لُهاث وسعى وصراع وشد وجذب ولف ودوران ومناكفة وكبد. جد وكد وصد وكر وفر واجتهاد وبذل وتعب. ذلك مُلخص ما نمشيه على الأرض. ما العُمر سوى ساعات تختطفنا لندور سعياً لمكسب وتحقيقاً لأمل، ربما يكون مالاً، جاهاً، سُلطاناً نظُن أنه قمة السعادة، لكن سرعان ما يذوب مذاق ما تحقق على صخرة الزمن.
نفترض أننا نعيش لنصنع مجداً عظيماً، فإذا ما تحقق هذا المجد لم يعُد للحياة معنى، ونشعر بأن مسيرتنا على الأرض عبثية.
الطبيعة تُعلمنا أن اكتمال القمر يُمهد لزواله تماماً، وأن كل مد يليه جزر.
كان صديقى الملياردير يظن أنه يعيش ليجمع مليار دولار تُغنيه عن العالمين، فلما فعلها شعر بأنه بحاجة لمليار أخرى، ثم خفتت نشوة المليار الثالث، ولم يعد يشعر بقيمة لأى فعل أو سعى لجنى أموال أخرى، وتحول الأمر إلى دأب آلى، وقال لى إن نشوة المال زالت بفعل المال.
حلم صديقى الآخر بمنصب كبير يجعله صاحب سلطان، يأمر فيطاع، ويقرر فيلتزم الجميع، وصار ما أراد، لكنه شعر أن الناس تهابه لسلطته لا لذاته، وأن القلوب تخفى تجاهه ما لا تبوح به الكلمات. وسرعان ما انتابه قلق دائم خوفاً من زوال سلطته، فاندفع لفعل ما لا يحب حفاظاً على السلطة المكتسبة من الزوال.
أما مَن طلب الشهرة فأدركته، وصار مركز الأضواء وذائع الذكر، فإنه يتعذب كل يوم إن خفت ذكره، ويدخل فى اكتئاب بعد اكتئاب.
تتبدد الغايات إن لم تسلم النوايا. ماذا تُريد أن تفعل فى هذه الدنيا؟ سألنى والدى رحمه الله يوماً ما. لم أعرف رداً، وظللت حائراً. سنين وسنين وما اهتديت.
أفكر الآن بحكمة المشيب وبزهد المفارق لجد الشباب، المقاوم للعلل الطبيعية للإنسان عندما يقبل على الشيخوخة. أرى أن أفضل ما نحققه هو أن نشعر بنفع الآخرين. للمنح لذة تغالب لذة الكسب. أن تُعطى فأنت فى بهجة، أن تُسعد آخر فأنت فى نعمة عظيمة. أن تفيد بشراً أو تعينه فأنت تستعير سعادته فى قلبك، فتشعر بإنسانيتك.
أكتب لأكسب سعادتى. الكتابة فعل عظيم عظيم. نترك بصمات ربما تسهم فى إنارة عقول، تبديد أوهام، إنصاف مظاليم، مقاومة قبح. أكتب لأننى سأموت، وآمل أن تبقى كلماتى أثراً لى بعد غيابى. أؤمن بأن نجيب محفوظ لم يمت، محمود درويش حى، إدوارد سعيد، أمل دنقل، طه حسين، وعبدالرحمن الكواكبى، ومحمد عبده، وكل مَن خط كلمات مؤثرة خالدٌ بعد رحيل جسده.
يقول محمود درويش فى قصيدته «جدارية»:
« هزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها..
هزمتك يا موتُ الأغانى فى بلادِ الرافدين.
مِسَلَّةُ المصرى، مقبرةُ الفراعنةِ،
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ هَزَمَتْكَ.
وانتصرتْ، وأِفْلَتَ من كمائنك
الخُلُود».
فى كل موقع وعمل يُمكن للإنسان أن ينفع الناس. سيموت كل مَن عليها، لكن الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث فى الأرض.
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الملياردير العالمين
إقرأ أيضاً:
بين الراحة والهروب: متى يكون الصمت صحيًا في الحياة الزوجية؟ .. فيديو
الرياض
تؤكد الأخصائية في العلاج الأسري، سماح العسيري، أن الصمت بين الزوجين لا يُعد بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل يعتمد على خلفيته وسياقه، فالصمت قد يكون أحيانًا سلوكًا ناضجًا يُسهم في تهدئة الأجواء، وأحيانًا أخرى قد يتحول إلى حاجز عاطفي يُهدد التواصل بين الشريكين.
وتوضح العسيري أن هناك مواقف يُعد فيها الصمت وسيلة صحية، منها عند احتدام الخلاف، حيث يمنح الطرفين فرصة لتهدئة النفس والتفكير العقلاني قبل استئناف الحوار، كما أن الصمت في لحظات التفاهم المشترك، كالتأمل أو الاسترخاء معًا، قد يُعزز من شعور القرب والراحة.
وترى أيضًا أن بعض الأشخاص، خصوصًا من يفضلون الانطواء، يحتاجون إلى الصمت لإعادة شحن طاقتهم النفسية دون أن يعني ذلك وجود مشكلة في العلاقة، كذلك، فإن مشاركة اللحظات الصامتة الممتعة، كمتابعة فيلم أو تأمل منظر طبيعي، يمكن أن تحمل عمقًا عاطفيًا أكبر من أي كلمات.
لكن في المقابل، تحذر العسيري من تحول الصمت إلى سلوك سلبي. فحين يُستخدم كعقاب أو وسيلة للضغط النفسي، فإنه يترك أثرًا مدمرًا على الثقة بين الزوجين، كما أن غياب الحوار لفترات طويلة قد يكون مؤشرًا على فتور المشاعر أو وجود خلافات متراكمة لم تُحل.
وتضيف أن أخطر أنواع الصمت هو ما يُعرف بـ”الصمت الدفاعي” أو ما يسمى في علم النفس بـ”stonewalling”، حيث يغلق أحد الشريكين باب الحوار تمامًا ويتجنّب المواجهة، ما يضع العلاقة في منطقة الخطر.
ولتوضيح الفرق بين الصمت الإيجابي والسلبي، تشير العسيري إلى أن النية هي الفارق الأهم: فالصمت الناتج عن تهدئة وتقدير يكون صحيًا، بينما الصمت الذي يحمل في طياته عقابًا أو انسحابًا عاطفيًا يُعتبر ضارًا، كما أن المدة لها دور كبير؛ فالصمت المؤقت مقبول، لكن الاستمرار فيه دون تواصل لاحق يُنذر بأزمة.
وتنصح العسيري بضرورة التعامل مع الصمت بوعي. فالصمت المؤقت بهدف التهدئة لا بأس به، لكن لا يجب أن يكون بديلاً عن الحوار. كما تشدد على أهمية مراقبة سبب الصمت، وإن كان ناتجًا عن تجنب أو رغبة في السيطرة، فينبغي التوقف ومراجعة النفس أو طلب استشارة مختص.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/07/OWKqyM519215kFRZ.mp4 https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/07/zxo_yc4K3jfqPiip.mp4