نهال علام تكتب: زوجات النبي ( 2 )
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
لماذا تزوج الرسول هذا العدد من النِساء الذي أبيح له دوناً عن كل الرجال؟ وهذا ما أقرته شريعة الرحمن بأن الاكتفاء بواحدة هو مربط الفرس والأصل في الإسلام، أما التعدد دون سبب واضح هو محض ظلم وافتراء، والنص القرآني واضح لن تعدلوا التي تعد بمثابة رادع لأي إفتاء، يستبيح الأمر إلا للضرورة القصوى، وبالالتزام بقسط العدل والرحمة، ودونهما على الرجل الإمساك وعدم السعي للفُرقة.
قبل أن يتم الرسول عامه الخامس والعشرون تزوج من السيدة خديجة وهي ابنة عم جده عبد المطلب، فأباها خويلد وجد الرسول هاشم أبناء عمومة فجدهم هو قصي جد الرسول الأكبر، خديجة التي ردت سادة قريش وأشرافها من الأغنياء، مال قلبها وعقلها إلى زينة الرجال، تزوجها وهو فتى لم يسبق له الزواج وهي لها زيجتين سابقتين جعلوها من أوفر أهل مكة مالاً وثراء، كما أنها تكبره بما يزيد عن الخمس عشرة عاماً.
إلا هنا قد تأخذنا الرواية لتفسير قد تجنح إليه عقولنا المادية إن لم تستكمل البحث عن كل جوانب الحكاية والرؤية النبوية والمشيئة الإلهية، فهذا الشاب مشهود له بالوسامة واللسان الحلو وأصالة النسب، ولكنه يعاني من ضيق ذات اليد، فلقد تربى في بيت عمه أبي طالب بحسب وصية جده عبد المطلب، فرغماً عن فقر أبي طالب وكثرة عدد عياله إلا أنه كان من أنبل وأكرم من عرفت قريش، وبلغ فيها مكانة واجلال لم يبلغه أحد، حتى أخيه العباس الأكبر سناً والأوفر مالاً والأقل عيالاً لم يبلغ تلك المنزلة بسبب حرصه الشديد على المال، لذا قد تذهب بنا الظنون أن الرسول هو من سعى مستغلاً محاسِنه للإيقاع بالسيدة خديجة في حبائل حبه طمعاً في مالها ونسبها.. لكن حاشاه، رغم أنه لو فعل ما كان مخطئ، دامت نيته أن يصون مالها ويحفظ أمانها.
لكن واقع ما حدث أن السيدة خديجة ذابت فيه شوقاً لما سَمعَت عنه من أمانة، لمستها عندما استأجرته ليتولى تجارتها، وأسرت ما في نفسها لأحدى صديقاتها وهي نفيسة بنت منية التي ذهبت لمحمد وسألته لماذا لم تتزوج؟ فأجابها بأنه لا يمتلك ما يلزم ذلك..
فقالت له وإن كُفيت ذلك ودُعيت لذات المال والجمال والشرف! وعرف منها أنها تتحدث عن السيدة خديجة التي مالت نفسه إليها لكن دون القدرة على التفكير أو التلميح بذلك، فأين هو من مالها! وبذلك الإقدام والتصريح من جانب أم المؤمنين تمت الزيجة التي استمرّت لمدة 28 عام.
16 عاماً قبل الرسالة و12 بعدها لم يجمع معها زوجة أخرى ولا اتسع قلبه لغيرها، ولم تبصر عينه إلا طيفها، في زمن كان للرجل ما شاء من عدد لا نهائي من الزوجات والجواري، وبالرغم أن النبي امتلك حُجة قوية وإن لم يكن التعدد في هذا الزمن بحاجة لقرينة، إلا أنه لم يفكر أبداً في التذرع بتلك الحجة الداعمة، فالسيدة خديجة لم يعش لها بنون فالقاسم وعبد الله ماتا وعمرهما شهور معدودة، وانجبت أربع زهرات في زمن كان فيه الوأد من نصيب البنات.
كان حقه أن يبحث عن الولود التي ستنجب له الولد المشهود كما جرت العادة في تلك الحدود، لكنه لم يفعل واكتفى بالسيدة خديجة دون عن نساء الدنيا، وحزن لفراقِها وانفرط بغيابها عُقد سعادته، وإنهار حصنه وفقد حضنه، فلم يكُن إلا فِراقاً استثنائياً فجع قصة حب غير منسية وعِشرة ليست بعادية، فكيف بعد هذا الحُب العظيم والجوي الشديد في قلب رجل قد تجاوز الخمسين، أن يتزوج تسع نساء في سبع سنوات!
