خاصة القوى المدنية، بأنها فاقدة للرؤية والاستراتيجية. ويتهمها بالتذبذب الطبقي والقصور في إدارة الثورة. هذا النقد يبدو امتداداً لموقف فكري يعتبر القوى الحداثية في السودان انعكاساً لبرجوازية صغيرة مذبذبة، وهي رؤية متجذرة في الأدبيات الشيوعية الكلاسيكية.
تناقض الالتزام الفكري
عبدالله علي إبراهيم يدّعي الالتزام بمبادئ الفكر التقدمي، لكنه في الوقت نفسه يبدو عدائياً تجاه الحركات المدنية الحداثية، التي تشترك في الكثير من القيم الأساسية مع تلك المبادئ. هذا التناقض يُضعف صدقية موقفه، ويُظهره كحالة من الاستعلاء الفكري على الثورة نفسها.
مقارنة بين التزامه الفكري وعدائه لقوى الثورة
البعد التزامه الفكري عداؤه لقوى الثورة
المنهج الطبقي يؤكد على التحليل الطبقي في النظر للأحداث. يتهم قوى الثورة بأنها تنتمي إلى "برجوازية صغيرة مذبذبة".
القيم التقدمية يُفترض أنه مؤيد للتحرر والعدالة الاجتماعية. ينتقد قوى الثورة الحداثية التي تسعى لتحقيق هذه القيم.
الموقف من الطبقات الشعبية يدعي الانحياز للعمال والمزارعين. يُهمل الحراك الشعبي ويُقلل من دوره في التغيير.
النقد الأكاديمي يُقدّم تحليلات عميقة ومبنية على مفاهيم ماركسية. يتحول نقده إلى وسيلة لتقويض مصداقية القوى الثورية.
السؤال عن الدوافع هنا مهم وعلينا التحليل في ذهنية هذا"الماركسي الذي خان الطبقة وقوى الثورة"
الأثر الشخصي
يبدو أن عبدالله علي إبراهيم يحمل خيبة أمل شخصية من تجربته في الحزب الشيوعي أو من قوى الثورة، مما يجعله يميل إلى نقدها باستمرار. هذا التحول قد يكون ناتجاً عن شعور بفقدان السيطرة أو الدور القيادي في المشهد الثوري.
الأكاديمية مقابل الالتزام الثوري وما بين هما ,انحيازه إلى التحليل الأكاديمي المجرد يُظهره كمنفصل عن الواقع السياسي، وهو ما يثير استياء كثير من قوى الثورة التي تنتظر دعماً فكرياً يوحد الصفوف بدلاً من تفريقها.
النخبوية الفكرية وطرحه يعكس نوعاً من النخبوية، حيث يُقلل من قدرة الجماهير الثورية على قيادة التغيير. وربما يرى أن النخبة المثقفة، التي يعتبر نفسه جزءاً منها، هي الأجدر بإدارة التحولات.
وأخير اري أن عبدالله علي إبراهيم، رغم غزارة إنتاجه الفكري، يبدو أسيراً لماضٍ شيوعي لم يتجاوزه بشكل كامل، ومع ذلك يُمعن في انتقاد القوى المدنية والحداثية التي تقود الثورة السودانية. هذا الموقف يُفسر على أنه محاولة لفرض رؤية نقدية "للنأي بالنفس" دون الالتزام بوضوح مع قوى التغيير. التناقض بين التزامه المعلن بالمبادئ التقدمية وعدائه لقوى الثورة الحداثية يُظهره كصوت نقدي منفصل عن الواقع الثوري، مما قد يُضعف تأثيره ويُبعده عن الجمهور الذي يسعى لتحقيق تطلعاته في الحرية والسلام والعدالة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبدالله علی إبراهیم قوى الثورة
إقرأ أيضاً:
المرشد وأميركا.. قراءة في خطابات خامنئي حيال المفاوضات النووية
طهران- في ضوء وساطة عُمانية هادئة، تصل المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران إلى منعطف صعب، جعل أنظار الإيرانيين تترقب مواقف المرشد الأعلى علي خامنئي حيال المسار الدبلوماسي المتواصل، حيث اعتادت الأوساط السياسية تحليل ما تخفية خطاباته من إستراتيجيات تشكل نواة لسياسة إيران الخارجية.
