لجريدة عمان:
2025-10-16@12:29:12 GMT

حول الترامبية وشريعة الغاب ومآلات العرب

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

لم يكن مستغربا أن تفضي الحالة الأمريكية في فترة الديمقراطيين بكل تعقيداتها الاقتصادية واللاأخلاقية (حالة الهوس بالمثلية) فضلا على الممارسة السياسية والعسكرية إلى دفع الناخبين الأمريكيين للتصويت لصالح شخصية جدلية متطرفة مثل الرئيس الأمريكي الحالي الذي أدى انتخابه إلى ارتدادات عالمية منذ اللحظات الأولى لتنصيبه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة من كندا لغاية الصين وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط بطبيعة الحال.

وليس ثمة ما يدهش في هذا السلوك الإمبريالي المتعالي والمزدري لكل ما هو غير أمريكي خاصة من جانب «ترامب» والحاشية الملتفة حوله الآن من بليونيرات التقنية وكبار رجال الأعمال اليهود وغلاة الجمهوريين وغيرهم ممن وجدوا فرصتهم التاريخية لإعادة صياغة المشهد الأمريكي وتفكيك مؤسسات الدولة والاستفادة من الفرص الهائلة لهذا النفوذ والتنفع. وبالتالي انطلق هذا السعار للاستحواذ على كندا وجرينلاند وقناة بنما والاستيلاء على غزة المدمرة بل ولم يتردد في فرض التعريفات والرسوم الجمركية على العالم كله في ضربة خاطفة ضد الاتفاقيات التجارية الدولية الثنائية والجماعية واللافت في هذه الحقبة أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمريكية والصهيونية فسحقا لكل الأعراف والأخلاق والقيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية والأصدقاء والأعداء طالما أنه يخدم الخزانة الأمريكية وصورة «ترامب» في أوساط الجمهوريين على مستوى الداخل الأمريكي واللوبي الصهيوني.

وأيا كان موقفنا من هذه «الترامبية» المتوحشة التي تتمترس بأيديولوجيا أمبريالية استعلائية عنصرية فإننا أمام واقع معقد للغاية، ويكفي أن نرى ما يحدث في غزة والتهديد بسرقتها وتهجير سكانها وتلك اللغة الازدرائية المستفزة للقوى العربية والطريقة الوقحة التي تخاطب بها إسرائيل العالم العربي اليوم.

إن هذا الواقع يفرض الآن استحقاقات هائلة للإبقاء على ما يسمى بالنظام العربي المثخن بجراحات الخيانة والتدهور والتآمر واليأس الشعبي والذي يكاد يخلو من بارقة أمل تعيد للعرب موقعهم على الساحة الدولية ولا يفوتني الإشارة إلى موقف سلطنة عمان الرافض لهذه السياسات وكذلك موقف الأشقاء في المملكة العربية السعودية ومصر الذين رفضوا بشكل قاطع تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم.

أعتقد أن العرب في ظل هذه «الترامبية» المتوحشة مطالبون بالالتفات إلى التهديد الوجودي الذي يتربص بهم في ظل تمترس الإمبراطورية الأمريكية وراء الأجندة الصهيونية بكل تفانٍ واستسلام ولعلها لحظة تاريخية فارقة للعمل على مزيد من التقارب والتضامن العربي والإسلامي والتعاضد مع حلفاء جدد قبل أن تتشكل «سايكس بيكو» جديدة لابتلاع مستقبلهم وجغرافيتهم وحري بالقوى العربية اليوم أن تنبري إلى تكثيف جهودها وإعداد العدة للمستقبل والاصطفاف معا لمواجهة التغول الإسرائيلي فاليوم غزة وغدا ما بعد غزة، إذا ما تم الاستسلام الكامل للسردية «الترامبية» وشريعة الغاب التي انطلقت بكل بشاعة من البيت الأبيض منذ تنصيبه رئيسا.

