تشكل مراجعة مدونة الأسرة المغربية، التي أُشرف عليها تحت قيادة الملك محمد السادس، خطوة مفصلية في تحقيق التوازن بين الثوابت الشرعية ومتطلبات العصر. 

هذه المراجعة تأتي في سياق وطني ودولي يشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث تتطلب التشريعات الأسرية مراجعات مستمرة تُراعي خصوصيات المجتمع وتستجيب لتحولاته.

وقد كان الالتزام بمبدأ “لن أُحلل حرامًا ولن أُحرم حلالًا” أساسًا اجتهاديًا ومنهجيًا لهذا المشروع الإصلاحي.

ارتكزت المراجعة على مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الحقوق وتحقيق العدل، وتمحورت حول قضايا حيوية مثل الحقوق المالية داخل الأسرة. ومن بين المفاهيم البارزة التي لعبت دورًا في معالجة القضايا، كان مفهوم الكد والسعاية، الذي يمثل أساسًا فقهيًا في المذهب المالكي. لم يُطرح هذا المفهوم كمطلب مستقل، ولكنه استُخدم كأداة تحليلية لمعالجة قضايا متعددة، خصوصًا تلك المتعلقة بالحقوق المالية للزوجين.

من بين أهم القرارات التي اعتمدها المجلس العلمي الأعلى، جاء إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة كخطوة جوهرية لحماية حقوق الأسرة، وخصوصًا الزوجة والأبناء، من التشرد أو الضياع بعد وفاة أحد الزوجين. هذا القرار يعكس تقديرًا عمليًا للدور الذي تلعبه الزوجة في بناء الأسرة واستقرارها. كما أقر المجلس الاعتراف بالعمل المنزلي كمساهمة في تنمية الأموال المشتركة، ليُعطي قيمة قانونية للجهد غير المادي الذي تبذله الزوجة، وهو تطور يعزز العدالة بين الزوجين ويكرس الشراكة الحقيقية في الحياة الزوجية.

قرار آخر هام تمثل في جعل الديون المشتركة بين الزوجين مقدمة على غيرها، حيث يعكس هذا القرار الفهم الاجتهادي لمسؤولية الطرفين في تحمل الأعباء المالية بشكل متساوٍ ومنصف. هذه القرارات، التي استندت إلى مبادئ الكد والسعاية، تُبرز كيف يمكن للفقه الإسلامي أن يواكب التحولات الاجتماعية دون التفريط بثوابته.

على الجانب الآخر، تمسك المجلس العلمي الأعلى بثوابت الشريعة في بعض القضايا الحساسة. رفض المجلس مقترحات مثل استعمال الخبرة الجينية لإثبات النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب في الإرث، والتوارث بين المسلم وغير المسلم. هذه المواقف لم تكن مجرد آراء محلية، بل جاءت متسقة مع ما أقرته المجامع الفقهية الكبرى، ومنها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يولي أهمية كبيرة للنصوص القطعية باعتبارها مرجعية لا تقبل الاجتهاد.

اللافت أن القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة التي يتناولها المغرب اليوم ليست محلية فقط، بل تعكس قضايا متشابهة تواجهها معظم الدول الإسلامية. ما يُقدم عليه المغرب تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين قد يصبح نموذجًا يُستفاد منه في العالم الإسلامي، حيث يمكن لهذا النهج الاجتهادي أن يُلهم دولًا أخرى في تحديث تشريعاتها الأسرية بما يراعي التوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر.

ختامًا، تبرز مراجعة مدونة الأسرة المغربية كمثال على قدرة الشريعة الإسلامية على تقديم حلول مبتكرة لقضايا معقدة، دون المساس بثوابتها. ولكن يبقى السؤال مفتوحًا: كيف يمكن للاستمرار في الاجتهاد الشرعي أن يُلبي احتياجات المجتمعات الإسلامية المتغيرة مع الحفاظ على المرجعيات الشرعية؟ هذه المراجعة تُذكرنا بأهمية الاجتهاد في تحقيق العدل والإنصاف في ظل إطار الشرع الحنيف.

وفي هذا السياق، يُسعدنا التذكير بأننا أصدرنا العام الماضي كتابًا بعنوان “حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة في الإسلام” عن دار نهضة مصر. يقدم هذا الكتاب قراءة معمقة لهذا المفهوم الفقهي، ويُبرز دوره في تعزيز العدالة الاجتماعية، مما يجعله مرجعًا هامًا لفهم الإصلاحات التي يشهدها المغرب اليوم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الشريعة الإسلامية الملك محمد السادس المزيد

إقرأ أيضاً:

إيطاليا تُنقذ 380 مهاجرًا غير شرعي أبحروا من ليبيا

أعلن خفر السواحل الإيطالي إنقاذ نحو 200 مهاجر كانوا علقوا وسط البحر المتوسط على متن قارب صيد بعد رحلة انطلقت من سواحل ليبيا.

ووفقا للمنظمة غير الحكومية “ألارم فون” فإن قوات خفر السواحل نقلت المهاجرين إلى جزيرة صقلية.

وفي عملية أخرى أعلنت المنصة إنقاذ 40 شخصا من قبل خفر السواحل الإيطالي، كانوا انطلقوا من سواحل ليبيا ووجهوا نداءات منذ أمس لنجدتهم بعد نفاد البنزين من محرك القارب الذي يقلهم.

كما تلقت المنصة بلاغا عن وجود قارب يقل 50 مهاجرا غادروا سواحل ليبيا عالق في منصة بترولية وسط البحر المتوسط لم يتسن بعد تحديد مكانها، وآخر يقل أكثر من 25 مهاجرا متجها إلى إسبانيا غادر من سواحل ليبيا.

وفقا للإحصائيات لقي 652 مهاجرا حتفهم أو فقدوا في المتوسط منذ بداية العام وفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.

الوسومليبيا

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يُغادر جدة
  • حكام الإمارات يهنئون ملك الأردن بذكرى عيد الجلوس
  • تخريب بوابة أمنية بالمحمدية.. توقيف مهاجر غير شرعي في حالة تخدير
  • مي سليم.. بطولة نسائية في «روج أسود»
  • إيطاليا تُنقذ 380 مهاجرًا غير شرعي أبحروا من ليبيا
  • وزير “الشؤون الإسلامية” يستقبل رئيس المجلس الإسلامي في ملاوي
  • محمد دياب يكتب: ولا يوم الطين؟
  • الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد محمد عريج
  • الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ أحمد محمد عريج
  • “الشؤون الإسلامية” تُنظّم محاضرتين توعويتين في مسجد الخيف