ماجد المرهون
majidalmrhoon@gmail.com
المُتابع للأحداث في فصل الخريف سيُلاحظ أنَّها تتخذ 3 مراحل مُتكررة تقريبًا لعدة سنوات ماضية- باستثناء فترة كورونا- وتبدأ من شهر إبريل من كل عام على المستوى الإعلامي والأخبار المصاحبة التي توضح الاستعدادات وتكشف عن بعض التجهيزات الجديدة أو المحدَّثة من النسخ السابقة، وما يُستثار حولها من لغطٍ وتبصرات عند البعض وربما تخمينات في أحيانٍ ومناسبات عدةٍ تستند في معظمها على المشهد الظاهري أو الحكم المُسبق.
ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية مع دخول الموسم نفسه وتغير الطقس منذ منتصف شهر يونيو لتنشط هنا مواقع التواصل بسبب آراء المستخدمين والتباين فيها ملحوظ ومعلوم وبات من الأمور شبه المسَّلم بها، حتى نصل إلى المرحلة الثالثة والأخيرة وهي الأوج في شهر أغسطس ويتزايد معها كل شيءٍ تقريبًا بسبب توافد أعداد كبيرة من الزوار كما أنها مرحلة تنطلق سريعًا للختام حيث الموسم الدراسي بفصليه منافسٌ صلبٌ جدًا لموسم الخريف قياسًا مع بقية الفصول.
كثيرًا ما نسمع عن انتقادات أغلبها يدور حول عدم الرضا عن التجهيزات المُتأخرة والتي تقترب المرحلة الأخيرة للانتهاء منها من المرحلة الثانية سالفة الذِكر، وهي بداية الموسم في شهر يونيو وقد لا يعلم المنتقدون الأسباب الكامنة وراء ذلك، وربما يعتقدون وبكل بساطة أنها تسويفات وتأخيرات متعمدة لكسب أطول وقتٍ ممكنٍ للاسترخاء، بينما حقيقة الأمر تُناقض ذلك تمامًا؛ إذ لا ينفي وجود الشيء عدم علمنا به والعاملون خلف الكواليس هم الأكثر معرفة بالصعاب والتحديات؛ سواءً كانت مالية أو جسدية أو ذهنية، ولعل هذه الأخيرة هي الأكثر قلقًا وخطورة على العاملين أنفسهم فلهم عظيم الشكر وبالغ الامتنان، ولكن البعض من المؤثرين على مستوى مواقع التواصل لا يقدرها ولا يهتم بها لعدم معرفته بها وبالتالي تدخل ضمن عدمية وجودها في وعيه وكل ما يهمه هو الخروج بأكبر محصلةٍ نقدية تُغذي منصته بالمتابعين.
بعد أن تمُر المرحلة الأولى مع كل جدلياتها ومتناقضاتها بسلامٍ، تبدأ الثانية وهي الأكثر جدلًا وتناقضًا والأقل استقرارًا، وكما أن البيئة في محافظة ظفار خِصبة طبيعيًا فهي خِصبة كذلك للمنتقدين الساعين وراء صناعة محتوى على وسائل التواصل وما أكثرهم، مع انخفاض ملحوظ في ظهور بعض من يُعرفون بالمشاهير مُؤخرًا؛ وتتكاثف الغيوم ويتراكم بعضها فوق بعضٍ لتحجُب السماء وكل أجرامِها ليلًا ونهارًا فيتبدل وجه الأرض ويتغير لونه في عدة أيام وبسرعة تدعو للغرابة ومع هذه التحولات الطبيعية الموثقة صوتًا وصورة يتوافد الزوار والسياح برًا وجوًا بأعدادٍ كبيرةٍ وتتراكم أعدادهم بعضها فوق بعضٍ بسرعة تدعو للدهشة حتى يبدو للناظر غير المتأمل بأن المكان لن يتسع لهم وعمليًا هو عكس ذلك لما نشهده من زحامٍ في الطرقات والأسواق لنبدأ بالخوض في أحاديث البنية التحتية وصناعة السياحة كما كنَّا نفعل في الأعوام الماضية ويبدو لي أن تكرار الحديث في هذه الأمور بدأ يتخذ اتجاه العادات والتقاليد المرتبطة بالمواسم والمناسبات.
