د. عبدالله الأشعل

"الصراع العربي الإسرائيلي" مصطلح شاع في ستينيات القرن الماضي، وقد أجهد المثقفون العرب أنفسهم واشتدَّ الجدل بينهم حول طبيعية الصراع، علمًا بأنهم لو كانوا قرأوا كتاب هرتزل "الدولة اليهودية" ومذكرات هرتزل، لوفَّروا جهدهم؛ ذلك أن المشروع الصهيوني واضح منذ البداية.

ويعني أنَّ اليهود عباقرة يعيشون مع شعوب مُتخلِّفة حاقدة، ولذلك فشلت كل طرق علاج اضطهادهم، ولذلك خرج هرتزل بالحل السعيد وهو جمع كل اليهود في مكان واحد.

وتولت بريطانيا عرض الأماكن المُتاحة، وكان قد تبيَّن اللؤم الذي اتسم به هؤلاء، فقد تمسكوا بفلسطين، وراحوا يزعمون الرابطة بينهم وبين فلسطين، رابطة تاريخية وتوراتية مزورة وقالوا إنها أرض مقدسة وعد الله بها بني إسرائيل في كل الكتب المقدسة ومنها القرآن الكريم.

ومن عادة المشروع الصهيوني أنه يظهر جوهره ولكن يخفي مراحله ووسائله ومن هنا لجأ إلى الأساطير المؤسسة لإسرائيل كما كان يُردد الفيلسوف المسلم جارودي الذي كان يهوديًا.

الأساطير في هذا المقام ليس المعنى المستقيم وهو المعجزات وإنما تنصرف إلى الدجل والأكاذيب. وبالفعل صفات اليهود في القرآن الكريم لم تتغير؛ بل ازدادت عند اليهود الصهاينة سُوءًا.

الأسطورة الأولى: أن الصهاينة يهود، وهذا غير صحيح، الخلفية الدينية صحيحة، ولكن الارتباك بين اليهودية والصهيونية واضح ومنطقي؛ فالصهيونية مشروع سياسي، أما الشريعة اليهودية فهي مقدسة، والمشروع السياسي الإجرامي لا ينسجم مع الشريعة اليهودية ولذلك سيطر العلمانيون على الدولة الإسرائيلية ورفض اليهود الحقيقيون فكرة المشروع أصلًا.

إسرائيل أصدرت قانونين متضادين؛ الأول عام 2017 يعلن أن إسرائيل دولة يهودية خالصة، والهدف منه التمسح بالشريعة اليهودية وإظهار أن سلوك إسرائيل الصهيونية هو من عند الله، ولذلك أشار القرآن الكريم إلى أنَّ أحبار اليهود زوروا التوراة والكتب المقدسة وقالوا على الله بغير الحق. والقانون الثاني صدر عام 2023 ويحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين، وبالطبع أن القانونين وسائل هابطة ودليل على تخبط إسرائيل؛ فالقانون الأول هدفه أن يحول الدين إلى قومية عنصرية وأن يطرد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل الذين نسميهم بـ"عرب 48". والقانون الثاني ينتهك حق تقرير المصير كما ينتهك قرار التقسيم ويضاف إلى ذلك أنه يقر بأن إسرائيل تتوسع في كل فلسطين مما يحول حل الدولتين إلى عبث واسطورة.

الأسطورة الثانية: أن إسرائيل دولة، علمًا بأنه لا تتوفر فيها عناصر الدولة وهي الأرض الخالصة للدولة والحدود الدولية التي تمثل الوعاء القانوني والسيادي التي تفصل بين الدول. والعنصر الثاني هو الشعب. وكان المرحوم د. عبدالوهاب المسيري يبغض مصطلح الشعب اليهودي أو الشعب الإسرائيلي، لكننا نستخدم المصطلح بالمعنى السوسيولوجي. والشعب في هذه الحالة مجموعة العصابات التي كانت ضحية أكاذيب المشروع الصهيوني؛ فهم ليسوا مدنيين عاديين وإن كانت معظم الدول العربية أصدرت بيانات تسوى بين المدني الصهيوني الغاصب وبين المدني الفلسطيني صاحب البيت؛ بل وأدان عدد من الدول العربية هجوم حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 ووصف البعض ذلك بأنه عدوان إرهابي، وهذا يتناقض مع شرعية المقاومة وأنشطتها وفق القانون الدولي.

الأسطورة الثالثة: أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم وأنه جيش الدفاع. وقد رأينا سجل هذا الجيش وجرائمه خلال سبعة عقود كما كشف سلوك الجيش أنه منجذب لارتكاب الجرائم ويفاخر بها وذلك تطبيقا لنظرية نتانياهو في ضرورة العنف لإرهاب الفلسطينيين وأن هذا الجيش مكون من عصابات ويعمل بمنطق العصابة وهو دأب على العدوان.

الأسطورة الرابعة: أن إسرائيل ليست محتلة لأراضٍ فلسطينية كما جاء في رد الحكومة الإسرائيلية على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو 2024 وطالب إسرائيل بالجلاء عن هذه الأراضي، ولكن إسرائيل أكدت أنها تملك كل فلسطين ولا يجوز وصفها بأنها سلطة محتلة.

