الجزيرة:
2025-06-12@23:55:34 GMT

الدولة العميقة في سوريا.. حقيقة أم مبالغة؟

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

الدولة العميقة في سوريا.. حقيقة أم مبالغة؟

في مقابلة مع The Hill أُجريت عام 2017 قبل عدة أسابيع من تنصيب ترامب، وصف زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ـ آنذاك ـ تشاك شومر ترامب بأنه "غبيٌ حقًا" لانتقاده المتكرر لوكالة المخابرات المركزية، قائلًا: "اسمح لي أن أخبرك، عندما تهاجم مجتمع الاستخبارات، لديهم ست طرق للانتقام منك". واعتبر العديد من المعلقين، وكذلك اتحاد الحريات المدنية الأميركية هذا البيان دليلًا على وجود ما يسمّى بـ"دولة عميقة".

ويعتقد على نطاق واسع، أن مصطلح "الدولة العميقة"، صاغته تجربة الصراعات السياسية على السلطة بتركيا، في تسعينيات القرن العشرين، ولكن بدأ استخدامه للإشارة إلى "الحكومة الموازية" في الخبرة الأميركية، بما في ذلك أثناء تجربة أوباما.

بيد أن تقارير صحفية أميركية تواترت على أنّ لهذا المصطلح سوابق تعود إلى خمسينيات القرن العشرين على الأقل، بما في ذلك مفهوم المجمع الصناعي العسكري الذي يفترض وجود عصابة من الجنرالات ومقاولي الدفاع الذين ينتفخون ثراءً من خلال دفع البلاد إلى حروب لا نهاية لها.

وتشير استطلاعات الرأي التي أجرتها أيه بي سي نيوز عام 2017، وشبكة سي إن إن عام 2018 إلى أن ما يقرب من نصف الأميركيين يؤمنون بوجود دولة عميقة في الولايات المتحدة.

إعلان

ووَفقًا لنظرية المؤامرة السياسية الأميركية، فإن الدولة العميقة هي شبكة سرية من أعضاء الحكومة الفدرالية (خاصة داخل مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية)، يعملون بالاشتراك مع كيانات وزعماء ماليين وصناعيين رفيعي المستوى، لممارسة السلطة جنبًا إلى جنب مع أو داخل حكومة الولايات المتحدة المنتخبة، وذلك بحسب إفادة الصحفي الأميركي أوسنوس إيفان في النيويوركر.

ويصف الناشط الأميركي في مجال حقوق الإنسان جون إيبنر الدولة العميقة بأنها " عالم سفلي غامض حيث تعمل عناصر قوية داخل الدولة، وخاصة الأجهزة العسكرية والأمنية، بالاشتراك مع جماعات متطرفة عنيفة.. فضلًا عن العالم السفلي الإجرامي غير السياسي، للقيام بعمليات خاصة غير قانونية لصالح النخبة الحاكمة في البلاد.

وفي منطقة الشرق الأوسط، ولعقود من الزمن، كان مصطلح "الدولة العميقة" يُطلق على تركيا على وجه التحديد، وكان ذلك إشارة إلى الجيش التركي وجهوده لإبطاء انتشار الديمقراطية هناك، كما استخدم لاحقًا في دول الربيع العربي، إذ يُعتقد أن تحالف القوى الأمنية والمؤسسات الخشنة، استعاد السلطة، بعد أن كادت أقرب ما تكون إلى يد المناضلين السياسيين من أجل الديمقراطية.

في السياق، فإن ثمة مخاوف مشروعة تستدعي، تجارب دول الربيع، كلما تطرق الحديث إلى سوريا بعد هروب الأسد، وما إذا كان "العالم السفلي/الدولة العميقة" التي ظلت العائلة الحاكمة، تؤسس لها وتتضخم مثل الورم في كل مفاصل الدولة الأسدية لما يزيد على خمسة عقود ـ وهي مدة "مخيفة" ـ قد تنتهي بمقاربة تستبعد الاستسلام السهل للواقع السوري الجديد.

عندما نقول إن التجربة السورية تختلف، فإن ذلك ليس من قبيل الادعاء الذي يتكئ إلى العواطف وليس إلى الحقائق على الأرض: فلا توجد بين الدول العربية التي انتصرت فيها ما تسمى بـ"الثورات المضادة"، أية تجربة تعدل الخبرة السورية وعمرها النضالي، ففي الأولى لم يتجاوز عمر الانتفاضات بضعة أيام، وفي الثانية "سوريا" تجاوز اثني عشر عامًا أو يزيد، والفارق في الفواتير المسددة عنفًا ودمًا وخبرة، يضع الأخيرة "السورية" في منزلة أعلى من مراتب "الحكمة" من فنون إدارة التناقضات، وإعادة ترتيب ما تخلفه الفوضى المتوقعة من أزمات.

