من الواضح أن السودان يسير في طريق التقسيم، حيث فشلت المشاريع السياسية، وعلى رأسها مشروع الإسلام السياسي، في تطوير نفسها لتشمل وطناً واسعاً، وبدلاً من ذلك اختارت تقزيمه ليتناسب مع حدودها الأيديولوجية. هذه المشاريع، التي قامت على أسس عنصرية وإقصائية، لم تثبت جدارتها في تحقيق السلام أو الاستقرار، حتى في الأقاليم التي تدّعي الانتماء إليها.



الوحدة: هل ما زالت الفرصة متاحة؟

التيار المدني الديمقراطي، المنحاز لوحدة السودان، يواجه تحدياً حقيقياً في بلورة رؤية واضحة حول إمكانية الاحتفاظ بوحدة البلاد. هذا يستدعي الإجابة عن أسئلة جوهرية:

ما هي استحقاقات الوحدة سياسيًا واقتصاديًا؟

ما هو شكل التحالف السياسي السوداني العابر للإثنيات والقبائل والأقاليم، والذي يمكن أن يكون رادعًا داخليًا للتقسيم؟

كيف يمكن صياغة معادلة مصالح اقتصادية وجيوسياسية تضمن دعماً إقليمياً ودولياً لوحدة السودان؟

تصميم تحالف داخلي وإقليمي لمناهضة التقسيم يتطلب فهمًا عميقًا للتقاطعات الدولية والاقتصادية في المنطقة والعالم. إذ لا يمكن الحفاظ على السودان موحدًا دون تقديم مصالح اقتصادية مغرية لحلفاء دوليين يفضلون وحدته على تقسيمه.

التقسيم: هل من مخرج بأقل الخسائر؟

إذا بات التقسيم مسألة وقت فقط، فالسؤال المطروح هو: ما هو الشكل الأكثر أمانًا لهذا التقسيم؟ هل يمكن تحقيق "تقسيم رحيم" دون إبادة جماعية أو تهجير قسري كما حدث في جنوب السودان؟ كيف يمكن تجنب حرب تمتد لعقود؟

هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي التقسيم إلى تدخل إقليمي واسع:

كيف يمكن لشمال ووسط السودان حماية نفسه من التبعية المصرية، سواء عبر الاستعمار المباشر أو عبر حكم عسكري موالٍ للقاهرة؟

أين يقع شرق السودان في معادلة التقسيم؟ هل سيكون مستقلاً أم تابعًا لإحدى القوى الإقليمية المجاورة؟

كيف يمكن منع الدول المنقسمة من أن تصبح ضحايا لمخططات دول الجوار؟

إعادة هيكلة الدولة: الحل المفقود

تجاوز أزمة الحكم في السودان ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة. هناك العديد من النماذج السياسية والإدارية التي يمكن أن تحل إشكالات الدولة المركزية، ولكن لا يمكن لأي نظام حكم أن ينجح، سواء كان ديمقراطياً أو دكتاتورياً، مركزياً أو فيدرالياً، ما لم تُحل مشاكل الهوامش جذرياً.

الهوامش السودانية تعاني من مشاكل متفاوتة:

في الشرق والشمال القصي، المشكلات ذات طابع ثقافي وتنموي.

في الغرب والنيل الأزرق، تمتزج القضايا الإثنية بالمعضلات التنموية والبيئية.

الحلول يجب أن تأتي بتوافقات محلية، حيث يجب على المجتمعات المتصارعة أن تتبنى التعايش وقبول الآخر من داخلها، قبل أن تفرض عليها من الخارج. الدور الرئيسي هنا يجب أن تلعبه النخب الاجتماعية، التي يقع على عاتقها نشر ثقافة التسامح والتعايش.

العدالة الانتقالية: مفتاح الحل

العدالة الانتقالية ليست مجرد آلية لمحاسبة المجرمين وتعويض الضحايا، بل هي وسيلة لإعادة تشكيل الوعي الاجتماعي، وربط المشكلات الاجتماعية والسياسية والتنموية ببنية الدولة. إذا تم تطبيق العدالة الانتقالية بشكل فعال، فقد تكون المفتاح لتحقيق سلام مستدام.

الفيدرالية: تجربة قديمة بحلة جديدة

على عكس ما يظن البعض، لم تكن الفيدرالية تجربة حديثة في السودان، فقد كانت موجودة في الأنظمة القديمة، مثل العصر المروي والممالك المسيحية والسلطنة الزرقاء. غير أن الدولة المركزية فرضت نفسها منذ الغزو التركي-المصري، وظلت نموذج الحكم السائد في معظم الفترات اللاحقة.