في هذه المرحلة السياحية تكون المنطقة قد استوعبت أعدادًا غفيرةً من الناس وهم بلاريب من أعراقٍ وثقافات مختلفة وطباعٍ وآدابٍ متباينة ونشأةٍ وتربيةٍ متفاوتة وهكذا يحدث مع السياحة وتأتي أفعالهم وتصرفاتهم بحسب تلك المعايير فتظهر معهم المدخلات التي ربما لم يعتادها المجتمع المحلي أو لا يستسيغها في بعض الأحيان، لكننا نعلم أنها مرحليةٍ يُؤطرها ظرف الزمان وضرورات المكان، وستنتهي فور مغادرتهم ولا نستطيع وصمها بصفة مُدخلات فكرية جديدة ذات تأثير عميق على المجتمع المحافظ المتمسك بثقافته.
تَعمَد تجهيزات المواقع السياحية والمناشط إلى المواءمة بين الزوار والمتطلبات لاحتواء كل أنواع الميول والأمزجة والرغبات بقدر الإمكان والمستطاع ولكنها لن تستطيع فرش بساط أحمر تحت كل قدم تطأ أرضًا أو تدوس حجرًا، ولن تمنع مجموعة شباب من الرقص في مكانٍ قدِموا إليه بإرادتهم غير مُكرهين ولا دخالة محدثة على المجتمع؛ حيث إن ظرفية الموقع تؤهل لذلك، وحريٌ بمن لا تتوافق مع ميوله تلك الأماكن تجنُبها، ولكن المُدخل هنا هو المنافحة عن النفس بأخذه على محملٍ شخصي وانتفاء ضرورة الجلوس على الكرسي أثناء الرقص يجعل منه سلاحًا فتاكًا لدفع الضرر بموجب الوقوع الفجائي في خلط فجٍ للعادات والتقاليد. كما لا يُمكن للتجهيزات تصريف ازدحام السير في الطرقات بعصى ساحرٍ أو ضغطة زر؛ إذ إنَّ العدد الضخم للسيارات القادمة أكبر من القدرة الاستيعابية للشوارع نفسها، وقد لا نرى أو لا نعلم أن الحلول المستقبلية موضوعة مسبقًا، فنحكم بصورة نقدية لاذعة بعدم وجودها، لكننا نستطيع رؤية الجهود الحثيثة والمضنية الحالية في التنظيم ليستوجب علينا الحكم عليها بالإشادة والإعجاب.
عندما نصل لأوج المرحلة الثالثةِ والأخيرة، وقد استوى موسم الخريف على سوقه واتخذت الأرض زخرفها وازدانت النباتات بثمرها وطلعها واغرورقت الهضاب والذرى والوديان في بهاءٍ قشيبٍ من الخضار، تبدأ شلالات النقد والتنمر بأنواعها بالتدفق بكل أسف لتصب غيضها وتغذي بحر مواقع التواصل، كما تجيش شلالات المياه العذبة النميرة بالتدفق وتفيض على جنبات الطرق، لتصب فيضها بكل حسرة مغذيةً بحر العرب، وتتعالى الأصوات وتتنادى بضرورة التعديل والتغيير والإصلاح وغيرها، ومنها ما هو حكيمٌ متزن يضع نداءه في قالب نقدي واقعي ويضمِّنه بالآراء والمقترحات والحلول؛ وهي أصوات لطيفة غير مزعجة يسمعها القريب والبعيد كصوت الشلال جعفر في دربات وهو يقول للجميع: "أما آن الأوان للاستفادة من هذه المياه المهدورة"؟! بيد أن لغة الشلالات لا يفهمها بعض الناس، ومن الأصوات ما هو أحمق قارص ويبحث عن محتوى نقدي ساعٍ وراء قافلة المنتقدين لمجرد النقد فقط، وهي أصوات خافتة لا تسمع وربما لا يلقى لها بالًا كصوت ذبابة البرغوث الظفاري أو المعروفة محليًا بـ"العارنوت"، وهي تهمس في أذن أحد الذين يفهمونها قائلةً: "ماذا لو لم أكن موجودة، هل تعتقد بأن الأمر سيبقى على ماهو عليه، ألا تعلم أن الله قد خلق كل شيءٍ بقدر"؟! فيقول: هذا أمر لا يمكن التفكير بحلهِ به، كما نفكر بالمناشط والفعاليات الموسمية، ونترك الجواب لخبراء البيئة بوضع رؤيتهم وتوقعاتهم لأسوأ وأخطر الاحتمالات على المدى البعيد، وأنتِ عليكِ الابتعاد عن بعض المواقع السياحية في الوقت الحالي فهناك خطر على حياتكِ وحياة أبنائك، وسوف أتركك الآن لأني سأغادر هذه الأرض الجميلة عائدًا بسبب انتهاء الإجازة الصيفية واقتراب تاريخ عودة الطلاب إلى المدارس، فوقت الخريف انتهى بالنسبة لي وليس بالنسبةِ لكِ كموسم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. عزمي محافظة رجل المرحلة في تطوير التعليمالأردني