إعلان

لم يكن مفاجئًا، الانهيار السريع لكل مكونات الدولة العميقة المفترضة في سوريا ـ الجيش والأجهزة الأمنية ـ خلال عشرة أيام فقط، فكل تلك العناصر من مؤسسات خشنة، بكل تاريخها من الوحشية والتفسخ وغياب الانضباط، كانت منهكة وفاسدة، وتحولت إلى قوة كسولة واتكالية، تعتمد على البديل الأجنبي: روسيا وإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية التي تدفقت إلى سوريا.

ومع الوقت وبالتراكم باتت محض هياكل شكلية خالية من أي معنى رسالي من معاني الدولة. وليس بوسعها بعد انهيار المؤسسات وتبخرها في ساعات، أن تنتظم كقوة خفية موازية تشاغب السلطة الجديدة المنتصرة في دمشق.

في المقابل، فإنه منذ التجميد النسبي للقتال النشط في عام 2020، كان لدى هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري ـ المرتبط بالحكومة السورية المؤقتة وتركيا ـ والقوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا الوقت الكافي للتعلم وتعزيز صفوفهم.

لقد أمضوا السنوات القليلة الماضية في تدريب وإعداد قواتهم المسلحة، كما طوروا أنظمة حكم معقدة قادرة على تلبية احتياجات الملايين من الناس.

وفي مختلف أنحاء شمال سوريا، أقامت هذه الجماعات المعارضة وأجنحتها السياسية دولة في انتظارها، تضم وزارات للاقتصاد والتجارة والتعليم والشؤون الإنسانية، كما أنشأت الجماعات أنظمة تسجيل مدنية وأراضٍ خاصة بها، وهو الأمر الذي يعتبر عادة من اختصاص الدول المعترف بها فقط.

كان يوجد بحوزة قوى الثورة ـ إذن ـ مشروع دولة جاهز، لملء الفراغ المتوقع في المدن التي حُررت تباعًا، فإذا كانت الحاضنة الأمنية والعسكرية الوحشية للأسد قد انهارت بشكل مذل وفاضح ومخزٍ، فإن "سوريا ـ الدولة" لم تسقط لوجود بديل مكتمل وناضج تقريبًا، بكل حمولته الأخلاقية والإنسانية "الحانية"، كما يبدو لنا حتى الآن على الأقل.

كما أن وجود "إسناد إقليمي" له وزنه وهيبته ـ مثل تركيا ـ للنسخة السورية الجديدة، لا يمكن حذفه من أي تنظير يستشرف مستقبل أي وجود محتمل لـ "الدولة العميقة". فتركيا ـ القوة الإقليمية العظمى في المنطقة ـ يقتضي أمنها القومي إنهاء حكم عائلة الأسد بكل تجلياته اللاحقة على انهياره، بشكل لا يقبل الترميم أو إعادة التدوير والتجميل أو العمل من خلال عُلب الليل السرية.

إعلان

الدولة العميقة، لها شروطها ـ أن تظل المؤسسات القديمة بكل حمولتها من شبكات الفساد قائمة ـ والثورة السورية، تُعيد هندسة المشهد على نظافة ـ كما يقولون ـ وعلى النحو الذي يضيق المساحات على "الفلول" المشغولة الآن بالبحث عن الخروج الآمن من التصفية، أو الملاحقات القضائية المتوقعة: العفو أو العقاب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدولة العمیقة

إقرأ أيضاً:

مراسل الجزيرة: هكذا تستعد إيران عسكريا وسياسيا مع التطورات المتصاعدة

قال مراسل الجزيرة في طهران، نور الدين الدغير إن إيران تتحرك حاليا على المستويين العسكري والسياسي، في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية لها، والهادفة إلى دفعها إلى تقديم تنازلات في جولة المحادثات المقبلة بينها وبين واشنطن أو مواجهة الخيار العسكري.

وبشأن ردة فعل طهران على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الخميس، الذي اتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية، أشار الدغير، إلى أن إيران تتوقع هذا القرار وعلمت بذلك من خلال وثيقة قدمتها المجموعة الأوروبية.

