ما تأثير احتضان كينيا لمؤتمر الدعم السريع على دورها الإقليمي؟
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
في خطوة أثارت ردود فعل متباينة على المستويين المحلي والدولي، استضافت العاصمة الكينية نيروبي أمس الثلاثاء مؤتمرًا نظمته قوات الدعم السريع السودانية، بهدف إعلان تشكيل حكومة موازية في السودان.
هذا الحدث الذي يعكس تصعيدًا في الأزمة السودانية لقي صدى واسعًا في الصحافة الكينية التي تناولته بطرق متنوعة تعكس التوترات السياسية والدبلوماسية بين كينيا والحكومة السودانية.
وقد تناولت الصحف الكينية الكبرى الحدث من زوايا مختلفة، مع التركيز على تأثيراته المحتملة على العلاقات الثنائية بين البلدين، والدور الإقليمي لكينيا في الأزمة السودانية.
ففي مقال بعنوان "خطأ دبلوماسي آخر"، نشرت صحيفة ستاندرد تحليلا انتقدت فيه استضافة كينيا للمؤتمر، مشيرة إلى أنه "خطأ دبلوماسي جديد" من جانب الحكومة الكينية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سودانيين اتهامات لكينيا بالتدخل في شؤون السودان الداخلية، معتبرين أن هذه الخطوة تشكل دعمًا ضمنيا لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الحكومة السودانية.
كما أضافت الصحيفة أن هذا التصعيد قد يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم ونيروبي في وقت حساس تمر فيه كينيا بتحديات في سياستها الخارجية.
"اللعب بالنار"من جانبها، تناولت صحيفة "ديلي نيشن" في مقال بعنوان مثير: "اللعب بالنار" العلاقات بين كينيا والسودان من زاوية أوسع، مشيرة إلى ارتباط الحكومة السودانية باتهامات ضد كينيا بسبب هذه الاستضافة.
وتساءلت الصحيفة عن العلاقة بين الحكومة الكينية بقيادة الرئيس وليام روتو وبين قوات الدعم السريع، لا سيما في ظل الجدل القائم حول دور كينيا في الأزمة السودانية.
إعلانوفي مقالها، ذكرت الصحيفة أن الحكومة السودانية قد تعدّ هذا التحرك محاولة من كينيا لتعزيز نفوذها في النزاع السوداني، مما قد يعرض مصالح كينيا في المنطقة لمخاطر دبلوماسية أكبر.
أما صحيفة "ذي ستار"، فقد اختارت عنوانًا صريحًا لطرح القضايا التي ستنتج عن هذا الحدث، إذ عنونت: "خلافات دبلوماسية تلوح في الأفق في ظل استضافة كينيا لمجموعة حميدتي السودانية".
وأكدت الصحيفة أن استضافة كينيا لمؤتمر قوات الدعم السريع قد تضعها في موقف دبلوماسي محرج، في وقت يتزايد فيه التوتر بين القوى الإقليمية.
واستعرضت الصحيفة الرأي القائل إن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين كينيا والسودان، لا سيما إذا تصاعدت ردود الفعل من الخرطوم.
وفي ظل التصعيد الإقليمي في القرن الأفريقي، تتساءل الصحيفة عن مدى قدرة كينيا على الحفاظ على حيادها السياسي في هذه الأزمة المعقدة.
على النقيض، اهتم موقع "كابيتل إف إم" بتقرير مختلف، حيث تناول في مقال بعنوان "قوات الدعم السريع السودانية تؤجل الكشف عن حكومة موازية مع حلفائها في نيروبي" تأجيل الإعلان عن تشكيل الحكومة الموازية في نيروبي.
ورأى الموقع في هذا التأجيل مؤشرًا على تعقيدات داخلية داخل قوات الدعم السريع، إذ كانت هناك مشاورات حول كيفية التعامل مع ردود الفعل الدولية والمحلية على الخطوة.
في هذا السياق، ناقش الموقع التأثيرات المحتملة لهذا التأجيل على كينيا، مشيرًا إلى أن نيروبي قد تكون قد حصلت على الوقت اللازم لتقييم الوضع قبل اتخاذ أي خطوات إضافية قد تؤثر على موقفها الدولي.
لماذا قبلت كينيا؟يرى الصحفي نوي ميشالمون مراسل مجلة "أفريكا أنتليجنس" في شرق أفريقيا في تصريح للجزيرة نت أن التغيير في الإدارة الأميركية قد منح حرية أكبر لبعض القوى السياسية، بما في ذلك قادة قوات الدعم السريع الذين كانوا يخضعون سابقًا لعقوبات أميركية.
