بين منطقتي القليعة وجديدة مرجعيون في جنوب لبنان، تُخيّم أجواءٌ من الترقب والحذر وذلك بسبب استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ يوم 27 تشرين الثاني الماضي.   حتى الآن، يشعر سكان البلدتين المذكورتين بـ"الريبة"، فالتحركات محدودة لاسيما خلال فترة المساء بسبب التهديدات الإسرائيلية بالاستهداف، بينما يخشى آخرون من إمكانية تجدّد الحرب بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً ضمن الهدنة خلال هذا الشهر وسط عدم وجود أي قدرة لهم على النزوح أو الانتقال إلى مناطق أخرى.

  "متمسكون بأرضنا".. هذا ما قالته السيدة ماري لـ"لبنان24" حينما سُئلت عن سبب وجودها في بلدتها رغم الخطر، وتقول إنَّه "خلال فترة الحرب، لم تغادر القليعة على الإطلاق بل بقيت صامدة فيها".   واعتبرت ماري أن "الكنيسة تمثل الحضن الدافئ للجميع في البلدة"، موضحة أنَّها مثلت "الملجأ الآمن للجميع في كل اللحظات وتحديداً عند الخطر كما أنها مستمرة في ذلك رغم استمرار الخروقات الإسرائيلية للهدنة"، وتتابع: "لن نغادر منازلنا فهي مُلكنا، كما أننا لا نقبل بأي احتلال لأرضنا. إننا نترقب نتائج الهدنة ونأمل أن تستقر الأحوال لكي نعود إلى حياتنا الطبيعية".   إقتصاد متدهور   تعد القليعة وجديدة مرجعيون من المناطق الأمامية في جنوب لبنان، فهي قريبة جداً من الحدود بين لبنان وإسرائيل، كما أنهما تبعدان كيلومترات قليلة عن منطقة كفركلا التي يتواجد فيها الجيش الإسرائيليّ.   الطريق إلى كفركلا من القليعة مقطوع تماماً، فيما ينتشر الجيش وقوات "اليونيفيل" في المنطقة عبر حواجز موزعة بين مسارب عديدة. أما عند الساعة الـ5 مساء، فإن الحركة تُصبح معدومة تماماً، وذلك خشية حصول استهدافات إسرائيلية لأي تحركات وذلك عملاً بالتحذيرات التي أطلقها الجيش الإسرائيلي مراراً للمناطق الحدودية وسكانها.   إقتصادياً، فإن تلك المنطقة تعاني جداً من تدهور الأوضاع المعيشية، فالحركة هناك "معدومة"، كما أن الكثير من المواطنين الذين خسروا أرزاقهم لم يستطيعوا حتى الآن الصمود مُجدداً بسبب تردي الأحوال الأمنية.   أحد المواطنين قال لـ"لبنان24" إنَّ "كافة المصالح تدهورت بينما تكاليف المعيشة مرتفعة"، وأضاف: "ننتظر إنتهاء الحرب واستمرار الهدنة لنعيد تأسيس أنفسنا.. المنطقة كانت نشطة سابقاً لكن الأمور الآن تغيرت. رغم ذلك، فإننا باقون ومستمرون مهما كلف الأمر". المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: کما أن

إقرأ أيضاً:

عودة الجيش الأحمر

هل تكرهون الحروب مثلما تكرهون رجال السياسة الذين يعطون الضوء الأخضر باندلاعها، أو بالأحرى يفعلون ما بوسعهم فـي كثير من الأحيان كي تستعر نيرانها؟ هل ثمة بينكم من يشعر بالأسف على هذا المسار الذي يسلكه عالمنا، والذي يبدو «فـي العمق» وكأنه تطبيق حرفـي للكثير من خطابات بعض القادة العسكريين، الذين ينظرون إلى العالم من خلال فوهة المدافع، لا أكثر؟ إن كنتم كذلك فعلا، فما عليكم إلا أن تقرأوا كتاب «مغامرات فـي الجيش الأحمر» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاسيك، الذي أعادت نشره مؤخرا دار «لا باكونيير» الفرنسية مع رسوم للمؤلف.

