صدى البلد:
2025-05-21@12:18:41 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: صناعة الحضارة وبناء الطفل

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

لم يكن غريبًا أن تصبح الصين على ما هى عليه الآن، من تمدد اقتصادى، وتربع صناعى على قمة العالم كله، بل وقدرتها على غزو الولايات المتحدة القطب الأوحد صناعيًا فى عقر دارها، وفى كل أماكن مصالحها فى العالم بكافة أطرافه المترامية.. بتلك المقدمة القوية جاءت محاضرة أستاذ علم الحضارات الحديثة ؛ فى واحدة من جامعات الولايات المتحدة الشهيرة ، والتى نشرتها جريدة أمريكية؛ وتوالى من بعدها العديد من الجرائد، والمواقع الإخبارية نشرها وعرضها .

 

بدأ المعلم محاضرته بعرض فيديو؛ يستشهد به على ما ذكره، ويظهر فى الفيديو طفل صيني لم يتجاوز السنتين، الطفل معه كيس صغير يتناسب مع حجمه وعمره وقدرته على حمل الأشياء. الطفل يسير فى الشارع وكلما رأى أية مخلفات يحملها فى هذا الكيس؛ وعلى الرغم من ندرة وجود أية مخلفات، إلا أن الهدف أعمق وأرقى، وهو "زرع النظافة فى عقلية ووجدان الأطفال وبأن يكون جمال وطنهم هو هدفهم الأسمى"، الطفل يستمر فى تجوله، فيجد سيارة بابها مفتوح ، وربما فتحت له كى يطلعنا على ردّة فعله عندما رأى كمية من النقود على الكرسى المجاور لكرسى صاحب السيارة، فتصوّروا ماذا فعل الطفل ذو العامين أو أقل أو أكثر ، قام الطفل بإحضار كرتونة كان قد جمعها من مخلفات الشارع ؛ ووضعها فوق النقود حتى يخفيها عن أعين من تصور له نفسه السرقة ، وبعدها يغلق الطفل الباب ويعود من حيث جاء.

عندما انتهى المعلم من هذا الفيديو ، نظر إلى طلابه ليتعرف منهم على تعليقاتهم، والتى كان من بينها ، من قلل من شأن هذا السلوك ، ربما لأنه من الصين تلك الدولة التى تكشر عن أنيابها لواشنطن ، وتعد نفسها لريادة المجتمع الدولى مستقبلا ، وتسحب البساط من تحت قدم الولايات المتحدة ، الدولة حديثة النشأة والتى يتجاوز عمرها القرون الثلاثة.. لم يعقب الأستاذ الجامعى على تعليقات طلابه ؛ بل عرض عليهم فيديو آخر من الصين أيضا ، موضوع محاضرته ؛ وفيها يظهر طفلا يلهو بلعبه ، وفور دخول والده ، قام الطفل بجمع لعبه ووضعها بنظام مدقق فى دولاب لعبه ، وبعدها قام بغسل يديه ، وعندما فتح الصنبور ، علق المعلم بلفت انتباه طلابه الى طريقة الطفل فى فتح صنبور المياه ، وحرصه ان يكون الفتح ضعيفا لتنزل معه المياه فى اقل تقدير وتجميع . بعدها يذهب الطفل الى أبيه لأنه قد تمت تربيته على ان عودة الوالد الى البيت هى عودة للحديث والجمع الاسرى وليس للعب بأغراضه ؛ وبألا يصبح كل فرد بعيدا عن الآخر ، حمل الاب ابنه وسأله كيف قضى وقته ؛ وبادره ابنه بنفس السؤال ، دقائق وتأتى الام لتخبرهم بأن المائدة قد اعدت لتناول الطعام.. انتهى المدرس من عرض هذين المشهدين متعهدا بمزيد من هذه المشاهد لبلاد اخرى مع اختلاف النتائج والأهداف . وفتح المعلم الحوار والنقاش ويسأل " هل لدولة مثل الصين مصير غير ما وصلت إليه ، وما ستصل اليه مستقبلا؟ وهل لطفل غرست فيه منذ نعومة أظفاره ؛ مبادئ النظافة ،والجمال ، والخوف على تقبيح وجه الوطن ، هل هذا الطفل لن يواصل مسيرة امته كلها من البناء والتقدم ؟ 
وهل لأسرة مثل أسرة طفلنا هذا ؛ التى ربته على ان تجمع الاسرة قيمة مهمة يجب الحفاظ على استمرارها ؛ هل هذه الاسرة تتساوى مع غيرها من الاسر التى اخذتها شقوتها ، وجعلتها تنسى رسالتها فى تعليم النشء ؛ وهدمت بيديها قيما كتلك القيم التى تحرص الاسر الصينية على زرعها فى عقول وقلوب ابناءها منذ الصغر . الكل يتعجب من المارد الصينى وما صار عليه من وجود عالمى ؛ ومكانة دولية ، ولا يبحث فى الاسباب التى جعلته كذلك ،صناعة الحضارة يا طلابي الاعزاء تبدأ بخلق جيل مغروس فى داخله؟ مبادئ وطنية وسلوكيات مكتسبة صحيحة وحقيقية؛  وليست مجرد كلمات ، وشعارات واغانى ، يصدح بها فى المناسبات والاعياد .صناعة الحضارة ، تبدأ ببناء طفل مغروس فيه حب الوطن وإيثار مصلحة وطنه؛  والعمل على رفعة بلاده ببذل الجهود وتواصل العمل حتى تظل بلادهم متحضرة رافعة رأسها ، وعلمها مرفرفا فى سماء الدنيا كلها. 