بحسب المثل الصيني "الشخص الذي يسأل يبدو أحمق لقليل من الوقت، أما الشخص الذي لا يسأل فيظل أحمق للأبد" لذا فقد قررت أن أسأل حتى لا تلاحقني الحماقة وسوء الظن والأدب لما تبقى لي من العمر.
بعد انقضاء الحِداد على السيدة خديجة، شعر النبي بأهمية أن يكُن له زوجة تتعلم منه وتنقل عنه، وخاصة بعدما شارف العُمر على الانقضاء بحساب متوسط أعمار ذلك الوقت، لذا بحث عن صبية، وما كان أنسب من ذلك إلا عائشة ابنة رفيقه أبي بكر الصديق ولكنها كانت طفلة فطلبها من أبيها، ولم يُعقد الزواج إلا بعد سنوات عندما اشتد عودها وأكتمل تكوينها بحسب مقاييس هذا الزمان.
لكن أولى زيجاته الفعلية بعد وفاة أمّنا السيدة خديجة، كانت السيدة سودة بن زمعة التي توفى عنها زوجها الذي هاجر إلى الحبشة ورافقته في ذلك، وتحملت وعثاء السفر وعناء الأذى على يد الكفار، حتى عادا لمكة وتوفى زوجها، ولم تكن من الجمال ولا المال ولا الجاه لتكون مطمع لمن تملكت الدنيا عليه هواه، ولم يكن هذا الاختيار إلا تكريماً لكل من فقدت زوجها في سبيل الله، وهو ما تكرر مع زينب بنت خُزيمة وأم سلمة.
كلتاهما توفى عنها زوجها، ولم تكنا ذات مال أو جمال أو شباب أو جاه، بل زينب كانت امرأة تخطاها الشباب بخطى واسعة، حتى إنها توفت بعد شهور من زواج النبي بها، وهي الوحيدة بعد خديجة التي سبقت النبي للوفاة بصفة مؤكدة، لأن أقوال الفقهاء اختلفت في تاريخ وفاة السيدة صفية أو ريحانة اليهودية، كانت زينب لا تملك من المناقب إلا كونها طيبة ومحسنة حتى لقبت بأم المساكين من زمن الجاهلية، فأراد الرسول أن يكون لها عوضاً وتكريماً عن فقدان عائلها وزوجها.
أما أم سلمة فكانت ذات عيال كُثر ورفضت عرض رسول الله الكريم لأنها تخطت الشباب وليست من ذوات الجمال، ناهيك عن عدد العيال، ولكن الرسول أصر ليعيل ابنائها ويكون بيت النبوة هو البيت الذي يرعى ويربي ابنائها، وفي اختيار النبي لأمهاتنا الثلاث سودة وأم سلمة وزينب، رحمة مشمولة وجبر خاطر لنساء ترملن في مرحلة من حياتهنّ يعرض عن الزواج منها غالبية الرجال.
إحدى زيجات الرسول كانت ليحفظ حق أصحابه، وماء وجههم فلم يهن عليه حزن عمر بن الخطاب، الذي انتابه أثر استشهاد زوج ابنته خنيس السهمي وهو من أصحاب الهجرتين، حيث كانت ابنته حفصة على اعتاب العشرين حينها، عرض عمر على صديقيه ابي بكر وعثمان الزواج منها ولكنهما رفضا، فشكاهما عُمر لرسول الله، فبشره الرسول بأن حفصة سيتزوجها من هو خير من عثمان، وقد كان فتزوجها النبي، ليمسح الحزن عن قلب خليله، ويمد جسور المصاهرة بالعدل بين وزيريه أبو بكر وعمر، وامتدت جسور المصاهرة وقوة النسب لعلي وعثمان بأن زوجهما بناته.
وكان من فطنة النبي تلك الزيجة المباركة من جويرية، التي اعتقت بسببها رقبة مئة من أهل بيت قوم جويرية إكراماً للنبي عندما تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله عندنا، أطلقوا سراحهم جميع، كما أن بتلك الزيجة أسلم أبوها وأهلها الذين كانوا من أشد أعداء النبي.
فجويرية كانت من سبايا بني المصطلق، لما رأى النبي أن هذه المرأة بنت سيد قومها الحارث الذي جمع الجموع لقتاله، تسترحمه وتستنجد به، للتخلص من الرق والعبودية، حفاظاً على كرامتها، وكرامة أبيها، وقومها، كان لا بدّ أن يستجيب لأمرها، فخيرها إذا كانت ترغب في أن يطلق سراحها أو يطلق سراحها ويتزوجها، فاختارت الزواج منه.