على الصعيد العالمي هناك ما يشبه لحظة انبلاج تاريخية مع انتهاء النسخة الأمريكية (إن صح التعبير) ما قبل «ترامب» ويبدو أن هناك «حالة رفض عالمية» تتشكل في الأفق مع تهديد الكثير من القوى العالمية بالرد بالمثل بما في ذلك الصين والاتحاد الأوربي وكندا وغيرها. تجدر الإشارة في ذات السياق أن الصين لربما هي المستفيد الأكبر من هذه التحولات الأمريكية المتطرفة ولعلها تماثل تاريخيا استفادة الولايات المتحدة من السقوط التاريخي المدوي لأوروبا إبان الحرب العالمية الثانية في أوج بزوغ القوة الأمريكية.

وللمفارقة فإنه لا يبدو أن للنخب الأمريكية من مثقفين وأكاديميين كبار وعلماء وطبقة الانتلجنسيا وقامات علمية ضخمة تأثير حقيقي وثقيل على هذا السعار الذي ينطلق من واشنطن نحو العالم. ومع ذلك بدأت تظهر بعض الأصوات مثل «ديفيد بروكس» الذي نشر مقالا في النيويورك تايمز بتاريخ 23 يناير الماضي حول رؤيته بفشل سياسات «ترامب» مشيرا إلى أن (تاريخ العالم يُظهر لنا، منذ الثورة الفرنسية على الأقل، أن الاضطرابات السريعة تجعل الحكومات أسوأ بشكل كارثي)، ومنوها (أن هناك فرقا كبيرا بين من يعملون بروح وثقافة الاضطراب ومن يعملون بروح وثقافة الإصلاح).

في السياق الأمريكي ذاته، وصفت مجلة الإيكونوميست «ترامب» في عددها الصادر بتاريخ 25 يناير 2025 بـ «الرئيس الإمبريالي»، في إشارة إلى الرئيس ويليام ماكينلي (1897-1901)، لافتةً إلى أوجه التقارب بين رؤيتهما الاقتصادية، لا سيما في دعمهما للتعريفات الجمركية المرتفعة والتوسع الاقتصادي. ولا يُخفي ترامب إعجابه بنهج الرئيس ماكينلي، الذي شهد خلال فترة رئاسته ضم هاواي، وغوام (جزيرة في غرب المحيط الهادي)، والفلبين، وبورتوريكو إلى الأراضي الأمريكية. كما كان ماكينلي من أبرز المدافعين عن التعريفات الجمركية المرتفعة وقد حظي بدعم كبار رجال المال في عصره، مثل جيه. بي. مورغان وجون دي. روكفلر، بحسب تقرير المجلة.

ورغم حالة جلد الذات في الأوساط العربية وثقافة القنوط واليأس التي تهيمن على الكثير من السرديات العربية إلا أن ما تشهده الأمة العربية من تحديات وجودية خطيرة في راهنها يستدعي تجاوز هذه الثقافة (رغم يأس الكثيرين من حدوث أية ردة فعل عربية تصل إلى درجة القنوط)، ولعل حالة الرفض التي فجرتها حرب غزة وارتداداتها العالمية وانكشاف رخص ونفاق الغرب وازدواجية المعايير ،إلى جانب ما يقوم به الرئيس الأمريكي الحالي من استهداف للأصدقاء والأعداء تحت راية «أمريكا أولا» و«لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» تشكل مبررات وجودية حقيقية لتعزيز التقارب العربي وتكامله وهو ما يستوجب من القوى العربية الفاعلة أن تعيد تموضعها في هذا السياق الدولي المعادي بما يخدم المصالح العربية ويعيد للمواقف العربية هيبتها والتخفف قدر الإمكان من تداعيات هذه الحقبة المعقدة على أمن دولها واستقرار أنظمتها ورخاء شعوبها في ظل حروب تجارية واقتصادية وعسكرية لا تراعي صديقا من عدو.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اسعار النفط ترتفع مدعومة بتصريحات مهدئة من الرئيس الأمريكي

ارتفعت أسعار النفط في التعاملات الآسيوية اليوم الاثنين بنحو 2%، لتعوض جزءًا من خسائرها الحادة المسجلة الأسبوع الماضي، مدعومة بتصريحات مهدئة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التوترات التجارية مع الصين، ما عزز إقبال المستثمرين على المخاطرة.