إعلانويعتقد ميشالمون أن هذا التحول في السياسة الأميركية قد خفف من الضغوط على كينيا، مما سهل عليها استضافة هذا المؤتمر.
وأضاف أنه ليس بالأمر الجديد أن هناك تقاربًا بين رئيس كينيا وليام روتو وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث التقى الطرفان مرات عدة في الماضي، وذلك يطرح تساؤلات عن العلاقة بين روتو وقوات الدعم السريع.
كما أشار ميشالمون إلى أن هذا التقارب قد يكون جزءًا من إستراتيجية كينيا لدعم جهود قوات الدعم السريع في تقديم نفسها كواجهة سياسية ومدنية، حيث عينت هذه القوات ممثلين في أوروبا في محاولة لإقناع الحكومات الأوروبية بالاعتراف بهم. ومن ثم، يبدو أن كينيا تحاول أيضًا دعم هذه الجهود، وهو ما يضعها في موقف دبلوماسي حساس.
العواقب المحتملةعلى مستوى العلاقات الثنائية، أشار ميشالمون إلى أن الحكومة السودانية في بورتسودان قد أصدرت بيانًا شديد اللهجة ضد استضافة كينيا للمؤتمر، مما يجعل أي تعاون أو حوار بين الطرفين على المدى القريب أمرًا مستحيلًا.
وأضاف أن العلاقة بين البلدين قد تعرضت بالفعل لضرر كبير يصعب إصلاحه الآن، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات.
واستعرض للجزيرة نت ما وصفه "بالمسمار الأخير في نعش" الصورة التي كانت كينيا تحاول بناءها كوسيط محايد في النزاع السوداني.
ففي بداية الصراع، كانت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) قد اقترحت أن يكون الرئيس روتو وسيطًا، لكن هذا الاقتراح فشل بسبب الاتهامات الموجهة إليه حول علاقاته الوثيقة بقوات الدعم السريع.
ورأى ميشالمون أن هذه الاستضافة هي بمنزلة النهاية لهذا الدور الدبلوماسي، مما قد يؤثر أيضًا على سمعة كينيا كداعم للحلول السلمية في النزاعات الإقليمية الأخرى، مثل الأزمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع استضافة کینیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،، الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية
تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،،
الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية..
مخاوف تنتاب ذويهم جراء الظروف القاسية التي تواجه الأسرى..
ضغوط محلية وإقليمية عبر مذكرتين للبرهان ومُفوَّض الاتحاد الأفريقي..
مطالب بتسليم الملف لرئيس الوزراء ليكون أحد مفاتيح الحل السياسي..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
بعد مرور أكثر من شهرين على تحرير العاصمة الخرطوم وإعلانها خالية من ميليشيا الدعم السريع، بدأت جيوش القلق تجتاح نفوس الأسر والعائلات الذين كان أبناؤهم محتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع لفترات متفاوتة في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم وضواحيها، وتزداد مخاوف هذه العائلات عن مصير أبنائهم في ظل الحديث المتواتر عن ترحيلهم القسري إلى مدينة نيالا، حيث اتخذتهم ميليشيا آل دقلو دروعاً بشرية لتفادي خطر القصف الجوي من سلاح الطيران أثناء مغادرتهم العاصمة في اتجاه الغرب، وبعد مرور أكثر من شهرين على ترحيلهم، تتفاقم مأساة هؤلاء الأسرى، وتخبو جذوة الأمل في نفوس عائلاتهم الذين لم يعودوا يطلبون إلا خيط، أو معلومة تطمئنهم على حياة أبنائهم.
ظروف إنسانية قاسية:
وكان الأسرى الذين تم العثور عليهم في مناطق صالحة وجبل أولياء عقب تحرير العاصمة الخرطوم، قد عانوا من ظروف قاسية ومخالفة لأدنى معايير المعاملة الإنسانية وفقاً لشهادات عدد من الأسرى الذين تم تحريرهم، حيث أكدوا أنهم قاسوا أوضاعاً مأساوية، افتقروا خلالها لأبسط مقومات الحياة، ما أدى إلى وفاة عدد منهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الصحية، ومن خرج منهم كان “عبارة عن هياكل عظمية”، نتيجة الجوع والعطش، وانعدام النوم، والتعرض المستمر للتعذيب النفسي، وسط تجاهل كامل لمتطلباتهم الإنسانية، وقد ظلت هذه الصور الإنسانية عالقة في النفوس، وهو ما يزيد طين القلق بلة لدى أسر وعائلات الأسرى الذين تم ترحيلهم إلى مدينة نيالا، خاصة وأن مصادر أكدت أن عملية الترحيل تمت عبر طرق برية وعرة، قطع خلالها الأسرى مئات الكيلومترات وهم في حالة صحية ونفسية بالغة التدهور دون الحصول على الغذاء الكافي أو الرعاية الطبية، الأمر الذي يجدد القلق والمخاوف من تفاقم أوضاعهم الصحية، خاصة في ظل تفشي الأمراض ونقص الدواء في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع.
