من هواوي إلى ديب سيك.. كيف تتحدى الصين الحصار التكنولوجي الأميركي؟
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
أطلقت الحكومة الصينية في مايو/أيار 2015، مشروعا إستراتيجيا تحت اسم "صنع في الصين 2025" يهدف إلى تحويل الصين من "مصنع العالم" للسلع ذات التكلفة المنخفضة، إلى قوة صناعية عالمية رائدة في مجال الصناعات المتقدمة والابتكار التكنولوجي، وبحيث تعتمد على نفسها في إنتاج التقنيات المتطورة.
حقق هذا المشروع نجاحا كبيرا ووضع الصين في صدارة بلدان العالم في إنتاج السيارات الكهربائية وشبكات الجيل الخامس للاتصالات والبطاريات والطاقة الشمسية.
وباتت الصين تتحكم بما يزيد على 80% من صناعة الألواح الشمسية في العالم، و70% من إنتاج بطاريات الليثيوم أيون. وتمثل المحطات القاعدية لشبكات الجيل الخامس في الصين وحدها نحو 60% من الإجمالي العالمي. ودخلت الصين أيضا ساحة المنافسة في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال وي تشات (WeChat) وتيك توك (TikTok)حيث تجاوز عدد مستخدمي كل منهما المليار مستخدم.
وبالنسبة للحوسبة الكمومية تنافس الشركات الصينية نظيراتها الأميركية بقوة، على الرغم من أن الأخيرة لاتزال متفوقة بشكل طفيف، لكن الصين تحرز حالياً تقدما سريعاً، وتسعى بقوة لتقليص الفجوة وتحقيق الريادة في هذا المجال.
إعلاناستشعرت الولايات المتحدة خطورة هذا التقدم التكنولوجي الصيني السريع فسارعت لاتخاذ إجراءات تهدف إلى إبطائه وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
بدأت الولايات المتحدة بتطبيق هذه الإجراءات في مايو/أيار 2019، بمنع شركة هواوي من شراء المكونات الأميركية دون ترخيص، ثم تصاعدت هذه الإجراءات لتشمل منع شركات مثل الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) من تزويد الشركات الصينية بالمعالجات المتطورة، ومنعت شركة إيه إس إم إل (ASML) الهولندية من تزويد الشركات الصينية بتقنية الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV)، مع العلم أن هذه الشركة هي المورد الرئيسي في العالم لهذه الأنظمة التي تسمح بإنتاج مكونات إلكترونية بأحجام صغيرة جدا (3 نانومتر وأقل)، مما يزيد من كثافة الترانزستورات على الرقاقة ويحسن أداء الأجهزة الإلكترونية.
وعلى الرغم من هذه القيود، فقد استمرت هواوي في تطوير منتجاتها، فأطلقت مجموعة متطورة من الهواتف الذكية عام 2023 والأعوام اللاحقة، مما يشير إلى تقدمها في تصنيع أشباه الموصلات محليا.
المفاجآت الصينية عام 2025في العاشر من يناير/كانون الثاني 2025، أطلقت شركة ديب سيك (DeepSeek) الصينية نموذجا متقدما للذكاء الاصطناعي يحمل اسم "R1". كانت الشركات الأميركية قبل ذلك تحتكر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن هذا النموذج الصيني فتح الباب أما منافسة فعلية، وأدى إلى تراجع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية، وخسارة أكبر شركة لتصنيع رقاقات الذكاء الاصطناعي (إنفيديا) مبالغ طائلة من قيمتها السوقية.
وقد دفع ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقول: "يجب أن تكون تقنية شركة ديب سيك الصينية حافزا للشركات الأميركية". امتاز ديب سيك "R1" بعدة نواحي أهمها كونه مفتوح المصدر ويمتلك قدرات تحليلية متقدمة ويدعم لغات برمجة متعددة ويمتلك قدرات مميزة للتفكير الرياضي والمنطقي وتحليل القضايا المعقدة، مما يجعله مفيدا لحل المشكلات الدقيقة. ويضاف إلى ذلك أن تكلفة تطويره وتشغيله منخفضة جدا مقارنة مع مثيلاته الأميركية. وقد دفع ذلك الرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيتشاي للقول "لقد قام فريق ديب سيك بعمل جيد للغاية".
