عبد الرحمن القرضاوي.. مَن شَراه ومَن اشتراه
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
ما من أحد مهتم بالشأن العام وحقوق الإنسان، إلا وتابع مراحل عملية "الخطف المسلح" التي تعرض لها الشاعر المناضل، المصري- التركي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، في لبنان، على أيدي قوات الأمن اللبنانية التي انصاعت بدورها لأوامر "عليا" تتصادم (كليا وجذريا) مع القانون اللبناني، والقانون الدولي، ومدونة حقوق الإنسان الأممية، وجعلت من الوزراء اللبنانيين، في نظر المراقبين، مجرد مجموعة من "النخاسين" المتاجرين بالبشر!
لبنان الذي عجز على مدى عامين ونيف (أكثر من 800 يوم) عن تنصيب رئيس للجمهورية، قررت حكومته (في أقل من ساعة) بيع القرضاوي لحاكم دولة الإمارات محمد بن زايد، مقابل وعود ما.
هذه الجريمة المركبة (القانونية الأخلاقية الإنسانية) ستكون (يوما ما) سببا في جر كل من وافق عليها، وساهم في تمريرها إلى محاكم أوروبية، وعلى رأسهم رئيس وزارة تصريف الأعمال المنصرف نجيب ميقاتي
لا أظن أن ابن زايد سيفي بما وعد به "النخاسين اللبنانيين"، بعد ذهاب ميقاتي على إثر "الكف القانوني" الذي سددته السعودية للإمارات في لبنان؛ إذ لم يحصل ميقاتي إلا على تسعة أصوات، مقابل 85 صوتا ذهبت لمنافسه نواف سلام؛ رئيس الوزراء الجديد.. أما الرئيس المنتخب جوزيف عون، فقد ترددت أنباء عن أن وجهته الخارجية الأولى ستكون السعودية، واللبيبُ بالإشارةِ يفهمُ!
النخاس المصري!
في سابقة لم أسمع بمثلها، باعت سلطة الانقلاب في مصر مواطنا مصريا لكفيلها الظبياني؛ للتنكيل به، ولا أقول لمحاكمته، فلا قضاء مستقلا في هذا البلد، ولا قانون يساوي بين البشر، وإنما هناك "جلاوزة"، منهم من يجلس على منصة القضاء، ومنهم من يرتدي لباس الشرطة، يأتمرون بأمر شخص واحد هو محمد بن زايد، العدلُ ما يراه عدلا، والأمن ما يظنه أمنا!
ولِمَ لا تبيع سلطة الانقلاب المصريين، وقد باعت (ولا تزال تبيع) أرضهم، وتاريخهم، وأصولهم، وشواطئهم، وموانيهم، وأمنهم، وسيادتهم. وقد وصف الجنرال المنقلب ياسر جلال مصر، من قبل، مصر بـ"العاهرة" التي "كشفت ضهرها، وعرَّت كتفها"؟! وصفٌ لا يمكن (بأي حال) أن يصدر عن حاكم ينتمي (بأي قدر) إلى هذا البلد.. بل وصفٌ لا يصدر إلا عن عدو شامت، أو متآمر خائن، أو عديم المروءة والشرف؟!
الآن، يقبع عبد الرحمن القرضاوي في قبو مظلم ضيق بالإمارات، يُصب عليه العذاب صبّا، جزاء بضع أبيات من الشعر، نصر بها المظلومين والمقهورين، وحط بها من شأن الظالمين والمستبدين، لا أكثر ولا أقل.. يحدث ذلك، في بلد لا تربط القرضاوي به أي صلة؛ فهو لا يقيم على أرضه، ولا يحمل جنسيته، ولم يرتكب جُرما بحق مواطنيه! فأي ظلم أكبر من هذا؟
يقبع عبد الرحمن القرضاوي في قبو مظلم ضيق بالإمارات، يُصب عليه العذاب صبّا، جزاء بضع أبيات من الشعر، نصر بها المظلومين والمقهورين، وحط بها من شأن الظالمين والمستبدين، لا أكثر ولا أقل.. يحدث ذلك، في بلد لا تربط القرضاوي به أي صلة؛ فهو لا يقيم على أرضه، ولا يحمل جنسيته، ولم يرتكب جُرما بحق مواطنيه! فأي ظلم أكبر من هذا؟
إن هذه الخسة والبلطجة والخروج على كل الأعراف والقوانين، تجعل الشباب يكفر بكل وسائل التعبير والتغيير إلا "القوة"، غير آبه بالتبعات! تلك القوة التي دحرت الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، ومن قبله الاحتلال السوفييتي.. وتلك التي أطاحت بنظام آل الأسد، أقدم وأعتى وأبشع نظام فاشي عربي، في العصر الحديث.. فلا غرابة (إذن) أن يظهر الشاب المصري أحمد المنصور متوعدا ياسر جلال بالثبور وعظائم الأمور، وعيدا لا يخلو من الإهانة والتوبيخ، لاقى صدى واسعا بين الشباب، وكأنه يقول لياسر جلال ومن على شاكلته من الحكام العرب: لم تعجبكم سلمية الإخوان، ولم تطيقوا هجاء القرضاوي، واتهمتم كل معارض لكم بـ"الإرهاب"، فليس لكم إلا "القوة"!
