تشو شيوان

تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية شكّل لحظة فارقة، ليس فقط في السياسة الأمريكية؛ بل أيضًا في المشهد الدولي، وخاصة في العلاقات بين واشنطن وبكين، ومع حضور نائب الرئيس الصيني هان تشنغ حفل التنصيب، إضافة إلى المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب قبل أيام قليلة من الحدث، كل هذا أثار تساؤلات قديمة متجددة حول مستقبل العلاقات بين القوتين العظميين في عهد الإدارة الجديدة.

ما قاله الرئيس الصيني شي جين بينج، في تلك المكالمة الهاتفية يكشف الكثير عن تطلعات الصين، وتأكيده على أهمية التفاعل الإيجابي بين البلدين ورغبته في الدفع بالعلاقات الصينية- الأمريكية نحو التقدم من "نقطة البداية الجديدة"، يعكس الرؤية الصينية لبناء علاقة قائمة على التعاون بدلًا من الصراع. من جانب آخر أظهر الرئيس ترامب- رغم تصريحاته المثيرة للجدل خلال حملته الانتخابية- في تلك المحادثة استعدادًا للحوار والتواصل مع بكين، وقد وصف علاقته بالرئيس شي بأنها "رائعة" وتطلعه للقاء قريب يعكس إدراكًا واضحًا لأهمية الصين كشريك أساسي في النظام الدولي.

ورغم هذه النوايا الإيجابية، يبقى السؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب من تحقيق توازن بين خطابها السياسي الداخلي، الذي يميل أحيانًا إلى المواجهة مع الصين، وبين حاجتها إلى التعاون معها في القضايا الدولية؟ الصين، من جانبها، تبدو مستعدة للمضي قدمًا في بناء علاقة بناءة، لكنها بلا شك ستكون حازمة في الدفاع عن مصالحها الوطنية.

إنَّ ما يمكن أن نأمله هو أن تكون هذه البداية الجديدة فرصة لإعادة صياغة العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. العالم اليوم بحاجة إلى تعاون حقيقي بين واشنطن وبكين لمواجهة التحديات الكبرى؛ سواء كان ذلك في قضايا المناخ، أو الأمن، أو استقرار الاقتصاد العالمي، لكن تحقيق هذا التعاون يتطلب إرادة سياسية ورؤية استراتيجية من كلا الجانبين. فهل ستتمكن إدارة ترامب من التغلب على الضغوط الداخلية وتغليب منطق التعاون على الصراع؟ الأيام وحدها ستجيب.

تعد العلاقات الصينية-الأمريكية واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تأثيرًا في العالم اليوم. تأثيرها يتجاوز رفاهية الشعبين ليطال مستقبل ومصير البشرية بأسرها. هذا يجعل تنمية هذه العلاقة ضرورة استراتيجية تتطلب رؤية بعيدة المدى وطويلة الأمد، ومنذ عقود، شكلت التفاعلات الإيجابية بين البلدين حجر الزاوية في بناء علاقة معقدة لكنها محورية. وبداية من "المصافحة عبر المحيط الهادئ" التي قام بها قادة الجيل السابق، إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية التي وصفت بأنها "الحدث الأبرز الذي غيّر المشهد الاستراتيجي الدولي". هذه الأحداث لم تكن مجرد لحظات سياسية عابرة، بل كانت تعبيرًا عن قناعة بأن التعاون الصيني-الأمريكي ليس خيارًا؛ بل ضرورة عالمية. واليوم، يتجدد هذا الإدراك في الأوساط الدولية، إذ بات واضحًا أنه إذا أراد العالم قرنًا مستقبليًا مستقرًا، فلا بد للصين والولايات المتحدة من العمل معًا.

على مر السنين اتسمت سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة بالالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجميع، وهذه المبادئ ليست مجرد شعارات، بل ركائز تسعى الصين من خلالها إلى تعزيز الاستقرار والتنمية، ليس فقط في علاقاتها مع واشنطن، بل في النظام الدولي ككل.