قناة السويس تنظم ندوة توعوية بعنوان "الإيجابية السامة والمسؤولية الاجتماعية" النفط يستعيد بعض مكاسبه بعد خسارته بفعل التوترات بين الولايات المتحدة والصين النفط يتراجع إلى أدنى مستوى في 5 أشهر بعد تهديد ترامب للصين أسعار النفط تتراجع مع وقف الحرب في غزة

 

وسجلت العقود الآجلة لخام برنت تسليم ديسمبر ارتفاعًا بنسبة 1.7% لتصل إلى 63.78 دولارًا للبرميل، فيما زادت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.8% لتسجل 59.95 دولارًا للبرميل.

وكانت الأسعار قد تراجعت بنحو 4% يوم الجمعة الماضية لتسجل أدنى مستوياتها في خمسة أشهر، بعد إعلان ترامب عزمه فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية، مما أثار مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي على النفط.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، سعى ترامب إلى تهدئة تلك المخاوف، حيث كتب عبر منصة "تروث سوشيال" قائلاً: "لا تقلقوا بشأن الصين، كل شيء سيكون على ما يرام"، مضيفًا أن "الولايات المتحدة تسعى لمساعدة الصين لا لإيذائها"، في إشارة إلى إمكانية استمرار المفاوضات بين البلدين.

وساهمت تلك التصريحات في تحسن معنويات المستثمرين وعودة محدودة للثقة في أسواق السلع. ومع ذلك، لا تزال السوق تواجه ضغوطًا ناتجة عن مخاوف فائض المعروض، خاصة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي خفّف من حدة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وأضعف الدعم الذي كان النفط يحظى به من تلك المخاطر.

وفي سياق متصل، رفعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعاتها لإنتاج الخام في عام 2025 إلى مستوى قياسي يبلغ 13.53 مليون برميل يوميًا، مما يشير إلى نمو متسارع في الإمدادات الأمريكية.

كما يواصل تحالف أوبك+ تنفيذ خططه لزيادة الإنتاج تدريجيًا، بعد موافقته هذا الشهر على رفع الإنتاج بنحو 137 ألف برميل يوميًا في نوفمبر المقبل، في إطار مساعيه لتحقيق توازن بين استقرار السوق والحد من تراكم الفائض.

وتشير مجمل هذه العوامل إلى أن تعافي أسعار النفط لا يزال هشًا، وأن اتجاه السوق في المرحلة المقبلة سيعتمد على تطورات النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، إضافة إلى مستوى توازن الإمدادات العالمية خلال الأشهر القادمة.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية تتغنى بترامب: "رئيس السلام الذي أنهى 8 حروب خلال 8 أشهر"
  • كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية يشيد بالجهود المصرية لوقف حرب غزة
  • كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية: السلطة الفلسطينية ستتولى إدارة غزة عندما تكون جاهزة
  • أبرز تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة شرم الشيخ للسلام
  • الرئيس الأمريكي: إعادة إعمار غزة تبدأ الآن
  • ترامب: ممتن للدول العربية والإسلامية التي ساهمت في اتفاق السلام لإنهاء الأزمة في غزة
  • ترامب: أشكر الرئيس السيسي الذي يقود دولة تمتد حضارتها 6 آلاف سنة
  • السيسي: أرحبُ بفخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
  • وصول الرئيس الأمريكي برفقة الرئيس السيسي إلى مقر انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام
  • اسعار النفط ترتفع مدعومة بتصريحات مهدئة من الرئيس الأمريكي