نيويورك تايمز تكشف بالأدلة جرائم حرب ترتكبها قوات الدعم السريع
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
واشنطن– نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أدلة مدعومة بمقاطع فيديو، جمعها فريق التحقيقات المرئية التابع لها، توثق فظائع قالت إن قوات الدعم السريع ارتكبتها في السودان خلال عام ونيف منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان 2023.
وتكشف الأدلة المرئية التي جمعتها الصحيفة الأميركية وحللتها على مدى أشهر، هويات قادة قوات الدعم السريع الذين كان جنودهم يرتكبون "فظائع" تحت أنظارهم في جميع أنحاء السودان.
وقالت إن هذا التحقيق الاستقصائي الموثق بلقطات مصورة، أتاح لها تحديد 10 من قادة قوات الدعم السريع أثناء إشرافهم على جرائم حرب محتملة وتحديد مواقع العديد من مسارح عملياتهم الأخرى، منوهة إلى أن قائدهم الأعلى الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، هو الذي قد يتحمل المسؤولية الكاملة.
وأضافت أن السودان ينوء تحت وطأة حرب أهلية وحشية يتنازع طرفاها السيطرة على البلاد، حيث طُرد 11 مليون شخص من ديارهم، وقُتل عشرات الآلاف.
ومع أن الأمم المتحدة اتهمت الجانبين بارتكاب انتهاكات، فإن التحقيق الاستقصائي الذي أجرته نيويورك تايمز على مدى 6 أشهر، أظهر أن قوات الدعم السريع ترتكب "فظائع ممنهجة في كل ربوع السودان، بما في ذلك التطهير العرقي الذي تنفذه في الغالب تحت أنظار قادتها".
إعلانومن خلال تحليل العشرات من مقاطع الفيديو الدعائية المعدّة بمهارة والتي تروِّج لقادة المليشيا شبه العسكرية بأنهم أناس محبون لعمل الخير، قام فريق التحقيقات المرئية بالصحيفة بتحديد هيكلية القيادة التي تضم ما لا يقل عن 20 شخصية رئيسية والمناطق التي يعملون فيها.
ووفقا للتحقيق الاستقصائي، فإن مقاتلي قوات الدعم السريع، الذين يخضعون لإمرة هؤلاء القادة، غالبا ما يصورون الفظائع التي يرتكبونها بأنفسهم، وهي أدلة قد تُعرِّض الجناة للمحاسبة يوما ما.
ولهذا السبب، تقول الصحيفة إنها تعاونت مع باحثين في مشروع "سودان ويتنس" (Sudan Witness Project) -الذي يديره "مركز مرونة المعلومات"، وهو منظمة غير ربحية مقرها المملكة المتحدة- لجمع مقاطع الفيديو هذه أثناء تحرك قوات الدعم السريع عبر السودان.
كما قامت بتحليل دوي الطلقات النارية والصور التي التقطتها الأقمار الصناعية، وأجرى فريق التحقيقات المرئية مقابلة مع أحد قادة الدعم السريع في جبهة القتال.
وتحدثت نيويورك تايمز أيضا إلى شهود عيان على الحرب من خلال الشراكة مع "شبكة عاين"، وهي مجموعة من المراسلين الذين يعملون في السودان دون الكشف عن هوياتهم.
وبجمع كل تلك الأدلة، استطاع فريق الصحيفة الأميركية أن يتتبع الخطط التي تنتهجها قوات الدعم السريع في تنفيذ عملياتها "الإرهابية" في العديد من الولايات، وتحديد أماكن وجود قادتها في مواقع ارتكابها جرائمها أو بالقرب منها.
وأشارت الصحيفة إلى أنها وثقت 3 أنماط عامة من الانتهاكات، مثل إعدام الأسرى العزل، وإحراق المجتمعات المحلية عمدا، والاعتداء المباشر على المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي.
ولاحظت أن مقاتلي الدعم السريع يمكن التعرف عليهم من خلال زيهم الرسمي الذي يتميز بتمويه خفيف، وعمائمهم المعروفة باسم الكدمول، مشيرة إلى أن فريقها من الصحفيين الاستقصائيين كثيرا ما كانوا يسمعونهم وهم يستخدمون لغة "تطهير عرقي".
