مع هطول الأمطار الغزيرة على عدد من مناطق المملكة ومشاهداتنا لسريان الأودية بكميات هائلة من السيول، إلا أننا بعد مدة قصيرة لا نجد أثراً مستداماً لتلك المياه التي غاصت في بطن الأرض وضاعت بين الرمال. وأجدني منحازاً لرأي سعادة الدكتور محمد حامد الغامدي حول مسألة مياه الأمطار المهدرة وضرورة الاستفادة منها بشكل أكبر، وبحث السبل الكفيلة بحفظها وتقنين صرفها، كونها من الثروات الهامة التي يجب المحافظة عليها، وما تحمله من تربة خصبة بعناصرها المعدنية العالية.
لا سيما وإننا في بلد شبه صحراوي نعاني في الأصل من قلة المياه. وبالنظر إلى دول العالم الخارجي التي لا تنقصها الموارد المائية، نجدها تهتم كثيراً بموضوع الأمن المائي رغم نزول الأمطار المستمرة عليها وجريان الأنهار الكبيرة فيها. ومع ذلك يستشعرون ما هو أبعد من ذلك، ويعملون على حفظها بإقامة السدود العملاقة، وإيجاد البدائل الأخرى، وإعداد البرامج التوعية والإرشادية من أجل ترشيد الاستخدام ونحو ذلك، لأنهم يعلمون جيداً أن الماء أساس الحياة وركيزة البناء ودعامة الاستقرار، وأي دولة تعاني من أزمات المياه، يظل مستقبلها مخيفاً جداً مع التحول المناخي، وزيادة العدد السكاني لدرجة تشير فيها بعض الدوائر السياسية بأن الحروب القادمة ستكون حروب المياه، وهي تذكِّرنا بحروب قبائل العرب قديماً على موارد الشرب في أزمنة سلفت!
ومن الجميل، اهتمام المملكة العربية السعودية بهذا الموضوع، حيث أن جهودها واضحة في إنشاء عدد من السدود في مناطق المملكة، وإن كانت الاستفادة منها سابقاً، لم تكن بالشكل المأمول لعدم تصريفها في الأوقات المناسبة، وقلة الاستفادة منها، كون النسبة العظمى منها، كانت تضيع بالتبخر بسبب الشمس الحارقة والأجواء الحارة. كما أن بعض السدود تكلَّست جوانب من أرضياتها، أو غاصت مياهها بين تجاويف الشعاب، فلم تستفد الأرض من بعدها بالشكل المأمول، والشواهد قائمة بجفاف أقرب المزارع منها! والمسألة تحتاج إلى معالجات أفضل لتكون الفائدة منها بحسب أهدافها التي أنشئت من أجلها.
ولعل إقامة السدود الجوفية في الأودية الكبيرة، هي إحدى الوسائل المقبولة لإيقاف تدفق المياه الجوفية، وللتخفيف من الجفاف على المدى الطويل، بما ينبت عليها من أشجار وشجيرات ونباتات، تساهم في تثبيت التربة، وحفظ المياه -والشيء الذي يشار إليه هو العلاقة الربانية بين الاخضرار ونزول الأمطار بإرادة الله. ومن المهم أيضا زيادة أعداد السدود ليبقى هناك مخزون استراتيجي في مكامن آمنة سيكون له مردود جيد على أعمال الزراعة، وتحّسين البيئة وتلّطيف الأجواء وتجّويد الحياة، إذا وظِّفت بالطريقة الصحيحة. خاصة وأن الأمن الغذائي، مرتبط بالأمن المائي بشكل مباشر، ممّا يتطلب العمل الجاد للمحافظة على هذه الموارد، والسعي لتنميتها بكافة الوسائل، والاهتمام كذلك بإيجاد موارد مائية جديدة لحاجة البلاد لذلك. وبالله التوفيق.
alnasser1956@hotmail.com
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
مبادرات متعددة من "الثروة الزراعية والسمكية" لتقليل الفاقد من الغذاء
مسقط- الرؤية
تنفذ وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه عدد من المبادرات لتقليل الفاقد من الغذاء بهدف المحافظة على الموارد الطبيعية وتقليل الهدر الغذائي وتعظيم العائد منها والاستفادة منها في تعزيز الأمن الغذائي وتعرف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) الفاقد من الغذاء على أنه الانخفاض في كمية أو جودة الأغذية الناتجة عن القرارات أو الإجراءات التي يتخذها موردي الأغذية ضمن سلسلة الإمداد الغذائي ويقاس بمؤشر فقد الغذاء.
