المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب..التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحة
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
آخر تحديث: 2 فبراير 2025 - 10:09 ص بقلم: د. كاظم المقدادي مطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون تمييز، ليس وليد اللحظة، وإنما هو مطروح من 15 عاماً.
وقد قامت من أجله الهبة الشعبية في 2011، وإنتفاضة تشرين في 2019، وضحت الجماهير العراقية، وفي مقدمتها الشبيبة، بأغلى ما تملك: أكثر من 30 ألف شهيدأ وجريحاً ومعوقاً جسدياً باعاقات مستديمة، نجمت عن إطلاق الأجهزة القمعية للرصاص الحي على المتظاهرين السلميين.إضافة الى مئات المعتقلين والمختطفين والمعذبين والمغيبين، وممصير العديد منهم مجهول لحد اليوم. لقد أرادت القوى المدنية والوطنية الديمقراطية ان يتحقق هذا المطلب المشروع سلمياً، وان يكون داخلياً صرفاً، وفق مشروع وطني، إلا ان الطبقة السياسية الحاكمة رفضت الإستجابة له بكل صلافة وإستهتار، تمسكاً بكرسي السلطة وإمتيازاتها غير المشروعة على حساب فقر وجوع ومرض ومعاناة الغالبية العظمى من العراقيين، الذين دفعتهم للتظاهر مطالبين بوطن وخدمات وحياة أفضل.تأكيداً لهذا، كتب جاسم الحلفي مقالآ بعنوان: “التغيير موضوعة داخلية”، جاء فيه: “ان التغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية، غير ممكن الا عبر الإرادة الشعبية، وبتنسيق جهود قوى التغيير الحقيقي مع المعارضة الشعبية الواعدة ” (“طريق الشعب”، 7/6/2022). ومن هذا المنطلق إنبثقت في اَب 2022 ” قوى التغيير الديمقراطية”،التي ضمت كلاً من الحزب الشيوعي العراقي، حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، حزب البيت الوطني، التيار الديمقراطي، تيار الوعد العراقي، حراك البيت العراقي، حركة تشرين الديمقراطية والتيار الإجتماعي الديمقراطي.وأكدت في مؤتمرها الأول توجهها لتحالف واسع، يمثل بديلا وطنيا لإدارة الدولة العراقية، ينهض بمهمة إحداث التغيير المنشود في النظام السياسي،وتحقيق الاستقرار والازدهار.وفتح الحوارات مع كل القوى الديمقراطيّة الوطنية المتبنية لهذا النهج. وأكد برهم صالح، رئيس الجمهورية السابق:” يتوق العراقيون بشدة إلى معالجات جذرية للخلل البنيوي في منظومة الحكم، وتجاوز ما خلّفه العقدان الماضيان من إخفاقات، عبر حوار وطني حقيقي وإصلاح يحقِّق لهم حكماً رشيداً يضمن حقوق جميع المكونات ويحفظ خصوصياتهم، عبر إعلاء مبدأ المواطنة” (“الشرق الأوسط”،28/12/2023). ومؤخراً تساءل محمد عبد الرحمن:”هل العراق على أبواب التغيير؟ “، ورأى: “منذ تحقيق النصر العسكري على داعش عام 2016 وحتى اليوم لم نلمس إجراءات جدية تطمئن المواطن العراقي الى ان بلده يسير في الاتجاه السليم، فيما تفاقمت ظواهر سلبية عديدة بضمنها ظواهر الفساد والسلاح المنفلت، وافشال كل مسعى للخروج من شرنقة المحاصصة والولوج الى فضاء المواطنة المبرّأة من ادران الطائفية والانغلاق والتقوقع باختلاف أنواعه”. وبين ” إن الهوة تكبر بين المواطنين والأقلية الحاكمة المحتكرة