إعلانورغم أن الجيش السوداني متهم هو الآخر بارتكاب جرائم حرب، فإن نيويورك تايمز تقول إن التحقيق الذي أجراه فريقها وثق انتهاكات ارتكبتها قوات الدعم السريع على نطاق واسع قد ترقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
وأفادت أن أحد قادة المليشيا شبه العسكرية، الذي وُجد في مسارح العديد من الفظائع، يُدعى حسين برشم وهو عادة ما يدير المعارك في ولاية كردفان الكبرى. وقالت إنه شوهد في أكتوبر/تشرين الأول، عندما استولت قوات الدعم السريع على مطار منطقة بليلة وحقل نفط رئيسي قريب منه، على بعد 55 كيلومترا جنوب غربي مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان.
وهناك كان برشم يحتفل بالنصر أمام مبنى المطار، لكن الفيديو الذي تم تصويره على الجانب الآخر يظهر جنوده وهم يعدمون مجموعة من الأسرى، حتى إن أحد مسلحيهم كان يطلق النار على أكوام من الجثث على الأرض. وكان بقية المقاتلين يتحلقون حولها وهم يصفقون لقتلهم 14 شخصا، كان العديد منهم يرتدي الزي العسكري للجيش السوداني.
وتفيد الصحيفة أن إعدام هؤلاء الأسرى العزل الذين كانوا يدافعون عن المطار، يعد جريمة حرب، مضيفة أن صورة التقطت بالأقمار الصناعية في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تظهر موقع الإعدام حيث كان برشم يقف على بعد 100 ياردة فقط، وهو من سيتحمل -"بموجب قوانين الحرب"- المسؤولية إذا كان هو من أمر بتنفيذ هذه "الجريمة".
وبعد 8 أشهر من تلك العملية، شاهد فريق التحقيق برشم أثناء تنفيذ عملية إعدام أخرى وهو يقف بجانب 3 آخرين من قادة الدعم السريع، هم صالح الفوتي والتاج التجاني وقائد ميداني اسمه الحركي جون قرنق.
وفي الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، شاهد فريق نيويورك تايمز، في 20 يونيو/حزيران الماضي، أرتالا من مقاتلي الدعم السريع يدخلون المدينة، وينتشرون في شوارعها وهم يهتفون ويتباهون بقتلهم الرجال، ويهددون آخرين وقعوا في أسرهم.
إعلانكان المئات من الجنود السودانيين المدافعين عن الفولة قد فروا جنوبا في وقت سابق من ذلك اليوم، واجتاحت جحافل الدعم السريع المدينة بسهولة. وهناك كان برشم واقفا بينهم بمعية التاج التجاني. وفي مكان قريب، تجمع مقاتلون حول صالح الفوتي. وأثناء الهجوم، طوّقت قوات الدعم السريع 20 رجلا واقتادتهم إلى خارج المدينة.
تدمير مجتمعات كاملة
ومن أشهر وقائع الحرب، حسب وصف الصحيفة، إعدام والي غرب دارفور آنذاك، خميس أبكر، على يد قوات الدعم السريع التي كانت قد ألقت عليه القبض في يونيو/حزيران 2023. وأظهر مقطع فيديو تم تصويره بعد ساعات من ذلك، جثته وهي غارقة في دمائه، وذلك بعد أن أجبره قائد يُدعى عبد الرحمن جمعة بارك الله على الدخول إلى أحد المباني.
ولم تسلم مدينة كُتُم في شمال دارفور من بطش قوات الدعم السريع، التي دمّرت مجتمعات كاملة هناك منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي "التكمة" القريبة من مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، ضبط فريق التحقيقات المرئية مقاتلين من الدعم السريع متلبسين بإضرام النيران في المنازل والمحلات التجارية، ودمروا نصف مباني القرية.
وفي قرية السدرة بولاية شمال كردفان، شوهد أحد قادة المليشيا وهو يشرف على حرقها وبجواره قائد ميدني يُدعى "قُجّة" يتفاخر والنيران تأكل مزيدا من الأكواخ.
وأوضحت نيويورك تايمز أن قجة ليس القائد الوحيد المتورط في تكتيكات الأرض المحروقة، لافتة إلى أن فريقها من الصحفيين الاستقصائيين اكتشفوا وجود 4 من القادة الآخرين وهم يوجهون قواتهم خلال هجوم مميت دام شهرا.
وكشفت أن أولئك القادة هم: النور القبة وجدو حمدان أبو شوك، وكلاهما من كبار القادة، وعلي رزق الله والزير سالم، وكلاهما من القادة الميدانيين الأقل رتبة، وجميعهم أشرفوا طيلة أسابيع، على حملة "وحشية" للاستيلاء على عاصمة الولاية، الفاشر، من الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه.