في الوقت الراهن، تقف كلٌ من الصين والولايات المتحدة عند مفترق طرق، كلاهما يسعى لتحقيق أحلامه الوطنية المشروعة، وكلاهما يطمح إلى تحسين حياة شعبه، لكن هذه الطموحات، رغم اختلاف مساراتها فإنها تحتاج إلى نقطة التقاء تعزز من فرص التعاون بدلًا من التنافس المدمر. في عالم يواجه تحديات مشتركة كالتغير المناخي، والأوبئة، واضطرابات الاقتصاد العالمي، يصبح من غير المنطقي أن يعمل أكبر اقتصادين في العالم في عزلة أو في حالة صراع دائم.

إنَّ تطوير العلاقات الصينية- الأمريكية يحتاج إلى شجاعة سياسية من الجانبين، ورؤية مشتركة تضع رفاهية الشعوب فوق الاعتبارات السياسية الضيقة. وحده التعاون القائم على الثقة والاحترام المتبادل يمكن أن يخلق قاعدة صلبة لعلاقات ثنائية مستدامة تسهم في بناء عالم أكثر استقرارًا وازدهارًا للجميع، وبالنسبة إلى الصين، هي دائمًا تتمسك بالمبادئ الثلاثة للتعامل مع الولايات المتحدة، ألا وهي الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والفوز المشترك. والصين ترحب بأمريكا الواثقة والمنفتحة والمتقدمة والمزدهرة، وينبغي للولايات المتحدة أيضًا أن ترحب بصين مسالمة ومستقرة ومزدهرة.

وقبل مغادرة منصبه، اتبعت إدارة الرئيس السابق جو بايدن سياسة احتواء الصين وقمعها إلى أقصى حد. ويهدف هذا في الواقع أيضًا إلى تحديد المسار الذي يجب أن يتعامل به ترامب مع العلاقات مع الصين بعد توليه منصبه، لمنعه من الانحراف عن إطار احتواء الصين. وإن موقف الصين بهذا الشأن واضح للغاية. وفي مواجهة سياسة الاحتواء والقمع التي تنتهجها الولايات المتحدة، أطلقت الصين سلسلة من التدابير والإجراءات المضادة للعقوبات. وتهدف الإجراءات المضادة السريعة والحاسمة التي اتخذتها الصين إلى إخبار الولايات المتحدة بأن العلاقات الصينية الأمريكية لا يمكن أن تنحرف عن مسارها.

وبطبيعة الحال، باعتبارهما دولتان كبيرتان لهما ظروف وطنية مختلفة، فمن المؤكد أن هناك بعض الاختلافات بين الصين والولايات المتحدة. وخلال المكالمة، ذكر الرئيس شي أيضًا أن المفتاح هو احترام المصالح الأساسية والمخاوف الكبرى لبعضنا البعض، وإيجاد طرق لحل القضايا بشكل صحيح.

إنَّ السبب وراء نشوء المشاكل في العلاقات الصينية الأمريكية خلال الفترة الماضية هو على وجه التحديد أن الجانب الأمريكي لم يحترم المصالح الأساسية والمخاوف الكبرى للصين، وهذا ما يجب أن تتصالح معه إدارة ترامب وتتعامل معه بمعزلٍ عن مصالحها الخاصة، وأن تبني توجهاتها المستقبلية تجاه الصين بناءً على الفائدة المشتركة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

انتصار جديد لترامب في ملف الهجرة ومصير 500 ألف مهاجر من 4 دول على المحك

سمحت المحكمة العليا الأمريكية، يوم الجمعة، للرئيس دونالد ترامب بإنهاء الإفراج الإنساني المشروط عن 500 ألف شخص من أربع دول تواجه الحرب والاضطرابات السياسية، ليصبحوا معرضين للترحيل.

وقالت المحكمة العليا إن إدارة ترامب يمكنها إلغاء الوضع القانوني المؤقت لأكثر من 500 ألف مهاجر من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا.

وفي أبريل، منع قاض فيدرالي إدارة ترامب مؤقتا من إلغاء الحماية التي قدمتها إدارة بايدن بموجب برنامج CHNV للدخول المشروط.

وكان البرنامج قد منح المهاجرين حماية قانونية مؤقتة بعد فرارهم من العنف في بلدانهم الأصلية.