في حين يعرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة "يونيب" هدر الغذاء على أنه الطعام والأجزاء التي تمت إزالتها من سلسلة الإمدادات الغذائية البشرية في قطاعات البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية والاستهلاك المنزلي ويقاس بمؤشر هدر الغذاء بمعنى آخر يحدث الفقد الغذائي خلال مراحل الإنتاج والنقل والتخزين بينما يحدث الهدر الغذائي خلال البيع بالتجزئة والإستهلاك.
ويؤدي التقليل من الفاقد الغذائي إلى المحافظة على الموارد الطبيعية حيث أن هدر الغذاء هو إهدار للموارد الطبيعية وهي موارد محدودة حيث تشير بعض الإحصائية أن العالم يهدر ما يساوي انتاج 30% من الأراضي الزراعية في ظل وجود ملايين ممن يعانون من المجاعة حول العالم وكذلك هو إهدار لموارد مالية أيضا خاصة في الدول المستوردة للغذاء وتعتمد في إستيفاء احتياجاتها من الغذاء على الاستيراد. وبهدف التركيز على حفظ الموارد الطبيعية المحدودة وأهمية الموضوع فقد تم إدراجه ضمن مستهدفات الوزارة كمستهدف فرعي للفاقد الغذائي ضمن محور البيئة المستدامة في رؤية عُمان 2040م وأولوية البيئة والموارد الطبيعية في موضوع الأمن المائي والغذائي. أما دولياً فإن فقد تم إدراج أهداف تقليل الفاقد الغذائي ضمن الهدف (12.3) من أهداف التنمية المستدامة والذي ينص على الالتزام بتخفيض نصيب الفرد من هدر الغذاء العالمي إلى النصف على مستوى البيع بالتجزئة والمستهلكين والحد من فقدان الأغذية عبر سلاسل التوريد بحلول عام 2030.
إن أهم الطرق المتبعة لخفض الفاقد الغذائي هي: تطبيق المعايير الدولية لسلامة الغذاء وضمان الجودة وتدريب ذوي العلاقة على تحسين مناولة المنتجات إضافة إلى الاستثمار في تطوير سلسلة التبريد والتخزين والنقل وتطوير البنية الأساسية لعمليات ما بعد الحصاد وسلسلة التبريد والنقل والتخزين والإدارة السليمة للمخزونات من المنتجات الغذائية ونشر الوعي المجتمعي والحرص على شراء الحاجة الفعلية من الغذاء وتكثيف الجهود لمشاركة المرأة في التصدي لفقد وهدر الغذاء بشكل فعال وصياغة شروط تطوير الأسواق والبنية الأساسية للتسويق بما في ذلك التسويق الإلكتروني وتقييم أداء التداول وإعادة تدوير مخلفات الطعام حتى في المنازل.
وتبذل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه جهودًا كبيرة في سبيل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعظيم العائد منها بداءً من وضع السياسات انتهاءً بالتوعية والإرشاد وأهمها: التوعية والإرشاد لرفع مستوى الممارسات المنزلية الجيدة للحفاظ على سلامة المنتجات لفترة أطول تعادل فترة صلاحيتها وإرشاد المزارعين والصيادين إلى الممارسات المثلى في مجال الزراعة والصيد والتشجيع على استغلال المخلفات الزراعية وخلطها مع الأسمدة الحيوانية لإنتاج سماد طبيعي وتنفيذ حلقات تدريبية للمرأة الريفية في مجال التصنيع الغذائي والاستفادة من المنتجات الزراعية والسمكية في الصناعات الثانوية والتشجيع على التحول نحو نظم الري الحديثة وإنشاء العديد من سدود التغذية الجوفية وجاري العمل على بناء وحدات التخزين والتجميع والفرز والتعليب والتغليف في عدة محافظات خلال دعم جمعيات المزارعين وجاري العمل على وضع استراتيجية وطنية للحد من الفاقد والهدر الغذائي في سلطنة عُمان بالشراكة مع جامعة نزوى.