إعلانوقد حاصر مقاتلو الدعم السريع المدينة، وأحرقوا عشرات القرى النائية في هجمات استهدفت قبيلة الزغاوة.
وفي منطقة طويلة بولاية شمال دارفور غربي السودان، أرغم الحصار الخانق امرأة حبلى في شهورها الأخيرة -قالت نيويورك تايمز إن اسمها إخلاص آدم علي الحاج- على الفرار حيث وصلت إلى قرية قريبة من سد "قولو" حيث شوهد قائد منطقة شمال دارفور من المليشيا، علي رزق الله، يخبر المارة بعدم المغادرة، وأنهم في أمان. ورغم أن السد هو المصدر الرئيس لتزويد المنطقة بالمياه، فإن رزق الله أمر بإغلاقه.
وأوردت الصحيفة أن قائدا ميدانيا من قوات الدعم السريع في الفاشر أخبرها بأن أولئك القادة الكبار هم المسؤولون عما حدث هناك، وليس أدل على ذلك من وجودهم معا أثناء حرق القرية كلها.
الأرض المحروقةويظهر أحد الفيديوهات الزير سالم يؤذن داخل مسجد في شرق الفاشر في اليوم الأول من يونيو/حزيران. وفي اليوم التالي، كان هو بصحبة اثنين من قادته، هما القبة وأبو شوك، على بعد ألف قدم من المسجد بينما كان المقاتلون يحتشدون، قبل إحراق عدد من مباني المنطقة.
ومع أن قائد قوات الدعم السريع نفى مسؤوليته عن تلك الحرائق، وألقى باللوم على الجيش السوداني، فإن نيويورك تايمز قالت إنها بعد تحليل المقاطع وجدت أن هناك بعض المؤشرات تدل على أن تلك العمليات تتوافق مع تكتيكات الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الدعم السريع.
ونقلت عن باحثين من مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل أن هذا دليل على هجوم بري مستهدف. وبحلول شهر أغسطس/آب، كان أكثر من 20 ألف مبنى قد تضرر أو دُمر أو أتت عليه النيران. ويتركز الدمار بشكل كبير في الجزء الشرقي من مدينة الفاشر، "وهي المنطقة التي تتقدم فيها قوات الدعم السريع".
وترى الصحيفة الأميركية أن وجود القادة الكبار، من أمثال القبة وأبو شوك -وهو أحد أقارب حميدتي- يدل على مدى أهمية المدينة بالنسبة لقوات الدعم السريع، ويربطهم عن غير علم بهذه الفظائع.
إعلانوتُظهر فيديوهات "لا حصر لها" مقاتلين من قوات الدعم السريع وهم "يجلدون الناس، وينكلون بهم، وأحيانا يطلقون النار عليهم".
ولم تقتصر الأدلة التي جمعها فريق الصحيفة للتحقيقات المرئية على إقليمي دارفور وكردفان وحدهما، بل شمل أيضا عمليات العنف التي تعرضت لها ولاية الجزيرة بوسط البلاد.
وجاء في التحقيق الصحفي أن قوات الدعم السريع ظلت تهاجم المدنيين في الجزيرة بعد انشقاق أبو عاقلة كيكل الذي كان قائدا ضمن تلك المليشيا. وفي موجة انتقامها منه، استهدفت القبيلة التي ينتمي إليها.
ومن بين المناطق التي كانت هدفا لقوات الدعم السريع التي أعملت في سكانها قتلا وتشريدا، قرية السريحة والبلدات والقرى في جميع أنحاء شرق الجزيرة.
وفي كل تلك المناطق، تُقدم قوات الدعم السريع على اعتقال الرجال أو تجبرهم على الهرب تحت تهديد السلاح.
وذكرت الصحيفة أن شهود العيان الذين تحدثت إليهم كانوا يشعرون بالرعب. وقال أحدهم يدعى عمار العوض علم، إنهم سرقوا قطيع أغنامه.
عنف جنسيومضت نيويورك تايمز إلى القول إن الأدلة التي جمعتها عن هجمات المليشيا على مناطق ولاية الجزيرة، تتطابق مع روايات متعددة عن نوع آخر من الانتهاكات، وهو العنف الجنسي، ناقلة شهادات أدلت بها ناجيات لخبراء أجرت معهن الصحيفة مقابلات، من بينهن هالة الكارب، رئيسة جمعية "صحة" السودانية للدفاع عن النساء.