ويسمح البرنامج لمواطني كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا الموجودين خارج الولايات المتحدة والذين يفتقرون إلى وثائق دخول الولايات المتحدة بأن يتم النظر في طلبهم على أساس كل حالة على حدة، للحصول على تصريح مسبق للسفر وفترة مؤقتة تصل إلى عامين، يمكنهم خلالها العيش والعمل في الولايات المتحدة.

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن قرار المحكمة كان غير موقع ولم يقدم أي أسباب، وهو أمر شائع عندما يحكم القضاة في طلبات الطوارئ.

ويعد الحكم الذي يعرض بعض المهاجرين من كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وهايتي لاحتمال الترحيل، هو الأحدث في سلسلة من الأوامر الطارئة التي أصدرها القضاة في الأسابيع الأخيرة استجابة لسلسلة من الطلبات التي ترجو من المحكمة التدخل في محاولات الإدارة التراجع عن سياسات الهجرة في عهد بايدن.

وانتقدت القاضية كيتانجي براون جاكسون القرار، وقالت إن "المحكمة العليا أفسدت بشكل واضح تقييمها وقللت من شأن العواقب المدمرة المترتبة على السماح للحكومة بقلب حياة وسبل عيش ما يقرب من نصف مليون من غير المواطنين رأسا على عقب".

وكانت إدارة ترامب قد طلبت من المحكمة السماح لها بإنهاء حماية الترحيل لأكثر من 500 ألف شخص يواجهون أزمات إنسانية في بلدانهم الأصلية.

وفي 19 مايو 2025، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارا يسمح للرئيس دونالد ترامب برفع الحماية عن 350 ألف مهاجر فنزويلي، ما يتيح للإدارة الأمريكية ترحيلهم.

ويقضي القرار بتعليق حكم قضائي سابق كان ينص على إبقاء الحماية المؤقتة للمهاجرين الفنزويليين التي تنتهي الشهر الماضي.

واتخذت المحكمة العليا قرارها بأغلبية الأصوات، حيث اعترض قاض واحد فقط عليه، ولم تقدم أي مبرر للقرار.

وكان نحو 350 ألف مهاجر فنزويلي يتمتعون بوضع يسمح للأشخاص بالإقامة والعمل بشكل قانوني في الولايات المتحدة في حال كان بلدهم الأصلي غير آمن للعودة بسبب كوارث طبيعية أو نزاعات داخلية.

وبعد تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة الأمريكية في يناير الماضي تحركت الإدارة الأمريكية الجديدة لنزع الحماية عن المهاجرين وإلغاء أوضاعهم التي تسمح لهم بالبقاء في الولايات المتحدة. وقدمت طعونا كثيرة للقضاء بهذا الشأن، مما قد يعرض مئات الآلاف من المهاجرين للترحيل.

إلى ذلك، أوضحت صحيفة "نيويورك بوست" أن إدارة ترامب لم تحاول  حتى الآن إلغاء وضع 240 ألف أوكراني حصلوا على الإفراج المشروط لأسباب إنسانية على الرغم من أنها أوقفت النظر في الطلبات الجديدة بموجب هذا البرنامج.

مقالات مشابهة

  • بولندا.. انتخاب حليف لترامب قد يغير سياسات البلد والاتحاد الأوروبي
  • تنامي التفاعل الشعبي يُعزِّز دفء وعمق العلاقات الصينية العربية
  • وزير الصحة يستقبل الرئيس التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لبحث الفرص الاستثمارية وتطويرها
  • تدهور جديد في العلاقات التجارية.. الصين تتهم أمريكا بانتهاك الهدنة وتتوعد بالرد
  • مونديال بلا جمهور.. كيف تهدد سياسات الهجرة الأمريكية كأس العالم 2026؟
  • السفيرة الأمريكية: مصر قلب الإسلام المعتدل ولها دور عظيم في مكافحة الإرهاب
  • وكالة كونا: زيارة الرئيس الشرع إلى الكويت تحمل أهمية خاصة في مسيرة العلاقات الكويتية السورية
  • تجسيد "روح باندونغ" في العلاقات الصينية العربية
  • أميركا اللاتينية تميل إلى الصين في خضم الحرب التجارية
  • انتصار جديد لترامب في ملف الهجرة ومصير 500 ألف مهاجر من 4 دول على المحك