إعلانأما يان ليكون، نائب الرئيس ورئيس علماء الذكاء الاصطناعي في ميتا (فيسبوك سابقا)، فيرى أن التفوق الرئيسي لديب سيك يرجع إلى تفوق نماذج المصادر المفتوحة على النماذج المغلقة أي المملوكة حصرا لجهة واحدة.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017 أطلقت "غوغل ديب مايند"، برنامج ألفا غو زيرو (AlphaGo Zero)، وهو نسخة مطورة من ألفا غو، البرنامج الذي هزم أفضل لاعبي العالم في لعبة غو (Go). وعلى عكس الإصدارات السابقة، لم يعتمد برنامج ألفا غو زيرو على بيانات بشرية أو مباريات سابقة، بل تعلم بمفرده من خلال اللعب ضد نفسه بعد تزويده بقواعد اللعبة، محققا مستوى غير مسبوق من الذكاء الاصطناعي في هذه اللعبة.
استخدم ديب سيك تقنيات مشابهة لتلك التي استخدمتها ديب مايند لتدريب البرنامج ألفا غو زيرو، أي درب "R1" نفسه بنفسه في المجالين الرياضي والمنطقي باستخدام مجموعة من القواعد الأولية، أي أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرا على خلق المعرفة بنفسه في هذين المجالين، وهذا ما دفع آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، للقول "إن شركته أعجبت بشكل خاص ببعض تقنيات التدريب التي استخدمتها شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها".
أجريت العديد من الاختبارات المقارنة بين "R1″ من ديب سيك و"o1" من أوبن إيه آي. أظهر اختبار "ماث-500" (MATH-500) المُصمم لتقييم قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي في حل المسائل الرياضية المعقدة، تفوقا طفيفا لصالح "R1" من ديب سيك. يحتوي هذا الاختبار على 500 سؤال تغطي مجموعة متنوعة من الموضوعات الرياضية، بما في ذلك الجبر، الهندسة، والتفاضل والتكامل.
وتفوق "R1" على "o1" في اختبار آيمي 2024 (AIME 2024) المصمم لاختبار نماذج الذكاء الاصطناعي في حل مسائل رياضية معقدة تتطلب مهارات تحليلية ومنطقية عالية.
إعلانوتفوق "R1" أيضا على "o1" في اختبار إس دبليو إيه- بنش (SWE-bench) المصمم خصيصا لتقييم قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي في حل مشكلات هندسة البرمجيات في العالم الحقيقي من خلال 500 مهمة.
وبالمقابل تفوق "o1" في 3 اختبارات هي:
كود فورس (Codeforce) وهو منصة شهيرة لتنظيم مسابقات البرمجة التنافسية. اختبار جي بي كيو إيه (GPQA) عبر 198 سؤالا في مجالات مثل الأحياء، الفيزياء، والكيمياء. اختبار إم إم إل يو (MMLU) الذي يقيس دقة المعلومات العامة عبر 16 ألف سؤال تغطي 57 موضوعا أكاديميا.أشعل إطلاق ديب سيك لنموذجها المتقدم من الذكاء الاصطناعي "R1" المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي فأطلقت أوبن إيه آي أواخر يناير/كانون الثاني 2025 إصداراتها الجديدة "أو3- ميني" (o3-mini)، وأطلقت أواخر فبراير/شباط إصداراتها الجديدة "جي بي تي – 4.5" (GPT-4.5)، في حين وعدت ديب سيك بإطلاق إصداراتها الجديدة (R2) قريبا جدا. وتلعب شركات عديدة أخرى دورا بارزا في هذه المنافسة المحمومة، منها جيمني 2.0 برو (Gemini 2.0 Pro) من غوغل، وأل لاما- 3.1 (Llama-3.1) من ميتا (فيسبوك سابقا)، وغروك- 2 (Grok-2) من شركة إكس إيه آي (xAI) التي أسسها إيلون ماسك، وغيرها.
صراع أشباه الموصلات (Semiconductors)تحتكر شركة إيه إس إم إل الهولندية أنظمة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV) التي تتيح تصنيع رقائق بحجم 7 نانومتر وأصغر.