ومن الزيجات التي تستدعي التأمل في العام السادس من الهجرة، زيجته من أم حبيبة ابنة عمه الذي نزلت فيه سورة المسد، وهو أبي لهب المشرك الذي أصر على الكُفر، والذي هرعت ابنته رملة المعروفة بأم حبيبة للدخول في الإسلام وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش ولكنه تنصر بعد ذلك، ففارقته، وعندما علم النبي ذلك ، أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة يطلب الزواج منها، تعويضاً لها عن الضرر الذي أصابها بخروجها من أرضها، واستعداء أهلها وخذلان زوجها.
في العام السابع من الهجرة تزوج الرسول من صفية بنت حيى وكانت يهودية، وكما قيل في الأثر كانت شديدة الغيرة على الرسول وذات مرة تجاوزت وتطاولت في حديثها معه فطلقها، ولكنها ندمت ندماً شديداً فردها، وذلك ليضرب لنا الرسول نموذج حياتي متكامل عن شكل العلاقات الأسرية حتى في لحظات ضعفها وقمة مشكلاتها، وكيفية التعامل معها وأن مراجعة النفس واجبة.
وفي ذات العام تزوج من مارية القبطية التي بعث بها الملك المقوقس كجارية أهدى بها الرسول، عرض عليها الإسلام فأسلمت وانجبت له إبراهيم وقد تجاوز الستين عام، واختارها الله من بين نسائه العشر اللاتي تزوجهن الرسول بعد خديجة لتكون أم ولده الوحيدة، وذلك ما أثار في نفوس أمهات المؤمنين غيرة شديدة، وفي ذلك التشريف الذي خصت به ماريا حكمة وما أعظمها.
وربما كانت رواية زينب بنت جحش هي الأكثر تداولاً لكل من تسول له نفسه التطاول على سيرة الرسول العطرة، فقالوا شغف بها حباً وطلقها من زيد بن حارثة الذي رباه بالتبني وأعتقه بعد أن اشترته خديجة، ولكن حاشاه فزينب لم تكن غريبة عنه، ليراها ففجأة يقع في هواها، فهي من بيت النبوة وابنة عمته أميمة، أحبها زيد حباً جماً وطلبها للزواج لكن أخوها رفض لأنه غير منسب وكان عبد قبل أن يعتقه الرسول ويتبناه، لكن الرسول تدخل وأقنع أخو زينب بأن بيت النبوة هو نهج للسنة الحسنة وقوانين الإنسانية، ونزلت في ذلك آية قرآنية تحث على ذلك، وتمت الزيجة وزينب تشعر بالنفور والجفاء تجاه زيد، فاشتكاها الأخير للنبي الذي قال له امسك عليك زوجك، لكن لم يعد في وسع زيد تحمل المزيد من تعالي زينب فطلقها، وكان قضاء الله نافذاً بأن يتزوجها الرسول من بعده، حتى يكون قانون التبني واضح في الإسلام، كما كان مع قاعدة التآخي التي جمعت بين الرسول وأصحابه وكانت في الجاهلية تمنع الزواج بين من تجمعهم تلك العلاقات.
في العام السابع من الهجرة أُذن للرسول بالحج كما كان اتفاقه مع أهل مكة في صلح الحديبية، وكانت لتلك الحجة أعظم الأثر في نفوس أهل مكة إذ رأوا من المسلمين نظاماً وتألفاً وعزة ورحمة، وإن لم يستطع من مالت نفسه أن يجهر خوفاً من بطش آل قريش وأن يُعرض نفسه وأهله للأذى، إلا تلك المرأة الشجاعة ميمونة بنت الحارث أخت زوجة العباس عم الرسول، وأخت أرملة عمه حمزة، فأسرت لاختها التي طلبت من زوجها العباس أن يعرض الأمر على ابن أخيه، الذي وافق تلبية لرغبتها وتمكيناً لها من إعلان إسلامها، كما رأى أن تلك المصاهرة ستمنحه مزيداً من الوقت في مكة عن المهلة المحددة بثلاث أيام، لذا عندما حان وقت الرحيل عرض على سادة قريش أن يُعرس بينهم ويقيم ولائم الطعام، لكن سادة قريش رفضت لما استشعروه من فيض تأثير محمد في نفوس قومهم فأصروا على رحيله، ولحقت به ميمونة بعد ذلك إلى المدينة، وكانت ميمونة آخر زوجاته وهي التي مرض النبي في بيتها قبل وفاته، وفي ذلك البيت جمع نسائه واستأذنهم أن يمرض في بيت عائشة، وقد كان حتى لقي ربه.