للسلطة والمال والاعلام”. وإختتم: “نعم التغيير الشامل مطلوب، ولكن بأيدٍ عراقية وعلى وفق اجندة وطنية، وهو ليس استحقاقا وليد اللحظة وردّ فعل على التطورات الراهنة في المنطقة، التي قد تكون دفعته الى المقدمة وأبرزته.. انه مطلوب منذ سنين، لأجل سلوك نهج يضع مصالح الشعب والوطن أولاً(“طريق الشعب”،15 /12/2024). وفي هذا السياق، شهدت السنوات الأخيرة إطلاق العديد من القوى الوطنية والديمقراطية والمدنية والتشرينية دعوات بناءة لإحلال البديل الوطني بديلآً عن منظومة الفساد والمحاصصة ونهب الدولة. ونشرت الصحافة العراقية،وفي مقدمتها “المدى” و”طريق الشعب”، والعديد من برامج الفضائيات،حوارات مع شخصيات عراقية، سياسية وإجتماعية وثقافية وأكاديمية، من بغداد والمحافظات العراقية بشأن حالة الانسداد السياسي ونتائج المحاصصة الطائفية التي تنتهجها القوى المتنفذة في إدارة البلاد.وقد أبدت استياءها من الفشل الذريع للقوى الحاكمة، فيما شددت على أن المرحلة أصبحت تتطلب ايجاد بديل سياسي يغير الواقع الحالي، وينتهج سياسة وطنية، بعدما عاث المتنفذون فسادا منذ عام 2003 وحتى اليوم. وقبل أيام أكد الصحفي فاضل النشمي تداول العراقيون، على المستويين السياسي والشعبي، في هذه الأيام، إمكانية تأثير التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، على العراق، وما قد ينجم عن ذلك من ارتدادات وتغيرات محتملة.ونقل النشمي رأي الباحث والمحلل الأكديمي د.يحيى الكبيسي بأن ” النظام السياسي العراقي الذي تشكل في عام 2003 لم يعد سوى شكل فارغ، وأصبحت علاقات القوة هي العنصر الحاكم. لذا، عندما يحدث تغيير في علاقات القوة على مستوى المنطقة، ستكون له ارتدادات حتمية في العراق”.وتأكيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، د. إياد العنبر، بأن ” موضوع التغيير في العراق أصبح يشغل حيزاً كبيراً من النقاشات، بناءً على التحولات في المنطقة، وما ترتب عليها من تغييرات في النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد ما حدث في لبنان وسوريا “. ويعتقد أن ” هناك عدة سيناريوهات يمكن التفكير بها، مثل حدوث انقلاب بنيوي داخل السلطة في العراق، حيث تتخذ الحكومة إجراءات لإعادة هيكلة مؤسساتها الأمنية، بما يسمح بإلغاء ثنائية وجود الفصائل والحشد وسلاح موازِ (“الشرق الأوسط”، 15/12/2024. وكتب أ.د. سامي الموسوي مقالآ بعنوان: “التغيير المطلوب: إنهاء الهيمنة الإيرانية وبناء نظام سياسي وطني ومستدام في العراق”، جاء فيه: ” لقد أصبح العراق دولة فاقدة للسيادة، تحكمها طبقة فاسدة وغير مؤهلة تخدم المصالح الإيرانية بشكل علني. هذا الواقع المؤلم غذى أغلب مشكلات البلاد، مهما كان ذلك مؤلمًا، وجعل الجيش العراقي في حالة من الضعف، وأبرز دور الميليشيات المسلحة ذات الولاء لإيران، والتي تستغل الوضع لتحقيق أهدافها التعسفية. لقد اندلعت ثورة تشرين من وسط المدن الشيعية، مطالبة بالإصلاح وبتحرير العراق من الهيمنة الإيرانية، لكن قُوبلت بالقمع بوسائل وحشية، وبمشاركة قناصين وميليشيات مسلحة تستلم أوامرها من مكتب المرشد الإيراني”.