وإذ إن مواقف خامنئي طالما رسمت خارطة طريق لوفود طهران التفاوضية التي خاضت مباحثات مع الحكومات الغربية المتعاقبة طوال أكثر من عقدين من أجل التوصل إلى حلول سياسية لملفها النووي، تسعى الجزيرة نت إلى تقصّي مواقف المرشد تجاه المباحثات الراهنة، وقراءة ما بين سطور خطاباته التي تعتقد النخبة الإيرانية أنها تعكس توازنا دقيقا بين الأوراق التفاوضية والرهان على رفع العقوبات.
يرى المتابع لخطابات المرشد الإيراني منذ أبريل/نيسان الماضي بوضوح أنه تجنب التطرق إلى المفاوضات النووية ما عدا في محطاتها المفصلية، ليكون حارسا للخطوط الحمراء التي يراها توازي بين قدرة بلاده الردعية وضمان رفع العقوبات الأميركية عن الاقتصاد الوطني.
مرونة تكتيكيةفبعد طرحه معادلة "لا حرب ولا تفاوض" عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته السابقة من الاتفاق النووي لعام 2015، والتي حكمت هذه الإستراتيجية العلاقة بين واشنطن وطهران خلال السنوات الماضية، علق خامنئي -في بادئ الأمر- على رغبة حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بالتفاوض ودعوة البيت الأبيض لذلك بالقول إن إجراء محادثات مع الولايات المتحدة خطوة "ليست ذكية أو حكيمة أو مشرفة".
إعلانوأوضح خامنئي قبيل انطلاق المفاوضات النووية بوساطة عمانية أن التفاوض مع واشنطن لن يؤثر على حل المشاكل في إيران، وقال "قدمنا تنازلات سخية في الاتفاق النووي لكن الأميركيين لم يلتزموا به وألغاه الرئيس دونالد ترامب".
وعلى غرار مواقفه قبيل المباحثات التي توّجت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، لم يخف خامنئي تشاؤمه بنتيجة المسار الدبلوماسي الراهن، لكنه حرص على عدم غلق الباب بوجه الحكومة التي ترى في الحوار سبيلا لدفع الخطر وضمان مصالحها الوطنية، فجاءت تصريحاته مزيجا من "الممانعة" و"المرونة التكتيكية"، فركزت أولاها علی رفض التفاوض المباشر والتشكيك في النتائج مع إبقاء الباب مفتوحا لرفع العقوبات.
وعقب الجولة الأولى، ولدى استقبال مسؤولي السلطات الثلاث في الشهر الماضي، علق المرشد الإيراني بكلمات معدودة علی المسار الدبلوماسي بالقول "إننا لا ننظر إلى هذه المفاوضات بتفاؤل مفرط ولا بتشاؤم مفرط"، مستدركا "أننا متشائمون جدا بالطرف الآخر، لكننا متفائلون بقدراتنا"، وطالب بعدم ربط قضايا البلاد بنتيجة المفاوضات.
خطوط حمراءوفي ضوء التشكيك بمصداقية الطرف المقابل، حرص خامنئي على رسم خطوط حمراء لرفع رصيد وفد بلاده في المفاوضات النووية، مؤكدا في كلماته "ضرورة رفع العقوبات الجائرة بشكل عملي وقابل للتحقق" عن الشعب الإيراني، مذكرا الرأي العام -بين الفينة والأخرى- بانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي السابق ونقض القوى الغربية تعهداتها فيه، وقد رفض أكثر من مرة أي اتفاق من دون ضمانات.
وبعد أن ظهر -كعادته- أنه غير راغب بالتطرق إلى المفاوضات في خطاباته الدورية وقد يكون ذلك نابعا من ثقته بوفد بلاده التفاوضي أو حرصا منه علی عدم التدخل في شؤون السلطة التنفيذية، شكّل اصطدام المباحثات بعقبة المطالب الأميركية المتمثلة في "صفر تخصيب" مبررا ليجدد تأكيده ضرورة الاحتفاظ بالمكاسب النووية وعلى رأسها تقنية التخصيب داخل إيران.
???? الرئيس الأميركي دونالد ترامب:
حذرت نتنياهو من أي تحرك ضد إيران وأبلغته أن هذا ليس مناسباً و أبلغت نتنياهو أننا قريبون من التوصل إلى حل بشأن إيران.