استغرقت إيه إس إم إل أكثر من 20 عاما من البحث والتطوير لتتمكن من إنتاج أنظمة للأشعة فوق البنفسجية القصوى. تستخدم شركات مثل آبل وسامسونج حاليا رقائق بحجم 3 نانومتر مصنعة بهذه التقنية، وتخطط شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات التي تعد من أكبر الشركات المصنعة للرقائق في العالم، لتصنيع رقائق بأحجام تصل إلى 2 نانومتر، باستخدام هذه التقنية الهولندية، هذا العام.
إعلانفي أغسطس/آب 2024، أطلقت شركة هواوي الصينية هاتفها الذكي Mate 60 Pro الذي احتوى على معالج بدقة 7 نانومتر، مما أثار اهتماما واسعا في هذه الصناعة، وتعمل الشركة حاليا على تطوير معالجات بدقة 5 نانومتر. لا يزال تصنيع رقائق بدقة 3 أو 2 نانومتر صعبا على هواوي بسبب القيود الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة لمنع وصول تقنية الأشعة فوق البنفسجية القصوى إلى الصين بهدف تحجيم تطورها التكنولوجي.
لكن يبدو أن الصين وجدت طريقة جديدة لتطوير تقنية تصنيع رقائق الأشعة فوق البنفسجية القصوى. ففي 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، حصل معهد هاربين للتكنولوجيا على الجائزة الأولى لأحد مشاريعه المتعلقة بضوء الليزر، فقد اقترح نهجا بديلا لتوليد ضوء الأشعة فوق البنفسجية القصوى، يختلف عن الأساليب المتبعة في البلدان الغربية. يركز مشروع المعهد، بقيادة البروفيسور تشاو يونج بينج، على مصدر الأشعة فوق البنفسجية القصوى المستحث بالتفريغ البلازمي بطول موجي مركزي يبلغ 13.5 نانومترا، وهو الطول الذي يسمح بتصنيع رقائق بحجوم 3 و2 نانومتر، وربما أقل.
تتصاعد المعركة من أجل الهيمنة على أشباه الموصلات، مع ضخ الصين 41 مليار دولار لتسريع قدراتها في تطوير الطباعة الحجرية المحلية للأشعة فوق البنفسجية القصوى، وبالتالي تغيير ميزان القوى في صناعة أشباه الموصلات.
السؤال هو: ماهي المدة المتوقعة كي تتمكن الصين من استخدام هذه الطريقة لتصنيع رقائق بهذا الحجم النانوي الصغير؟ يتوقع الخبراء أن تحتاج الصين إلى 4 أو 5 سنوات قبل أن تتمكن من تصنيع رقائق بهذه التقنية المتقدمة، وسيسهم ذلك إن نجحت، في سد الفجوة التقنية بينها وبين البلدان الغربية.
أخيرا عندما سئل أحد العلماء الصينيين عن تأثير الحصار التكنولوجي الأميركي على بلده، أجاب: الحكمة الصينية تقول "الحياة دائما ما تجد الطريق الخاص بها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان نماذج الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی الولایات المتحدة أشباه الموصلات فی العالم دیب سیک
إقرأ أيضاً:
أبل تُواصِل انتهاج خطوات حذرة في مجال الذكاء الاصطناعي رغم تأخرها عن منافسيها
كاليفورنيا – ( أ ف ب): واصلت شركة "أبل" السير بوتيرة حذرة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، رغم تأخرها الملحوظ عن منافسيها، ما أثار دهشة أوساط المحللين والمستثمرين.
وخلال كلمته في افتتاح مؤتمر "أبل" السنوي للمطورين في كوبرتينو، قال الرئيس التنفيذي تيم كوك: "نحتاج إلى مزيد من الوقت لاستكمال عملنا المتعلق بتطوير المساعد الصوتي (سيري) ليكون أكثر شخصية ويلبي معايير الجودة التي نحرص عليها".
ويُعد تطوير "سيري" إلى أداة ذكاء اصطناعي متقدمة من أبرز ملامح استراتيجية "أبل" في هذا المجال، والتي تم الإعلان عنها في مؤتمر العام الماضي ضمن مشروع "أبل إنتلجنس"، الذي يجمع مجموعة من الوظائف الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وكان من المفترض أن يتيح هذا النظام للمستخدمين أداء المهام عبر الأوامر الصوتية، مستفيدًا من المعلومات المتوافرة في البريد الإلكتروني والصور وغيرها من التطبيقات.