كما تلقى فريق الكارب شهادات عن حالات اغتصاب حدثت في عدة بلدات في الجزيرة، خاصة في المنطقة التي ينتمي إليها كيكل، وهي تمبول ورفاعة والأزرق من بين البلدات التي يتباهى مقاتلو الدعم السريع بتدميرها.
لكن الصحيفة تشير أيضا إلى أن شهود العيان نادرا ما يتحدثون بشكل مباشر عن العنف الجنسي، خوفا على الضحايا.
ولفتت إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، والأمم المتحدة، وجماعات أخرى وثقت حالات عنف جنسي في 5 ولايات على الأقل في السودان منذ اندلاع الحرب.
إعلانورغم ذلك، فإن نيويورك تايمز تؤكد أنه على الرغم من مرور عقود على الإبادة الجماعية في إقليم دارفور، فإن شخصا واحدا فقط -تقصد علي كوشيب- هو الذي يمثل الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لكن هناك احتمالا أقوى الآن -برأيها- للمساءلة، "فأشرطة الفيديو التي يعتبرها المقاتلون بمثابة تذكارات لانتصاراتهم، سيستخدمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية دليلا ضدهم".
وهذا ما يجعل الصحيفة الأميركية تشدد على أنه بالإمكان تجميع أنواع مختلفة من الأدلة المتوفرة الآن -من الهواتف والتسجيلات المصورة والصوتية- التي ثبت أنها بالغة الأهمية في الحيلولة دون الإفلات من العقاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الصحیفة الأمیرکیة قوات الدعم السریع الجیش السودانی نیویورک تایمز فریق التحقیق العدید من إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،، الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،،
الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية..
مخاوف تنتاب ذويهم جراء الظروف القاسية التي تواجه الأسرى..
ضغوط محلية وإقليمية عبر مذكرتين للبرهان ومُفوَّض الاتحاد الأفريقي..
مطالب بتسليم الملف لرئيس الوزراء ليكون أحد مفاتيح الحل السياسي..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
بعد مرور أكثر من شهرين على تحرير العاصمة الخرطوم وإعلانها خالية من ميليشيا الدعم السريع، بدأت جيوش القلق تجتاح نفوس الأسر والعائلات الذين كان أبناؤهم محتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع لفترات متفاوتة في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم وضواحيها، وتزداد مخاوف هذه العائلات عن مصير أبنائهم في ظل الحديث المتواتر عن ترحيلهم القسري إلى مدينة نيالا، حيث اتخذتهم ميليشيا آل دقلو دروعاً بشرية لتفادي خطر القصف الجوي من سلاح الطيران أثناء مغادرتهم العاصمة في اتجاه الغرب، وبعد مرور أكثر من شهرين على ترحيلهم، تتفاقم مأساة هؤلاء الأسرى، وتخبو جذوة الأمل في نفوس عائلاتهم الذين لم يعودوا يطلبون إلا خيط، أو معلومة تطمئنهم على حياة أبنائهم.
ظروف إنسانية قاسية:
وكان الأسرى الذين تم العثور عليهم في مناطق صالحة وجبل أولياء عقب تحرير العاصمة الخرطوم، قد عانوا من ظروف قاسية ومخالفة لأدنى معايير المعاملة الإنسانية وفقاً لشهادات عدد من الأسرى الذين تم تحريرهم، حيث أكدوا أنهم قاسوا أوضاعاً مأساوية، افتقروا خلالها لأبسط مقومات الحياة، ما أدى إلى وفاة عدد منهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الصحية، ومن خرج منهم كان “عبارة عن هياكل عظمية”، نتيجة الجوع والعطش، وانعدام النوم، والتعرض المستمر للتعذيب النفسي، وسط تجاهل كامل لمتطلباتهم الإنسانية، وقد ظلت هذه الصور الإنسانية عالقة في النفوس، وهو ما يزيد طين القلق بلة لدى أسر وعائلات الأسرى الذين تم ترحيلهم إلى مدينة نيالا، خاصة وأن مصادر أكدت أن عملية الترحيل تمت عبر طرق برية وعرة، قطع خلالها الأسرى مئات الكيلومترات وهم في حالة صحية ونفسية بالغة التدهور دون الحصول على الغذاء الكافي أو الرعاية الطبية، الأمر الذي يجدد القلق والمخاوف من تفاقم أوضاعهم الصحية، خاصة في ظل تفشي الأمراض ونقص الدواء في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع.