وأكد ان تغيير النظام السياسي في العراق يتطلب إجراء إصلاحات قانونية ودستورية عميقة، تبدأ بمراجعة الدستور العراقي لتعزيز توازن أفضل بين الحقوق والحريات، واستبعاد المحاصصة الطائفية القائمة. وسن قوانين تعزز الديمقراطية، وتدعم الشفافية، وتُفعّل مكافحة الفساد.وتعزيز المؤسسات الحكومية وإستقلالية القضاء، وتطوير نظام قضائي فعال. وتشكيل هيئات مستقلة لمكافحة الفساد والمفسدين، دون تمييز. وحل الميليشيات وتسليم أسلحتها للدولة، مع دمج بعض أفرادها في القوات الأمنية على أن يتعهدوا بعهد مكتوب بالولاء للعراق فقط.ويتوجب إعادة تشكيل البرلمان، من خلال نظام جديد يُعزز من التعددية ويضمن تمثيل جميع فئات المجتمع وينهي الحقبة الطائفية (“صوت العراق”،14/12/2024).. ان التغيير مطلوب، لاسيما وان العراق يواجه تهديدات خارجية، أمريكية صهيونية وتركية، لفرض إرادتها عليه بالقوة، والحكومة لن تستطيع مجابهتها من دون دعم كافة قوى الشعب، التي يتعين كسبها وتفعيل دورها، يداً بيد االجيش والشرطة الإتحادية والقوات الأمنية الأخرى.لكن الدعم الواسع للجماهير العريضة لن يحصل من دون إجراءات ضرورية وعاجلة لكسبها، وأولها تضييق الهوة بينها وبين الأقلية الحاكمة المهيمنة على الاسلطة، وتأمين الخدمات العامة، وتحسين الحالة المعيشية، بإجراءات فورية، تتزامن مع الشروع بالتغيير المطلوب للمنظومة السلطوية، الذي يُمهد عملياً لتغييرها جذرياً، مُلغياً نهج المحاصصة وتقاسم المغانم، وإحتكار السلطة، ويكسر ظهر كبار الفاسدين والقتلة، ويطلق الحريات العامة. والشروع بالتغيير المطلوب يبدأ بأول خطواته: عقد مؤتمر وطني واسع وجامع، يتبنى حواراً واسعاً تشارك فيه كافة القوى السياسية الوطنية والمدنية والديمقراطية، والإتحادات والنقابات العمالية والمهنية، الى جانب ممثلي مؤسسات الدولة،التنفيذية والتشريعية والقضائية.وان يستهدف المؤتمر إعادة النظر بالعملية السياسية الراهنة، بما يمهد الطريق لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية، دولة المؤسسات وسيادة القانون.وان ينهض بتشكيل اللجان الوطنية المطلوبة لإقتراح الإجراءات والقوانين التي تحتاجها الإصلاحات، دستورياً وقانونياً وسياسياً وإدارياً وإقتصادياً.
ولتأمين الإصلاحات مادياً يتعين إرغام الأحزاب المتنفذة والمسؤولين وسراق المال العام، قانونياً، على إرجاع ما نهبوه من أموال وممتلكات.ولابد من تفعيل القوانين، وتطهير القضاء ليكون له الدور الفاعل في ردع كبار الفاسدين والحرامية وعصابات الجريمة المنظمة، الى جانب حماية حقوق الإنسان ومعاقبة منتهكيها. وإطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء الأبرياء،والكشف عن مصير المغيبين.ومحاسبة قتلة المتظاهرين ومن ورائهم.
والشروع فوراً في حصر السلاح بيد الدولة، وحظر نشاط أي تشكيل أو فصيل مسلح خارج إطار القانون، وولاءه لغير العراق. وتطبيق قانون الأحزاب الذي يحظر على الكيانات السياسية إنشاء مجاميع مسلحة.وإعادة تشكيل الحشد الشعبي وإندماج قواته بالقوات المسلحة، وتحديد مهماته داخل العراق فقط، وإعلان ولاءه للدولة العراقية. وبعيد عن النفوذ الإيراني.والمهم جداً ان يدرك الجميع بان المطلوب ان تكون عملية التغييرعملية داخلية صرفة، بأيادي عراقية نظيفة وحريصة،وبموجب الدستور والقوانين المرعية.ولا تغيير جذري بوجود المحاصصة، والفساد المالي والإداري، وفوضى اللادولة، والمليشيات، والسلاح المنفلت، وبقاء أموال وممتلكات الدولة بيد ناهبيها، وإستمرار كبار الفاسدين والقتلة طلقاء ويصولون ويجولون..تلكم هي خطوات تكسب جماهير الشعب العريضة،وتستنهضها للمشاركة الفاعلة في درء المخاطر المحدقة بالبلد.وقد أكدت طموحها بتغيير المنظومة السلطوية تغييراً داخلياً وسلمياً.ولو يوجد متدينون حقيقيون وسط الطغمة الحاكمة لضغطوا عليها لتسمح،بل ولتشارك في عملية التغيير المطلوب، لتكفر عن ذنوبها التي إقترفتها بحق الشعب والوطن طيلة عشرين عاماً، وعن فشلها الذريع الذي أقرته وأرجع العراق للوراء قرناً كاملآ.. وعندئذ سيُسَجلُ لها تلافي أخطائها، وقطعها الطريق بوجه القوى الخارجية ومشاريعها الغاشمة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: التغییر المطلوب فی العراق
إقرأ أيضاً:
عربي21 تحاور رئيس الوزراء العراقي.. ماذا قال عن فلسطين والشراكة مع سوريا وإيران؟
في ظل تصاعد حدة الصراعات في المنطقة، وتحوّل الحرب الإسرائيلية المفتوحة على قطاع غزة إلى واحدة من أكثر حروب الإبادة دموية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تتجه الأنظار إلى العواصم العربية المركزية، بحثًا عن مواقف متوازنة ومسؤولة. وتزداد أهمية موقع العراق، الجيوسياسي والتاريخي، في هذه اللحظة المفصلية من التحولات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل ملفات دعم المقاومة الفلسطينية، والعلاقة المعقدة مع إيران، ومستقبل سوريا ما بعد الحرب، مع تطورات الداخل العراقي ومسارات الاستقرار السياسي والتنمية.