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

منى أحمد تكتب: صانع البهجة

العبقرى عادل إمام الظاهرة الاستثنائية في تاريخ الفن المصري صاحب السعادة المتأصل في الوجدان ليس المصري أو العربي فقط بل تتجاوز أصداء نجوميته لآفاق بعيدة ، ويكفي بوست أستاذ عادل العبساوي وهو مدرسة وقامة إعلامية كبيرة ، حين ذكر واقعة بصفحته على مواقع التواصل الاجتماعي والتي عَنْوَنهاَ ب أنا وعادل إمام وتدور أحداثها على حدود الكونغو وأفريقيا الوسطى .
وسرد فيها أنه في أثناء عمله لفيلم وئاثقي يتبع الأمم المتحدة في إقليم كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان في أثناء الحرب الأهلية بدارفور ، منذ أكثر من 15 عاما فوجئ بإحدى القبائل في الإقليم يتحدثون اللغة العربية وبالعامية المصرية، وهو ما أثار دهشة تلاشت بعدما سالوه عن اسمه وما أن نطق باسم عادل والذى يتشابه مع اسم النجم الكبير، وإذ بهم يصيحون باسم الزعيم عادل إمام الذين يحفظون اسمه وجميع أدواره عن ظهر قلب وهو ما يفسر إجادتهم العامية المصرية.
عادل إمام أحد أدوات القوة الناعمة المصرية ،مصدر الإلهام وقوة النموذج والجاذبية التي جعلته مخترقا للحواجز المكانية عابرا للحدود الجغرافية بطلا بمقاييس مختلفة ، فهو ليس البطل الجان الوسيم بل هو صاحب الملامح المصرية الأصيلة الذي تشعر معه بالألفة من أول وهلة فهو الصورة الصالحة للوضع في جميع البطاقات الشخصية كما قال الروائي الكبير الراحل الأستاذ خيري شلبي.
تمكن بفضل ذكائه وثقافته وإصراره من تطوير نفسه وتحقيق النجاح والتفرد حتى أصبح النجم الأول والأعلي أجرا والأكثر شهرة على مدار أكثر من نصف قرنا ،صنع لنفسه مكانة لم يستطع أحد أن ينازعها فيها أو يقترب منها ،فهو ليس ممثلا نمطيا بل صاحب موهبة ذات حضور طاغ آسرة للقلوب، ما أن يطل عليك عبر الشاشة حتى تتوحد معه.
فهو يمثل الغالبية العظمى من المصريين يشبههم في الملامح والآمال والآلام والطموحات ،فقد نجح في التعبير عن هموم ومشاكل قطاع كبير من المصريين من كافة الطبقات الاجتماعية على مدار أجيال متعددة منذ ستينيات القرن الماضي حتى وقتنا الحالي.
لم يكن عادل إمام فنانا جماهيريا أو نجم شباك كما يطلقون عليه، يغازل العامة تحت شعار الجمهور عايز كدا بل حالة إبداعية وصاحب رسالة وطنية هامة، فلم تنفصل أعماله يوما ما عن قضايا مجتمعه ووطنه فعندما ابتليت مصر بموجات إرهابية في الثمانينيات والتسعينيات، لم يتوان الزعيم عن مناقشة فكر الجماعات التكفيرية الظلامية. 
وقدم عدة أعمال مشتبكا فيها مع تلك الممارسات الاجرامية، منددا من خلالها بالتطرف الديني ومنها الإرهاب والكباب وطيور الظلام والإرهابي ،وتعرض بسبب هذه الأعمال لتهديدات بالقتل ولم يتراجع ولم يخاف، ويحسب له شجاعته حينما ذهب بمسرحياته إلى الصعيد وتحديدا اسيوط أحد معاقل الإرهاب في الثمانييات،  فلم يخشي على حياته في وقت استهدف فيه الإرهاب الجميع وكان ضحاياه من كبار رجال الدولة وكبار المثقفين.
عادل إمام أيقونة مصرية متفردة وعبقرية ذات خصوصية، وهالة من البهجة بمذاق مختلف أخلص لفنه فاخلص له عشاقه كل سنة وزعيم الفن العربي والمصري حاضرا بابداعاته رفيقة الأوقات الحلوة والصعبة.

طباعة شارك عادل إمام الفن المصري تاريخ الفن المصري

مقالات مشابهة

  • دور المرأة في مواجهة الشائعات وبناء الوعي .. ندوة بدمياط
  • تطوير القدرات السعودية في الصناعات العسكرية
  • إبداعات طلاب شعبة الديكور بـ "آداب حلوان" في مشروعات تصميم الأزياء المسرحية
  • منى أحمد تكتب: صانع البهجة
  • هند عصام تكتب: أصل النرجسية
  • كريمة أبو العينين تكتب: السيسي والقمة العربية
  • حماة: إطلاق مؤتمر الشباب.. نهضة وبناء بمشاركة واسعة
  • مستشار ترامب: المتحف المصري الكبير صرح ثقافي عالمي يجسد عراقة الحضارة المصرية
  • المعلمون بالمدارس الأهلية: معاناة مستمرة
  • متخصصون دوليون: مصر تمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا فريدا ومواقع أثرية عالمية