سودانايل:
2025-12-12@18:55:39 GMT

هل بدأت رياح ترمب تهب في السودان ؟

تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT

محمد المكي أحمد:

رفعت الولايات المتحدة في شهر يناير 2025 سقف اهتمامها بالوضع المأساوي في السودان، الناجم عن الحرب، التي اندلعت في 15 أبريل 2023، ويتصدر ساحاتها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان ( حميدتي) و”شركاء” للقائدين ، في معارك التدمير للسودان والأذى الشديد للسودانيين.


أبرز دليل على ارتفاع معدلات الضغط الأميركي جاء في قرارات فرضت عقوبات، شملت في البداية ( حميدتي) ثم اتسعت الدائرة لتشمل البرهان في 16 يناير 2025 ، وترى واشنطن ان قوات ( الدعم السريع) والقوات المسلحة السودانية ارتكبت جرائم حرب بقيادة القائدين العسكريين.
حينما أعلنت واشنطن فرض عقوبات على قائد ( الدعم السريع) ابتهجت أوساط تدعم البرهان لمواصلة الحرب، لكن سرعان ما فاجأتها أميركا بفرض عقوبات على البرهان، فأصابتها صدمة، بسبب ضعف الخيال السياسي، والفشل في قراءة مسارات الأحداث في واشنطن ، وداخل الأمم المتحدة التي شهدت خلال الفترة الماضية جلسات نقاش مهمة، هيأت الراي العام الدولي لقرارات مرتقبة ، تهدف لوقف الحرب وحماية السودانيين من الحرب والجوع والمرض.
لم يكن هناك خيار مُتاح أمام دعاة الحرب وداعميها ،ومن يصبون الزيت على نيرانها سوى الصمت أوالتنديد سرا ، بعيدا عن الأضواء بعد صدور قرار العقوبات ضد البرهان .
لا خيار أمام آخرين مؤيدين لاستمرار الحرب، وهم قلة، سوى التنديد العلني بالقرار الأميركي، تحت تأثير المصالح الشخصية وأعباء الدور الوظيفي.
أصوات بعض هواة الشجب للقرارات الايجابية الداعمة لحقوق الانسان عالية ، لأن منافقة الحاكم تتيح المزيد من أعمال التسويق للذات والمتاجرة بأوجاع الناس، سعيا وراء مصالح شخصية لا علاقة لها بكرامة الانسان، ومصالح الشعب، المطحون بمواجع التشرد، واللجوء ، والجوع.، والمرض
لم استغرب صدور قرارات عقوبات أميركية ضد حميدتي والبرهان وآخرين ، لأن الانتهاكات لحقوق الانسان السوداني والممارسات السيئة لا يمكن انكارها، وقد اعترف قائد الدعم السريع بحدوثها،.
لكن البرهان لا يعترف بارتكاب قواته وقوات حلفائه انتهاكات صارخة لحقوق الانسان السوداني، وهو لم يعترف حتى الآن أنه نفذ انقلابا على حكم انتقالي مدني في 25 اكتوبر 2021، ويصف انقلابه بـأنه ” تصحيح مسار”.
كان حميدتي اعترف بخطأ مشاركته في الانقلاب ولكن بعد فوات الأوان، وكان هو الخاسر الأكبر كما كتبت في مقال بعد مشاركته في الإنقلاب.
كتبت في وقت سابق مقالات تنتقد التعنت، ورفض ايقاف الحرب واستمرار قتل وتشريد السودانيين، وانتهاك الأعراض واقتحام البيوت وتدميرها ومواصلة قصف المدنيين والمنشات العامة بالطائرات بمختلف مسمياتها .