في هذا السياق المضطرب، يبرز محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية، كأحد القادة العرب المنخرطين في تفاعلات المنطقة، لا سيما بعد تسلمه رئاسة القمة العربية في دورتها الرابعة والثلاثين. السوداني، الذي يوازن بين العلاقات مع دول الجوار والقوى الدولية، يواجه تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على استقلال القرار العراقي، وتعزيز موقع بغداد كجسر حيوي بين المحاور المتصارعة، من طهران إلى واشنطن، ومن دمشق إلى الرياض.
السوداني استقبل في قصر رئاسة الحكومة ببغداد نهاية الأسبوع الماضي ثلة من الإعلاميين العرب كان بينهم الإعلامي والأكاديمي التونسي كمال بن يونس، الذي حاوره بالمناسبة خصيصا لـ "عربي21"، حول عدد من القضايا الفكرية الثقافية والسياسية والمستجدات، بينها برنامج ائتلافه الانتخابي ومستقبل العلاقات بين الأطراف الإسلامية الشيعية والسنية والكردية الأكثر تأثيرا في المشهد العراقي وفي المنطقة، وافاق تطوير علاقات بغداد بسوريا والمقاومة الفلسطينية واللبنانية وايران من جهة وبأمريكا والعواصم الغربية والعربية "المعتدلة " من جهة ثانية.. وتاليا نص الحوار:
خلافا لما يروج في كثير من وسائل الاعلام العربية والعالمية من صورة "نمطية" عن العراق والمنطقة، يلاحظ من يزور بغداد، عاصمة الفكر والثقافة منذ آلاف السنين وموطن 8 ملايين ساكن، أنها استعادت امنها ليلا نهارا، وأنها تشهد حركية عمرانية واقتصادية سريعة.. فهل أغلقت فعلا صفحة الإرهاب وداعش والحروب بالوكالة في العراق الذي استضاف مؤخرا عدة مؤتمرات قمة سياسية بينها القمة العربية الـ 34 و"المؤتمر الإعلامي العربي الرابع" الذي نظمه اتحاد إذاعات الدول العربية وهيئة الإعلام العراقية وواكبه حوالي 150 إعلاميا وخبيرا عربيا ودوليا وعشرات الإعلاميين العراقيين؟
العراق أكثر دول العالم تضررا من "الصورة النمطية" والمغالطات التي يروجها عنه الإعلام الإقليمي والدولي منذ مدة طويلة.. والتي بلغت حد تبرير العمليات الإرهابية بعد 2003 ثم بعد هجمات داعش في 2014 واعتبارها "ثورة جديدة" و"ثورة السنة ضد الشيعة".
ومثلما يلاحظ الزائر والسائح والمواطن فإن الحياة عادية جدا في العراق، وخاصة في في بغداد والطرقات المؤدية إليها ليلا ونهارا..
يدرك الجميع اليوم أن الأمن مستتب بما يسمح للنساء والأطفال وكبار السن بالتنقل فرادى في ساعات متأخرة من الليل مترجلين وفي السيارات في كامل البلاد وفي العاصمة والمدن المجاورة لها ..
