زيارة إيرانية للراعي: رسالة وتطمينات
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
كتب عماد مرمل في" الجمهورية": يبدو واضحاً أنّ لدى السفارة الإيرانية في بيروت اهتماماً بإبقاء خطوط التواصل مع بكركي سالكة، على رغم من التباينات حول مقاربة بعض الملفات والقضايا أحياناً. كذلك يبدي الراعي من جهته حرصاً على إبقاء أبواب بكركي مفتوحة أمام الزوار الإيرانيّين في إطار الانفتاح على الآخر ولو من موقع الاختلاف.
وإذا كان «الدافع البروتوكولي » لزيارة المستشار الثقافي الإيراني الثانية خلال سنتَين، هو معايدة الراعي بالسنة الميلادية الجديدة والتهنئة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إّلّا أنّ ما ميّزها أمران:
الأول، إهداء السيد باقر إلى البطريرك الماروني سجادة عجمية من نوع «حريرخراسان »، تُعرف بقطبها المخفية، وهي نالت إعجاب الراعي الذي شكر ضيفه على بادرته.
والثاني، تسليم المستشار الثقافي إلى البطريرك الراعي نسخة من رسالة كان قد وجّهها مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي الخامنئي إلى البابا فرنسيس عبر السفير الإيراني في الفاتيكان قبل فترة قصيرة.
وما بين الرسالة المنقولة والسجادة المهداة، عُلم أنّه تخلّل لقاء الراعي - باقر بحثٌ في عدد من القضايا المطروحة، إذ توقف المستشار الثقافي الإيراني عند حربَي الكيان الإسرائيلي على غزة ولبنان، مشيداً بالانتصار الذي حققهما الشعبان اللبناني والفلسطيني في مواجهة عدوان الاحتلال.
وعلى مستوى الشأن اللبناني، أكّد الزائر الإيراني حرص بلاده على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية، سواء ما يتعلّق بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة أو غيرهما من التفاصيل.
وأشاد الزائر الإيراني بموقف البطريرك الماروني الذي رفض فيه إقصاء أيطرف لبناني، فأجابه (الراعي بأنّ لبنان لا يقوم إّ لّا على التعايش بين أبنائه، لافتاً إلى أنّ الدستور يؤكّد بأنّ لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك.
وأضاف البطريرك مخاطباً ضيفه: «لن يكون هناك من طلاق بين المسيحيّين والمسلمين في لبنان استناداً إلى مبادئ الدستور .»
وبعد اللقاء، أكّد باقر أنّه شدّد خلال اجتماعه مع البطريرك على رسالة المحبةوالسلام والإيمان والاستقرار، وضرورة مواجهة القوى الشريرة والظالمة، مستشهداً ببعض آيات الكتاب المقدس التي تدعو إلى إنقاذ المظلومين ونصرتهم، «وهذا هو الدور الذي تؤدّيه الجمهورية الإسلامية .»
ولفت إلى أنّ إيران لم ولن تتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية، بل تدعم فقط خيار الشعب اللبناني المقاوم الذي اتخذ قراراً بالدفاع عن نفسه ومواجهة المحتلّين، منوّهاً باحتضان الشعب اللبناني بمكوّناته وطوائفه كافة للنازحين.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل تفضي التهدئة المرتقبة بغزة لمواجهة إسرائيلية إيرانية أوسع؟
مع اقتراب التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة، تتجه الأنظار إلى ما وراء هذا الاتفاق، حيث بدأت تبرز تقديرات إسرائيلية تربط بين وقف إطلاق النار وفتح جبهة مواجهة محتملة مع إيران، وسط ملامح لتحول في الأولويات العسكرية والسياسية لدى صناع القرار في تل أبيب.
فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إعلانا رسميا بشأن التهدئة سيتم خلال يوم أو يومين، بينما تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مشاوراتها مع الفصائل الفلسطينية بخصوص مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف، في وقت يربط فيه قادة عسكريون إسرائيليون هذه التهدئة بمقتضيات التعامل مع "التهديد الإيراني".
وترى الباحثة في الشأن الإيراني بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتورة فاطمة الصمادي، أن الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن إيران في هذا التوقيت ليس وليد اللحظة، بل يعكس ترتيبا إستراتيجيا يعتمد على تصفية الساحات "الثانوية" قبل التفرغ للمواجهة الكبرى.
وأوضحت الصمادي في حديثها لبرنامج "مسار الأحداث" أن غزة تُعامل في العقل الأمني الإسرائيلي كجبهة قابلة للاحتواء عبر الحصار أو الضربات الموضعية، لكن إيران تمثل الخطر البنيوي الأعمق، ولهذا فإن التهدئة الحالية تعكس –برأيها– تفكيرا إسرائيليا في إعادة التموضع استعدادا لجبهة أكثر تعقيدا وامتدادا.