كتاب طريف ومفـيد وصغير الحجم، ينتهي فـي جلسة واحدة (88 صفحة)، على الرغم من أنه قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه صار جزءا من تاريخ إنسانية مضى، وبدءا من عنوانه الذي يستعيد «الجيش الأحمر» الذي لم يعد موجودا عمليا. لكن وكما يقال، لا حاضر أو مستقبل من دون تاريخ. فمن لا يعرف الماضي، قد لا يجد حاضرا أمامه. أضف إلى ذلك كلّه، أنه كتاب يبدو، عمليا، بمثابة «تخطيط أولي» لرواية الكاتب الشهيرة «الجندي الطيب شفـيك وما جرى له فـي الحرب العالمية الأولى» (التي لا بدّ وأن قرأتموها فـي ترجمتها العربية). بيد أن «الزمان» و«المكان»، هنا، يختلفان قليلا، إذ يروي هاسيك ذكرياته الشخصية فـي الجيش الأحمر، خلال الحرب الأهلية (الروسية) العام 1918، وهو فـي «بوغولما» (التي تقع اليوم فـي تتارستان شرق روسيا) حيث كان يتواجه مع القوزاق.

كان ياروسلاف هاسيك (1883-1923)، الصحفـي الساخر من براغ، شاربًا كبيرًا (كالكثير من التشيكيين) ومتحدثا دائما فـي الملاهي الليلية، ومُجنّدًا فـي البداية فـي الجيش النمساوي. إلا أنه انضم لاحقا إلى البلاشفة عام 1918. أي انضم إلى جيش تروتسكي. لكن ما إن وصل إلى سيمبيرك حتى عُيّن حاكمًا عسكريًّا لمدينة بوغولما فـي أكتوبر 1918. وكانت أولى كلماته السؤال التالي: «هل أنت متأكد أن المدينة فـي أيدينا»؟ لا نعلم. أين تقع هذه المدينة؟ «ألا تعتقد حقًا أن لديّ ما أفعله سوى البحث عن مكان مثل بوغولما»؟ يجيب رئيس السوفـييت العسكري الثوري لـ«مجموعة الضفة اليسرى». جملة تحدد نبرة هذه الذكريات، مثلما تحدّد الفوضى التي سادت روسيا بعد عام من الثورة. لم يكن هاسيك ينتمي إلى شاعرية «الحرس الأبيض» المأساوية مثلما نجدها عند ميخائيل بولغاكوف (كما فـي روايته المدهشة «المعلم ومرغريتا» وغيرها بالطبع)، ولا إلى تلك الواقعية الباروكية التي عرفناها فـي رواية اسحق بابل «الفرسان الحمر». كلّ ما يفعله هنا، يقتصر على المحن التي تُروى كقصص الثكنات. لذا يبدو الأمر لا يُقاوم فـي معرفة ماذا كان يدور هناك بين العسكر.

نعود فـي كتابه هذا لنجد تلك النبرة التي عرفناها فـي مغامرات «الجندي الشجاع شفـيك...»، تلك النبرة التي تناساها العالم، للأسف، وهو يحتفل مؤخرا بذكرى إحياء الحرب العالمية الأولى. المأساة موجودة، لكنها مخفـية فـي حكايات هزلية. فـي إحدى المرات، حُكم عليه بالإعدام من قِبَل محكمة ثورية، بناءً على برقية من خصمه يتهمه فـيها بالخيانة. حكمٌ واجب النفاذ فورًا. لم يعرض رئيس المحكمة سوى إحضار السماور وفنجان شاي قبل الشروع فـي العمل. انتهز المحكوم عليه الفرصة لطلب جلسة استماع مع كاتب البرقية، فقد اعتُبرت غير ضرورية. سُمع الرجل وقال: «يا رفاقي، البرقية، كنتُ ثملًا عندما أرسلتها». وانقلبت الأدوار. اتُهم كاتب البرقية بدوره. ليلة من المداولات مع رئيس المحكمة. فـي النهاية، لم يُطلق النار على أحد؛ وُجّه تحذير للسكير المتهم. أشار هاسيك: «خلال مداولاتنا، كان الشخص المعني، من جانبه، نائمًا نومًا عميقًا».