الإعلام ظلم العراق في عهد الحزب الواحد الدكتاتورية قبل 2003 وبعده.. وقد اعترف لنا سياسيون عرب وأجانب أنهم أخطأوا عندما لم يساندوا المسار السياسي وإرادة الشعب العراقي في التغيير قبل استفحال التطرف والإرهاب وهجمات حركة "داعش" ما بين 2014 و2017 وسيطرتها على أجزاء كبيرة من العراق وسورية، ثم تهديدها لكامل الإقليم ..
وفي سياق التقييم الفكري والثقافي والسياسي لمرحلة حربنا على الإرهاب أقول "إن الحسنة الوحيدة لحركة داعش المتطرفة والإرهابية أنها وحدت الشعب العراقي خلال حربها ضده ما بين 2014 و2017. ففهم أبناؤه أن مصيرهم مشترك لا فرق بين سني أو شيعي أو مسلم أو "صائبي" أو مسيحي أو عربي أو تركماني، وأن الكل كان ضحية لعنف الإرهابيين والأطراف التي كانت تسعى إلى أن تقضي نهائيا على الدولة العراقية عبر التفجيرات والاغتيالات وإثارة عنف دموي تحت يافطات طائفية ومذهبية ودينية وسياسية وعرقية متفرقة ".
بعد سنوات شهدنا فيها ما بين 22 و27 تفجيرا دمويا في عدة مواقع مدنية وتجمعات سكنية ودينية وتجارية، أسجل بارتياح اليوم أن العراق استعاد عافيته وأمنه والانفتاح الثقافي والفكري والتعايش السلمي في بلد عملاق كشفت الإحصائيات الجديدة أن عدد سكانه تجاوز هذا العام الـ 46 مليونا، ثلثاهم من الشباب الذين ينتظرون حلولا لما ورثناه من أزمات هيكلية وظرفية بينها البطالة والفقر وضعف الاستثمار والفساد الإداري والمالي.
سوريا وفلسطين وإيران
وماهي آفاق تطوير علاقات بغداد مع سورية التي سقط فيها حكم حزب البعث، على غرار ما حصل لحزب البعث العراقي في 2003؟ وهل أن تفعيل قرار التقارب بين سلطات العراق مع السلطات الجديدة في دمشق رهين "توازنات" و"خطوط حمراء و"خيوط إقليمية ودولية"، بعضها بأيدي طهران وأمريكا وعواصم الدول العربية "المعتدلة" وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي؟
سورية وإيران بلدان جاران وشقيقان نحرص على تطوير علاقاتنا بهما وببقية دول المنطقة والعالم وفق قواعد واضحة أهمها: "العراق أولا" و "تقاطع المصالح مع احترام سيادة كل دولة ".
لدينا في الأفق القريب برامج مشتركة مع الأشقاء في سورية. ولقد أمرت أعضاء الحكومة بتنظيم مزيد من الاجتماعات المشتركة واللجنان المختصة بالشراكة مع نظرائهم في سورية وكل الدول العربية وبينها مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة .
وسجلنا بدء شركات مصرية وعربية ودولية عملاقة استثمارات في بغداد تجاوزت قيمتها 88 مليار دولار، ومن المقرر أن يتجاوز الرقم 500 مليار في غضون 3 أعوام ..
إيران أمة ودولة لديها مصالحها.. وتركيا أمة ودولة لديها مصالحها.. والعراق وسورية ودولنا العربية لديها مصالح وطنية عليا ولديها علاقات تاريخية متميزة مع جيرانها، مرت بمراحل مد وجزر.. ونحن نريد أن نبني المستقبل معا، في سياق احترام خصوصياتنا ومصالحنا وسيادتنا، ونشجع الجميع على تطوير الاستثمار المشترك وعلى الشراكات الاقتصادية والسياسية، خاصة والعراق يرأس هذا العام القمة العربية ومؤتمرات إقليمية عديدة للتنمية .
في نفس الوقت نحرص على توازن علاقاتنا الدولية وتطويرها خدمة لمصالحنا مع كل دول العالم، خاصة منها الدول الكبرى التي للعراق مصالح كبيرة معها وبينها الولايات المتحدة الأمريكية .
نتفق مع القيادة السورية حول ضرورة تطوير علاقاتنا وتشبيك مصالحنا، مثلما نمضي في تطوير علاقاتنا ببقية الدول الشقيقة والصديقة وبينها إيران والدول العربية الخليجية ومصر وتركيا وأمريكا ..