الأسطورة الخامسة: أن إسرائيل تكافح الإرهاب الفلسطيني المتمثل في المقاومة. والصحيح أن إسرائيل ليس لها مشروعية قانونية واعتراف قادتها أن مصدر مشروعية إسرائيل هو قوتها وبطشها ومتانة تحالفاتها مع واشنطن والغرب. وأن إسرائيل قامت على الإرهاب والمذابح وأن المقاومة لديها مركز قانوني متين في القانون الدولي. والمقاومة حضارية تحترم القانون الدولي بينما إسرائيل كيان همجي سلوكها بربري.

الأسطورة السادسة: أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. هذا صحيح، ولكن ديمقراطية إسرائيل هي ديمقراطية العصابة العنصرية. وقد اتضح أن هذه الديمقراطية العنصرية هي من ركائز وجود إسرائيل.

الأسطورة السابعة: أن إسرائيل عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. إسرائيل صارت عضوا في الأمم المتحدة رغم عدم استيفائها لشروط العضوية فلا هي دولة ولا هي محبة للسلام الإقليمي والعالمي، ولا هي قادرة على صيانته وراغبة في ذلك. ومع ذلك صدر قرار الجمعية العامة في 9/5/1949 مشروطا بثلاثة شروط. وعند مراجعة سجلها مقارنة بالشروط يمكن لهذه المراجعة أن تُبطل عضوية إسرائيل، لأن أول هذه الشروط هو احترامها لقرار التقسيم، والثاني أن تعترف بحق العودة للفلسطينيين في القرار 194/1948، والشرط الثالث أن تصدر دستورًا يحفظ حقوق الأقليات غير اليهودية بينما إسرائيل تعترف بحق العودة لليهود زورًا وبهتانًا.

الأسطورة الثامنة: أن إسرائيل دولة يهودية تقوم على القومية اليهودية. ولا يوجد في التاريخ أو الفكر أو الواقع قومية دينية؛ فالقومية ضد الدين، ولذلك كانت القومية العربية علمانية. وكان التيار الإسلامي في مصر قد ابتهج واحتفل بهزيمة التيار القومي في يونيو 1967 وصوبت بوصلة الثنائيات التي أصابت الأمة في مقال نشر منذ أشهر عن الثنائيات ومخاطرها على الأمة العربية والإسلامية.

الأسطورة التاسعة: أسطورة الصراع العربي الإسرائيلي والسلام العربي الإسرائيلي؛ فالحقيقة أن الدول العربية كانت مجمعة على الصراع مع إسرائيل، ولكن ليست مجمعة على السلام مع إسرائيل لسبب بسيط وهو أن معنى السلام عند إسرائيل هو السلام الإسرائيلي، أما بالنسبة للعرب فهو سلام وهدوء المقابر.

الأسطورة العاشرة: وساطة دول عربية بين المقاومة وإسرائيل ويضاف إليها أمريكا. فأمريكا شريك إسرائيل في إبادة غزة، أما الدول العربية الوسيطة فهي لا تنحاز للطرفين وإنما تريد سلامًا حقيقيًا في فلسطين وضد إبادة السكان وتهجيرهم.

الأسطورة الحادية عشرة: أن المشروع الصهيوني يسمح بتقسيم فلسطين وبحل الدولتين وأن إسرائيل هي تجسيد لهذا المشروع، وترتب على ذلك أن قرار التقسيم وحل الدولتين كانت شعارات لتخدير العرب.

الأسطورة الثانية عشرة: أن إسرائيل لا يمكنها الحرب على أكثر من جبهة وأنها لا تستطيع أن تحارب مدة طويلة. هذه أسطورة عام 1967 عندما سمى محمد حسنين هيكل مأساة 1967 بأنها نكسة، كما سمى الفلسطينيون عام 1948 بأنه "النكبة"، لكن "طوفان الأقصى" كشف العكس تمامُا؛ فإسرائيل تَقتِل ولا تُقاتِل على 7 جبهات ولأكثر من عام ونصف العام.

الأسطورة الثالثة عشرة: أن جيش إسرائيل لا يُقهر، في حين أكدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية عام 2024 وتحقيقات الجيش، هزيمة الجيش والموساد أمام المقاومة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تداعيات الهجوم الإسرائيلي: ادانة دولية ومخاوف من توسع رقعة الصراع

يونيو 13, 2025آخر تحديث: يونيو 13, 2025

 

المستقلة/- وسط مخاوف من تصاعد الصراع والتوتر بعد الهجوم الإسرائيلي على ايران توالت ردود الفعل الدولية المنددة بالهجوم والدعوات إلى التهدئة وضبط النفس لتجنب صراع أوسع نطاقًا.

و أدانت العديد من الدول والمنظمات الدولية الهجوم الإسرائيلي.

الأمم المتحدة: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء “التصعيد العسكري” وحث الجانبين على “التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب الانزلاق إلى صراع أعمق”.

الإمارات العربية المتحدة: أدانت الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران، وأكدت أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع.