صراحة نيوز- بقلم الأستاذ/ مروان ابوديه
منذ أن عاد د. عزمي محافظة لتولّي حقيبتي وزارة التربية والتعليمووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في عام 2022، أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه رجل المرحلة التعليمية في الأردن، إذ جاء في وقت كانت فيه المنظومة التعليمية بأمسّ الحاجة إلى إعادة ضبط شاملة على مستوى السياسات، والبنية المؤسسية، والبنية التحتية. ومنذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، تبنّى رؤية إصلاحية ترتكز على ثلاثة محاور استراتيجية: تخطيط بعيد المدى، وإصلاحات منهجية عميقة، وتعزيز العدالة والجودة في الوصول إلى التعليم.
قاد محافظة جهودًا شاملة لإعادة صياغة الهوية التعليمية الوطنية، وذلك من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتعليم للأعوام 2026–2030، بمشاورات وطنية موسّعة بمشاركة المعلمين، والخبراء، وصناع السياسات، وبالتنسيق مع منظمات دولية كاليونسكو. ولم يتوقف عند وضع الخطط، بل حرص على تحويلها إلى برامج تنفيذية فعلية، منها: إعادة هيكلة امتحان الثانوية العامة، وتطوير التعليم المهني، وتحديث البنية الرقمية، وافتتاح مدارس جديدة في المناطق المهمشة.
وعلى صعيد التعليم العالي، قاد الوزير عملية إصلاح إداري وأكاديمي لمؤسسات التعليم الجامعي، تضمنت تحسين آليات القبول الجامعي، وتوسيع قاعدة المستفيدين من صندوق دعم الطالب، وتفعيل نظام رقابة أداء الجامعات والمؤسسات الأكاديمية. وفي وزارة التربية، أنشأ وحدات مؤسسية جديدة تُعنى بإدارة الأزمات، وقياس جودة التعليم، وتطوير المعلم، لتصبح الوزارة أكثر استجابة وفاعلية في تنفيذ البرامج والمبادرات على أرض الواقع. إن ممارسات الوزير لم تكن مبادرات فردية أو لحظية، بل تجسيدٌ واضح لفلسفة عمل حكومية تتسم بـالاستمرارية، والعمق، والارتباط بالتحول الوطني الأشمل نحو اقتصاد المعرفة. ولذلك، فإن بصمته تتجاوز اللحظة السياسية، وتمتد لبناء نظام تعليمي عصري، قادر على مواجهة التحديات المحلية والتحوّلات العالمية على حد سواء.
من أبرز ما يميز عهد محافظة هو تبنّيه لنهج التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، وهو ما انعكس بوضوح في قيادته لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2026–2030، والتي تُعد أول وثيقة مرجعية تربط بوضوح بين السياسات التعليمية في الأردن وركائز رؤية التحديث الاقتصادي، وأهداف التنمية المستدامة 2030. وقد جاءت هذه الاستراتيجية ثمرة حوار وطني موسّع شمل خبراء تربويين، ومؤسسات مجتمع المدني، وتمّت صياغتها بناءً على تقرير لتقييم قطاع التعليم الأردني أُنجز بالتعاون مع منظمة اليونسكو. وركّزت الاستراتيجية على سبعة محاور مركزية، أبرزها: تطوير المناهج، وإعداد وتأهيل المعلم، والتحول الرقمي، والتعليم المهني، والبنية التحتية، والتعليم في الأزمات، والحوكمة التعليمية. وتمتاز بأنها لا تنحصر في الاستجابة للتحديات الحالية فحسب، بل تُؤسّس لمسار مستقبلي يضمن تعليمًا ذا جودة شاملة، مرنًا، وعصريًا، ويُهيّئ الأجيال المقبلة للمنافسة إقليميًا وعالميًا.