ماذا عن تركيا؟
صب كُثْرٌ جام غضبهم ولعناتهم على تركيا والرئيس أردوغان، بزعم أن تركيا "باعت" القرضاوي، وفي أحسن الأحوال "تخلت عنه". وقد ساعد في تنامي الشعور بالسخط والغضب على تركيا وأردوغان، عدمُ صدور أي تصريح رسمي عن الدولة التركية بشأن عملية "الخطف المسلح" التي تعرض لها القرضاوي، على الأراضي اللبنانية..
معظم أصحاب نظرية "البيع والتخلي" هم (بالأساس) لديهم موقف سلبي من تركيا عموما، ومن الرئيس أردوغان على وجه الخصوص، وقد وجدوا في "عملية خطف" القرضاوي فرصة جديدة؛ للنيل من تركيا وأردوغان على السواء.. أما من يعرف سياسة تركيا، وقِيَم أردوغان الحاكمة، أو يحسن الظن بهما على الأقل، فيعلم أن تركيا وأردوغان لم يفرطا (يوما) في مستجير بهما، على الإطلاق.. باستثناء حالة الشاب المصري محمد عبد الحفيظ الذي تم ترحيله إلى مصر من مطار إسطنبول بطريق الخطأ، وقد تمت محاسبة مرتكبي هذا الخطأ الجسيم..
كثيرة هي الحالات التي تعرض أصحابها (المصريون) ممن يحملون الجنسية التركية للاحتجاز في بعض الدول العربية؛ بغرض تسليمهم إلى مصر، وتدخلت السلطات التركية في كل مرة، والرئيس أردوغان إذا اقتضى الأمر، وتم إعاقة وإبطال ترحيلهم إلى مصر، وعادوا إلى تركيا بسلام.. وفي كل مرة، لم تعلن تركيا عن مساعيها لإطلاق سراح حاملي جنسيتها من المصريين، ومنع تسليمهم إلى سلطة ياسر جلال الانقلابية في مصر..
يعني هذا، أن تركيا لم تتخلَّ عن مواطنها عبد الرحمن يوسف القرضاوي، منذ لحظة "اختطافه" في لبنان، وقامت (على الفور) بكل ما يلزم من مساعٍ دبلوماسية، وإجراءات قانونية، واتصالات شخصية؛ للحيلولة دون تسليمه لمحمد بن زايد أو لسلطة الانقلاب في مصر.. غير أن غياب القانون في لبنان، والفساد الذي عشش في نفوس بعض المسؤولين هناك، حالا دون استعادة القرضاوي! فماذا تصنع تركيا أو الرئيس أردوغان إزاء بلد لا قانون فيه، ولا أخلاق لدى بعض النافذين من مسؤوليه؟!
إن نجاح محمد بن زايد في "خطف" القرضاوي، لا يعني أن القضية قد انتهت بالنسبة لتركيا أو الرئيس أردوغان، بل العكس هو الصحيح.. سيخرج عبد الرحمن القرضاوي (عاجلا أو آجلا) من ظلمات ابن زايد، بحول الله وقوته أولا، ثم بالتزام تركيا (الدولة والقيادة) بالقيام بواجباتها نحو من استجار بها، وحصل على جنسيتها، وحمل جوازها، وبات له حقوق المواطنة عليها، وقد حدث ذلك مرار كما أسلفت..
كلمة أخيرة..