ومثلما أكدناه بمناسبة القمة العربية في بغداد فإننا نتمسك بدعم الشعب الفلسطيني وحقه في التحرر الوطني ووقف حرب الإبادة الجماعية البشعة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين. وأعلنا عن دعم اقتصادي وطبي رمزي لفلسطين ولبنان. ونجدد الإعلان عن موقفنا الرافض لانتهاك سيادة سورية ولبنان وأراضيهما وغارات قوات الاحتلال المتعاقبة عليهما .
السنة والشيعة في إيران
لكن هناك من يعتبر أن إيران لديها تأثير خاص في توجهات بغداد وفي مستقبل علاقتها بالسلطات السورية الجديدة وأمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك لأن غالبية شعب العراق "شيعة" وبعض المناطق والأطراف السنية والكردية موالية لطهران، أليس هناك تخوف من إعادة تفجير الإرهاب، تحت يافطات "طائفية" و"مذهبية" و"دينية" وعرقية؟
سبق للدولة والشعب في العراق أن اتفق مع كل دول المنطقة واختلف معها . إيران تجمعنا بها مصالح ونقاط التقاء كثيرة، مثلما اندلعت بين دولتينا في الثمانينات حرب طويلة ومدمرة .. لم تساند إيران الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003 من قبل قوات أجنبية، بينما اختلف العراقيون حول هذا الموضوع .. لكن فور سقوط النظام السابق وبغداد تغير موقف طهران ودعمت الشعب العراقي ودولته بقوة ..
واليوم نحن نسعى للترويج في خطابنا الحكومي والسياسي الانتخابي لخطاب وطني تحديثي وديمقراطي يقطع مع "الطائفية" والصراعات العنيفة ذات الصبغة المذهبية والعرقية والدينية ..
لقد أدرك شعبنا خلال العشريتين الماضيتين أن "الإرهابيين" لا يشنون هجماتهم ضد أهداف عسكرية بل يتسللون إلى مواقع سنية وشيعية وزيدية وعربية وغيرها بهدف نشر الفتن وزرع الحقد وتفجير صراعات وأعمال عنف وانتقام غبية بالجملة تضعف الدولة والبلاد والمجتمع ..
لذلك أكد برنامج ائتلافنا الانتخابي على 5 نقاط تنموية هي: إيجاد حلول لمعضلات الفقر والبطالة والفساد وتطوير قطاع الخدمات وإصلاح الاقتصاد .. وندعم برامج لتحسين أداء مؤسسات الإعلام الوطني وصورة العراق الإقليمية والدولية . كما ندعم شبكة الإعلام العراقية المستقلة والمرتبطة مباشرة بالبرلمان وليس بالحكومة، لأننا نعتقد أن النجاح المهني للإعلام واحترام الإعلاميين لأخلاقيات مهنتهم ولميثاق الشرف من بين شروط إنجاح مسارات نشر الوعي الفكري والثقافي وقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح.
العلاقات مع تونس والدول المغاربية
وكيف ستتحرك العراق التي استلمت رئاسة القمة العربية ورئاسة منظمات إقليمية مع الواقع العربي الراهن الهش؟ وهل سوف تقومون بجهود لتشريك بلدان المغرب العربي مجددا في "الحراك الديبلوماسي العربي والإقليمي" بعد سنوات من تهميشها؟ وهل ستتطور علاقاتكم مع بقية التجمعات "الجهوية" ومع "التحالف الإقليمي الثلاثي" الذي يشمل كذلك مصر والأردن ومع دول مجلس التعاون الخليحي؟
لدينا حرص كبير على تطوير علاقاتنا مع كل الدول العربية. وقد زرت تونس والجزائر وليبيا والمنطقة المغاربية وعدة دول عربية وإسلامية. ونحرص على تنظيم اجتماعات وزارية وفنية معها لتطوير شراكاتنا وخدمة مصالحنا المشتركة في كل المجالات .
والعراق مستعد لتطوير شراكاته مع مؤسسات العمل العربي المشترك، وبينها مؤسساتها التنموية والمناخية والثقافية والإعلامية وبينها اتحاد إذاعات الدول العربية الذي عقد مؤتمره الدولي عن الإعلام والمتغيرات المناخية في بغداد وأوصى بتفعيل آليات للمتابعة مع العراق والأمم من بينها منصة إعلامية مناخية .