وفي خطوة تاريخية تم الاستجابة لمطالب تربوية مزمنة، أطلق الوزيرمشروع إعادة هيكلة امتحان الثانوية العامة “التوجيهي“، الذي طالما اعتُبر العائق الأكبر أمام تطور المنظومة التعليمية في الأردن. فقد تم تقسيم التوجيهي إلى ستة مسارات أكاديمية، لتتناسب مع ميول الطلبة وتوجهاتهم، وتحقق مواءمة مباشرة مع احتياجات سوق العمل وشروط القبول الجامعي. ويُعد هذا التحول جذريًا، لأنه يضع حدًا للتركيز المفرط على الحفظ النظري، ويهيئ الأرضية للانتقال نحو نظام امتحان إلكتروني تدريجي يعتمد على المهارات والفهم بدلًا من التلقين. كما أُدرجت في خطة التوجيهي الجديدة مكونات تقييم مهارات عليا ومهنية، ليُصبح الامتحان أكثر عدالة وواقعية في قياس كفاءات الطلبة.
في إطار ربط التعليم بسوق العمل، تبنّى محافظة مسارًا واضحًا لإعادة الاعتبار للتعليم المهني، كمسار استراتيجي لا يقل أهمية عن الأكاديمي. وتمثلت إحدى أبرز خطواته في إنشاء مدارس مهنية حديثة ومتكاملة في مختلف محافظات المملكة، لا سيما في المناطق التي تعاني من بطالة مرتفعة بين فئة الشباب، وذلك بهدف تمكين الطلبة من اكتساب مهارات عملية مباشرة تؤهلهم لسوق العمل المحلي والدولي.وقد تم ذلك بالتعاون مع شركاء دوليين من أوروبا وبريطانيا، من خلال تطبيق نموذج التعليم البريطانيBTEC القائم على الكفايات، وهو نموذج معترف به عالميًا، يركز على دمج الطالب في أنشطة واقعية تحاكي بيئة العمل، بعيدًا عن التعليم النظري التقليدي. وتم تصميم برامج مهنية متخصصة لطلبة الصفوف من العاشر حتى الثاني عشر، إضافة إلى برامج مشتركة مع غرف الصناعة لضمان مواءمة المخرجات مع احتياجات القطاعات الإنتاجية.
وبهدف خلق بيئة تعليمية عصرية تدعم هذا التوجه، وقع الوزير اتفاقيات تعاون مع الحكومة الألمانية بقيمة 35 مليون يورو، خُصصت لتمويل مشاريع رقمنه المختبرات المدرسية، وتجهيز مراكز امتحانات التوجيهي بتقنيات رقمية متطورة مثل الحواسيب، وشاشات العرض الذكية، وأنظمة المراقبة. كما تضمنت الاتفاقيات توفير تدريب فني للمعلمين والفنيين، بما يضمن الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات وتوظيفها في خدمة التعليم. وفي السياق ذاته، شهدت المدارس الحكومية تحديثات واسعة في شبكاتها التكنولوجية والبنية التحتية الرقمية، حيث تم تزويد العديد منها بخدمات إنترنت فائق السرعة، وأُطلقت برامج لصيانة وتطوير مختبرات الحاسوب القديمة، مما ساعد في دمج التكنولوجيا بشكل فاعل في الحصص الدراسية، وساهم في دعم خطة التحول نحو التعليم المدمج والتعليم عن بُعد عند الحاجة. هذا التكامل بين التعليم المهني والبنية التكنولوجية الحديثة يعكس رؤية الوزير في أن يكون التعليم بوابة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، لا مجرد وسيلة للحصول على شهادة أكاديمية تقليدية.
في إنجاز بارز يعكس التحوّل العملي في السياسات التربوية، انخفضت نسبة الأمية في الأردن إلى 4.9% مطلع عام 2024، وهو أقل معدل يتم تسجيله منذ عقود. وقد جاء هذا التراجع نتيجة حزمة متكاملة من البرامج العلاجية والتعليمية التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم، بتوجيه مباشر من محافظة، لاستهداف الفئات الأقل حظًا، خصوصًا في المناطق الطرفية والريفية. وتضمنت هذه البرامج حملات ميدانية لمحو الأمية، وإعادة دمج المتسربين في التعليم، وتوفير حصص دعم وإثراء داخل المدارس وخارجها لتعويض فاقد التعلم الذي تراكم بفعل جائحة كورونا، وهو الفاقد الذي كان يهدد فرص الطلبة في التحصيل والالتحاق بمراحل التعليم الأعلى. كما تم دمج برامج محو الأمية مع التدريب المهني البسيط، لتعزيز مهارات الحياة لدى المتعلمين الكبار.