حبيبي يا رسول الله، لا شك أنك منزه عن الهوى وكل ما جئت به من بين يديك ومن خلفك وفوقك وتحتك ما كان إلا وحي يوحى، وما من خطوة إلا بهدف ومبلغها حكمة، ووقعها رحمة وتداعياتها نور، ومبتداها فرح ومنتهاها فرج، فيا أبا القاسم وعبد الله وإبراهيم، أبناء صلبك الذين لم يكتب لهم الحياة لتكون أباً حقاً لكل المسلمين، نسألك شفاعة بحق ما حمل قلبك من رقة ووداعة، فكم كانت الحياة قاسية لم نبلغ فيها فك العُقد ولا حل الكُرَب، وما اتكأنا لتمضي الأيام إلا بالشوق للقاءك، أقرئك السلام يا سيد الأنام وخير الكِرام.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التعدد السيدة خديجة المزيد السیدة خدیجة ما کان فی ذلک
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: من طرف خفي 53
تناولت خلال المقالات السابقة من طرف خفي 49, 50, 52 موضوع تابوت العهد، حيث قدمت خلال تلك المقالات المشار إليها تحليلاً تاريخيًا وسياسيًا حول رمزية التابوت وأهميته في الصراع العربي الإسرائيلي.
أبرز النقاط التي جاءت بهذه المقالات قبل الخوض في عِلاقة الملكة البطلمية كليوباترا السابعة، بتابوت العهد و اليهود:
أولا الرمزية الدينية والسياسية للتابوت:
أشرت خلال المقالات السابقة إلى أن تابوت العهد، وفقًا للتوراة، كان يحتوي على ألواح الشريعة التي تلقاها النبي موسى عليه السلام.
تحدثت عن إصرار الصهاينة على الاستحواذ على التابوت، وأن ذلك جزءًا من مشروعهم للسيطرة على المنطقة.
ثانيا : تحدثت عن الموقع المحتمل للتابوت، و ناقشت النظريات التي تزعم أن التابوت موجودا بسيناء، و استندت إلى الروايات التوراتية التي تشير إلى جبل سيناء كموقع لتلقي الوحي، و أوضحت أن هذه المزاعم تُستخدم لتبرير الأطماع الصهيونية في سيناء.
و حذرت من أن البحث عن تابوت العهد هو ذريعة لتنفيذ مخططات تهدف إلى تهويد مناطق معينة، خاصةً في سيناء.
و اليوم أستكمل حديثي حول أسطورة تابوت العهد و عِلاقة الملكة البطلمية كليوباترا السابعة ابنة بطليموس الثاني عشر الملقب بالزمار.
بالرغم من المزاعم الصهيونية حول عِلاقة كليوباترا السابعة بـ تابوت العهد إلا أن تلك العِلاقة ليست واضحة أو مثبتة تاريخيًا، و لا تستند إلى دليل مادي، لكنها من المواضيع التي أثارت خيال الباحثين والمؤرخين الصهاينة، بسبب الصلات بين مصر القديمة والتقاليد اليهودية.، و من الأسباب التي أستند إليها بني صهيون و باحثيهم قيام الملكة البطلمية باستخدام بعض الرموز الدينية.
و إليكم خلفية سريعه حول شخصية كليوباترا السابعة آخر فرعون من الأسرة البطلمية في مصر (حكمت 51-30 قبل الميلاد)، معروفة بذكائها وتحالفاتها السياسية مع روما (يوليوس قيصر الذي قتل و انطونيوس الذي انتحر قبلها باثنا عشر يوما في الأول من أغسطس عام 30 قبل الميلاد بعد خسارته في معركة أكتيوم البحرية أمام الإمبراطور الروماني اوكتافيوس المعروف بعد ذلك ب أغسطس، و انتحرت بعده كليوباترا بلدغة الكوبرا في 12 أغسطس من نفس العام).
النظريات والافتراضات التي تربط كليوباترا بتابوت العهد تعود لتواجد اليهود خلال حكم البطالمة (منهم كليوباترا)، حيث كان هناك وجود يهودي كبير في مصر خاصة في الإسكندرية منذ ان شيدها الاسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، هذا الوجود قد يجعل من الممكن تداخلات ثقافية أو انتقالات لأشياء مقدسة مثل التابوت، حسب المزاعم و الفرضيات الصهيونية التي تسعي بشتي الطرق ربط مصير التابوت بالأراضي المصرية لهدف معروف.