هكذا تفشل الطموحات الشخصية! يُسخر من الشكوك العسكرية وصراعات السلطة فـي سلسلة من التقلبات الطريفة. إنها أيضًا وسيلة للتعبير عن مخاوف السكان المدنيين المتضررين من الحرب. ربما يعود ذلك إلى صياغة معينة، مثل اليوم الذي يستعد فـيه هاسيك، بصفته الحاكم الجديد لبوغولما، لاستقبال سلاح الفرسان البطل والبارع من «فوج تفـير الثوري». أرسل أمر استيلاء إلى «رئيسة دير السيدة العذراء مريم»: «ضعي خمسين راهبة عذراء فورًا تحت تصرف فوج فرسان بتروغراد. يُرجى إرسال العذارى مباشرةً إلى الثكنات». ساد الذعر الدير والمدينة، واستنفرت الكنيسة الأرثوذكسية، وخرجت المواكب والتجمعات مع هتافات «المسيح حي، المسيح يحكم، المسيح منتصر!». سألته رئيسة الدير أخيرًا: «بحق الله، ماذا سنفعل هناك؟... لا تُدمر روحك»! فأجاب الحشد: «سنغسل الأرضيات وننظف الثكنات بأكملها حتى يشعر فوج فرسان بتروغراد بالراحة هناك. هيا بنا»! وتبعه الجميع. لاحقًا، أعطته «راهبة شابة وجميلة» أيقونة صغيرة لشكره...

وراء هذه الحكايات المتفرقة -التي قد تبدو عادية من حيث الظاهر، لكنها الحاملة فـي طياتها كل «فوضى الثورة»- نرى عنف السلطة السوفـييتية وتعسفها فـي إرساء دعائمها، ووحشية الأوامر وظلمها. وهكذا، أمرت هذه البرقية الصادرة من «الجبهة الشرقية السوفـييتية الثورية»، عندما خُطط لإخلاء المدينة، بتدمير كل ما خلفها وانتظار النجدة. يكتب هاسيك: «سقطت البرقية من يدي».

عاد ياروسلاف هاسيك إلى براغ عام 1920. كان يومها فرانتز كافكا قد أصدر «طبيب الريف»، بينما «رمى» هاسيك فـي حانات براغ (كما فـي قرى تشيكيا) تلك الشخصية الساخرة والساحرة: الجندي شفـيك، وهي الشخصية التي لم تتوقف لغاية اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن، عن إثارة القراء فـي مختلف أرجاء العالم. بدأ بنشر مذكراته فـي الصحافة التشيكية العام 1921. ليستأنف كتابة مغامرات «الجندي الشجاع شفـيك» (كان من المقرر نشر ستة مجلدات، لكن لم يصدر منها سوى ثلاثة)، وتبنّى الناس شخصيته المناهضة للبطل، وازدادت شعبيته. فما فعله هاسيك مع بطله الفريد هذا، ليس سردًا دقيقًا لانهيار إمبراطورية، بل كما تمنى لورانس داريل، عملٌ من أعمال العرافة. بثقةٍ هادئة، نجح هاسيك فـي نقل تاريخ الحرب خارج نطاق 1914-1918، وجعله يخدم مصالحه. إن رؤية الكائنات والأشياء التي ينسبها إلى الجندي الشجاع، هذا الساذج الماكر، تُزعزع الصور المألوفة للنساء والرجال الذين يلتقيهم، كما نحن، بالطبع.

فـي أي حال، وبسبب إدمانه الكحول ونكساته الشخصية، تُوفـي هاسيك عن عمر يناهز 39 عامًا، فـي يناير 1923، وحيدًا وفقيرًا، تاركا وراءه تحفة أدبية، لن ينساها العالم أبدا.

مقالات مشابهة

  • العراق يشكو إسرائيل لمجلس الأمن بسبب خروقات لأجوائه
  • الجيش الإيراني يهدد: مصير إسرائيل سيكون مؤلما
  • عند حدود لبنان.. هذا ما تفعله إسرائيل الآن
  • كاتس: إسرائيل تواجه "رأس الأفعى".. وغارات غير مسبوقة تضرب قلب إيران
  • صعوبات تواجه مرضى السرطان في اليمن
  • حريق في حقل القليعة إثر تفجير ذخائر
  • خطة لإعادة النازحين السوريين.. وزيرة لبنانية تكشف التفاصيل
  • قتلوه ورموه أمام كنيسة.. هذه تفاصيل جريمة القماطية
  • بعثة الاتحاد الأوروبي تدين خروقات الهدنة بطرابلس وتدعو لاستئناف الحوار السياسي
  • عودة الجيش الأحمر