شجبت عدم التجاوب مع مبادرة ” منبر جدة” وقلت إن القادة العسكريين يسعون إلى شرعية مستحيلة، بعد انقلابهم على حكومة مدنية انتقالية، ورأيت وما زالت أرى أن الملاحقة الأميركية والأوروبية لقادة الحرب والدمار في السودان والمنتهكين لحقوق الانسان ستستمر، و ستطالهم اليوم أو غدا عقوبات دولية متعددة الأشكال.
القرار الأميركي الأخير الذي أدخل البرهان في دائرة العقوبات الأميركية جاء غداة انتهاكات صارخة طالت مدنيين أبرياء في ولاية الجزيرة ( ود مدني) وأقبح ما فيها أنها انطلقت من نزعات عنصرية بغيضة، وكشفت روحا شريرة ، تستهين بانسانية الانسان، فتقتله بدم بارد، وتذبحه، وترمي به في النيل!!!!
القرار الأميركي ضد البرهان تزامن مع تأكيدات جديدة لقائد الجيش يؤكد مضمونها أنه يدعم استمرار الحرب، ولا يستجيب للنداءات الاقليمية والدولية بحل الصراع بالمفاوضات، كما استخف بالعقوبات الأميركية بعدما تسربت للصحافة الأميركية وقبل صدورها رسميا في بيان للخارجية الأميركية.
لا توجد حرب في العالم كله توقفت من دون تفاوض، وحتى في السودان فان الحرب التي خاضتها كل الحركات التي (تمردت) وقاتلت الحكومة المركزية خلال سنوات مضت، وبينها حرب خاضتها قبل سنوات حركات مُشاركة في حرب البرهان- حميدتي قد توقفت بعد جلسات تفاوض خارج السودان .
اللافت في توقيت القرارات الأميركية ضد حميدتي والبرهان أنها جاءت في الأيام الأخيرة لفترة حكم الرئيس الأميركي جو بايدن ، أي عشية جلوس الرئيس المنتخب دونالد ترامب على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض في 20 يناير 2025.
تحليلي أن بايدين وهو يودع البيت الأبيض يسعى للقول أنه حقق انجازات شملت الاهتمام بقضية حرب السودان، وهو حاول أيضا التأكيد في اطلالة تلفزيونية بأنه ساهم في نجاح مفاوضات الدوحة” ببلورة اتفاق ينص على وقف اطلاق النار في غزة والافراج عن رهائن أميركيين واسرائيليين، وكلام بايدين صحيح نسبيا.
مسارات الأحداث تؤكد أن بصمات ترامب قبل دخوله إلى البيت الابيض بدت واضحة من خلال ضغوط شديدة حملتها تصريحاته التي هددت بـ ” جحيم ” و” مشكلات كبيرة” ستحدث في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن غزة يضمن اطلاق الرهائن، وبينهم أميركيون.
أعتقد بان رياح ترامب بدأت تهب في السودان، وأن مقدماتها بدت واضحة في قرارات إدارة بايدين التي تناولت حميدتي والبرهان ، إذ ان هناك تنسيقا بين إدارتي بايدين وترامب بشأن غزة والسودان وملفات اخرى.
ترامب عشية دخوله إلى البيت الابيض طرح عنوانا لافتا لآلية تنفيذ سياسته التي قال إنها تهدف إلى إحلال السلام في العالم ، وهي آلية تستخدم ( القوة) لتحقيق السلام وفقا لتصريحاته ، وهذا يعني أن السودان لن يكون بمنأى عن سياسة ترامب الجديدة.
لكن هل سيمارس ترامب مجددا سياسة الابتزاز للجالسين على كراس ” الحكم” الانقلابي في السودان مثلما مارسها في فترة الحكومة المدنية الانتقالية ، بشأن قضية ( التطبيع) وهل سيلجأ البرهان أو حميدتي إلى استخدام ورقة ( التطبيع) مع اسرائيل كورقة لتجنب يد ترامب الطويلة وقراراتها الحاسمة؟