في العهد المايوي (1969)، جرى تطبيق نظام الحكم الشعبي المحلي، الذي منح صلاحيات واسعة للمحافظات، لكنه لم يكن كافياً لحل مشكلات الأقاليم. لاحقًا، أُدخل نظام الحكم الذاتي في الجنوب بعد اتفاقية أديس أبابا 1972، لكنه أدى إلى تناقضات إدارية بين الشمال والجنوب.

اليوم، إذا كانت الفيدرالية مطروحة كحل، فيجب أن تكون مبنية على أسس تحقق العدالة التنموية، وتمنع الصراعات الإثنية والجهوية، وإلا فإنها ستعيد إنتاج المشاكل ذاتها.

السودان يقف على مفترق طرق خطير. بين خيارات الوحدة والتقسيم، يجب أن يكون الهدف هو تجنب الحروب والمآسي التي شهدها في العقود الماضية. سواء عبر بناء تحالف سياسي جامع للوحدة، أو عبر السعي لتقسيم بأقل الخسائر، فإن الرهان الحقيقي يكمن في إعادة هيكلة الدولة على أسس تحقق العدالة والتنمية للجميع، بعيدًا عن المشاريع الإقصائية والهيمنة المركزية.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کیف یمکن یجب أن

إقرأ أيضاً:

السوداني: سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق.. أفكار التقسيم مرفوضة

أعرب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الثلاثاء، عن رفض بلاده فكرة تقسيم سوريا، واعتبر الإبادة المتواصلة في قطاع غزة "انتكاسة إنسانية".

وقال السوداني، إن "سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق، واستقرارها مهم، ونحرص على أن يتمتع الشعب السوري بالأمن والاستقرار وبعملية سياسية تشمل جميع مكوناته".

ودعا إلى "أن يكون هناك موقف واضح ضد الإرهاب والعنف والكراهية والتطرف، وما قامت به بعض الجماعات في سوريا أمر مروع ومؤسف يذكرنا بالإرهاب الذي ضرب العراق".

وأضاف: "نرفض تقسيم سوريا، وقدمنا مبادرة لإقامة حوار وطني بين مكونات الشعب السوري في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد".

وبشأن الإبادة الإسرائيلية في غزة، اعتبرها السوداني "انتكاسة حقيقية لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية، وهي ترسم مستقبلا قاتما للمجتمع الدولي، حيث أن غزة تشهد إبادة جماعية في ظل المجاعة والقتل، وهو أمر مؤسف".

وعن العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، أكد السوداني أن "ايران دولة جارة ولدينا معها علاقات مستندة إلى مشتركات دينية وثقافية واجتماعية، وقدمت لنا الدعم في الحرب ضد الإرهاب".

وأعرب عن رفضه "العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، محذرا من "زج العراق بهذه الحرب، أو أن تكون أجواؤه ممراً للاعتداء على دولة جارة".



وبشأن الانتخابات البرلمانية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، اعتبرها السوداني "حدثا ديموقراطيا مهما يؤكد رغبة الشعب العراقي في التمسك بالمسار الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة".

وفيما يتعلق بالتحالف الدولي، أكد السوداني أن "الحكومة أجرت حوارا جادا ومسؤولا مع الأصدقاء في التحالف الدولي، وتوصلنا لاتفاق على إنهاء مهمة التحالف 2026".

وأضاف: "لن نسمح لأي جهة بمصادرة قرار السلم أو الحرب، وهو مسؤولية الحكومة وفق الدستور والقانون، وبدعم من المرجعية العليا والقوى السياسية والشعب العراقي".

مقالات مشابهة

  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • .. مطالب بعودة المحكمة الدستورية في السودان
  • بَللو: الديناميكية التي يشهدها قطاع السينما تعكس التزام الدولة إلى بعث الصناعات الإبداعية
  • أسباب أم شهد شريكة سفاح التجمع لتخفيف الحكم عليها
  • من هو أبو شباب؟ .. تحقيق يُعرّي الميليشيا التي تحكم بالمساعدات التي تنهبها وتُهدد مستقبل غزة
  • بعد موجة الحر الشديد التي ضربت لبنان... كيف سيكون طقس الأيام المقبلة؟
  • أمين عام مستقبل وطن: الشارع المصري يقف خلف الدولة ومؤسساتها
  • طاهر الخولي: الدستور يُقر بقانون الإيجار القديم ضمنيا إذا لم يُصدره الرئيس خلال 30 يومًا
  • قيادي بمستقبل وطن: كلمة الرئيس تعكس التضحيات التي تقدمها مصر من أجل القضية الفلسطينية
  • السوداني: سوريا تمثل أمنا قوميا للعراق.. أفكار التقسيم مرفوضة