وفي مجال الإدارة العامة والجودة المؤسسية، حققت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بقيادة محافظة، فوزًا تاريخيًا بالمركز الأول في جائزة الملك عبد الله الثاني لأداء القطاع الحكومي والشفافيةللعام 2023/2024، متفوقة على عشرات الوزارات والمؤسسات الحكومية. وقد جاء هذا الفوز تتويجًا لجهود حثيثة في تحسين البنية الإدارية، ورقمنه الخدمات، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتفعيل معايير الأداء المؤسسي القائم على النتائج، وهي مقاربات حديثة قلّما كانت تُطبّق بفاعلية في القطاعات التعليمية.
أما على صعيد العدالة الاجتماعية والتعليمية، فقد عمل محافظة على توسعة قاعدة المستفيدين من صندوق دعم الطالب الجامعي، من خلال آلية غير تقليدية تمثلت في إعادة تدوير المنح الدراسية المُلغاة (التي لم يستفد منها طلبة سابقون)، وإعادة تخصيصها لطلبة جدد، مما أتاح لـ4000 طالب إضافي فرصة الحصول على دعم مالي دون تحميل خزينة الدولة أي أعباء مالية جديدة. هذه الخطوة شكلت نقلة نوعية في إدارة الموارد التعليمية وتحقيق الكفاءة في الإنفاق العام.وفي إطار سياسة تعزيز العدالة في توزيع المدارس والخدمات التعليمية، افتتحت الوزارة عددًا من الأبنية المدرسية الجديدة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، أبرزها في وادي الأردن، حيث كانت الاكتظاظات الصفية تشكل تحديًا مزمنًا. وجاءت هذه التوسعة ضمن برنامج حكومي متكامل لتحديث الأبنية، وتحسين بيئة التعليم، ورفع الطاقة الاستيعابية للمدارس.
وضمن دوره الإقليمي والإنساني الريادي، أطلق محافظة مبادرة نوعية تمثلت في إطلاق منصة تعليم إلكتروني مجانية لطلبة فلسطين تحت اسم WISE School، استجابة للظروف القاسية التي يعيشها الطلبة في غزة والضفة الغربية والقدس نتيجة الحصار والعدوان والانقطاع المتكرر للخدمات التعليمية. وقد وفّرت المنصة محتوى تعليمي رقمي شامل يغطي المناهج الفلسطينية بأسلوب تفاعلي، وتم تصميمها لتكون قابلة للتشغيل حتى في البيئات منخفضة الاتصال بالإنترنت، مما جعلها متاحة لشرائح واسعة من الطلبة. وقد تعاونت الوزارة مع مؤسسات دولية وشركاء تقنيين لتطوير المنصة، كما جرى تدريب معلمين فلسطينيين على استخدامها لضمان التفاعل الإيجابي وتحقيق الأثر المرجو. وتُعد هذه المبادرة امتدادًا للموقف الثابت للأردن، قيادةً وحكومةً، في دعم حق التعليم للفلسطينيين، وترسيخًا لدور المملكة كحاضنة للملف التربوي العربي في المحافل الدولية، خاصة في ظل الأزمات السياسية والإنسانية المستمرة التي يواجهها قطاع التعليم في فلسطين.