مطالبة البرهان بالتدخل:
وفي الثالث والعشرين من يوليو الجاري وفي خطوة عكست حالة القلق الدائم والترقّب المؤلم والمخاوف التي تسللت إلى أفئدتهم وقلوبهم، وجهت أسر وعائلات الأسرى، نداءً إنسانياً مؤثراً إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالبوا في مذكرة لهم الرئيس البرهان بالتدخل العاجل للكشف عن مصير أبنائهم الذين انقطع الاتصال بهم منذ اندلاع الحرب، مشددين على ضرورة أن تتحرك الحكومة وأجهزتها المختصة بشكل فوري للكشف عن مصير أبنائهم المختفين منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تعرضهم لانتهاكات جسيمة قد تصل حد الإخفاء القسري أو التعذيب الممنهج، وأعربت أسر وعائلات المحتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع عن قلقها البالغ على سلامة أبنائهم في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، مناشدين كل من له تواصل أو اتصال أو تأثير على هذه القوات أن يُسارع بنقل صوتهم إليها، وأن يعمل على طمأنتهم عن ذويـهم من هؤلاء الأسرى، ويمكِّن الجهات المختصة من الوصول إليهم والاطمئنان على سلامتهم، مؤكدين أن قضية الأسرى من النظاميين والمدنيين قضية إنسانية بحتة، ولا ينبغي أن تكون رهينة للتجاذبات أو الصراعات.
مذكرة للاتحاد الأفريقي:
ولم يمضِ أسبوع على النداء الذي وجهه أسر وعائلات المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى الفريق عبد الفتاح البرهان، حتى عادت ذات الأسر والعائلات إلى مطالبة الاتحاد الأفريقي لتبني مبادرة إنسانية ترمي إلى إبرام صفقة تبادل بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ودعوا في مذكرة قدمت إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السفير محمود علي يوسف، التكتل القاري إلى الاضطلاع بدور قيادي في تسهيل مبادرة محايدة وخاضعة للرقابة الدولية لتبادل الأسرى بين أطراف النزاع في السودان، منوهين إلى القلق الذي ينتاب هذه الأسر والعائلات على سلامة أبنائها المحتجزين في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، داعين الاتحاد الأفريقي إلى الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة من المحتجزين، وخاصة الأطفال والنساء وذوي الإعاقة، بما يتماشى مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومعايير القانون الدولي الإنساني.
دور حكومة الأمل:
ويطالب مراقبون بضرورة الدفع بملف الأسرى المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية انتشال البلاد من هذا النفق المظلم، وقالوا إن إدريس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعطاء هذا الملف أولوية قصوى، ذلك أن ملف الأسرى ليس فقط قضية إنسانية وأخلاقية، بل أحد مفاتيح الحل السياسي وبوابة لبناء الثقة بين أطراف النزاع، الأمر الذي يتوجب على حكومة الأمل المدنية أن تضغط عبر الوسائل الدبلوماسية والمنصات الإقليمية والدولية لكشف مصير الأسرى وتأمين إطلاق سراحهم وفقاً لمواثيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، مشددين على ضرورة أن تتحمل المنظمات الإنسانية والحقوقية، سواء المحلية أو الدولية، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية في هذا الملف، وإعمال ضغوط مستمرة على ميليشيا الدعم السريع للسماح بزيارة الأسرى، وضمان معاملتهم معاملة إنسانية، وفق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى النداءات الإنسانية المتكررة من قبل الأسر والعائلات، ضرورة مرحلية ملحة لما تُحدثه من تأثير سياسي وأمني كبير، فهي تعيد ملف الأسرى إلى واجهة الأحداث، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية، كما تشكل ورقة ضغط داخلي على الميليشيا المتمردة لإبداء حسن النية عبر إطلاق سراح الأسرى، ذلك أنّ استمرار التعتيم على مصير المحتجزين يكرّس مزيداً من الألم ويعمّق جراح الوطن، وبالتالي فإنّ كل صوت يُرفع للمطالبة بالكشف عنهم، وكل جهد يُبذل لتحريرهم، هي مبادرة نحو استعادة إنسانية ضاعت في أتون الصراع، وخطوةٌ أولى على طريق طي تداعيات النزاع.