أرجو من المصريين حاملي جواز السفر التركي ألا يزوروا أيا من البلاد العربية التي ترعى الثورة المضادة، أو التي نجحت فيها الثورة المضادة، أو التي تدعم النظم العربية المستبدة، أو التي تعادي الإسلام وتحاربه.. والله المستعان.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي لبنان الإمارات مصر لبنان الإمارات القرضاوي عبد الرحمن يوسف مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة رياضة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الرحمن القرضاوی الرئیس أردوغان محمد بن زاید فی لبنان
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: تشويه صورة البرلمان.. معركة على شرعية التمثيل
في الوقت الذي تحتاج فيه الدول إلى تعزيز الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم المنتخبة، تواجه مصر اليوم حملة مركّزة – من أطراف في الخارج وبعض الداخل – لا تستهدف الأشخاص أو الأداء البرلماني فقط، بل تضرب في عمق الفكرة نفسها: فكرة التمثيل النيابي وشرعية المؤسسات.
اللافت أن هذه الحملة لا تأتي في صورة معارضة سياسية مشروعة أو انتقادات موضوعية، بل تُدار بطريقة ممنهجة تشكك في البرلمان ككيان دستوري، وتسعى لإفراغه من معناه أمام الرأي العام.
لماذا البرلمان تحديدًا؟البرلمان، وفق الدستور، هو الجهة المسؤولة عن سنّ القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، وتمثيل صوت الشعب داخل مؤسسات الدولة، وبحكم موقعه، فهو أحد أعمدة النظام السياسي.
من هنا، فإن استهداف البرلمان ليس مجرد خلاف سياسي، بل محاولة لضرب فكرة الدولة الحديثة نفسها، عبر إضعاف ثقة المواطنين في المسار الدستوري، والإيحاء بأن "اللعبة كلها مغلقة".
كيف تُدار حملات التشويه؟هذه الحملات تمر بثلاث مراحل متتابعة:
1. تشويه السمعة قبل الانتخابات: تستهدف شخصيات معروفة ومحسوبة على تيارات داعمة للدولة، عبر حملات سخرية، صور مفبركة، وشائعات تُربط بالفساد أو الانتماء الأمني.
2. الطعن في قوائم المرشحين: يتم الترويج لخطاب يزعم أن "القوائم مرتبة مسبقًا"، أو أن "البرلمان لا يضم أصواتًا معارضة حقيقية"، لتقويض مصداقية الانتخابات ذاتها.
3. ضرب المؤسسة بعد التشكيل: سواء من خلال تسريبات أو تلميحات عن امتيازات أو غياب الدور الرقابي، الهدف النهائي هو أن يشعر المواطن أن البرلمان لا يمثله.
تناغم ملحوظ بين الداخل والخارجما يثير القلق أن هذا الخطاب لا يصدر فقط عن منصات إعلامية معروفة بعدائها للدولة المصرية، بل يُردده أيضًا بعض النشطاء المحليين أو منظمات تحمل شعارات مدنية.
اللغة، والمحتوى، والتوقيت تكاد تكون متطابقة، مما يطرح تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام حملة عفوية، أم هناك تنسيق أكبر يستهدف استقرار المؤسسات؟
ما هو التأثير الحقيقي؟هذه الحملة لا تهدف بالضرورة إلى إسقاط البرلمان من الناحية القانونية، بل تسعى لتحويله – في نظر الناس – إلى كيان رمزي فقط، خالٍ من التأثير، تمهيدًا لزعزعة الثقة في فكرة "التمثيل الدستوري" ككل.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي: عندما يفقد الناس ثقتهم في مؤسساتهم، تصبح الساحة مهيأة لخطابات الفوضى، والانقضاض على الدولة نفسها تحت شعارات براقة.
كيف يجب أن نرد؟بعيدًا عن التبرير أو الردود الانفعالية، هناك حاجة إلى معالجة عقلانية ومدروسة:
أولًا: تعزيز الشفافية في كل مراحل العملية الانتخابية، من الترشيح حتى اختيار القوائم.
ثانيًا: دعم وجود رموز برلمانية فعالة وذات مصداقية، ترد على الهجوم بالأداء لا بالكلام.
ثالثًا: مواجهة الحملات الإعلامية المغرضة بمحتوى مهني محترف، يعرض الحقائق والنجاحات بلغة يفهمها الناس ويثقون بها.
النقد البناء مطلوب، بل ضروري، في أي نظام ديمقراطي. لكن هناك فارق كبير بين النقد الذي يسعى للإصلاح، وبين التشويه المتعمد الذي يهدف إلى إسقاط الثقة في الدولة ومؤسساتها.
معركتنا اليوم ليست على "مقاعد في قاعة البرلمان"، بل على شرعية التمثيل، وهيبة المؤسسة التشريعية، وثقة المواطن في الطريق الذي تسير فيه الدولة.
الحفاظ على هذه الثقة مسؤوليتنا جميعًا.