ترامب سيكشف عن سياسته الجديدة بشأن السودان بعد دخوله البيت الأبيض، لكن أعتقد أن أية مراهنة من البرهان أو حميدتي على ورقة ( التطبيع) ستكون خاسرة، لأن انقلابهما على الحكم المدني في العام 2021 أفقدهما شرعية مستمدة من ( انحيازهما) لثورة الشعب، وقد أطاح انقلابهما بهذه ( الشرعية) أي لا شرعية لهما حاليا، ولا شرعية للحكم في السودان بعد الانقلاب وفي ظل الحرب .
ورقة ( التطبيع) ستكون ورقة خاسرة أيضا لأن ترامب فرض ضغوطا شديدة على صديقه بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي كي يوافق على اتفاق الدوحة، بشأن وقف اطلاق النار في غزة،.
لا اعتقد بأن ترامب سيُجامل البرهان وحميدتي بشأن استمرار حرب السودان، أو يدعمهما أو يدعم أحدهما ليواصل حكم السودانيين بالحديد والنار.
مشكلة البرهان الكبرى تكمن أيضا في حلفائه الذين يسمون أنفسهم بـ ( الإسلاميين) وهم من أجنحة متشددة ومتطرفة ولا تمثل كل ( الحركة الإسلامية) وفقا للمواقف المعلنة، وتعكس تصريحات الأمين العام لحزب( المؤتمر الشعبي) دكتور علي الحاج خلافا واضحا مع داعمي الحرب، اذ يدعم السلام والحكم المدني.
أصحاب المواقف المتطرفة حكموا السودان 30 عاما، وقدموا تجربة حكم فاشلة، ويخوضون الحرب مع البرهان بشراسة ، ويسعون إلى استعادة حكمهم على انقاض بلد دمرته الحرب وشردت انسانه.
هذا التحالف يصطدم مع تطلعات معظم أهل السودان، ودول فاعلة في الاقليم ، والدول الكبرى التي تعلن من وقت لآخر دعمها لاستعادة الحكم المدني في السودان .
قلت في مقال قبل عام إن البرهان وحميدتي غير مؤهلين لحكم السودان ليوم واحد بعدما انقلبا على الحكم المدني.
وهاهي أميركا تقول في توقيت متأخر جدا في بيان لوزارة خارجيتها في 16 يناير 2025 أن ” أيًا من الرجلين ( البرهان وحميدتي) غير لائق لحكم السودان المستقبلي المسالم، تظل الولايات المتحدة ملتزمة بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع المرتكبة في السودان ودعم الانتقال الديمقراطي المدني).
هذا الموقف الأميركي رسالة ساخنة وواضحة وتحمل انذارا واضحا للقائدين العسكريين ، وأعتقد بأن هذا الموقف سيجد دعما من حلفاء واشنطن في العالم، وخصوصا من بريطانيا ، في إطار احكام الحصار على كل الاطراف التي تساهم في الحرب الشرسة في السودان، في سبيل وقف شلال الدم ، وبدء مرحلة جديدة في السودان.
قناعتي التي أكررها هي أن لا مستقبل للانقلابيين في السودان والعالم ، سواء صدق ترامب في قوله بأنه يسعى إلى السلام في العالم أم أنه يرمي بتصريحاته إلى اطلاق بالونات اختبار، للضغط على قيادات في العالم يسعى لتغيير سياساتها؟.
المستقبل في السودان للسلام والحرية والعدالة والحكم المدني الذي يحترم حقوق الانسان، ولا يستهين بأرواح البشر باختلاف أديانهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية.
mohamedelmaki.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لحقوق الانسان الدعم السریع الحکم المدنی فی السودان فی العالم ینایر 2025