إلا أن الشركة اضطرت إلى تأجيل أو تعليق بعض الميزات المرتبطة بالمشروع، وفي مقدمتها تحديث "سيري"، ما انعكس سلبًا على نظرة السوق، إذ تراجع سهم "أبل" بنسبة 1.21% مع بدء فعاليات المؤتمر، في وقت تواصل فيه شركات مثل "أوبن إيه آي"، و"جوجل"، و"ميتا" إطلاق تحديثات متقدمة لأنظمتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ركّزت "أبل" خلال مؤتمرها على الكشف عن تحديثات في أنظمة التشغيل وتصميمات الواجهات.
تحفظ يثير القلق
رأى المحلل "إيماركتر"، غادجو سيفيلا، أن التأجيلات المتكررة قد تعكس "تراجعًا في وتيرة الابتكار داخل الشركة، أو غياب للرؤية الواضحة بشأن الذكاء الاصطناعي"، وحذر من أن هذا التردد قد "يُضعف حماسة المستثمرين"، خصوصًا في ظل التحركات السريعة لشركات مثل "سامسونج" و"جوجل" نحو دمج الذكاء الاصطناعي بعمق في أجهزتها القادمة.
ورغم الانتقادات، قدّمت "أبل" ميزة جديدة لاقت ترحيبًا، تتمثل في إمكانية الترجمة الفورية للرسائل النصية والمكالمات الصوتية والمرئية، وهي خاصية موجودة مسبقًا في بعض الهواتف المنافسة، واعتبرت نبيلة بوبال مديرة الأبحاث في "آي دي سي"، أن هذه الميزة تمثل "تقدمًا مهمًا ضمن حزمة أبل إنتلجنس"، مشيرة إلى أن عدم تحديث "سيري" بشكل كامل لا يُلغي أهمية الترجمة الفورية كواحدة من أكثر التطبيقات شعبية، مؤكدةً أن التأخر في الذكاء الاصطناعي لم ينعكس حتى الآن على مبيعات الشركة، موضحة أن "أبل تدرك أن هذا المجال ليس سباقًا قصيرًا بل ماراثون طويل".
انفتاح على المطورين
في خطوة لافتة، أعلنت "أبل" إتاحة قدرات "أبل إنتلجنس" للمطورين، ليتمكنوا من تصميم تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي وتعمل حتى في وضعية عدم الاتصال بالإنترنت، واعتبر سيفيلا هذه الخطوة "تنازلاً مناسبًا"، يأخذ في الاعتبار اعتبارات الخصوصية والأمان، ويمنح "أبل" فرصة لإعادة تقييم استراتيجيتها، في وقت يُطوّر فيه المطورون تجارب ذكية متكاملة داخل نظام "أبل".
وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه العلاقة بين "أبل" والمطورين توتّرًا منذ سنوات، على خلفية السياسات الصارمة التي تفرضها الشركة والعمولات التي تتقاضاها من التطبيقات، وكانت شركة "إبيك غيمز"، مطوّرة لعبة "فورتنايت"، قد كسبت دعوى قضائية أجبرت "أبل" على السماح باستخدام أنظمة دفع بديلة في الولايات المتحدة، وهو إجراء أصبح معمولًا به في أوروبا أيضًا.
تحديات داخلية وخارجية
ويضاف إلى التحديات التي تواجهها الشركة، انضمام المصمم الشهير جوني آيف، مهندس تصميم جهاز "آيفون"، إلى شركة "أوبن إيه آي"، حيث يعمل على تطوير أجهزة ذكية متصلة تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي، ورغم هذه التحديات، أعرب المحلل في "ويدبوش"، دان آيفز، عن ثقته في قدرة "أبل" على تجاوز هذه المرحلة، قائلاً: "أبل تعتمد الحذر، بعد عام مليء بالتقلبات، استراتيجيتها واضحة، لكن الوقت يضغط"، ولم يستبعد احتمال لجوء الشركة إلى عمليات استحواذ كبرى لتسريع وتيرة تحولها الذكي.