وفي السياق المحلي، أطلق محافظة استراتيجية وطنية متكاملة لإدارة الأزمات والمخاطر في قطاع التعليم للأعوام 2023-2027بالتعاون مع منظمة اليونسكو، بهدف رفع جاهزية النظام التعليمي الأردني لمواجهة الطوارئ المختلفة، سواء كانت صحية، أو طبيعية كالكوارث البيئية، أو مجتمعية كالأزمات الأمنية. وتضمنت الاستراتيجية إجراءات استباقية متعددة، من أبرزها:
• إنشاء وحدة مركزية متخصصة داخل الوزارة لإدارة الأزمات والطوارئ. • وضع بروتوكولات تشغيل مرنة للمدارس عند تعطل الدوام التقليدي. • تفعيل منصات التعليم عن بُعد، وتوفير محتوى إلكتروني متكامل يسهل الوصول إليه. • تدريب الكوادر الإدارية والتعليمية على آليات الطوارئ والتدخل السريع. • إدماج مفاهيم “التعليم الآمن” و”المرونة المؤسسية” في الخطط التشغيلية للمديريات.وهكذا، لم تقتصر جهود محافظة على إدارة الأزمة عند وقوعها، بل أسس لبنية مؤسسية تجعل التعليم الأردني أكثر مرونة واستدامة في وجه التحديات المستقبلية، وهو ما يعكس وعيه العميق بإدارة الأزمات في القرن الحادي والعشرين، ودوره الريادي في تحصين التعليم كمرفق وطني حيوي لا يتوقف.
وما يميّز محافظة عن غيره من الوزراء هو حضوره الميداني الفعّال وتواصله المباشر مع الواقع التربوي. فهو لا يكتفي بإصدار التعليمات من مكتبه، بل يُجري زيارات مفاجئة ودورية للمدارس في مختلف المحافظات، في مشهد يعكس جدّية الحكومة في متابعة القطاع التربوي على الأرض. ومن خلال هذه الجولات، لا يتردد الوزير في إصدار توجيهات فورية لمعالجة الاختلالات أو تلبية الاحتياجات الملحّة، سواء عبر صيانة عاجلة للأبنية المدرسية، أو إعادة بناء مدارس غير صالحة خلال فترات زمنية قياسية، أو تعزيز الكادر التعليمي والإداري في المدارس التي تعاني من نقص. هذا النمط من القيادة الميدانية يعكس نهجًا عمليًا قائمًا على الاستماع، التفاعل، والتحرك السريع.
ختاماً، وبالنظر إلى عدد الإصلاحات والبرامج الجوهرية التي قادها، واتساع نطاق رؤيته الاستراتيجية، وما حققه من جوائز مؤسسية مرموقة على المستوى الوطني، يتبوأ محافظة مكانة بارزة كـ أكثر الوزراء إنجازًا ممن شغلوا حقيبة التربية والتعليم منذ عام 2000. لقد تجاوز في أدائه التحديات التي واجهت من سبقوه، وبنى على إنجازاتهم، دون أن يعلق في سياقاتها، بل تقدّم بخطى واثقة نحو تجديد شامل لمنظومة التعليم الأردني. إنه باختصار رجل المرحلة التعليمية، بما يمتلكه من رؤية متقدمة، وشخصية تنفيذية، وخبرة أكاديمية وإدارية عميقة. ويُنتظر أن تثمر خططه ومبادراته في السنوات المقبلة حتى عام 2030، لترسم ملامح نظام تعليمي أردني عصري، شامل، ومرن، ومتين، قادر على تلبية تطلعات الدولة والمجتمع، ومواكبة المتغيرات العالمية في عالم المعرفة والتعليم، لذلك يجب أن يعطى هذا الوزير الوقت الكافي لتنفيذ ما بدء به من برامج واصلاحات والتي سيكون لها الأثر الكبير في تقدم واسترداد سمعة التعليم في الأردن،واحداث أثر كبير في دخول العديد من الجامعات الأردنية ضمن تصنيف QS العالمي المتخصص بالجامعات العالمية.
قد يتساءل البعض: ما الدافع وراء كتابة هذا المقال؟ ولماذا أُصنّف هذا الوزير تحديدًا دون غيره بأنه ابن هذه المرحلة، ورجلها، والوزير الأكثر إنجازًا في وزارة التربية والتعليم الأردنية ليس فقط منذ عام 2020، بل ربما منذ تسعينيات القرن الماضي، الحقيقة أن ما يدفعني لذلك هو التميّز المتفرّد الذي أبداه الأستاذ الدكتور عزمي محافظة في قيادة قطاع التعليم، ليُصبح، برأيي، الامتداد الطبيعي والفعلي لجيل القامات الكبيرة مثل الدكتور ذوقان الهنداوي والدكتور أحمد الطراونة.