إقرأ أيضاً:

لاتستعجل الشفاء بالرغم من تناول الدواء

لكل شئ في هذا الكون دورة يمر بها ولها قواعد يصعب على الانسان فهمها حتى الآن ويكفى أن نذكر قول الله سبحانه وتعالى "تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا"  فصعب علينا الفهم لأنه يَصُعب علينا معرفتنا بتسبيح خلق الله.

وهناك أكثر من قاعدة في المرض لا نفهمها حتى الآن ومنها كيف تتسلل هذه المخلوقات الميكروسكوبية الى جسد الانسان وكيف لا تتسلل؟ وثانياً فاذا تسللت فما الذي يوقفها؟ وما الذي لا يفعل؟ وثالثاً كيف يستجيب المرض للدواء في شخص ما ولماذا لا يستجيب لنفس الدواء في انسان آخر؟ والأعجب في المرض أنه يهاجم شيئاً واحداً في الجسد ولا يهاجم غيره بل أنه في العضو الواحد مثل القلب تهاجم المى الروماتيزمية صماماً واحداً مثل الصمام الميترالي ولا تهاجم الصمام الرئوي بمثل هذه الضراوة ولا يقتصر ذلك على القلب فقط بل ان المرض يفعل ذلك في معظم الناس ولا يوجد عندنا حتى الآن ما نعرف به شيئاً عن عقلية المرض أو ما يريد الفيروس أو البكتريا أن تفعله فان أضاق الصمام لا نعرف وان أحدث ارتجاعاً بالصمام فلا تعرف أيضاً ولا يوجد مؤشرات لذلك ولا نستطيع أن نعرفه ذلك.

وقد تكون منصفين ان قلنا أن المرض الواحد له أكثر من شكل في الانسان أو ليس له شكل محدد وهذه رحمة من الله حتى قيل في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه.

وخلاصة الأمر لا تستعجل الشفاء فقد تضر نفسك ولاتستعجل أخذ جرعات كثيرة أو سريعة  وتظن أن زيادة الدواء قد تعطي مفعولاً أكثر فللدواء Pharmacodynamics and pharmacokinetics     هما ما يتحكمان بمفعول الدواء وهل سيفيد المريض من عدمه  والانسان المؤمن بالله لابد أن يعرف الفرق بين أن تتناول الدواء وأن يصيبك الشفاء حتى الدواء وهو أصنافاً كثيرة يذهب الى مكان معين داخل الجسد والى مكان معين داخل الخلية وكأّن جدار الخلية عبارة عن بوابة عملاقة تحمي ما بداخلها ولا تسمح بالمرور الا لأشياءٍ معينة حتى الأكجسين والماء اللذان هما أساس الحياة لا يمران هكذا الى داخل الخلية الا بحساب معلوم ولجدار الخلية شفرات وأكواد لا تنفتح الا لمن يحمل الشفرة أو الكود مثلما نرى في الأفلام العلمية أو الخيالية فكأنها نفس الصورة التى نراها في الأفلام وتتصارع القاذفات والمدمرات من حول الخلية وتشكّل لها الرعب من حولها ولكنها برغم كل ذلك لا تستطيع أن تمر داخلها الا الميكروبات القاتلة التي لا تستطيع الخلية الحية أن تقف ضدها أو الميكروبات المستمرة لفترة طويلة فتنهك الخلية من طول استمراريتها.

فياأيها الانسان تريث قليلاً عند المرض فقد يشغلك قليلاً عن ممارسة حياتك الطبيعية غداً أو بعد غد ولكن قد تكون له فوائد كثيرة لا يعلمها الا الله.


استاذ ورئيس قسم الموجات الصوتية -  معهد القلب القومي
[email protected]

مقالات مشابهة

  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • لاتستعجل الشفاء بالرغم من تناول الدواء
  • بريطانيا تفرض عقوبات على 4 قادة في الدعم السريع بينهم شقيق حميدتي
  • صورة من بورتسودان..!
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • التصعيد الاسرائيلي على لبنان.. لقاء نتنياهو- ترامب المقبل سيكون حاسماً
  • ترامب يعيد رسم مصائر الزعماء
  • الإليزيه: ماكرون وستارمر وميرتس بحثوا مع ترمب حرب أوكرانيا
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • السودان واستراتيجية ترمب للأمن القومي