جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-02@15:47:00 GMT

"وين الملايين"!

تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT

'وين الملايين'!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

عنوان هذا المقال مُقتبس من قصيدة غنائية كتبها الشاعر الليبي علي الكيلاني إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى مطلعها: "وين الملايين.. الغضب العربي وين... الشرف العربي وين". وعلى الرغم من بساطة هذه الكلمات، إلا أنها هزت ضمائر الأمة وحققت نجاحًا غير مسبوق في تحريك الجماهير العربية، بفضل الحنجرة الذهبية للفنانة جوليا بطرس رفقة زميلاتها من الكورال، ودعوة القصيدة الشعوب العربية للخروج إلى الميادين للتضامن مع الشعب الفلسطيني المجاهد، وذلك في تلك الأيام الخوالي التي كانت فيها الشعوب العربية على قلب رجل واحد من المحيط الى الخليج ولها قضية مصيرية هي استعادة القدس الشريف ومسجدها الأقصى من الصهاينة.

كم هي عظيمة غزة برجالها ونسائها وأطفالها الذين يتعرضون لأكبر محرقة في التاريخ المعاصر؛ فأنتم أيها الشرفاء من علَّمتم العالم الحر معنى التضحيات والبطولات والصمود الأسطوري الذي لا يفقهه البعض ممن لا يعلمون واجب الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأوطان، والأسوأ من ذلك كله هو الصمت والخذلان من الحكومات شرقًا وغربًا وحتى في منطقتنا العربية.

وكنتيجة طبيعية لهذه الحروب العبثية التي فُرِضت من الخارج على العرب بهدف إضعاف الجيوش العربية وجعل من القوة الصهيونية هي المسيطرة والأقوى في المنطقة، فقد استُنزِفت الأموال والأرواح في هذه الصراعات التي لا يُراد لها أن تنتهي؛ فالحكومات العربية هي الأكثر إنفاقًا على شراء السلاح في العالم، فقد خلصت مراكز الدراسات الإستراتيجية العالمية إلى أنَّ العرب أنفقوا خلال آخر عقد ونصف العقد أكثر من تريليون دولار على التسليح. وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ العرب أكثر ضحايا الحروب والتعذيب واللجوء عبر الحدود الدولية؛ بسبب قمع بعض الأنظمة والحكومات العربية الاستبدادية لشعوبها. أما معهد ستوكهولم للسلام الدولي، فقد كشف في تقريره السنوي عن امتلاك بعض الدول العربية لأكبر نسبة إنفاق عسكري على شراء السلاح من الناتج المحلي الإجمالي في العقود الأخيرة.

والسؤال المطروح: الآن أين الجيوش العربية مما يجري على أرض فلسطين من عربدة الحكومة اليمينية المتطرفة التي تعيث فسادًا في الأرض؟

الإجابة على ذلك واضحة وضوح الشمس؛ فبعض هذه الجيوش وُجدت لحماية دولة الكيان الغاصب، وذلك ضمن اتفاقيات سرية وبعضها علنية مع الغرب الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى إذلال الأمة وتحقيق ما يعرف بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، لتحقيق نبوءات كهنوتية للإنجيليين الجُدد حول موعد نزول المسيح عليه السلام. 

ومن المفارقات العجيبة أنَّ مُعظم الأنظمة العربية تقوم بشراء السلاح لمحاربة بعضهم بعضًا، وحماية الكراسي والحكام من السقوط في وجه التهديدات الداخلية من المعارضين في الداخل والخارج؛ وليس للدفاع عن الأوطان في وجه الأعداء وتحرير مقدسات الأمة، فقد أثبتت الأيام والوقائع أن كلَّ دولةٍ عربية تخشى من جيرانها أكثر من خشيتها من الأعداء المحتملين من الدول الأجنبية وخاصة الدولة المزروعة في قلب الوطن العربي من الغرب وهي إسرائيل؛ فالأسلحة الأمريكية الجديدة والتي تعد الأحدث تُستخدم الآن لقتل سكان غزة، والعالم من أقصاه إلى أقصاه يشاهد تلك المذابح عبر الشاشات دون أن يحرك أحدًا من هؤلاء الأقوام ساكنًا إلّا بإصدار بيانات الشجب التي لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به. وكم من مؤتمرات قمة عقدت خلال الـ17 شهر الماضية ولم تنجح في كسر الحصار وإيصال الأدوية والطعام للمحتاجين في القطاع المحاصر من الجميع منذ 18 سنة، فضلًا عن الوقوف في وجه المجرمين الذين أدانتهم المحاكم الدولية كمجرمي حرب وعلى رأس هؤلاء بنيامين نتنياهو.