إندونيسيا وأستراليا: نددت بحدة بالهجوم، وحذرتا من تفاقم التوترات القائمة بالفعل واحتمال إشعال صراع أوسع نطاقًا.

تركيا والكويت وقطر وسلطنة عمان والعراق: أدانت جميعها الهجوم، واعتبرته انتهاكًا صارخًا للقوانين والمواثيق الدولية، وتهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

روسيا: وصفت الضربات بأنها “غير مقبولة” و”غير مبررة”، مؤكدة أن “الضربات العسكرية غير المبررة على دولة ذات سيادة عضو في الأمم المتحدة ومواطنيها ومدن مسالمة نائمة ومنشآت نووية ومنشآت للطاقة غير مقبولة إطلاقاً”.

فرنسا: دعت “كل الأطراف” إلى ضبط النفس.

الولايات المتحدة الأمريكية: أكد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن الهجوم الإسرائيلي “ممتاز” وتوعد بالمزيد. في المقابل، تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة لم تشارك بشكل مباشر في هذه الضربات.

إيران: أعلنت أن “لا حدود” في ردها على تل أبيب، مؤكدة حقها القانوني والمشروع في الرد على هذا العدوان، وأنها “لن تتردد في الدفاع عن الأمة الإيرانية بكامل قدراتها”.

تداعيات على الأمن الإقليمي:

وزاد الهجوم الإسرائيلي من خطر التصعيد العسكري السريع في المنطقة. مع وعيد إيران بالرد، فهناك احتمالية كبيرة لرد عسكري من طهران أو من خلال وكلائها الإقليميين، مما قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة.

و يرى المحللون العرب أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية تشكل تصعيدًا سافرًا يهدد السلم والأمن في المنطقة.

تأواستهدفت الضربات الإسرائيلية مواقع نووية إيرانية، بما في ذلك منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المنشآت النووية لم تتأثر بالضربات، ولكن الهجوم يشير إلى محاولة إسرائيلية مباشرة لتقويض الطموحات النووية الإيرانية.

اضطراب الملاحة في مضيق هرمز:

على الرغم من أن مضيق هرمز لم يتأثر بشكل مباشر بعد، إلا أن تصاعد الصراع قد يؤثر على تدفق النفط عبر هذا الممر المائي الحيوي، الذي يمر عبره نحو خمس إجمالي استهلاك النفط في العالم.

و قفزت أسعار النفط بأكثر من 12% عقب الهجوم الإسرائيلي، مع صعود خام برنت فوق 77 دولارًا للبرميل في لحظة ما، قبل أن يقلص مكاسبه قليلاً.

حيث تخشى الأسواق من تصعيد في المنطقة واضطرابات كبيرة في إمدادات النفط بعد الضربة الإسرائيلية.

و يرى بعض المحللين أن تصاعد الصراع قد يؤدي إلى تأثر إمدادات النفط بشكل ملموس، خاصة إذا أدت إيران إلى إعاقة ما يصل إلى 20 مليون برميل يوميًا عبر هجمات على البنية التحتية أو تقييد المرور عبر مضيق هرمز. ومع ذلك، يرى آخرون أن زيادة الإنتاج من دول أخرى (مثل السعودية والإمارات) يمكن أن تحد من هذا الارتفاع.

كما قد تؤدي تداعيات الهجوم إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال، خاصة إذا تعطلت الإمدادات من مضيق هرمز، مما قد يدفع الصين للشراء من السوق الفورية.

ان الهجوم الإسرائيلي على إيران يمثل نقطة تحول خطيرة في الصراع الإقليمي، ويهدد بإشعال حرب أوسع نطاقًا في منطقة تعاني بالفعل من عدم الاستقرار. فيما تشكل التداعيات الاقتصادية، خاصة على أسعار النفط، مصدر قلق عالمي، بينما تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة وضبط النفس لتجنب كارثة إنسانية واقتصادية محتملة. تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث وما إذا كانت الأطراف ستتمكن من احتواء التصعيد.

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي: إسرائيل بأكملها تحت نار الهجمات الإيرانية
  • الصراع يتصاعد.. الجيش الإسرائيلي يعلن مواصلة ضرب أهداف داخل إيران
  • عاجل - الصراع يتصاعد.. الجيش الإسرائيلي يعلن مواصلة ضرب أهداف داخل إيران
  • تداعيات الهجوم الإسرائيلي: ادانة دولية ومخاوف من توسع رقعة الصراع
  • الجيش الإسرائيلي: إيران أطلقت أكثر من 100 طائرة مسيرة نحو إسرائيل
  • جدعون بين الأسطورة اليهودية وأسطورة غزة
  • ناكر: يجب أن نحرر الدول العربية أولاً قبل فلسطين   
  • ‏إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر: إسرائيل عملت على صياغة ردها على مقترحات الوسطاء المعدلة ونُقِلت إلى حماس
  • توماس فريدمان: حكومة إسرائيل خطر على اليهود أينما كانوا
  • عاجل | القناة 13: الجيش الإسرائيلي ينشر نتائج تحقيقه في أحداث 7 أكتوبر في بلدة ياخيني جنوبي إسرائيل