ولكي نُجيب على هذا التساؤل بإنصاف، لا بد أن نعتمد على معايير موضوعية تُستخدم لتقييم أداء أي وزير، ومن أبرزها:
• عدد المبادرات والمشروعات التي أطلقها. • عمق التأثير لا مجرّد التأثّر بالواقع. • الظروف المحيطة التي واجهها أثناء تولّيه المسؤولية. • مدى الاستمرارية والمتابعة في تنفيذ الخطط دون انقطاع.
وبالرجوع إلى هذه المحاور، نجد أن الدكتور عزمي محافظة يستحقّ عن جدارة لقب “رجل المرحلة“، لما حققه من إصلاحات جوهرية لا تقتصر آثارها على فترة ولايته فحسب، بل تمتد إلى المستقبل، من خلال رؤية استراتيجية متكاملة وخطط مدروسة تمتد حتى عام 2030، في انسجام مع رؤية الدولة وتطلعاتها الوطنية في بناء تعليم منافس، وعصري، وإنساني.
إنجازات د. عزمي محافظة
1) التميز والجودة التربوية، رعاية حفل جوائز الملكة رانيا للتميز 2024/2025، وتبنى تحويل برامج الجوائز إلى سياسات مؤسسية تعمم على المدارس والمديريات. (وكالة الأنباء الأردنية – بترا)
2) إدارة الأزمات واستمرارية التعليم، إطلاق استراتيجية إدارة الأزمات والمخاطر 2023-2027 لضمان استمرارية التعليم الآمن أثناء الكوارث والطوارئ، وتأسيس وحدة مختصة داخل الوزارة لتنفيذها. (يونسكو)
3) التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، قيادة الحوار الوطني 2025 لإقرار تقرير التقييم القطاعي وإطلاق إعداد خطة التعليم 2026-2030 المتوائمة مع رؤية التحديث الاقتصادي وأهداف التنمية المستدامة. (يونسكو)
4) إصلاح امتحان التوجيهي والمسارات، إعادة هيكلة التوجيهي إلى ستة مسارات أكاديمية مع مسار مهني يربط بالخدمة والعمل والجامعات، تمهيداً للتحول التدريجي إلى الامتحان الإلكتروني. (جوردان تايمز)
5) التحول الرقمي والبنية التحتية، توقيع اتفاقيتين مع الحكومة لألمانية (35 مليون يورو) لرقمنه المختبرات، وتجهيز مراكز امتحان التوجيهي بتقنيات رقمية، وتحديث شبكات المدارس. (جوردان تايمز)
6) توسعة الأبنية المدرسية، افتتاح مبانٍ مدرسية جديدة في وادي الأردن ضمن برنامج توسعة يستهدف المناطق الأكثر اكتظاظًا. (جوردان تايمز)
7) تطوير التعليم المهني، إنشاء مدارس مهنية حديثة وتحديث الورش والمناهج بالتعاون مع شركة دولية لتنفيذ نموذج BTEC القائم على الكفايات لصفوف من (10-12). (جوردان تايمز)
8) خفض الأمية وتعويض فاقد التعلم، وصول معدل الأميّة إلى4.9 % فقط مطلع 2024، مع تنفيذ برامج علاجية لمحو فاقد التعلم بعد جائحة كورونا. (جوردان تايمز)
9) جوائز الأداء الحكومي، فوز وزارة التعليم العالي (برئاسته) بالمركز الأول في جائزة الملك عبد الله الثاني لأداء القطاع الحكومي والشفافية دورة 2023/2024. (وزارة التعليم والبحث العلمي)
10) التعليم في الأزمات الإقليمية، إطلاق منصة تعليم إلكترونية مجانية لطلبة فلسطين عبر تطبيق WISE School لضمان استمرارية التعليم في غزة والضفة والقدس. (وكالة الأنباء الأردنية – بترا)
11) دعم الطلبة مالياً، ترشيح 4 آلاف طالب إضافي للاستفادة من قروض صندوق دعم الطلبة بعد إعادة تدوير المنح المُلغاة، مما يوسّع قاعدة المستفيدين دون زيادة الكلفة على الخزينة. (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)
12) متابعة ميدانية وحلول سريعة، زيارات دورية للمدارس برفقة رئيس الوزراء لمعاينة الاحتياجات، وتوجيه فوري لصيانة أبنية وإعادة إنشاء أخرى خلال ثلاثة أشهر في جرش 2024. (جوردان تايمز)