مطالبة البرهان بالتدخل:
وفي الثالث والعشرين من يوليو الجاري وفي خطوة عكست حالة القلق الدائم والترقّب المؤلم والمخاوف التي تسللت إلى أفئدتهم وقلوبهم، وجهت أسر وعائلات الأسرى، نداءً إنسانياً مؤثراً إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالبوا في مذكرة لهم الرئيس البرهان بالتدخل العاجل للكشف عن مصير أبنائهم الذين انقطع الاتصال بهم منذ اندلاع الحرب، مشددين على ضرورة أن تتحرك الحكومة وأجهزتها المختصة بشكل فوري للكشف عن مصير أبنائهم المختفين منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تعرضهم لانتهاكات جسيمة قد تصل حد الإخفاء القسري أو التعذيب الممنهج، وأعربت أسر وعائلات المحتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع عن قلقها البالغ على سلامة أبنائهم في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، مناشدين كل من له تواصل أو اتصال أو تأثير على هذه القوات أن يُسارع بنقل صوتهم إليها، وأن يعمل على طمأنتهم عن ذويـهم من هؤلاء الأسرى، ويمكِّن الجهات المختصة من الوصول إليهم والاطمئنان على سلامتهم، مؤكدين أن قضية الأسرى من النظاميين والمدنيين قضية إنسانية بحتة، ولا ينبغي أن تكون رهينة للتجاذبات أو الصراعات.
مذكرة للاتحاد الأفريقي:
ولم يمضِ أسبوع على النداء الذي وجهه أسر وعائلات المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى الفريق عبد الفتاح البرهان، حتى عادت ذات الأسر والعائلات إلى مطالبة الاتحاد الأفريقي لتبني مبادرة إنسانية ترمي إلى إبرام صفقة تبادل بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ودعوا في مذكرة قدمت إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السفير محمود علي يوسف، التكتل القاري إلى الاضطلاع بدور قيادي في تسهيل مبادرة محايدة وخاضعة للرقابة الدولية لتبادل الأسرى بين أطراف النزاع في السودان، منوهين إلى القلق الذي ينتاب هذه الأسر والعائلات على سلامة أبنائها المحتجزين في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، داعين الاتحاد الأفريقي إلى الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة من المحتجزين، وخاصة الأطفال والنساء وذوي الإعاقة، بما يتماشى مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومعايير القانون الدولي الإنساني.
دور حكومة الأمل:
ويطالب مراقبون بضرورة الدفع بملف الأسرى المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية انتشال البلاد من هذا النفق المظلم، وقالوا إن إدريس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعطاء هذا الملف أولوية قصوى، ذلك أن ملف الأسرى ليس فقط قضية إنسانية وأخلاقية، بل أحد مفاتيح الحل السياسي وبوابة لبناء الثقة بين أطراف النزاع، الأمر الذي يتوجب على حكومة الأمل المدنية أن تضغط عبر الوسائل الدبلوماسية والمنصات الإقليمية والدولية لكشف مصير الأسرى وتأمين إطلاق سراحهم وفقاً لمواثيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، مشددين على ضرورة أن تتحمل المنظمات الإنسانية والحقوقية، سواء المحلية أو الدولية، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية في هذا الملف، وإعمال ضغوط مستمرة على ميليشيا الدعم السريع للسماح بزيارة الأسرى، وضمان معاملتهم معاملة إنسانية، وفق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى النداءات الإنسانية المتكررة من قبل الأسر والعائلات، ضرورة مرحلية ملحة لما تُحدثه من تأثير سياسي وأمني كبير، فهي تعيد ملف الأسرى إلى واجهة الأحداث، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية، كما تشكل ورقة ضغط داخلي على الميليشيا المتمردة لإبداء حسن النية عبر إطلاق سراح الأسرى، ذلك أنّ استمرار التعتيم على مصير المحتجزين يكرّس مزيداً من الألم ويعمّق جراح الوطن، وبالتالي فإنّ كل صوت يُرفع للمطالبة بالكشف عنهم، وكل جهد يُبذل لتحريرهم، هي مبادرة نحو استعادة إنسانية ضاعت في أتون الصراع، وخطوةٌ أولى على طريق طي تداعيات النزاع.