إعلانوتوضح أن طهران تدرك حجم هذا التوجه الإسرائيلي، ولهذا تعمد إلى تصعيد منضبط عبر أطراف حليفة كحزب الله والحوثيين، بما يضمن بقاء المعركة ضمن حدود لا تستفز الأميركيين نحو مواجهة شاملة، لكنها في الوقت ذاته تستعد لكل السيناريوهات، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بشأن ملفها النووي.
أزمة إستراتيجيةفي حين يرى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي، أن التحول في التصريحات الإسرائيلية يعكس أزمة إستراتيجية، إذ تجد تل أبيب نفسها ممزقة بين رغبتها في الحسم العسكري في غزة وخشيتها من استنزاف يمنعها من خوض مواجهة مع إيران.
وأضاف أن تصريحات رئيس الأركان إيال زامير التي ربط فيها بين صفقة التبادل وضرورة التفرغ للجبهة الإيرانية، تعكس تغيرا في التقدير العسكري، وتؤشر إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تنظر للتهدئة كجزء من معركة أوسع نطاقا.
وأشار مصطفى إلى أن بعض التقييمات في إسرائيل بدأت تتعامل مع إيران كمصدر الخطر الرئيسي، وليس فقط كداعم لحماس أو حزب الله، مؤكدا أن الجدل الداخلي لم يعد مقتصرا على غزة بل امتد إلى شكل الحرب القادمة وحدودها الزمنية والجغرافية.
وحذر من أن الاستعدادات الإسرائيلية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل أيضا الجبهة الداخلية، في ظل توقعات بأن أي رد إيراني سيشمل صواريخ ثقيلة قد تربك الاقتصاد الإسرائيلي وتكشف هشاشة البنية التحتية.
تهديد مركزيوفي قراءة لمستقبل هذه المواجهة، قال المفكر والكاتب الصحفي فهمي هويدي إن إسرائيل تحاول تهيئة الرأي العام الداخلي والدولي للانتقال إلى مرحلة أكثر خطورة، عبر تصوير إيران كتهديد مركزي يستدعي تحركا استباقيا.
ولفت هويدي إلى أن المبالغة في تسويق هذا التهديد الإيراني يخدم أيضا مصالح داخلية إسرائيلية، على رأسها تعزيز التماسك السياسي وخلق مظلة دعم أميركية لأي خطوة مقبلة، سواء عبر ضربات جوية أو تصعيد دبلوماسي.
إعلانواعتبر أن ما يُقدّم للرأي العام في إسرائيل حول التهدئة بغزة هو خطاب موارب، إذ لا يعكس رغبة حقيقية في إنهاء الحرب، بل يهدف إلى إعادة تموضع يمكن تل أبيب من خوض معركة جديدة على جبهة أخرى.
وفي هذا السياق، أظهرت تقارير إسرائيلية أن المؤسسة العسكرية تعتبر الضربة الوقائية ضد المواقع النووية الإيرانية "ضرورية"، رغم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يرى أن توقيت مثل هذه الضربة قد يضر بالمفاوضات النووية الجارية مع طهران.
خيار التصعيدوتتخوف تل أبيب –وفق الصمادي– من أن تؤدي المفاوضات النووية إلى تهدئة قد تُكبّل يدها لاحقا، لذا تُبقي خيار التصعيد مطروحا، مع مراعاة الموقف الأميركي الذي لا يزال غير محسوم تجاه أي عمل عسكري أحادي الجانب.
وأشارت الصمادي إلى أن إسرائيل تحاول خلق حالة إلحاح أمنية تضغط بها على البيت الأبيض لتغيير موقفه، مستغلة السياق الإقليمي الملتهب والارتباك الأميركي في التعامل مع ملف إيران النووي.
ويعتقد مصطفى أن فشل إسرائيل في الحسم العسكري بغزة جعلها أكثر حرصا على كسب الوقت عبر التهدئة، لكنها في الوقت نفسه بدأت الإعداد لمسرح عمليات جديد يتجاوز القطاع، مرجّحا أن تكون الضفة الغربية وجنوب لبنان جزءا من سيناريو المواجهة القادمة.
ويؤكد هويدي أن تهدئة غزة قد لا تكون أكثر من "هدنة اضطرارية" تمليها اعتبارات داخلية وخارجية، لكنها لا تعني أن الحرب وضعت أوزارها، بل إن إسرائيل تتعامل معها كمرحلة مؤقتة تسبق تصعيدا أخطر، قد لا يقتصر على حدود فلسطين.