لا شك أننا نعيش زمنًا استثنائيًا فقدت فيه الأمة العربية مشاعرها وأحاسيسها؛ بل وحتى بوصلتها عن حقيقة ما يحصل من مجازر في فلسطين المحتلة يندى لها جبين الإنسانية في هذا الشهر الكريم، وعلى وجه الخصوص قطاع غزة، الذي يتعرض مُجددًا هذه الأيام لأبشع الجرائم والإبادة الجماعية للأطفال والنساء في هذه المنطقة المحاصرة من الصهاينة، بينما العرب وقفوا عاجزين عن الدفاع عن أطفال غزة؛ بل وحتى عن إدخال الماء والغذاء والأدوية عبر الحدود في انتظار الموافقة من حكومة الكيان الصهيوني المجرمة، التي لا يمكن أن تأتي في الأصل إلا بعد التخلص من سكان غزة ومقاومتها الباسلة الذين يدافعون عن شرف الأمة ومقدساتها في الأقصى المبارك وارض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، مهما كانت التضحيات والشهداء الذين يروى تراب أرض الرباط بدمائهم الزكية.

من المؤسف حقاً أن تقف الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج عاجزة ودون إرادة لتغيير المعادلة المتمثلة بعدم الاكتفاء بدور المتفرج والتسمر أمام الشاشات الفضائية فقط، اين نحن من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" (الحج: 39).      

وفي الختام، الأنظار هذه الأيام تتجه إلى جمهورية تركيا كقوة إقليمية مسلمة وكامتداد للإرث الإمبراطوري العثماني في المنطقة؛ إذ يمكن لها أن تواجه إسرائيل، وذلك إذا تحققت الإرادة الصادقة للرئيس رجب طيب أردوغان الذي اعتدنا على سماع تصريحاته الرنانة؛ فالأيام القادمة سوف تكشف عن فصول جديدة تكتب عن معادن البشر ومواقفها، فالتاريخ لا يرحم؛ فهل نتوقع صلاح الدين جديدًا يستعيد القدس الشريف لأمة محمد؟

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ناصري يستقبل سفير بريطانيا..وهذا ما دار بينهما

استقبل عزوز ناصري، رئيس مجلس الأمة، صبيحة اليوم الخميس، بمقر المجلس، جيمس روبرت ستيفان داونر، سفير المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية بالجزائر، الذي أدى له زيارة مجاملة.

اللقاء شكل فرصة لاستعراض واقع ومستقبل العلاقات الثنائية. في هذا الخصوص، أكد رئيس مجلس الأمة، على جودة العلاقات الجزائرية البريطانية. الضاربة في عمق التاريخ والتي تعود إلى القرن السادس عشر، مشددًا على طابعها القائم على الاحترام المتبادل والصداقة، وعلى الديناميكية والازدهار المتواصلين اللذين يميزانها اليوم.

وأعرب عزوز ناصري عن أمله في أن ترقى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجزائر والمملكة المتحدة إلى نفس مستوى العلاقات السياسية. التي تتسم بمتانتها وتطابق وجهات النظر إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وفي هذا الإطار، دعا إلى توسيع التعاون الثنائي ليشمل مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك، مثل الطاقة والسياحة والبحث العلمي والتعليم العالي.

كما تطرق رئيس مجلس الأمة إلى عدد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، على غرار الوضع في فلسطين ومالي والنيجر، إضافة إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وجدّد التأكيد على موقف الجزائر الثابت في دعم الشرعية الدولية والعمل من أجل ترسيخ السلم والأمن، باعتبارهما أساس كل تنمية مستدامة.

وفي هذا السياق، وجّه نداءً قويًا من أجل الوقف الفوري للإبادة الجماعية المنهجية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والدفع نحو حلّ سياسي عادل ودائم قائم على إنشاء دولتين. كما ثمّن، بالمناسبة، قرار الحكومة البريطانية القاضي بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال شهر سبتمبر المقبل، واصفًا إياه بالقرار الشجاع والمعبّر عن إرادة حقيقية في إنصاف الشعب الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • الفريق أول شنقريحة يُكرم أشبال الأمة المتفوقين في الباك والبيام
  • وزارة الخارجية السورية: الوفد التقني للوزارة الذي يزور ليبيا الشقيقة بهدف تسوية الأوضاع القانونية للمواطنين السوريين، يعلن عن قيامه بتقديم مجموعة من الخدمات القنصلية العاجلة للأخوة المواطنين تسييراً لأوضاعهم وذلك ريثما يتم افتتاح سفارة الجمهورية العربية ا
  • أبناء صعدة يؤكدون ثباتهم مع غزة ويحذرون من الخيانة
  • لجنة 6+6.. من قاعة أبوزنيقة إلى حضن تيته: كفى عبثًا!
  • وزير الإعلام الفلسطيني: مصر هي قلب الأمة العربية والحاضنة للقضية الفلسطينية
  • معلومات تكشف أخطر استثمار أمريكي _ صهيوني يدار داخل هذه الدول العربية (تفاصيل)
  • ناصري يستقبل سفير بريطانيا..وهذا ما دار بينهما
  • المكتتبون الذين ضيعو كلمة السر للولوج إلى منصة عدل 3..هذه طريقة استرجاعها
  • في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا