الاقتصاد والاستدامة.. كيف تؤثر أنماط الإنتاج والاستهلاك على البيئة؟
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
لو نظرنا إلى المحيط الحيوي الذي نعيش به، لوجدنا أن حجم التحديات البيئية التي تحيط بنا كبير جداً، وتختلف درجة ونوعية التحديات تبعاً لظروف هذا المحيط الحيوي أو ذاك الذي ننتمي إليه سواء على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فمع النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في العالم، زادت معها القدرة الشرائية.
وظهرت أنماط للعيش لم يعهدها العالم من قبل تستنزف موارد الكوكب، بالتالي زاد الطلب على الموارد الطبيعية بشكل عام مثل (غذاء، طاقة، مياه، والمعادن والاخشاب وغيرها)، كما زاد الطلب على المنتجات الاستهلاكية وبالتالي ارتفع معدل إنتاج النفايات، ما أدى إلى تدهور في النظام البيئي بل تراجعت القدرة الحيوية للكوكب على تلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش القائم الآن فظهرت لدينا معادلة البصمة البيئية والبصمة المائية والكربونية وغيرها، كلها مؤشرات تعطينا فكرة حول نمط العيش الذي نحن عليه هل هو معتدل أم مستنزف.
فعلى سبيل المثال، لو عاش كل سكان الكوكب مثل متوسط معيشة سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لكنا بحاجة الى 4.5 كوكب لتلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش هذا.
والحقيقة أنه لا يوجد لدينا سوى كوكب أرض واحد من هنا ظهرت فكرة البصمة البيئية وهي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة بالأرض مقارنة بالمعدل الذي تحتاجه الأرض لإعادة توفير هذه الموارد من جديد. ووحدة القياس هذه هي أن حصة الفرد من الأرض تعادل 1.8 هكتار عالمي. وهي المساحة التي يحتاجها كل فرد لتوفير ما يحتاجه من هواء وماء وطاقة وغذاء واخشاب وبلاستيك
ففي العام 1961 كانت مؤشرات القياس تشير إلى استخدام 1.3 من قدرة الكوكب، حيث تعتبر هذه النسبة أسرع من عملية تجدد الموارد بـ 30 %. ومثل هذا التوجه أخذ بالتزايد إلى أن وصلنا إلى 1.7 من قدرة الكوكب، بناء عليه فقد أصبح من الضروري فهم دور وأهمية الأصول البيئية لاقتصادنا الوطني ولحياتنا بشكل عام.
فنحن سكان الأرض بتنا نستهلك على المكشوف من مستقبلنا البيئي، فالأصول البيئية في تناقص مستمر بالعالم! مع استمرار البصمة البيئية لدينا بهذا الارتفاع فقد تجاوزنا القدرة البيولوجية للأرض على تلبية احتياجاتنا.
فارتفاع رقم البصمة البيئية للأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الدول، يعني أن نمط الإنتاج والاستهلاك غير مستدامين، يعني أن أثرنا السلبي على البيئة عالي جداً، يعني أن السمعة البيئية للفرد أو الشركة أو الدولة في تراجع، يعني أنه ليس لدينا مسؤولية اتجاه مستقبل الأجيال القادمة.
الاسرة جزء من معادلة البصمة البيئية
البداية كانت وسوف تبقى من الاسرة ومن ثم من المدرسة والمجتمع بشكل عام، فعندما تدرك الاسرة بأنها جزء من معادلة البصمة البيئية بل هي أحد أهم اركان معادلة البصمة البيئية في المجتمع والدولة، أي أن لها دور وعليها مسؤولية، حيث أظهرت دراسة قامت بها اللجنة الوطنية لمبادرة البصمة البيئية بالإمارات حول مسؤولية كل قطاع عن رقم البصمة البيئية في عموم دول الخليج العربي، بأن قطاع السكن مسؤول عن 57 من رقم البصمة البيئية للدولة، في حين قطاع الحكومي مسؤول عن 12 %، وقطاع الصناعة والاعمال مسؤول عن 30 % وبقية القطاعات مسؤولة عن 1 %.
الخلاصة أن قطاع السكن هو المسؤول الأكبر عن ارتفاع رقم البصمة البيئية بالدولة قياساً ببقية قطاعات المجتمع، والسبب في ذلك هو نمط الاستهلاك الذي نعيش به فهو مستنزف للموارد بأكثر مما نحتاج، فنحن نشتري أكثر مما نحتاج ولا نستهلك ما قد اشتريناه. بناء عليه فقد أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2002 أول برنامج لمساعدة السكان تحت عنوان (المستهلك المستدام) أي أن نشتري ما نحتاج إليه ونستهلك ما قد اشترينا، في حين ان نمط حياتنا يمشي بالاتجاه المعاكس تماماً لهذه المعادلة، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث ترتفع معدل انتاج النفايات للفرد الواحد بما يقارب 10 – 15 % وهذا مؤشر على عدم الوعي وعدم المسؤولية.
نمط حياة صديق للبيئة
نؤكد في هذه المناسبة بأن معادلة تغيير سلوك الأفراد أو المؤسسات والشركات في مختلف المواضيع في مختلف دول العالم يخضع لمعادلة ثلاثية الأطراف هي (التشريعات، التوعية، المحفزات) هذه العناصر الثلاث مجتمعة يجب تطبيقها بالتوازي مع بعضها البعض، أي أن التشريعات بمفردها لا تعطي نتيجة والتوعية بمفردها غير مفيدة بالمطلق، وكذلك المحفزات، مثال على ذلك: عدم رمي النفايات بالشارع بات أمراً واقعاً بعد استصدار قوانين تغرم الفرد بملغ 500 درهم، مع حملات التوعية على مستوى الافراد والتحفيز على مستوى الشركات، وهكذا.
وكما يقول المثل العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يأتي دور الاسرة في تكريس نمط حياة صديق للبيئة غير مستنزف للموارد يلبي احتياجات الفرد دون الضرر بالبيئة وبمستقبل الكوكب، هنا يبرز دور الام بصفتها مدرسة في التربية والتعليم بالقيادة والقدوة.
وفي هذه المناسبة نذكر بالاجتماع الذي عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1992 بمشاركة عدد من الخبراء والعلماء منهم 102 من الحائزين على جائزة نوبل و1600 عالم آخر من مختلف الاختصاصات، حيث وجهوا نداءً عاجلاً للإنسانية جمعاء حذروا فيه بأن هناك خطر قادم لا مفر منه ألا وهو “عدم قدرة الأرض على تلبية احتياجات الانسان إذا بقي نمط عيشه على هذا النحو”.
بناء عليه يمكن القول بأننا نحن سكان الأرض في مسار تصادمي مع قدرة الأرض على تلبية احتياجاتنا، قد لا يتمكن المجتمع البشري من الحفاظ على الحياة كما نعرفها اليوم. لذا فإن تغيير نمط العيش والاستهلاك بات أمراً ملحاً، وعلينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: عالميا المحيط الحيوي المستوى الوطني والإقليمي على تلبیة احتیاجات نمط العیش یعنی أن
إقرأ أيضاً:
الجبلي يشارك في جلسة عن الاقتصاد الدائري ضمن حملة 'قللها' بالتعاون بين البيئة واليونيدو واليابان
شارك الدكتور شريف الجبلي، رئيس لجنة تسيير أعمال مكتب الالتزام البيئي والتنمية المستدامة باتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة الصناعات الكيماوية بجلسة نقاشية بعنوان تعزيز ممارسات الاقتصاد الدائري، والإجراءات التنظيمية في سلسلة قيمة البلاستيك، المقامة علي هامش فاعليات الحملة الوطنية للحد من الاستخدام المفرط للأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام "قللها"التي أقامتها وزارة البيئة اليوم بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) وضمن المشروع الممول من الحكومة اليابانية .
شارك في الحضور وزيرة البيئة، الدكتورة ياسمين فؤاد، و السفير الياباني في مصر، وفوميو إيواي، وممثل المكتب الإقليمي لمنظمة اليونيدو في مصر، الدكتور باتريك جيلابيرت، وشارك في الجلسة دكتور ياسر عبد الله الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم إدارة المخلفات.
وفي بداية الحديث، توجه الدكتور شريف الجبلي بتقديم الشكر والتهنئة للوزيرة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، بمناسبة اختيارها لتولي منصب وكيل السكرتير العام التنفيذي الجديد لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، مشيراً إلى أن الوزيرة جديرة بما قدمته في إيجاد توازن بين المحافظة على البيئة والتنمية الصناعية
وتحدث الدكتور شريف الجبلي، عن دور اتحاد الصناعات المصرية ممثلا في مكتب الالتزام البيئي، في تعزيز ممارسات الاقتصاد، مؤكداً علي جديه التعامل من جانب اتحاد الصناعات المصرية مع البعد البيئي وقضايا التغيرات المناخية، لافتا إلى أن الاقتصاد الدائري أصبح ركن رئيسي في سبيل تعظيم ورفع كفاءه استهلاك الموارد وإطالة دورة حياه المنتجات.
وأكد على أهمية تحقيق التوازن في التعامل مع ملف البلاستيك، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك صناعة بتروكيماويات قوية وصناعة بلاستيك يعمل بها نحو 200 ألف عامل وتحقق صادرات تتجاوز 1.2 مليار دولار سنويًا.
وأكد على أن التوقف المفاجئ عن صناعة البلاستيك لن يكون في مصلحة الاقتصاد أو الصناعة الوطنية، داعيًا إلى إعداد خطة زمنية واضحة لإيجاد بدائل فعالة، مثل زيادة معدلات تدوير البلاستيك أو الاعتماد على تكنولوجيات إنتاج صديقة للبيئة مثل إنتاج أكياس بيولوجية قابلة للتحلل الصناعي، مع وضع خريطة طريق متكاملة للتعامل مع هذا الملف بشكل تدريجي ومستدام
وتابع الجبلي، خلال كلمته، أن الاتحاد بادر بإنشاء مكتب الالتزام البيئي بهدف تقديم الدعم الفني والمالي لأعضاء الاتحاد وتمكينهم من تبني مبادرات معنية بالتوافق البيئي والاقتصاد الأخضر.
ولفت الجبلي إلي مكتب الالتزام البيئي بدعم من وزارة البيئة نجحنا في تحويل المنحة القادمة من الدينمارك إلي قرض دوار يخدم أكبر عدد من المصانع والشركات بأقل نسبة فائدة، وبالتالي أصبح يخدم أكبر عدد من المصنعين المصريين ومع نجاح المركز أصبحنا ناخد مبالغ أكبر، مشيراً إلى أن مكتب الالتزام البيئي نجح في تمويل عدد مشروعات والتي حصلت علي موافقات تنفيذية بلغت 480 مشروع بإجمالي 900 مليون جنيه وهو يعد من النماذج الناجحة علي مستوي الجمهورية، لانه يقدم استفاده حقيقة وملموسة لعدد من المصانع.
وأوضح أن مكتب الالتزام البيئي قام بتمويل أكثر من 40 مشروع لتنفيذ تكنولوجيات إعادة تدوير المخلفات بإجمالي استثمارات حوالي 150 مليون جنيه مصري.
ولفت إلى أن غرفة الصناعات الكيماوية أيضاً مهتمه بالأمر وشاركت في المناقشات واللجان المعنية بصياغة قانون المخلفات ولائحته التنفيذية، لافتاً إلى أن الغرفة قامت بإنشاء شعبة داخل الغرفة تسمي شعبة التدوير منذ حوالي 6 سنوات، لافتاً إلى مكتب الالتزام البيئي متداخل مع كل الغرف الصناعية حالياً.