نريد الذهاب إلى إيران برفقة مفتشين و إيران تريد إبرام اتفاقية وربما يتم التوصل إلى اتفاق خلال أسابيع قليلة. pic.twitter.com/vN2kZqH6oG
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) May 28, 2025
وفي كلمته بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط المروحية الرئاسية التي أودت بحياة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان العام الماضي، انتقد خامنئي، في 20 من الشهر الجاري، المطالب الأميركية بأن تمتنع طهران عن تخصيب اليورانيوم، معتبرا أنها "مبالغ فيها ووقحة"، مؤكدا أنه على واشنطن التوقف عن طرح مثل هذه المطالب.
إعلانوإذ أبدى المرشد الإيراني شكوكا في أن تؤدي المباحثات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى أي نتيجة، تطفو تصريحاته من جديد مثل "ظل فوق طاولة التفاوض" عبر رسمه خطوطا حمراء تحوّل مبدأ التخصيب إلى رهان لا تنازل عنه، ليعلن إثر ذلك وزير الخارجية عباس عراقجي أن تكرار الحديث عن وقف التخصيب سيؤدي إلى طي ملف المفاوضات.
وبذلك، هاجم خامنئي "وقاحة المطلب الأميركي"، ونوه إلى استقلال طهران في اتخاذ قراراتها وأنها "لا تنتظر إذن أحد"، وأن التخصيب "إستراتيجية وطنية"، فقال إن "قولهم لن نسمح لإيران بالتخصيب هو تمادٍ وقح. لا أحد ينتظر إذن هذا وذاك. إن لدى الجمهورية الإسلامية سياسة واضحة، ولها منهجها".
بين السطوروعند التوقف أمام مواقف خامنئي حيال المفاوضات النووية، يلمس الباحث السياسي مصدق مصدق بور وجود أبعاد غير معلنة لتوجيه رسائل إلى الداخل والخارج، فتارة يطمئن المرشد الأوساط السياسية في طهران وجمهور "محور المقاومة" في منطقة غرب آسيا بأن ما تقوم به حكومة بزشكيان إنما قرار اتخذته المؤسسات السيادية، وأنه يثق بالوفد المفاوض ولا خوف على الإنجازات النووية التي تشكل عامل ردع أمام التهديدات الصهيوأميركية.
وتارة أخرى، يبرر المرشد الإيراني للرأي العام العالمي سبب الخشية الإيرانية من تكرار تجربة عام 2018 حيث انسحب ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وفق مصدق بور الذي يعتقد -في حديث للجزيرة نت- أنه يتعمد تفريغ الضغط الدولي من خلال طمأنته بأن طهران لن تكون أول من يغادر طاولة المفاوضات لكنها لن تفرط بحقوق شعبها، ليكرس مبدأ مفاده بأن التقدم التقني للبرنامج النووي غير قابل للتصفير حتى بموجب اتفاق جديد.
وتابع المتحدث نفسه أنه بينما يسعى خامنئي لإبراز الاستقلال في خطاب المؤسسة الدينية والدبلوماسية الرسمية، يلقي الكرة في ملعب أميركا ليحملها مسؤولية أي فشل محتمل للمفاوضات بسبب مطالبها التعجيزية، بما قد يضمن لطهران شراء الوقت لتفويت فرصة تفعيل آلية الزناد على الجانب الأوروبي، وذلك في ظل استمرار المفاوضات بوساطة عمانية.
إعلانمن ناحيته، يرى الباحث السياسي سعيد شاوردي أن مواقف خامنئي تصدر في سياق معادلة دقيقة توازن بين استخدام المكتسبات النووية كورقة ضغط مقابل رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني كاعتراف من القوى الكبرى عامة والولايات المتحدة على وجه الخصوص التي لطالما عزفت على وتر "خطورة السياسات الإيرانية على الأمن العالمي" وفضح مقامرات "الكيان الصهيوني" الذي يلوح يوميا بعزمه مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
ويتابع شاوردي -في حديثه للجزيرة نت- أن إصرار خامنئي على رفع العقوبات "القابل للتحقق" إلى جانب المحافظة على المكتسبات النووية ليس مجرد مطالب فنية بل إسترتيجية لشرعنة سياسات طهران الخارجية، واختبار لقدرتها على كسر الحصار ودمج البلاد في الاقتصاد العالمي.