بعض النظريات غير المثبتة تاريخيا تقترح أن تابوت العهد أو قطعًا منه قد نُقلت إلى مصر خلال الفترات المضطربة في فلسطين، وربما وصلت إلى الإسكندرية أو مكان ما في مصر خلال حكم البطالمة، فضلا عن كليوباترا كانت تستخدم رموزًا دينية مصرية ويونانية لتدعيم حكمها، وقد يكون من المثير للخيال أن تستخدم رموزًا من ديانات أخرى لزيادة شرعيتها، لكن لا يوجد دليل تاريخي يربطها مباشرة بتابوت العهد، سوي في خيال الصهيونية العالمية مستندين على
أفلام درامية أو روائية، لكنها ليست مبنية على مصادر تاريخية موثوقة، مثل
بعض الكتب والأفلام الحديثة، التي أحيانا تُربط كليوباترا بتابوت العهد لأغراض درامية صهيونية.
حتى الآن، لا توجد أدلة تاريخية أو أثرية موثقة تربط كليوباترا السابعة مباشرة بتابوت العهد. العِلاقة بينهما تبقى في نطاق النظريات والأساطير أو التفسيرات الرمزية، وليست جزءًا من التاريخ المؤكد.
و لكن المثبت تاريخيا الوصول والتوطين، بدأت الجاليات اليهودية بالتواجد في مصر منذ العصر الفارسي (حوالي 50 قبل الميلاد) واستمر وجودها في عهد البطالمة (بعد الإسكندر الأكبر 332 ق.م).
كانت حينها الإسكندرية كانت مركزًا رئيسيًا لهم، حيث أنشأ البطالمة المدينة كملتقى ثقافي وتجاري كبير، وكان لليهود مكانة كبيرة بالمدينة، في البداية، تمتع اليهود بحرية دينية ومجتمعية، وكان لهم حاكم ذاتي يعرف بـ"البرثينوبوليس".
مع مرور الوقت، ازدادت التوترات بين اليهود واليونانيين (السكان الرئيسين في الإسكندرية)، بسبب صراعات ثقافية واقتصادية. خاصة بعد انتحار انطونيوس و كليوباترا و دخول اوكتافيوس الإسكندرية و السيطرة على مصر عام 30 قبل الميلاد و منحهم حقوق المواطنة بتأسيس مجلس شيوخ خاص بهم لتعاونهم مع الإمبراطورية الرومانية للاستحواذ على مصر و تحويلها ولاية تابعة للرومان بعد ان كانت مملكة حتى عهد البطالمة، و رفض منح السكندريين نفس الحقوق مما أكسبهم ثقة و تفرغوا لمحاولات التخلص من السكندريين، تلك الفترة التي يروجها اليهود الآن أن تابوت العهد كان بحوزتهم، وأنه دفن أسفل المسرح الروماني بالإسكندرية، في عهد كليوباترا السابعة.
وذلك منافي تماما للحقيقة المثبتة تاريخيا حيث اندلعت في عام 38 ق.م، أعمال عنف بين اليهود والسكان اليونانيين في الإسكندرية، وتعرض السكندريين خلالها للاضطهاد.
كليوباترا تدخلت لمحاولة السيطرة على الوضع، نظرا للظروف الحرجة التي كانت تمر بها المملكة البطلمية الهلينيستية في ذلك الحين من اضطرابات سياسيًة، و تهديدات من روما و حروب أهلية يقف خلفها اليهود. لصالح الإمبراطورية الرومانية لإضعاف الجبهة الداخلية، كما هو الحال في بعض الدول المجاورة الآن.
و لم يكن هناك تحالف رسمي بين كليوباترا واليهود و أدنى عِلاقة لها بإخفاء تابوت العهد لكنها حاولت إدارة الاضطرابات بذكاء، مما ينسف ذلك الادعاء الذي نشر بصحيفة هأارتس في عددها الصادر يوم 12 أغسطس عام 2001 في ذكرى انتحار كليوباترا.
بعض اليهود شاركوا في السياسة المحلية واحتلوا مناصب هامة بالمجتمع السكندري، و دعم بعض اليهود لكليوباترا كان محدودًا وموجهًا أكثر للحفاظ على مصالحهم المحلية.
وبعد هزيمة كليوباترا وأنطونيوس في 30 ق.م، وضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية، تغير وضع اليهود بشكل تدريجي مع حدوث تغييرات في الحقوق و الامتيازات.
و يظل حقيقة وجود تابوت العهد من عدمه محل فرضيات و نظريات لم يثبت صحتها حتى كتابة هذه السطور.