ويسعى الجانب الأوروبي -وفق مراسل الجزيرة- إلى الضغط على طهران لفتح المجال أمام الوكالة الطاقة الذرية بشكل كبير لزيارة المنشآت النووية الإيرانية، وإلا فإن الخيار الثاني هو العودة إلى مجلس الأمن الدولي ومحاولة فرض عقوبات على إيران.

وفي المقابل، يسعى الجانب الإيراني لرفع وتيرة التخصيب، حتى يضع هذه النقطة على طاولة المباحثات مع المفاوضات وربما للحصول على امتيازات مهمة وأساسية، حسب الدغير الذي أشار إلى أن إيران تتحرك سياسيا ودبلوماسيا في ظل الأجواء الراهنة.

وفي البعد العسكري، تدرك إيران أن هناك تهديدات قادمة من إسرائيل ومن الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك لا تريد أن تترك المجال فارغا، وكشف مراسل الجزيرة أن الجهات العسكرية الإيرانية بدأت تتحرك سواء بتحريك أجهزة الدفاعات الجوية وبتحليق الطائرات المطاردة لاستقصاء الأوضاع الجوية في طهران ومنع أي توغل، بالإضافة إلى تحريك منظومات الصواريخ، و"هو ما تم اليوم فعلا عبر هيئة الأركان".

إعلان

كما أعلنت طهران عن القيام بمجموعة من المناورات العسكرية، ما يعني -وفق الدغير- تحريك جميع الفروع العسكرية الإيرانية التابعة لـ الحرس الثوري الإيراني وتحريك المنظومة الصاروخية التي تقع تحت إدارة الحرس، بالإضافة إلى تحريك القوات التابعة للجيش الإيراني والقوات الجوية التي تقع تحت قيادته، وكذلك تحريك الدفاعات المدنية التابعة للحرس الثوري أو للجيش الإيراني.

دوافع

وحول دواع هذا التحرك السياسي والعسكري، يشير الدغير إلى قراءة داخل إيران تقول إن اللاعب الأكبر في ما سماها اللعبة التي تحدث على قاعدة البرنامج النووي الإيراني هي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي -كما تفيد معلومات لدى الإيرانيين- أنها تحارب بسيفين، السيف الأوروبي من خلال محاولة فرض العقوبات على طهران وجرها إلى مجلس الأمن الدولي.

وتحارب إدارة ترامب أيضا بسيف الحرب عن طريق إسرائيل، ويقول الدغير إن الهدف من هذه السياسية التي يتبعها ترامب، هو تحصيل مكاسب في الجولة المقبلة من المحادثات بين طهران وبين واشنطن، ودفع طهران لتقديم تنازلات جوهرية، في مسألة تخصيب اليورانيوم، مؤكدا أن كل هذه التطورات تجعل الجلسة المقبلة مفصلية.

وتظل قضية تخصيب اليورانيوم نقطة خلاف في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في وقت سابق عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس ترامب اقترحت ترتيبا يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة.

غير أن المرشد الإيراني علي خامنئي شدد في خطاب بداية الشهر الجاري على أن "تخصيب اليورانيوم يظل أمرا أساسيا في البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية".

وكان وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي أعلن -اليوم الخميس- أن الجولة السادسة من المحادثات الإيرانية الأميركية ستجري الأحد في مسقط.

إعلان

مقالات مشابهة

  • والي الجزيرة يعزي في الشهيد صديق الشريف
  • مراسل الجزيرة: هكذا تستعد إيران عسكريا وسياسيا مع التطورات المتصاعدة
  • الحريات في سوريا اليوم و الالتزامات الدينية و الأخلاقية
  • بعثة الحج السورية 1446هـ.. إنجاز تنظيمي واستعادة لمكانة سوريا في محيطها العربي والإسلامي
  • الجزيرة نت تكشف الملفات الجنائية لـعصابة أبو شباب في غزة
  • وزير الإعلام: مسارا العدالة الانتقالية والاستقرار والسلم الأهلي متوازيان والدولة السورية جازمة في ذلك
  • عاجل| الجزيرة تحصل على مسودة مشروع قرار غربي يدين عدم امتثال إيران للاتفاق النووي
  • نور الدين البابا: بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجل النصر وتحرير سوريا
  • صوفان: من ضمن الصلاحيات التي طلبناها من رئيس الجمهورية إمكانية القيام بإجراءات، منها إطلاق سراح الموقوفين الذين لم تثبت إدانتهم إضافة إلى أمور تفاعلية مع مؤسسات الدولة
  • عاجل | مراسل الجزيرة: بدء دخول قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة إلى الجانب الليبي من الحدود مع تونس